يهوشافاط وحياته الروحية
يهوشافاط وحياته الروحية
كان يهوشافاط شديد الإدراك بالحاجة إلى الحياة الروحية المتعمقة مع الله، وقد كانت الحياة الروحية في مفهومنا عنده، ظاهرة في ثلاث صور واضحة، أولها -حب الشريعة الإلهية والتعلق بها،.. كان الرجل يؤمن بسلطان الكلمة الإلهية على الحياة، ومن ثم كان شديد التعلق بها، وإذ أدرك ضرورتها البالغة، أرسل الكهنة واللاويين إلى الشعب ليعلموه الشريعة، ولا يمكن أن يفعل هذا دون أن يكون هو محباً لها، متعلقاً بها، وسنراه فيما بعد وقد وصل به التعلق إلى أن يخرج هو بدوره ليكون واعظاً متجولاً في البلاد بها!!… لم يكن الوحي قد كمل أيام يهوشافاط، ولم يكن العالم قد أدرك الكتاب والطباعة التي بلغها فيما بعد،.. ومع ذلك فإن يهوشافاط، ومن كانوا على قراره من القدامى- كانوا أروع صورة للتعلق بالكلمة الإلهية، ونحن يمكن أن نتخيل صورهم، ونطوبهم مع صاحب المزمور الأول: “طوبى للرجل الذي لم يسلك في مشورة الأشرار، وفي طريق الخطاة لم يقف، وفي مجلس المستهزئين لم يجلس، لكن في ناموس الرب مسرته وفي ناموسه يلهج نهاراً وليلاً، فيكون كشجرة مغروسة عند مجاري المياه، التي تعطي ثمرها في أوانه وورقها لا يذبل، وكل ما يصنعه ينجح”.. لم يكن يهوشافاط يعرف الكلمة الإلهية مجرد كلمة بل هي طعام الحياة له، أو كما كانت لإرميا عندما قال: “وجد كلامك فأكلته فكان كلامك لي للفرح ولبهجة قلبي لأني دعيت باسمك يا رب إله الجنود“…
والصورة الثانية في الحياة الروحية عند يهوشافاط -وقد كان أبعد وأعمق في التعلق بالله هي: الاسترشاد الدائم بالمشورة الإلهية، إذ لم يكن يقدم على أمر صغر أو كبر، دون أن يسترشد بالله، وكان لا يقدم على حرب دون التأكد من صوت الله، ومن ثم نراه يلجأ إلى الأنبياء كأليشع، وميخا، ليعرف رأى الرب!!… وهل لنا هنا أن نتوقف قليلاً لنقول إن التاريخ البشري كان يمكن أن يتغير بأكمله، لو أن الإنسان أنصت بعمق إلى صوت الله في شتى الاتجاهات والمجالات؟ وهل لنا أن نقول على وجه التخصيص: ما أكثر ما يعذب المؤمنون من أولاد الله أفراداً وجماعات لأنهم لم ينصتوا إلى صوت الله، أو لم يتعودوا سماع صوته، أو لم يكن لهم الوقت الكافي لطلب مشيئة الله وإرادته؟؟! ومنذ ذلك الوقت الذي سقط فيه يشوع في فخ الجبعونيين الذين تظاهروا بالمجيء من بلاد بعيدة ومدينتهم واحدة من كبرى المدن القريبة من شعب الله، “فأخذ الرجال من زادهم ومن فم الرب لم يسألوا”.. وإلى اليوم ما يزال الكثيرون من أبناء الله يعانون أشد المعاناة، لأنهم لم يشركوا الرب معهم، وهم واقفون على مفترق الطرق، في العمل، والزواج، والهجرة، وتقرير الأمور المختلفة في حياتهم!!.. وقد يحدث عندما يسقطون في شر النتائج لما فعلوا، إنهم يعودون إلى الله قائلين: لماذا يارب فعلت بنا هكذا!، وكان أولى بهم أن يلوموا أنفسهم لأنهم لم يطلبوا مشيئة الله، أو عرفوها ولم يسيروا حسب إرادته الصالحة المرضية الكاملة!! لكن يهوشافاط كان حريصاً وواعياً ليعرف أمر الرب، وقد امتلأت حياته بطلب الإرشاد الإلهي!!.. فيما خلا بعض المواقف الأساسية التي فاته فيها هذا الإرشاد، وكاد يضيعه، ويضيع مملكته معاً، ولعل أبرز أمرين فيها مصاهرته لآخاب، والاشتراك في التجارة مع ابنه!!.. لكنه على أي حال، كان واحد ممن يضعون الاسترشاد الإلهي في مقدمة تصورهم الروحي للعلاقة بأبيهم السماوي العظيم!!.
وكانت الصورة الثالثة للحياة الروحية عند يهوشافاط أكثر عمقاً، فهو لا يقرأ كلمة الله، أو يستزيد منها، فقط، ولا يسرع إلى الله ليسترشد به فحسب، بل هو أكثر من ذلك هو المستند إليه في الأزمات والشدائد،… فعندما هاجمه بنو عمون وموآب وساعير خاف يهوشافاط وجعل وجهه ليطلب الرب ونادى بصوم في كل يهوذا و صلى صلاته العظيمة: “يا إلهنا أما تقضي عليهم لأنه ليس فينا قوة أمام هذا الجمهور الكثير الآتي علينا ونحن لا نعلم ماذا نعمل ولكن نحوك أعيننا”.. ودخل الحليف العظيم معه المعركة، وتحول الجيش إلى أغرب ما يعرف في تاريخ الجيوش على الأرض، إذ لم يحارب، بل وقف يرنم ترنيمة الخلاص، وتحول الأعداء بعضهم ضد بعض “ساعد بعضهم على إهلاك بعض”… واستعاد يهوشافاط صورة موسى وهو يغني على ضفاف البحر الأحمر: “الفرس وراكبه طرحهما في البحر”… كانت الصلاة عند يهوشافاط أفعل من كل أدوات الحرب والقتال،... وهل نسى عندما دخل في المأزق في راموت جلعاد، وتحولت عليه السهام بأكملها وهو يحارب إلى جانب آخاب المتنكر في المعركة؟، وكما قال هنا لم يكن يعلم ماذا يعمل سوى أنه حول عينيه بالصراخ إلى الله، فأنجده الرب حين لم تكن هناك قوة على الأرض تستطيع أن تعينه وتنجده!!مات يهوشافاط وتغيرت عصور وقرون وأجيال،.. ولكن الله هو هو أمساً واليوم وإلى الأبد، لا يتغير، وهو على استعداد أن يفعل في حياتي وحياتك، وفي أشد المآزق والأزمات ما فعل مع الملك القديم، متى صرخنا إليه في ضراعة ورجاء، وأمل: “ونحن لا نعلم ماذا نعمل، ولكن نحوك أعيننا”… شكراً لله الذي لم يصنع معنا حسب خطايانا، أو يجازنا حسب آثامنا.. لكنه يقبل صرختنا في الليل العميق الدجى الممتلئ بالمأساة والتعاسات والشر، ويحول الليل إلى اختبار عميق، كما حوله مع يهوشافاط، حتى إنه أطلق على المكان “وادي بركة” لأنهم هناك باركوا الذي لم يدعهم يشتركون في القتال، بل ليروه يقاتل عنهم وهم صامتون!!…
أية حماقة تتملكنا جميعاً أمام المآسي والمآزق؟ ولماذا نتعب والله يريدنا أن نستريح؟ ولماذا القلق والله يريدنا أن نمتليء سلاماً؟.. وكل ما في الأمر، أن نقرأ كلمة الله، ونتفهمها، ونأخذ مشورة الله ونقبلها، ونستند إلى ذراع القدير: “وطوبى لجميع المتكلين عليه“…
هل تبحث عن  ايها الطفل يسوع أبن مريم العذراء

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي