admin
نشر منذ سنتين
2
يونان النبي




يونان وإيمان نينوى وتوبتها




إيمان نينوى وتوبتها:

فآمن أهل نينوى بالله ونادوا بصوم ولبسوا مسوحًا من كبيرهم إلى صغيرهم[5].
يقول القديس چيروم: [آمنت نينوى، أما إسرائيل فقاوم غير مصدق. آمن أهل الغرلة، أما أهل الختان فاستمروا في عدم إيمانهم].
ارتبط إيمان أهل نينوى بالعمل فقدموا توبة عملية أسلحتها الصوم والمسوح وكما يقول القديس چيروم: [الصوم والمسوح هما أسلحة التوبة، معين للخطاة. الصوم أولًا ثم المسوح، الأول يُشير إلى ما هو غير منظور ويليه ما هو منظور. واحد قائم أمام الرب على الدوام والآخر يقوم إلى حين أمام الناس]. وكأنه يليق بتوبتنا أن نبدأ بالصوم الخفي والحياة العملية السرية وعندئذ ننطلق إلى الأعمال الظاهرة.
يقول القديس چيروم: [بالتوبة ترتبط المسوح بالصوم، حتى أن البطن الفارغة وملابس الحزن تترجى الرب بقدر كبير في الصلاة].
قدم الكل التوبة العملية لله، فلبس المسوح كبيرهم كما صغيرهم، تقدم الملك والعظماء موكب التوبة، واشترك فيه كل الشعب وأيضًا البهائم. مع أن يونان لم يعط كلمة رجاء واحدة، ولاَّ حدثهم عن محبة الله وترفقه، ولا علمهم شيئًا عن التوبة… فصارت نينوى مثلًا رائعًا وحيًا عن التوبة الصادقة.
من هو الملك الذي لبس المسوح إلاَّ الإرادة الإنسانية التي تنحني أمام الله لتلعن خضوعها له وقبولها أن تفتقر من أجل ذاك الغني الذي افتقر ليغنيها. تبدأ التوبة بتغيير داخلي في إرادة الإنسان أي ملكنا الداخلي. لقد خلع الملك رداءه الملكي ولبس المسوح وجلس على الرماد، لكي تخلع إرادتنا البشرية الثياب التي من عمل يديها وتعترف بعُريها وفقرها الذاتي، فيُلبسها الرب إرادته السماوية الملوكية ويهبها الإنسان الجديد الذي على صورته، ويُقيمها من المزبلة لتجلس مع السمائيين، ويكون للنفس موضعًا في حضن الآب. أما العظماء ففي توبتهم يشيرون إلى تقديس المواهب والقدرات التي لنا، لتعمل لحساب مملكة الله. وأما البهائم فتُشير إلى الجسد بطاقاته التي سلك قبلًا في الظلمة بطريقة حيوانية. بمعنى آخر التوبة تمس الإنسان بكليته: نفسه وجسده، إرادته وقدراته، أحاسيسه وتصرفاته!

هل تبحث عن  الأب الكاهن قدسأبونا القس بولس نبيل

هنا يليق بنا أن ندرك أن ما جذب قلب الله إليهم ليس صومهم في ذاته ولا المسوح في ذاتها وإنما القلب التائب الذي يسنده الصوم وتعينه المسوح. وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [صام أهل نينوى واقتنوا محبة الله، أما اليهود فصاموا ولم ينتفعوا شيئًا بل بالحري نالوا لومًا (إش 58: 3، 7؛ 1 كو 9: 26). إذن فالخطر في الصوم عظيم بالنسبة للذين لا يعرفون كيف ينبغي عليهم أن يصوموا. لنتعلم قوانين هذا التدريب حتى لا نركض باطلًا أو نصارع الهواء، أو نكون في حزننا نصارع ظلالًا. الصوم دواء، لكنه ليس نافعًا على الدوام إن استخدمه بطريقة غير سليمة بسبب عدم خبرة مُستخدميه(24)].
ما يجذب أنظارنا في توبة أهل نينوى الرجاء المفرح، فقد كانت كلمات يونان قليلة وعنيفة لكن أهل نينوى لم يفقدوا رجاءهم في الرب الرحيم، وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [كانت رسالة الله على فم يونان واضحة، لم يذكر فيها شيئًا عن قبولهم إن رجعوا، لكنهم أعلنوا توبتهم، قائلين: “لعل الله يعود ويندم ويرجع عن حمو غضبه فلا نهلك” [9]. فإن كان الأمميون غير الفاهمين استطاعوا إدراك هذا، كم بالحري يليق بنا نحن الذين تدربنا على التعاليم الإلهية وشاهدنا أمثلة كثيرة من هذا النوع عبر التاريخ وفي اختباراتنا الحالية أن ندرك؟!

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي