✥ما صنعته مريم أخت لعازر ✥
عشية أحد الشعانين، نزل المسيح إلى أورشليم بصفته الملك الموعود به ”
افرحى ياإبنة صهيون لأنه هوذا ملكك يأتيك وديعاً منصوراً راكباً على أتان وجحش ابن أتان ”
✥فى بيت سمعان الأبرص
قبل الفصح بستة أيام ذهب يسوع إلى بيت عنيا، وهناك أقاموا له وليمة عشاء،
وكان لعازر الذى أقامه من بين الأموات أحد الجالسين إلى المائدة
وكان هذا الحفل فى بيت سمعان الأبرص، لم يعد أبرص فالمسيح له المجد قطعا شفاه من برصه وعاد سليماً صحيحاً. ويبدو أن هناك علاقة بين سمعان الأبرص وبين عائلة لعازر، فإن مرثا كانت تخدم، وأما مريم فأخذت قارورة طيب من الناردين الخالص الكثير الثمن، نوع من العطر كان أثمن عطر معروف فى ذلك الوقت، الناردين الخالص أى النقى، لم يكن مضافاً إليه شىء آخر” الكثير الثمن” وسكبته على رأسه ودهنت رجليه أيضا بالطيب
وهنا يجب أن نبين أن هذه القصة تختلف عن قصة المرأة الخاطئة المذكورة فى إنجيل لوقا الأصحاح السابع، والتى حدثت فى بيت سمعان الفريسى، أما نحن هنا ففى بيت سمعان الأبرص
هناك كانت إمرأة خاطئة وكانت تبكى وتبلل رجليه بدموعها، أما هنا فلا يوجد دموع، إنما فرح وتهليل، لأن مريم هنا هى أخت لعازر، فمن منطلق الفرح لأنه أقام أخاها من بين الأموات، جاءت بهذا الطيب تعبيراً عن شكرها وتحيتها للمسيح له المجد، الذى أقام أخاها من بين الأموات. أقول هذا لنفرق ونميز بين القصتين ولا نخلط بينهما. فهنا المرأة هى مريم أخت لعازر كانوا تلاميذ المسيح حاضرين هذه الوليمة، فيذكر الإنجيل للقديس يوحنا، أن يهوذا أحد الجالسين إلى المائدة صعب عليه أن يرى هذا الطيب الخالص الكثير الثمن يسكب، يا لغباوة هذا الإنسان، عز عليه أن يسكب هذا على رأس وقدمى المخلّص، فاعترض وقال لماذا هذا الاتلاف؟ أما كان يمكن أن يباع هذا الطيب بأكثر من ثلاث مائة دينار ويعطى للفقراء!! حجة ظاهرها معقول حتى أن باقى التلاميذ انضموا إلى يهوذا فى هذا الاعتراض، هم لا يعرفون نية يهوذا، وإنما ظهر لهم أن هذه الحجة معقولة للعقل، غير أن القديس يوحنا يقول عن يهوذا أنه قال هذا لا لأنه كان يبالى بالفقراء، بل لأنه كان سارقاً وكان الصندوق معه وكان يحمل ما يلقى فيه
فأبان هنا بالوحى الإلهى أن حجة يهوذا وإن كان ظاهرها معقولاً ومقبولاً ومنطقياً، لكن النية الحقيقية لم تكن نية طاهرة، وجمال سيدنا أنه وهو يَعْلَم كل شىء لم يزجر يهوذا، ولا أظهر نيته، وإنما التفت إلى الناحية الأخرى، إلتفت إلى المرأة وأراد أن يشجعها على صنيعها، وأن يشكرها وأن يحييها على ما صنعت، وهذا هو الاسلوب الإيجابى الذى نتعلمه من سيدنا، حتى لايحول المسألة إلى معركة، فينهالوا باللوم على هذا الرجل، إنما أراد أن يبرز فضيلة تلك المرأة وهى مريم وأن يمدحها على صنيعها، قال: دعوها لا تزعجوها فإنها صنعت بى صنيعا حسناً، لأن الفقراء عندكم كل حين أما أنا فلست عندكم، أنا سوف لا أقيم هنا، إننى عابر وعائد إلى السماء التى منها نزلت، لا تزعجوها فإنها عملت بى عملاً حسناً
وهذا يرينا أن أعمال الرحمة وأعمال الخير والبركة، التى يصنعها الناس فى الأفاضل والقديسون لمجد ربنا، الله هو الذى يكافئهم عليها، ولن يضيع أجر إنسان أعطى من أجل الله ومن أجل خير القريب. قال إن هذه المرأة حيثما يكرز بالإنجيل فى كل العالم يخبر بما فعلته هذه المرأة إحياءاً لذكرها
ومن هنا نتعلم كما نرى فى كنيستنا الأرثوذكسية، أن تكريمنا للقديسين وتمجيدنا لهم مغبوط عند الله، لأن فيه تحية ورد إعتبار، وأيضا لتشجيع الآخرين حتى أنهم يقتدوا بما صنعه هؤلاء الكبار. وهذا أحسن رد للذين يزعمون أن فى تمجيدنا للقديسين معارضة لتعاليم المسيح، قال السيد المسيح: ” حيثما يكرز بالإنجيل فى كل الخليقة يخبر بما فعلته هذه المرأة إحياءاً لذكرها ” ولذلك نجد أن هذه القصة. وردت فى إنجيل متى اصحاح 26، وإنجيل مرقس 14 وهنا فى إنجيل يوحنا 11. هذا فضلا عن أن الإنجيل يُقرأ فى كل مكان فى المسكونة كلها. فنالت مريم أخت لعازر تقديراً وتحية، وكوفئت بأن عملها بُشر به، وأن هذا التبشير من رضى المسيح له المجد عما صنعت. لم يُضيّع المسيح وقته فى أن يؤنب يهوذا، وإنما إيجابيا مدح هذه المرأة على صنيعها، بل قال أيضا أنها صنعت هذا لتكفينى
المعروف أن الإنسان عندما يموت يكفنونه وفى التكفين يعطرون جسده، وسيدنا كان على بداية طريق الآلام، لأن بعدها بستة أيام كان الفصح وكان الصلب
فانظروا جمال التناول للموضوع، أن سيدنا يعتبر أن ما صنعته مريم تكفين مسبق له، إن السيد المسيح له المجد أكسب هذا العمل كرامة ومجداً، وهذا كله تحية من جهة، ومن جهة أخرى جبر لخاطرها لأنها كانت موضع نقد وإنتقاد من يهوذا ثم من سائر التلاميذ. فسيدنا رد إعتبارها واعتبر عملها ليس فقط صنيع جيد، وإنما اعتبرها أيضا بهذا العمل، عملت على تكفينه قبل أن يتم التكفين فى موعده بالدقة
✥راكبا على أتان وجحش ابن أتان:
هذا السبت يسمى فى المصطلح الكنسى بسبت لعازر، وفى عشيته الوليمة التى أقاموها له فى بيت سمعان الأبرص، ولكن فى الغد، سيكون أحد الشعانين، الذى أراد فيه المسيح له المجد أن ينزل إلى أورشليم راكبا ليبين أنه الموعود به بالأنبياء، جاء فى نبوءة زكريا الأصحاح التاسع: افرحى يا إبنة صهيون (أورشليم) هوذا ملكك، يأتيك وديعاً منصوراً راكباً على أتان وجحش ابن أتان
ما معنى وديع ومنصور؟ عادة الملوك فى ذلك الوقت يركبوا الخيل، فمن الأليق دائما أن الملك يركب حصان ولا يركب حمار، أو أتان، إنما هنا السيد المسيح سيأتى وديعاً منصوراً راكبا على أتان وعلى جحش ابن أتان، اتخذ الوداعة والتواضع وبدلاً من أن ينزل كملك راكباً على حصان، أخذ وضع آخر وهو ركوبه على أتان وجحش ابن أتان
سيدنا له المجد كان باستمرار يمشى على رجليه، لم يرد عنه أنه ركب على أتان أو على جحش، حدث مرة عندما كان فى أحشاء السيدة العذراء عندما جاءت هى راكبة من الناصرة إلى بيت لحم، وأيضا عندما جاءت السيدة العذراء مع يوسف إلى أرض مصر وكان السيد المسيح طفلاً فى حضنها، إنما فيما عدا ذلك، لم يرد عنه أبداً أنه ركب بل كان باستمرار يمشى على رجليه، حتى أنه مذكور فى حادثة المرأة السامرية أنه مشى على الأقل ست ساعات لكى يصل إلى السامرة، ولذلك يقول الكتاب المقدس: جلس يستريح على البئر، لماذا فى هذا اليوم يصرّ المسيح على أن ينزل إلى أورشليم راكباً ؟ كأنه يريد أن يبين بطريقة رسمية أنه هو بعينه الذى أنبأ عنه الأنبياء أنه الملك. وهنا نتذكر السيدة العذراء عندما ظهر لها الملاك جبرائيل، وقال لها عن المسيح، أنه سيولد منها ويجلس على عرش داود ولايكون لملكه نهاية، وهذا ما نقوله فى قانون الإيمان، ليس لملكه نهاية، فالمسيح ملك إلى الأبد. هو ملك السماء إنما نزل على الأرض، الأرض التى كان يملكها الشيطان الذى أصبح رئيس هذا العالم، إنما جاء المسيح من السماء لكى يؤسس من أهل الأرض الذين تحت ملك الشيطان، مجموعة من الناس يكون هو ملك عليها
وكما قال فى المثل فى إنجيل لوقا، ليؤسس لنفسه ملكا، لذلك نحن كمسيحيين نقول ربنا وإلهنا ومخلصنا وملكنا، لكن هى مملكة روحانية. كما قال لبيلاطس: نعم أنا ملك لكن مملكتى ليست من هذا العالم، لكن بحق الملكية لأنه اشترانا بدمه فأصبحنا ملكا له
✥القيامة الأولى والقيامة الثانية:
من الصلب يبدأ ما يسمى بالملك الألفى، هنا الألف كما قال القديس أوغسطينوس ليست ألف سنة عداً، لا.. هذا عدد رمزى، فالملك الألفى يبدأ من وقت صلب المسيح، المسيح صُلب وفدانا واشترانا بدمه فأصبح ملكنا، ويقول الكتاب المقدس: ملك الرب على خشبة، بدأ ملكه بمجيئه من السماء، ولكن على الخصوص عندما صُلب واشترانا وأصبحنا ملكاً له بحق الشراء، من هنا بدأ الملك الألفى. وكلمة ألف هى الفترة ما بين المجىء الأول والمجىء الثانى
ولأن الله يريد أن تكون هذه المدة غير معلومة فغلفها بعدد من أعداد الكمال، وجاء فى سفر الرؤيا الأصحاح العشرين من سفر الجليان: طوبى لمن له نصيب فى القيامة الأولى، هؤلاء ليس للموت الثانى سلطان عليهم، لأنهم صاروا ملوكاً وكهنة. القيامة الأولى هى غير القيامة الثانية، القيامة الثانية هى قيامة الأجساد التى تكون قبل يوم الدينونة، كما قال السيد المسيح: تأتى ساعة يسمع فيها جميع الذين فى القبور صوته، فيخرج الذين عملوا الصالحات إلى قيامة الحياة، والذين عملوا السيئات إلى قيامة الدينونة، وفى هذه القيامة الثانية لم يقل طوبى، كذلك فإن هذه القيامة الثانية إجبارية للأبرار والأشرار، لكن قال عن القيامة الأولى “طوبى لمن له نصيب فى القيامة الأولى هؤلاء ليس للموت الثانى سلطان عليهم ” وكلمة طوبى هى كلمة سريانية بمعنى يالسعادة ويالغبطة وهنا أيضا يقول: الموت الثانى، فهنا أيضا نوعين من الموت، الموت الأول وهو خروج الروح من الجسد، لكن الموت الثانى هو المصير التعيس وهو الذهاب إلى البحيرة المتقدة بالنار والكبريت، هذا هو الموت الثانى، الموت الأول كلنا سنموت، وهو خروج الروح من الجسد فى نهاية رحلة الحياة، لكن هنا يقول هؤلاء ليس للموت الثانى سلطان عليهم. أى سيعفوا من الموت الثانى وهو الهلاك الأبدى. هؤلاء هم الذين لهم نصيب فى القيامة الأولى، إذن القيامة الأولى هى التى يقصدها السيد المسيح له المجد: عندما قال فى إنجيل يوحنا الأصحاح الخامس قال: تأتى ساعة يسمع فيها الأموات صوت ابن الله، والسامعون يحيون، هذه غير: تأتى ساعة يسمع فيها الذين فى القبور صوته، الأموات الذين يسمعون صوت ابن الله، هم الأموات بالخطايا، وهذا التعبير استخدمه المسيح له المجد عندما قال السيد المسيح لواحد: تعالى اتبعنى، فقال له دعنى أولاً أدفن أبى وحينئذ أتبعك، فرد عليه المسيح بقوله: دع الموتى يدفنون موتاهم وأما أنت فتعالى اتبعنى، ما معنى موتى يدفنون موتى ؟ المعنى هو دع الموتى بالروح، يدفنون الموتى بالجسد، إذن يوجد موت بالروح ويوجد موت بالجسد
فهنا سيدنا يقول تأتى ساعة يسمع فيها الأموات، ـ هنا الأموات بالـروح أى الخطاة ـ صوت ابن الله والسامعون يحيون، لم يأت هنا بسيرة القبور، وكلمة سمع هنا بمعنى أطاع، اسمع كلامى أى اطع كلامى، فالذين يسمعوا صوت المسيح ويطيعوه يقوموا هذه القيامة الأولى ولذلك لهم الطوبى. لأنهم يسمعوا كلام المسيح ويطيعوه ويتبعوه، من هنا جاءت الطوبى
✥المجىء الأول والمجىء الثانى:
إذن الحكم الألفى يبدأ من مجىء المسيح الأول، ثم الذين يقبلون المسيح بالإيمان يقبلونه مخلصاً وفادياً ويعلنون تبعيتهم له، المسيح له المجد يصبح ملكاً عليهم، ولذلك نحن نقول ربنا وإلهنا ومخلصنا وملكنا، وبالصلب بدأ الحكم الألفى حتى المجىء الثانى. قبل المجىء الثانى ببعض الوقت يطلق الشيطان من سجنه، ليعمل الضلالة الكبرى والتى قال عنها الكتاب المقدس لا يأتى المسيح فى المجىء الثانى ما لن يأتى الإرتداد أولاً، وهنا يعنى الإرتداد العقائدى، الشيوعية والإلحاد واللادينية، وأيضا الإرتداد الأخلاقى، وكلها تسبق المجىء الثانى
لكن سيدنا له المجد كونه ينزل إلى أورشليم راكباً على أتان وجحش ابن أتان، ليعلن رسميا أنه هو الملك وملك إلى الأبد ولا يكون لملكه نهاية، والأيام القادمة لابد من حرب فى فلسطين، بين إسرائيل وبين العرب لبناء الهيكل، ولما كانت الأمم المتحدة لاتسمح لليهود أن يقيموا الهيكل، لأن فى إقامة الهيكل إغضاباً للفلسطينيين وللعرب من أجل البترول، فسيقوم الدجال الذى يقول عن نفسه أنه هو المسيح الملك وهو شرير جداً، يصفه الكتاب المقدس أنه إنسان الخطيئة، ابن الهلاك، المقاوم والمرتفع على كل ما يسمى إلهاً أو معبوداً، حتى أنه يجلس فى الهيكل كإله، معنى ذلك أنه يقدر أن يبنى الهيكل ويتخذ من الهيكل قاعدة لكرسيه، ولكن ذلك سيكون بعمل الشيطان بكل قوة بآيات وعجائب كاذبة وخديعة الإثم للهالكين. ثم أيضا يقول: ويعطيه الشيطان كل قوته، انظر كلمة يعطيه الشيطان كل قوته، أى أن الشيطان سيتقمصه، لذلك مدته مدة شر عظيم جداً فى فلسطين، وهو ما قال عنها المسيح له المجد: ستكون ضيقة منذ لم تكن أمة على الأرض. ولذلك من رحمة الله للبشرية أنه يوجد إثنين حتى اليوم لم يموتا هما اخنوخ وإيليا، فالله حاكم الكون حتى لايترك الناس تماما للشيطان، هذين الإثنين سينزلان، هما لم يموتا بعد، أى إنسان يحيا ولا يرى الموت، لماذا هذان لم يموتا؟ إنهما محتجزين لرسالة، اخنوخ يقول عنه الكتاب: سار مع الله ولم يوجد لأن الله نقله، وفى كتب الكنيسة أن الملاك ميخائيل نقله على البكرات النارية. أما إيليا أخذته مركبة من نار وخيل من نار ولم يموت، لكن يوجد وعد فى ملاخى 4 يقــول: ها أنا أُرسل لكم إيليا النبى قبل مجىء يوم الرب العظيم، إذن هما لهما رسالة، هذه الرسالة أنسب وقت لها فى أيام الدجال، لكى يقاوما عمل الدجال. وأيضا سيضطهدهما ويقتلهما، لكن سيدنا له المجد يبيد هذا الدجال، يبيده الرب يسوع، إذا أُبيد الدجال الذى كانت معلقة عليه آمال اليهود، لكى يحوّلهم لمملكة، هم اليوم جمهورية، فإذا أبيد الدجال يتنبه اليهود إلى الخطأ الذى ارتكبوه بأنهم رفضوا المسيح الحقيقى، فبعد ذلك يطلبوا أن يتوبوا وأن يعترفوا بالمسيح الحقيقى، والله بحنانه وأبوته لأنه أبو الجميع سيعطيهم فرصة أنهم يرتدوا إلى الإيمان، يقول الكتاب أنهم قُطعوا لعدم الإيمان ولكن إذا لم يثبتوا فى عدم الإيمان سيطعمون فى الزيتونة، هذا وعد مسبق على أن اليهود سيخلصوا لكن بعد أن يأتى الدجال ويقوم بالمتاعب الكبيرة، يتنبه اليهود بعد أن يفشل الدجال هذا الفشل العظيم، إلى خطيئتهم ويطلبوا أن يدخلوا فى الإيمان المسيحى، ويؤمنوا بالمسيح فتصير الأرض وما عليها للمسيح، ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد ولا يكون لملكه نهاية، هذه هى الفترة السعيدة بالنسبة للديانة المسيحية ولن يكون هناك إنقسام، إنما المسيح وحده الملك، وملك إلى الأبد
لهذا السبب أن السيد المسيح أصرّ فى هذا اليوم على أنه ينزل راكباً؟ لكى يبين أنه هو حقيقة الملك الموعود الذى رفضه اليهود، لكنه هو المسيح الحقيقى
ولهذا السبب الكنيسة تعتبر هذا اليوم يوم أحد الشعانين عيد من الأعياد السيدية الكبرى، لأن المسيح أعلن فيها أنه هو ملك وملك إلى الأبد.
لماذا ركب على أتان وجحش؟ كيف يركب على الإثنين؟ قال هذا الكلام متى الرسول، لأن إنجيل متى كُتب لليهود ” راكب على أتان وجحش إبن أتان ” ويقول ركب عليهما، لكن الأناجيل الأخرى تتكلم عن الحمار، لا يوجد تعارض بين الإثنين، كيف نحل المشكلة؟ هو أولا ركب على أتان لأنه إلى خاصته جاء وخاصته لم تقبله، ركب على أتان لكى يبين أنه وَفّى بالوعود التى وعد بها الآباء الكبار، فجاء أولا إلى اليهود وركب على الأتان، والأتان ترمز للأمة اليهودية لأنها تمرست على الركوب، لأنه أتاها أنبياء كثيرون من قِبَل الله، لكن لأنهم رفضوه، فلم يشأ أن يقهرهم على أن يقبلوه، بل إتخذ من رفضهم له تبريراً ليفتح الباب للأمم غير اليهودية، مثلنا كمصريين وكذلك اليونان والرومان والإنجليز والفرنسيين وهكذا، فبعد ما ترك الأتان ركب على الجحش، والجحش نجس فى نظر اليهود وكذلك الأمم غير اليهودية نجسة، لكن عندما رفضوه سقطت حجتهم فركب على الجحش ونزل بالجحش إلى أورشليم
وهنا كما جاء فى إنجيل لوقا الأصحاح التاسع عشر وهو راكب على الجحش فى هذا اليوم بالذات بكى على أورشليم، مع العلم أنه سبق فأصدر قراراً بأنه يهلكهم هلاكاً سريعاً، وهذا تم بعد صعود المسيح بأربعين سنة. وهلك اليهود فى الحرب التى أقامها عليهم تيطس من قبل الدولة الرومانية، عندما أرادوا أن يقوموا بحملة ضد الحكومة الرومانية، فأرسل الإمبراطور حملة تأديبية بقيادة تيطس وفعلا دمرهم
انظروا سيدنا بحنانه وهو راكب على الجحش بكى، أتبكى يارب فى هذا اليوم ، الجماهير تهتف وأنت تبكى، من حنانه وحبه وعطفه حتى على هؤلاء الذين أهانوه يبكى عليهم. يا أورشليم يا أورشليم يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها، كم من مرة أردت أن أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها ولم تريدوا، هوذا بيتكم يترك لكم خراباً، لم يعد بيتى
فى الأيام القادمة أموراً كثيرة ستتم، لكن ستنتهى أخيراً بأن المسيح ملك إلى الأبد ولا يكون لملكه نهاية. لذلك عيد أحد الشعانين له هذه القيمة، والكنيسة تعتد به وتعتبر هذا اليوم عيداً كبيراً، لأن فيه المسيح أعلن أنه هو المسيح الملك وملك إلى الأبد
✥السيد المسيح هو الفصح الحقيقى:
فى مطلع هذا الفصل يقول وقبل الفصح بستة أيام، الواقع أن عيد الفصح فى وضعه الطبيعى فى السنة التى صلب فيها رب المجد، كان المفروض أن يقع فى يوم الجمعة، لأن مخلصنا له المجد عندما عمل الفصح عمله يوم الخميس مساءاً، فكان إذن الوضع الطبيعى لذبح الخروف يوم الخميس مساءا ويصير يوم الجمعة هو عيد الفصح
لكن رؤساء اليهود عندما كانوا بصدد محاكمة المسيح والتخلص منه، اضطروا أن يؤخروا عيد الفصح يوماً، فجعلوا الفصح يوم السبت، هذا بقرار خاص، إنما كان الفصح فى وضعه الطبيعى مفروض أنه يكون يوم الجمعة، ولذلك لم يقدر أحد أن يعترض على المسيح له المجد عندما باشر الفصح فى يوم الخميس مساءاً، بينما اليهود باشروه يوم الجمعة مساءاً، ذبح الخروف مارسوه يوم الجمعة مساءاً. والبينة على ذلك أنه عندما وقف اليهود ورؤساء اليهود أمام بيلاطس، يقول الإنجيل: لم يدخلوا إلى دار الولاية لئلا يتنجسوا فيأكلون الفصح. إذن كان هذا يوم الجمعة الذى تم فيه صلب المسيح، فأكل الفصح فى تلك السنة لأمر خاص كان الجمعة مساءاً، ولم يدر اليهود المساكين أنهم فى تأخيرهم بالطريق المقصود تنفيذ عيد الفصح، أنهم بذلك ألغوا عيد الفصح الحقيقى، لأن الفصح الحقيقى وهو يسوع المسيح قُدم فى يوم الجمعة، الموعد الذى كان ينبغى أن يُقَدم فيه الفصح. فهم بهذا التأخير الذى أخروا به الفصح حتى يتخلصوا من المسيح، قبل أن يأكلوا خروف الفصح وقبيل أن يعيدوا عيد الفصح، هم على غير ما قصدوا أعطوا الفرصة بأن يكون المسيح هو الفصح الحقيقى، وهو الحمل الذى يحمل خطيئة العالم، وبذلك بأنفسهم وبإرادتهم أبطلوا عيد الفصح لأنه بعد الفصح صار العيد باطلاً
ولو كانوا يعلمون أن المسيح قدم الفصح قبل موعده لكانوا اتخذوا من هذا الأمر حجة مضافة إلى حججهم لأنه تعدى على الشريعة، لكن ما رأينا أبداً فى كل ما قاله اليهود من افتراءات ومن أكاذيب ومن شهادات زور، واحد منهم قال عن المسيح أنه باشر الفصح قبل موعده المقرر، لأنهم تبينوا أن المسيح قدم الفصح فى موعده بالضبط الذى كان ينبغى أن يكون فيه ، لكن هم بقرار خاص أجلوا عيد الفصح يوماً.
إذا كان الفصح فى يوم الجمعة فقبل الفصح بستة أيام، يكون السبت مساءاً، ولذلك ترتيب الكنيسة ترتيب دقيق، لأنها تقرأ هذا الفصل فى موعده قبل الفصح بستة أيام، أى يوم السبت مساءاً أو عشية الأحد
جاء يسوع إلى بيت عنيا وهى قرية من القرى التى على جبل الزيتون، والجبال فى فلسطين كلها جبال مزروعة، لأن طبيعة البلد كذلك، ثم أنها جبال مسكونة، نفس أورشليم قائمة على سبعة جبال، لبنان كله جبل، فتجدوا المنازل على الجبال، ولذلك سيدنا له المجد عندما قال لاتخفى مدينة قائمة على جبل، فعلاً هذه كانت الصورة المألوفة فى بلاد فلسطين، أن المدن تقام على جبال، وطبعا إذا كانت المدينة قائمة على الجبل فكيف تختفى؟ سيدنا هنا قصد من هذا إستعارة أو تشبيه، أن الإنسان الذى يكون فيه نعمة أو له مواهب لا يخفى، إنما بطبيعة الموهبة التى أعطاه الله إياها يصير بارزاً، وكما قال نشيد الأنشاد: حبيبى معلمٌ على ربوة أى مثل علم على ربوة، والربوة هى المكان العالى، فعندما يكون العلم فوق الربوة يكون منظوراً وكل واحد يقدر أن يراه من بعيد. فبيت عنيا واحدة من القرى القائمة على جبل الزيتون، جبل الزيتون هذا جبل كبير جداً وعليه عدد كبير من القرى، ومن هذه القرى بيت عنيا، وأيضا بيت فاجى، وتحت جبل الزيتون وقريب منه بستان جثسيمانى الذى دخله سيدنا ومخلصنا له المجد فى يوم الخميس بالليل، وفيه صلى الصلوات الثلاثة التى ذكرها الإنجيل وكان معه تلاميذه، فبستان جثسيمانى عند سفح أو فى نهاية جبل الزيتون وجبل الزيتون قريب من أورشليم على بعد 2 ميل، كما سنرى فى أسبوع الآلام، أن سيدنا له المجد كان ينزل فى النهار فى الهيكل ثم يصعد بالليل إلى بيت عنيا، فكان هذا الطريق طريق مطروق بالنسبة لمخلصنا له المجد، وكان يقطع هذه المسافة على رجليه، هذه تفاصيل ستروها فى أسبوع الآلام
المهم أنه عُمل له وليمة، وهذه الوليمة كانت فى بيت سمعان الأبرص وليست فى بيت لعازر، لعازر دُعى ودعيت مرثا ومريم، إنما صاحب الوليمة والدعوة كانت من سمعان الأبرص. وكلمة سمعان الأبرص تعنى أنه كان أبرص وشفاه السيد المسيح. فكناحية من نواحى التكريم والشكر على أن المسيح أبرأه، صنع له وليمة وترحيبا به دعى أُناسا آخرين، من ضمنهم لعازر ومرثا ومريم لأنهم من سكان نفس القرية، من بيت عنيا. فجاءوا جميعا إلى هذه الوليمة
✥تبرير يهوذا لنفسه طريق الخطيئة:
هذا الإنسان يغطى عيوبه، ويغطى عورته بورق التين الجميل، كما غطى آدم وحواء عورتهما بورق التين، يغطى الإنسان عورته، ويغطى الإنسان عيوبه، ويغطى الإنسان سوء نيته وسوء قصده، يغطى الإنسان خطيئته التى ينطوى عليها قلبه يغطيها بحجة جميلة معقولة، والله وحده يعلم أن هذا الإنسان كاذب وأنه يخدع نفسه ويخدع غيره لكن الله لا يُضحك عليه
وهذا يريكم إلى أى مدى يمكن أن يصل شر الإنسان، إلى أى مدى يمكن للإنسان أن يستخدم ذكائه وعقله فى أن يبرر لنفسه طريق الخطيئة، بحيث يبدو أمام الآخرين إنساناً أخلاقيا وإنسانا معقولاً وإنساناً على الأقل غير ملوم، وتكون حجته وتبريره مقبولاً منطقياً ومعقولاً أمام الناس، ولكن باطنه فيه عورة لايعرفها إلاّ الله، وهذا الإنسان يغطى عورته بورق التين لكى لايظهر أنه عريان، ولكى لايظهر أنه خاطىء، إما لكى يكذب، وفى بعض الأحيان لكى يصدق نفسه، هو يعلم أنه كاذب ولكنه يحتج بلسانه، باسلوب كأنه يريد أن يقنع نفسه بأنه ليس أثيماً وليس مخطئاً
ومن هنا نرى أنه ليس كل حجة معقولة يحتج بها الإنسان تكون هى الحجة الحقيقية التى يصدر عنها تصرفاته، وهذا يحتاج إلى فحص الضمير، عندما الإنسان يعمل عمل، ممكن أن يكون هناك أكثر من سبب يبرر به تصرفاته، لكن أين هو السبب الحقيقى، ماهو السبب الحقيقى وراء التبريرات المعقولة الظاهرة؟ الله وحده يعلم ماهو السبب الحقيقى، الذى فى باطن الإنسان هو أساس حقيقى لتصرفاته التى تبدو معقولة أمام الآخرين
هنا يهوذا غطى نفسه بهذا، الحقيقة أن يهوذا بهذا أحرج سيده، أحرجه حينما لام على المرأة، كأنه يريد أن يقول كيف أن المسيح قَبِل أن تسكب هذه المرأة هذا الطيب الغالى على رأسه، بينما أن هناك آخرين فى حاجة إلى ذلك، هذا نوع أيضا من النقد لسيده، هو لم ينقد المرأة فقط ولم يلوم المرأة فقط، ولكنه أحرج سيده بهذا، كيف يقبل على نفسه أن المرأة تسكب الطيب على رأسه ومع ذلك لايعترضها!! فبهذه الطريقة أحرج سيده أيضا، وأيضا بنفس الطريقة أثار زملاؤه التلاميذ بحركة تمرد، لا على المرأة فقط وإنما على سيده أيضا، فأصبح المسيح موضع النقد من يهوذا زعيم المعارضة ومن التلاميذ الآخرين الذين إنقادوا إلى يهوذا، قد يكون إنقيادهم له بحسن نية، إنما إنقادوا إلى يهوذا فى هذا النقد، فأصبح المسيح أيضا موضع اللوم
هنا أراد المسيح أن يتدخل ليدافع عن المرأة، وقال لا تزعجوها فإنها صنعت بى صنيعاً حسناً لأن الفقراء عندكم فى كل حين، وإذا أردتم أن تصنعوا بهم خيراً، فأمامكم الفرصة، وأما أنا فلست عندكم كل حين. وكلمة لست عندكم تعنى أننى سوف لا أقيم هنا كثيراً، وهنا إشارة على أنه سيفارق الأرض
هذه المرأة بهذا الطيب الذى سكبته على رأسى قد حفظته ليوم دفنى، كلمة مؤثرة جدا، تعنى كفنتنى تكفينا مسبقا. فسيدنا يقول عن المرأة لماذا تزعجوها لماذا تلوموا عليها، صنعت بى عملاً حسناً، هنا الوجه المشرق الذى ينظر به المسيح إلى صنيع الأتقياء حتى لو كان صنيعهم فيه إتلاف، إنما هذا الإتلاف بقصد الخير
البخور الذى أنت تقدمه للكنيسة هذا ليس إتلاف؟ تمسك البخور وتحرقه، هل هذا إتلاف؟ لا.. إن وراء هذا عبادة، لأننا نحرقه أمام الرب وفى حضرة الرب تعبداً ، والبخور معروف فى كل العبادات وفى كل الديانات إبتداءاً من أبونا آدم حتى اليوم، حرق البخور نوع من التعبد، حتى لو كان إتلاف فهو إتلاف من أجل الرب
هنا المرأة أتلفت الطيب، مظاهر الكلام لماذا هذا الإتلاف؟ يهوذا يقول لماذا هذا الإتلاف؟ هنا إتلاف، لكن من أجل الرب، والمسيح دافع عنها، وقال قد صنعت بى صنيع حسن، هذا العمل هو تضميخ مسبق لجسدى، صنعت ذلك لدفنى، طبعا كان باقى ستة أيام، ولكن رأينا مخلصنا يدافع عن هذه المرأة، بل وزاد على ذلك بأن قال: حيثما يكرز بالإنجيل فى الخليقة كلها يخبر بما فعلته هذه المرأة إحياءاً لذكرها، ولذلك هذه القصة تكررت فى الأناجيل، جاءت فى إنجيل متى وفى مرقس وفى يوحنا لماذا ؟ لأن سيدنا قال ذلك
ولذلك نقول فى المجمع “لأن هذا هو أمر إبنك الوحيد ربنا يسوع المسيح أن نشترك فى إحياء ذكرى قديسيك، تفضل يارب أن تذكر جميع القديسين الذين أرضوك منذ البدء .. الخ وبالأكثر القديسة الممتلئة مجداً، العذراء دائمة البكارة أو دائمة البتولية المملوءة مجداً التى ولدت الله الكلمة بالحقيقة”. إنما انظر الكلمة التى فى مطلع المجمع “هذا هو أمر إبنك الوحيد أن نشترك فى إحياء ذكرى قديسيك”، ما هو الأمر؟ متى جاء الأمر؟ من هنا، من حادثة المرأة قال: حيثما يكرز بالإنجيل فى الخليقة كلها يُخبر بما فعلته هذه المرأة إحياءاً لذكرها .
إذن فكوننا نذكر العذراء مريم، أو نذكر سائر القديسين ونحيى ذكراهم، هذا أمر من سيدنا لأنه يقول أكرم الذين يُكرموننى والذين يَحتقروننى يُصغروا
إذن كيف نهينهم؟!! ونعتبر تحياتنا للعذراء أو ذكرنا لأسماء القديسين أن الله يغضب منا لذلك !! كيف هذا، ماهذا المنطق المعوج؟؟ على العكس من ذلك نرى مخلصنا يدافع عن هذه المرأة ويبرز صنيعها، ويطلب ويأمر أن هذه المرأة حيثما يكرز بالإنجيل فى الخليقة كلها، يخبر بما فعلته هذه المرأة إحياءاً لذكرها. انظر لنا 2000 سنة، نحن وغيرنا فى العالم كله نذكر هذه المرأة، كم أكرم المسيح هذه المرأة وكم عوضها بأنه جعل صنيعها هذا يكافأ، بأن يذكر إسمها إحياءاً لذكرها، وتحية لها وأيضا لكى تكون هذه المرأة نموذج، أى معلم وقدوة ومثال نحتذيه
نعمة ربنا يسوع المسيح تشملنا جميعا وله الإكرام والمجد إلى الأبد آمين