كارت التعريف بالسؤال
البيانات | التفاصيل |
---|---|
التصنيفات | أسئلة وأجوبة, الحياة الروحية المسيحية – اللاهوت الروحي, الصوم روحيا وعقيديا, الوسائط الروحية |
آخر تحديث | 13 يناير 2022 |
تقييم السؤال | من 5 بواسطة إدارة الكنوز القبطية |
14 – ما هى نظرة الطب الحديث للصوم؟
تُقَدِّم الكنيسة الصوم كدواء للنفس، وجاء الطب الحديث يدعو إلى فوائد الطعام النباتى والالتجاء إلى ترك المعدة خاوية من الطعام إلى حين من أجل سلامة الجسد، وكأنه يكشف عن حكمة الكنيسة التى تربط الجسد مع النفس.
يؤمن القديس إكليمنضس السكندرى عميد مدرسة الإسكندرية فى القرن الثانى أن الحياة المعتدلة فى يسوع المسيح هى الطريق الملكى الذى يأخذنا إلى السماوات. لهذا فهو يُحَذِّرنا ألا نحيا فى رفاهية، أو ننغمس فى التبذير. وفى نفس الوقت، فإن كل من الطعام والملبس والأثاث يجب أن يكون فى اعتدالٍ بما يناسب الشخص وعمره وعمله وصحته. وأفضل ثروة هى فقر الشهوات. الطريق الأوسط هو المعتدل فى كل شيءٍ، والإفراط خطر.
بالنسبة للطعام، يتحدَّث القديس إكليمنضس عن “الطعام والشراب” فى كتابه عن المُرَبِّى Paidagogus، فيقول إننا نأكل لنحيا، وليس نحيا لنأكل. يجب أن يكون نظامنا الغذائى بسيطاً، ومُوَجَّه للنمو والصحة وتنشيط الطاقة مع السيطرة عليها. ويجب تجنب الإفراط، والإسهاب.
يجب ألا ننسى أن الحب (أغابى) يُمارَس، هو أخذ وجبة للجماعة معاً، كما كان أيوب يفعل مع أولاده (أي 1: 4 – 5). وكان ذلك مُتبعاً فى الكنيسة الأولى حتى القرن الثالث. وبالنسبة للشراب، قيل إن قليلاً من الخمر يصلح المعدة السقيمة (1ت 5: 23). إذ إنها جرعة صغيرة لأسباب طبية. وإلا فالماء يكون هو الأفضل…
لن يمكنكم أن تصبحوا أذكياء “إذا انغمستم فى مثل هذا التبذير، لتدفنوا عقولكم فى بطونكم، وتشبهون الذين يقول عنهم أرسطوطاليس إن قلوبهم فى بطونهم، والتى كان الشاعر الكوميدى ابيكارمس يتحدث عنهم بأنهم أصحاب” البطن الضخم “.” الذين نهايتهم الهلاك، الذين إلههم بطنهم ومجدهم فى خزيهم، الذين يفتكرون فى الأرضيات “(في 3: 19).
أعطانا الرب الطعام والشراب من أجل مخلوقه، أعنى هنا الإنسان، ليس لدماره، بل لمصلحته. وأن القانون الطبيعى هو أن الجسد لا يستفيد بالطعام الزائد، بل على العكس، فإن الذين يحيون بأبسط أنواع الطعام هم الأقوى والأصح وأكثر يقظة، وذلك يظهر فى الخدم بمقارنتهم مع أسيادهم، أو فى الفلاحين بمقارنتهم مع أصحاب الأرض.
ونحن خُلِقنا، ليس لنأكل أو نشرب، بل لنعرف الرب. وأما الآخرون، فحقاً يحيون كى يأكلون مثل الوحوش، وبالنسبة لهم فإن حياتهم هى بطونهم (في 3: 19). وأعطانا مُعَلِّمنا الوصية أن نأكل لنحيا فقط. فالطعام ليس هو الشغل الشاغل، أو المتعة أو الطموح الأساسى. يُمنَح الطعام لنا لأجل بقائنا فى هذا العالم الذى فيه يشكلنا الكلمة للأبدية، بواسطة تعاليمه. ويجب أن يكون طعامنا بسيطاً وغير مُزخرف، ومناسب للأطفال الذين هم بسطاء، وليس للإفراط فى النفس.
يقول القديس إكليمنضس السكندرى: [يوجد نوعان من الطعام، واحد يخدم الخلاص والثانى يناسب الهالكين… يليق بنا ألا نسيء استخدام عطايا الآب، ونقوم بدور المبذرين كما فعل الابن الغبى فى الإنجيل (لو 15: 11 – 14). بالأحرى ليتنا نستخدمه بنوعٍ من ضبط النفس. حتماً لقد أوصينا أن نكون سادة على الطعام لا عبيداً له[306].].
يقول القديس باسيليوس الكبير: [الصوم بالحقيقة هو دواء للنفس ودواء للجسد أيضاً. فقد يُسَبِّب تناول الأطعمة الفاخرة تعباً للمعدة وبعض الأمراض الصعبة للجسم. بينما الصوم مفيد للصحة، إذ يجعل الإنسان الصائم ذا لون وردى، وعيون هادئة، ومشية متزن، وحركاته رصينة. هذا الإنسان تراه لا يقهقه بل يبتسم، ولا يصيح بل يتكلم بهدوء واتزان، وترى كلامه يفيض من قلب نقى وطاهر[307].].
كما يقول: [المطلوب فى الصوم ليس الامتناع بواسطة الفم بل بواسطة العيون والآذان والأيدى وكل الجسم. نصوم بالأيدى بالطهارة والابتعاد عن السرقة، والأرجل بالابتعاد عن المشاهد المحرمة؛ والعيون بالامتناع عن النظر إلى أى شيء يغري… يا ترى، ما معنى أن ننقطع عن أكل اللحم، ونحن لا ننقطع عن أكل لحم قريبنا بالنميمة والغيبة؟ وما معنى أن نصوم عن الأكل ونحن لا ننقطع عن الأفكار الرديئة والزنا والحقد والبغض؟… الصوم هو جناح الصلاة لترتفع إلى السماء وتخترق إلى عرش الله… هو عماد البيوت، حاضن الصحة، مُعَلِّم الشباب، زينة الشيوخ، وصديق الأرواح…
لستُ أعنى بالصوم ترك الطعام الضرورى، لأن هذا يؤدِّى إلى الموت. ولكن أعنى ترك المأكل الذى يجلب لنا اللذة ويُسَبِّب تمرُّد الجسد. الصائم الحقيقى هو الذى يتغرَّب عن كل الآلام الجسدية حتى الطبيعية[308].].
[كما أنه ليس من الحكمة فى شيء أن تكون البطن مملوءة وثقيلة، ليس لأن هذا غير مفيد فى حالة السير فقط، بل ولا فى حالة النوم أيضاً، لأن المعدة وهى متخمة لا يمكنها أن تهدأ، لكنك تضطر أن تنقلب مرة إلى هذه الناحية ومرة إلى الناحية الأخرى[309].].
[306] Pacdagogus 9: 2.
[307] – راجع الأب الياس كويتر المخلصى: القديس باسيليوس الكبير، منشورات المكتبة البوليسية، بيروت، 1989، ص 289.
[308] – راجع الأب الياس كويتر المخلصى: القديس باسيليوس الكبير، منشورات المكتبة البولسية، بيروت، 1989، ص 290.
[309] – عظة 2 عن الصوم: 4، ص 43. ترجمة د. جورج عوض ود. سعيد حكيم.