21- عظمة السلوك البتولي

21- عظمة السلوك البتولي

ويقول
القديس ميثوديوس: ”إني مُقتنِع – بعد أن تعلَّمت ذلك كلّه من الكِتاب المُقدس –
أنَّ أعظم تقدِمة وأكثرها مجداً، التي لا يُقارن بها شيء، ويستطيع الإنسان تقديمها
لله، هي حياة البتولية“.

وانتقل
القديس بعد ذلك ليتحدَّث عن التكريس الكُلّي الكامِل لله، وأوضح أنَّ مَنْ يحفظ
نفسه ويسهر في أمر، بينما يتشتَّت ويرتبِك في أمر آخر، ليس مُكرّساً بكُليته لله
إذ لا يُقدَّم الأشياء التي للروح والأشياء التي للجسد، لكي يكون كامِلاً تماماً،
وكعادته يُورِد ميثوديوس دليلاً كِتابياً على حديثه، وهنا يستشهِد بقول الله
لإبراهيم ”خُذْ لي عِجْلة ثُلثية وعنزة ثُلثية وكبشاً ثُلثياً ويمامة وحمامة“ (تك
15: 9) فالله الذي أوصى إبراهيم أن يُحضِر له هذه الأشياء يُريدنا أن نُقدِّم له
نِفوسنا غير مجروحة مثل العِجْل، ونُقدِّم أجسادنا مثل عنزة لأنها تتسلَّق الأماكن
العالية الشديدة الانحدار، ونُقدِّم له عِقولنا مثل كبش لا يهرب أبداً فيسقُط
ويحيد عن الطريق الصحيح، فإنه بهذا يكون الإنسان كامِلاً، عندما يُقدِّم روحه
وحواسه وعقله لله الذي ذكَّرهم برموز العِجْلة والعنزة والكبش ذَوِي الثُّلثة
أعوام، كأنهم يُقدِّمون معرفة الثَّالوث النقية.

ويمضي
ميثوديوس الأُوليمبي قُدُماً في منهجه الرمزي ليرى أنَّ الله ربما يرمُز بالعِجْلة
والعنزة والكبش إلى بدايِة ووسط ونهايِة الحياة، مُتمنياً أن يقضي الإنسان أيام
صِباه ورجولته وأيامه المُتقدمة بطهارة ونقاوة ويُقدِّمها له، وينتقِل ميثوديوس من
سِفْر التكوين إلى قول السيِّد المسيح لتلاميذه ”لتكُن أحقاؤُكم مُمنطقةً
وسُرُجُكم مُوقدةً وأنتم مثل أُناس ينتظرون سيِّدهم متى يرجع من العُرس حتّى إذا
جاء وقرع يفتحون له للوقت، طوبى لأولئِك العبيد الذينَ إذا جاء سيِّدهم يجدهم
ساهرين، الحق أقولُ لكم إنه يتمنطق ويُتكِئهم ويتقدَّم ويخدمهم، وإن أتى في الهزيع
الثَّاني أو أتى في الهزيع الثَّالِث ووجدهم هكذا فطُوبى لأُولئِكَ العبيد“ ويرى
ميثوديوس أنَّ السيِّد المسيح يذكُر هنا ثلاث هَزَعَات (جمع هزيع) وثلاث مجيئات.
وهو بذلك يرمُز إلى الثَّلاث مراحِل التي في حياتنا: الصبوة، النُّضج، الشيخوخة،
حتّى إذا جاء وأخذنا من العالم بينما نحن في المرحلة الأولى، أي بينما نحن صبيان،
يجدنا مُستعدين أنقياء، ونفس الأمر في الثَّانية والثَّالِثة، لأنَّ الهزيع
الأوَّل هو شباب الإنسان عندما يبدأ العقل في الإنزعاج والارتباك ويظلَمْ بسبب تغيُّرات
الحياة لأنَّ الجسد يزداد قُوَّة ورغبة، والهزيع الثَّاني هو النُّضج والرجولة
عندما يبدأ الإنسان في الاستقرار والثبات ويُجاهِد ويقف ضد حروب الشهوة والغرور
والإعجاب بالنَّفْس، أمَّا الهزيع الثَّالِث فهو تقدُّم الأيام والشيخوخة التي
تختفي فيها مُعظم الخيالات وتخمُد الشهوات ويبدأ الجسد في الذبول والضعف.

وبعد
أن انتهى القديس من شرح المثل الإنجيلي، يحِثِنا بعد ذلك على الاستعداد والسهر
الدائِم لأنه ”من اللائِق أن نُشعِل أنوار الإيمان التي لا تنطفِئ في القلب، وأن
نسهر وننتظِر سيِّدنا حتّى إذا أتى وأخذ أيَّاً مِنَّا في المرحلة الأولى من
حياتنا أو الثَّانية أو الثَّالِثة، يجدنا مُستعدين عاملين بوصاياه، فيُنيِح
نِفوسنا في أحضان القديسين إبراهيم وإسحق ويعقوب“.

ويقول
إرميا النبي ”جيد للرجُل أن يحمِل النِّير في صِباه“ (مرا 3: 27)، فجيد بالفِعْل
للإنسان أن يُخضِع رقبته لليد الإلهية العالية منذ الصبوة ولا يترُك – حتّى
الشيخوخة – القائِد الذي يقوده ويُرشِده في نقاء وطهارة، عندما يجُر الشِّرِّير
عقلِنا إلى الأمور الرديئة، لأنَّ مَنْ هو ذاكَ الذي لا يتلقّى، خلال العينين
والأُذُنين والتذوق والشم واللمس، مسرَّات وملذات تجعله لا يستطيع أن يضبُط نفسه
كقائِد
Driver عليه أن يمنع جوَّاده بشدَّة من الشر؟ فالذي ”يُقدِّم نفسه
بالكمال لله هو ذاكَ الذي يُجاهِد لكي يحفظ جسده بلا دنس منذُ الطفولة، عائِشاً في
بتولية، لأنها تُعطي سريعاً عطايا الرجاء العظيمة التي يشتاق إليها هؤلاء الذين
يُجاهدون من أجلها، وتُطفِئ الشهوات المُفسِدة وكلّ أهواء النَّفْس“.


تم نسخ الرابط

هل تبحث عن  يسوع نبع الحب

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي