مكتبة الكتب المسيحية |
كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية



كتاب الموعظة على الجبل للقديس أغسطينوس – القمص تادرس يعقوب ملطي

7-

توبة أغسطينوس

ما أبعد
أحكام الله عن الفحص وطرقه عن الاستقصاء. ما أعجب تدبيره وأعظم محبته. فقد هيأ
لابن


مونيكا
التي لم تكف عن
الصلاة
بدموع ليلًا ونهارًا حوالي عشرين عامًا لأجل رجوعه وتوبته. هيأ له أن يستعد
قلبه للتوبة الحقيقية.

فسمح له
بأن تعلمه أمه بذور
الإيمان التي رسخت في ذهنه حتى في أسوأ أحواله.

وسمح له
بموت صديقه الشاب ليحتقر أمور هذا العالم، ويبحث عن الحياة الفضلى.

وسمح له
باحتقاره
للمانوية بسماعه فستوس رئيسه، واستضافته لدى ذلك الشخص الذي يؤمن
بجبرية الخطية وعدم التوبة عنها.

وسمح له
بالذهاب إلى ميلان ليلتقي
بأمبروسيوس أسقفها فيعجب بعظاته.

وسمح له
بالالتقاء بسمبليانس ليخبره عن اعتناق فيكتريانوس الوثني بالمسيحية ليشتاق هو
أيضًا إلى
الإيمان المستقيم.



St-Takla.org Image:
Saint Augustine (and Saint Monica praying for him), modern Coptic icon.

صورة في موقع الأنبا تكلا:
القديس أغسطينوس (والقديسة مونيكا تصلي لأجله)، أيقونة قبطية حديثة.

أما توبته
فكانت عجيبة، فقد
كان له صديق حميم يدعى


أليبوس
، وإذ كانا معًا ومعهما كتاب
رسائل بولس الرسول، إذا برجل من كبار رجال الدولة، من المؤمنين الحقيقيين، يدعى بنسيانس يدخل عليهما. رأى ذلك الشريف كتاب
رسائل بولس الرسول، فظنه أحد كتب
الفلسفة، إلا أن

أغسطينوس
أخبره أنه من مدة لم يشغله شيء سوى مطالعة هذه الأسفار. دار
الحديث بينهما إلى أن أخبره عن

خبر القديس أنطونيوس المصري ورهبنته
وكيف أن اثنين من أشراف البلاط تركا كل
شيء وسارا على منواله بعد قراءتهما سيرته

(
وهي السيرة التي كتبها
القديس أثناسيوس الرسولي،
وهي معربة وقد طبعتها جمعية أصدقاء الكتاب المقدس
)
.
فلما مضى الصديق بنسيانس جال بفكره كيف أنه بحث عن الحكمة طوال هذه السنوات ولم
يستطع اقتنائها. وتواردت أمام عينيه حياته جميعها بما فيها من صور مخزية، فلم
يجد مفرًا سوى الالتجاء إلى الله، وعندئذ نظر إلى
أليبوس وصرخ إليه:

هل تبحث عن  البولس من رسالة بولس الرسول الي عبرانيين ( 11 : 17 - 27 ) يوم الجمعة

ماذا نعمل
نحن؟

ما هذه
الأحوال؟ أما سمعت؟ أتشب النهضة بالسذج الأميين، فيتسارعون لاختطاف
ملكوت
السماوات
، ونحن معشر العلماء الحكماء نتمرغ في وحول
النجاسة والرجاسة؟! حقًا
صدق الكتاب أن العرج نهبوا نهبًا (إش
23:33). ولماذا يأخذنا الحياء من اللحاق بهم، لأنهم تقدمونا، ولا يأخذنا الخجل
لعدم إقتدائنا بهم؟!

وإذ قال
هذا وجد نفسه يندفع إلى بستان مجاور لمنزله بدون شعور، حتى تعجب


أليبوس
مما بدا
على ملامح وجهه، ومن تلك الثورة التي اجتاحت قلبه. ذهب إلى البستان فلحق به


أليبوس
. وهنا بدأ الصراع بين الماضي والرغبة الجديدة. تمثلت أمامه شروره
وقبائحه، وصارت فيه
عاصفة عاتية، وتفجرت ينابيع الدموع من عينيه، فانفرد عن


أليبوس
لأن الانفراد أوفق للبكاء.

غُلب

أغسطينوس
على أمره، فارتمى على جذع
شجرة تين، وإذ زاد الصراع قال: “عاصفة
شديدة… دافع عني”. ثم نطق في حزن عميق: “وأنت يا ربُّ فحتى متى؟ (مز 3:6) إلى
متى يا رب؟ أتغضب إلى الأبد؟ لا تذكر علينا ذنوب الأوَّلين (مز 5:79، 8). فإنني
أشعر بأنني قد استعبدت لها. إلى متى؟ إلى متى؟ إلى الغد؟ ولما لا يكون الآن؟
لما لا تكون هذه الساعة حدًا فاصلًا لنجاستي؟” وبكى بعد ذلك بحزنٍ عميقٍ، وإذ
به يسمع صوت ترتيل طفل – لا يعلم إن كان ولدًا أو بنتًا – جاءه من منزل مجاور
مرددًا مرارًا “خذ وأقرأ – خذ وأقرأ”
.(انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في

موقع الأنبا تكلاهيمانوت
في أقسام المقالات والكتب
الأخرى)
.
تذكر

أغسطينوس
كيف أن

أنطونيوس
قبل كلمات الكتاب المقدس
التي سمعها في
الكنيسة على أنها موجهة إليه شخصيًا، إذ سمع “فأذهب وبِعْ أملاكك
وأعطِ
الفقراء،َ فيكون لك كنز في
السماء، وتعال اتبعني” (مت 21:19) توجه
للحال إلى حيث ترك
رسائل القديس بولس وفتحها وقرأ، وإذ به يجد لا تسلكوا طريق
الشراهة والسكر والفواحش، بل البسوا

الرب يسوع المسيح
، ولا تهتموا بشهوات أجسادكم” (رو 13:13، 14).

هل تبحث عن  حاول فرعون أمام هذه الضربات أن يدخل في مفاوضات مع موسى

كان ذلك في
عام 386 م بالغًا من العمر اثنان وثلاثون عامًا حيث تغيرت حياته وتجددت بنعمة
الله
،
فتحولت القوة المحترقة شرًا إلى قوة تلتهب حبًا. أضاء النور على عقله وقلبه
فبدد ظلمتهما. وشعر القديس بذلك، فقال: “قد نظرت إليَّ يا رب بعين رحمتك، ولما
رأيت نفسي على شقاءٍ دائمٍ، طهرتها بنعمتك، واستأصلت منها انعطافها
الدنس. فما
أعمق الهوة التي انتشلتني منها في لحظة من الزمن، وما أسعد هذه اللحظة التي
حنيت فيها عنقي لنير شريعتك. وكم فرحت نفسي في ترك كل ما كانت تميل إليه
شهوتي”.

عاد

أغسطينوس
إلى


أليبوس
الذي أخبره بعزمه على التوبة مثله، فذهب كلاهما يخبران
تلك الأم التي جاهدت ما يقرب من 20 عامًا من أجل هذه اللحظة. لا أدري يا أخي
كيف أعبر لك عن فرحة تلك الأم التي كلما اشتاقت إلى تلك اللحظة، ولو كانت على
فراش الموت. ولو باعت كل ما لديها، وتحملت كل ضيق وألم. يا لفرحتها ويا لسرورها
عند سماعها بتوبتهما. لقد عاد الضال إلى أبيه، ورجعت النفس لتستريح في أحضان
النعمة الأبوية. عاش ابنها بعد أن مات، وصار وارثًا معها في
الحياة الأبدية. أي
شيء تطلبه بعد ذلك؟!

هذه فرحة
الأم التي جاهدت سنوات من أجل ابنها، أما فرحة الأب السماوي يسوع الذي تنازل
وأخذ صورة عبد وصار مثلنا في كل شيء ما عدا الخطية ومات موت الصليب، ففرحته عند
رجوع أولاده إليه لا تُقدر.

عزم

أغسطينوس
بنعمة الله على ترك تدريس البيان وعدم

الزواج
وتكريس بقية حياته
لله، والتفرغ للتأمل في الوصايا الإلهية وخدمة الله، فاعتزل هو ووالدته وصديقه


أليبوس
وابنه أدياتس وبعض أبناء عمه وبعض أصدقائه في كاسيكاسيوم
Cassiciacum بجوار
ميلان، حيث أقام ستة شهور ليتأهب لنوال
سرّ العماد. وقد كتب إلى
القديس
أمبروسيوس
يبشره بالخبر طالبًا منه إرشادًا.

هل تبحث عن  ‏المسنود على ربنا حتى لو وقع بيلاقى ايد ربنا بتقومه من تانى❤️☝️

وفي ابتداء
صوم الأربعين سنة 387 م ذهب إلى ميلان، واعتمد على يد
الأسقف
أمبروسيوس
، هو
وصديقه


أليبوس
وابنه أدياتس.



مشاركة عبر التواصل الاجتماعي