نزول الرب وحديثه مع موسى:
لقد حقق الله وعده لموسى: “ويكون متى اجتاز مجدي…” (33: 22)، إذ نراه هنا قد “اجتاز الرب قدامه” [6]، وأعلن الرب عن طبيعته أنه “إله رحيم ورؤوف بطئ الغضب وكثير الإحسان والوفاء، حافظ الإحسان إلى ألوف، غافر الإثم والمعصية والخطية، ولكنه لن يبرئ إبراءً، مفتقد إثم الآباء في الأبناء وفي أبناء الأبناء في الجيل الثالث والرابع” (6: 7).
إنه يحقق أيضًا وعده: “أنادي باسم الرب قدامك، وأتراءف على من أتراءف وأرحم من أرحم” [19]. لقد أوضح ماذا يعني أنه يتراءف على من يتراءف ويرحم من يرحم، إنها ليس كما تبدو لأول وهلة إن الله لديه محاباة يرحم من يشاء حتى وإن كان غير تائب، ويقسو على من يشاء حتى وإن كان تائبًا! إنما أحكامه فوق الفكر البشري، هو يرحم متى رأى الإنسان قدم توبة، أو مشتاقًا إلى التوبة. هوذا الآن يعلن رحمته بتجديد العهد، لكن ليس بغير عدل إنما بعد أن قدموا توبة صادقة، ونزعوا عنهم زينتهم (33: 6) وناحوا (33: 4).
قوله “أرحم من أرحم” تشبه قول الرسول بولس: “أنا غرست وأبولس سقى لكن الله كان ينمي” (1 كو 3: 6). حقًا الله هو الذي يهب النمو لكرمه أي الكنيسة، لكن هل يعمل الله من غير أن يغرس الرعاة ويسقوا الكرمة؟! أو هل يتوقف الرعاة عن العمل لأن الله هو الذي ينمي؟! هم يبذلون ما في استطاعتهم لكن لا حياة بدونه! هكذا نحن نقدم التوبة لكن لا رحمة من أجل برّ فينا إنما من أجل الله الذي يرحم من يرحم.
وكما يقول القديس أغسطينوس: [من يظن أن في الله ظلمًا لكونه يؤدب تأديبًا عادلًا على من يستحق ذلك أو يطيل أناته ورحمته… فهو غبي].
استخدم الرسول بولس هذه العبارة في رسالته إلى أهل رومية، إذ يقول: “فماذا نقول؟! ألعل عند الله ظلمًا؟! حاشا. لأنه يقول لموسى إني أرحم من أرحم وأتراءف على من أتراءف، فإذًا ليس من يشاء ولا لمن يسعى بل لله الذي يرحم” (رو 9: 14-16). ماذا يعني هذا، هل أننا لا نشاء ولا نسعى لأنه هو الذي يرحم أو يقسو كما يشاء؟! يستحيل. لكن يُريد الرسول أن يؤكد أن رحمة الله مجانية وحبه من أجل طبيعته، أنه يهب الذين يشاءون التوبة ويسعون إليه لكنه ليس من أجل حبه ورحمته وخلاصه المجاني. وقد أراد الرسول في هذا الأصحاح أن يوضح إن كان الرب قد قبل شعب إسرائيل ورحمه قديمًا فليس له فضل في ذلك، وإن كان الأمم قد اشتهوا الخلاص وآمنوا أيضًا ليس لهم فضل، الله الذي يرحم إسرائيل قبلًا يرحم كل الأمم حاليًا، فليس لإسرائيل أن يعترض!! فقد سبق وتنبأ هوشع النبي بلسان الرب قائلًا: “سأدعو الذي ليس شعبي شعبي والتي ليست محبوبة محبوبة” (رو 9: 25)، ليس على حساب الشعب القديم وإنما لأن الشعب القديم قد رفض والأمم قبلوا! .
أما قوله أنه يفتقد إثم الآباء في الأبناء، فقد شرحناه قبلًا أثناء الحديث عن الوصية الأولى (أصحاح 20).
إذ سمع موسى صوت الرب “أسرع وخرّ إلى الأرض وسجد” [8]، مقدمًا الخضوع والتوبة نيابة عن الشعب كله فجدد الرب العهد قائلًا: “ها أنا أقطع عهدًا…” [10].