الحجر الذي قطع بدون يدين والحجر الذي رفضه البناؤون: قال دانيال النبى في إعلانه لما جاء برؤياه وحلم نبوخذ نصر ” كُنْتَ تَنْظُرُ إِلَى أَنْ قُطِعَ حَجَرٌ بِغَيْرِ يَدَيْنِ فَضَرَبَ التِّمْثَالَ عَلَى قَدَمَيْهِ اللَّتَيْنِ مِنْ حَدِيدٍ وَخَزَفٍ فَسَحَقَهُمَا. فَانْسَحَقَ حِينَئِذٍ الْحَدِيدُ وَالْخَزَفُ وَالنُّحَاسُ وَالْفِضَّةُ وَالذَّهَبُ مَعًا وَصَارَتْ كَعُصَافَةِ الْبَيْدَرِ فِي الصَّيْفِ فَحَمَلَتْهَا الرِّيحُ فَلَمْ يُوجَدْ لَهَا مَكَانٌ. أَمَّا الْحَجَرُ الَّذِي ضَرَبَ التِّمْثَالَ فَصَارَ جَبَلًا كَبِيرًا وَمَلأَ الأَرْضَ كُلَّهَا” (دانيال2/34-35). وقال في التفسير ” وَفِي أَيَّامِ هَؤُلاَءِ الْمُلُوكِ يُقِيمُ إِلَهُ السَّمَاوَاتِ مَمْلَكَةً لَنْ تَنْقَرِضَ أَبَدًا وَمَلِكُهَا لاَ يُتْرَكُ لِشَعْبٍ آخَرَ وَتَسْحَقُ وَتُفْنِي كُلَّ هَذِهِ الْمَمَالِكِ وَهِيَ تَثْبُتُ إِلَى الأَبَدِ. 45لأَنَّكَ رَأَيْتَ أَنَّهُ قَدْ قُطِعَ حَجَرٌ مِنْ جَبَلٍ لاَ بِيَدَيْنِ فَسَحَقَ الْحَدِيدَ وَالنُّحَاسَ وَالْخَزَفَ وَالْفِضَّةَ وَالذَّهَبَ” (دانيال2/44-45).
هذا الحجر الذي قطع بدون يدين وسحق كل هذه الممالك وملأ ملكوته الأرض كلها، كما يؤكد الكتاب المقدس هو المسيح وليس نبي الإسلام كما قال بعض هؤلاء الكُتاب! فقد وصف في نبوّات داود بحجر الزاوية “الْحَجَرُ الَّذِي رَفَضَهُ الْبَنَّاؤُونَ قَدْ صَارَ رَأْسَ الزَّاوِيَةِ. مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ كَانَ هَذَا وَهُوَ عَجِيبٌ فِي أَعْيُنِنَا” (مزمور118/22-23)، وفي نبوات إشعياء النبي بحجر الامتحان “لِذَلِكَ هَكَذَا يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ: هَئَنَذَا أُؤَسِّسُ فِي صِهْيَوْنَ حَجَرَ امْتِحَانٍ حَجَرَ زَاوِيَةٍ كَرِيمًا أَسَاسًا مُؤَسَّسًا. مَنْ آمَنَ لاَ يَهْرُبُ” (إشعياء28/16)، وقال القديس بطرس في خطابه لرؤساء اليهود أن هذا الحجر هو الرب يسوع المسيح ” فَلْيَكُنْ مَعْلُومًا عِنْدَ جَمِيعِكُمْ وَجَمِيعِ شَعْبِ إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ بِاسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ النَّاصِرِيِّ الَّذِي صَلَبْتُمُوهُ أَنْتُمُ الَّذِي أَقَامَهُ اللهُ مِنَ الأَمْوَاتِ بِذَاكَ وَقَفَ هَذَا أَمَامَكُمْ صَحِيحًا. هَذَا هُوَ الْحَجَرُ الَّذِي احْتَقَرْتُمُوهُ أَيُّهَا الْبَنَّاؤُونَ الَّذِي صَارَ رَأْسَ الزَّاوِيَةِ” (أعمال4/10-11)، وقال في رسالته الأولى ” الَّذِي إِذْ تَأْتُونَ إِلَيْهِ، حَجَرًا حَيًّا مَرْفُوضًا مِنَ النَّاسِ، وَلَكِنْ مُخْتَارٌ مِنَ اللهِ كَرِيمٌ،” (1بطرس2/4).
وهذا كان إيمان اليهود قبل المسيح إذ أجمعوا على أنَّ الحجر الذي قُطع بدون يدين في سفر دانيال النبي هو المسيح المنتظر، يقول توماس سكوت ” وقد أجمع اليهود بدون لاستثناء أنَّ المقصود بهذا الحجر هنا هو المسيا” (15). وقال كاندلر الذي أيد رأيه باقتباسات من كتابات كثيرة للربيين اليهود: [ أسأل اليهود، ما المقصود بالحجر؟ فيجيبون كرجل واحد؛ المسيا. أسأل عن التمثال الذي حطمه الحجر على أصابعه، فيقولون بالإجماع: إنَّها الإمبراطورية الرومانية. أطلب المعنى المقصود بمملكة الجبل؛ فيتفقون على إنها مملكة المسيا التي ستمتد بنفسها، وتُخضع كل الممالك وتكون مملكة أبدية. فهكذا تعلم الشعب، وكان مُعدّ أنْ يسمع من يوحنا المعمدان ومن ربنا المبارك يسوع المسيح، الحديث عن ” ملكوت السموات ” ](16).
وهذا كان أيضًا إيمان الكنيسة الذي استلمته من رسل المسيح وتلاميذهم. وقد أجمع آباء الكنيسة علي أنَّ عبارة “قُطِعَ بغير يدٍ” تعني ولادة الرب يسوع المسيح بدون زرع بشر، إنَّه الحجر الذي قطع بغير يدين لأنه لم يولد كسائر مواليد البشر إنَّما ولد من الروح القدس، بعمل الروح القدس، كما يقول: القديس إريناؤس (17) والقديس يوستينوس (18) والقديس جيروم(19) والقديس أغسطينوس(20).
وقد رأوا في قوله “أما الحجر الذي ضرب التمثال فصار جبلًا كبيرًا وملأ الأرض كلها” إعلان عن ملكوت المسيح الذي يمتد من مجيئه الأول إلى مجيئه الثاني وقيامة الأبرار، فيقول القديس إريناؤس: “المسيح هو الحجر الذي قطع بغير
(15) Scott P. Dan. V. 34,35.
(16) Chr. Words. Dan p.8.
(17) Ag. Her. 3:28.
(18) Dial. Tryph. 70, 76.
(19) Chr. Words. Dan p.8.
(20) Augst. Lect. 9 on Joann..
يدين وهو الذي سيدمر الممالك الوقتية ويدخل مملكة أبدية هي مملكة قيامة الأبرار إذ يعلن ” يُقِيمُ إِلَهُ السَّمَاوَاتِ مَمْلَكَةً لَنْ تَنْقَرِضَ أَبَدًا” (دانيال2/44)، ويقول القديس هيبوليتوس “وكما رأى النبي بعد رؤيا الممالك الأربعة ابن الإنسان يأخذ السيادة والقوة والملكوت. هكذا أيضًا رأى الملك، حجرًا سحق التمثال كله وأصبح جبلًا عظيمًا” (21).