سيرة القديسة أفراسيا
السيرة كما وردت في كتاب قاموس القديسين
افراسيا القديسة
نشأتها
ولدت أفراسيا أو أفراكسيا St. Euphrasia, Euproxia بالقسطنطينية في عهد الإمبراطور ثيؤدوسيوس الكبير في أواخر القرن الثالث، وكانت تمت بصلة قرابة للإمبراطور. كان والدها أنتيخوسAntigonus واليًا على مدينة ليكيا، عُرف بتقواه مع شرف حسبه. أما والدتها فكانت إنسانة تقية بارعة الجمال، تدعى أيضًا أفراسيا. بعد إنجابها للطفلة اتفق الوالدان على الحياة البتولية وهما تحت سقف واحد، يمارسان الحياة النسكية الخفية.
إذ بلغت الطفلة سنة واحدة من عمرها انتقل الوالد، وإذ بلغت الخامسة طلب الإمبراطور من الأم أن تخطب ابنتها الطفلة لأحد أبناء الشرفاء، فقبلت الأم. لكن إذ كانت الأم ابنة اثنين وعشرين عامًا وبسبب جمالها الفائق تقدم كثيرون من شباب الأشراف يودون الزواج من هذه الأرملة الشابة، وكان الإمبراطور يحثها على الزواج.
سألت أفراسيا الإمبراطور أن يسمح لها بزيارة مصر لتدبير بعض أمورها المادية، وكان هدفها الرئيسي هو الهروب من القصر الإمبراطوري خشية ضغط الإمبراطور عليها، فتكسر العفة التي نذرت نفسها لها مع رجلها الراحل.
في مصر
إذ وصلت أفراسيا وطفلتها إلى مصر، قاما بزيارة بعض الأديرة، من بينها دير بالإسكندرية به مائة وثلاثون راهبة يسلكن بروح نسكي تقوي، فما كانت الراهبات يخرجن من ديرهن قط، ولا يأكلن إلا بعد الغروب خبزًا وبقولاً، يلبسن المسوح، ويعملن بأيديهن.
قدمت أفراسيا مالاً للدير فرفضت الرئيسة نهائيًا معتذرة بأن عمل أيديهن يكفي لمعيشتهن.
ترددت أفراسيا الكبرى وابنتها أفراسيا الصغرى على هذا الدير، فكانتا تجدان راحتهما فيه، كما أحبت الراهبات الصبية الصغيرة أفراسيا التي كانت في السابعة من عمرها.
سألت رئيسة الدير الفتاة الصغيرة على سبيل الدعابة: “من الذي هو أحب إليك راهبات هذا الدير أم خطيبك؟”. أجابت الصبية: “إنني لم أعرف خطيبي ولا هو يعرفني، أما راهبات الدير فإني أعرفهن وأحبهن جميعًا”. ثم قالت الصبية: “وأنت أيهما أحب إليك أنا أم خطيبي؟”. ابتسمت الرئيسة ثم قالت: “نحن نحبك، وسيدنا يسوع المسيح أيضًا يحبك”. عندئذ قالت: “أنا أيضًا أحبكن وأحب سيدنا يسوع المسيح محبة عظيمة”.
كانت الأم أفراسيا تنصت لكلمات ابنتها اللطيفة وتعبيرات وجهها، وإذ لم تتمالك نفسها من شدة الفرح انسابت الدموع من عينيها دون أن تنطق بكلمة.
في المساء سألت الأم ابنتها أن يتركا الدير حتى لا تنشغل الرئيسة بهما، فقالت لها الصبية: “اذهبي أنتِ يا أمي إن أردتِ ودعيني أمكث ههنا”. أجابتها الوالدة: “يلزمنا أن نخرج من الدير فإنه مسكن للناسكات المنقطعات لعبادة الله”.
جثت الصبية أمام أيقونة المصلوب وهي تقول:
“يا يسوع الحلو، أنت هو ربي وإلهي.
هأنذا أتعبد لك بكليتي، فلا أخرج من ههنا، لأني لست أريد عريسًا سواك “.
تأثرت الأم الرئيسة بالمنظر وأيضًا والدة الصبية، ولم تعرفا ماذا تفعلان، إلا أن الرئيسة بلطف قالت للصبية: “لا يمكنك أن تقيمي عندنا الآن إذ لا توجد قلاية خالية” في بساطة قالت الصبية: “ولِمَ لا أسكن معك في قلايتك”. خجلت الرئيسة، ثم قالت للأم اتركيها سأعد لها مكانًا، وأوضحت لها أنها لن تحتمل السكنى لفترة طويلة، إنما ستشعر بضجر وتترك الدير.
بقيت الصبية أيامًا ولم تُظِهر ضجرًا بل كانت بالأكثر تتعلق بالموضع المقدس بفرح وتهليل، وإذ سألتها الرئيسة ومعها والدتها أن تترك الدير رفضت. وإذ أرادت الرئيسة أن تثقل عليها لكي تترك الدير سألتها أن تحفظ المزامير عن ظهر قلب وتمارس بعض الممارسات التقشفية، فكانت الصبية تتقبل ذلك بفرح نامية في النعمة، الأمر الذي جعل الأم الرئيسة تقول لأفراسيا: “اتركي الفتاة الصغيرة بيننا، فإن نعمة الله تعمل في قلبها، تقواكِ وتقوى أنتيخوس قد فتحا لها الطريق الأكمل”.
انسابت الدموع من عيني الوالدة وهي متهللة بابنتها، إذ أمسكت بالابنة وتقدمت بها إلى أيقونة الصليب المقدس، وهي تقول: “أيها الرب يسوع المسيح اقبل الصبية. إنها تحبك أنت وحدك، وإياك تطلب، وها هي تكرس حياتها لخدمتك”. ثم توجهت إلى ابنتها وهي تقول: “ليت الله الذي أسس الجبال يحفظك دائمًا في مخافته المقدسة”.
لم يمض وقت طويل حتى ارتدت أفراسيا زي الرهبنة، فسألتها أمها إن كانت مسرورة أم لا، فأجابتها: “أماه، إنه ثوب عرسي، وُهب لي لأكرم يسوع حبيبي”، فكانت الأم تفرح وهي ترى ابنتها تنمو في النعمة.
رأت أفراسيا زوجها في حلم متلألئًا بنور سماوي يدعوها للملكوت، فروت ذلك للأم الرئيسة، وبالفعل انتقلت أفراسيا لتدفن في مقابر الدير.
دعوتها للقسطنطينية
كانت أفراسيا تنمو كل يوم في معرفة الله بحياة طاهرة مقدسة، وإذ بلغت الثانية عشرة من عمرها كانت لا تأكل إلا في المساء.
أرسل إليها الإمبراطور، غالبًا أركاديوس، يدعوها للحضور إلى القسطنطينية لتتزوج الشريف الذي سبق أن خُطبت له، فأرسلت إليه تقول له أنها قد قبلت عريسًا سماويًا، نذرت حياتها له، سألته أن يوزع كل ميراثها على الفقراء ويحرر جميع عبيدها، ففرح الملك برسالتها التي قرأها على القضاة وكل المحيطين به معتزًا بها. أما هي فكانت في تواضع تمارس أدنى الأعمال وتخدم ما استطاعت كل من بالدير، فتقوم بتنظيف قلاليهن، وتحمل المياه للمطبخ، وتقوم بتقطيع الحطب الخ… فأحبها الجميع لتواضعها ومحبتها!
جهادها ضد العدو
إن كانت أفراسيا قد تركت الغنى بإرادتها لكن العدو الشرير لم يكف عن محاربتها، تارة يذكرها بقصور القسطنطينية وإمكانية الخدمة لو عاشت حياتها كشريفة متزوجة، وأخرى يثير أمامها قبائح جسدية الخ…
إذ رأت إحدى الراهبات ما بلغته هذه الراهبة من كرامة وحب في قلب جميع الراهبات بما فيهن الأم الرئيسة، بسبب طاعتها وبشاشتها مع تواضعها وحبها، مما وهبها جمالاً روحيًا بجانب جمالها الجسدي بالرغم من أصوامها الشديدة التي بلغت أحيانًا أن تأكل مرة واحدة في الأسبوع، فقد حقدت هذه الراهبة عليها، وكانت تسمى جرمينا من الإماء. أشاعت هذه الراهبة في الدير أن ما تفعله أفراسيا ليس من قبيل محبتها لله، وإنما طلبًا في المجد الزمني وحب الظهور، ومع هذا فكانت أفراسيا تترفق بها وتحنو عليها أكثر من بقية الراهبات.
قيل أن عائلة أحضرت سيدة بها شيطان عنيف، إذ كانت تهيج وتضرب من بجوارها بعنف، جاءوا بها إلى الدير مقيدة لكي تصلي عليها الراهبات. قدمتها الأم الرئيسة لأفراسيا إذ كانت تعرف أن الله وهبها هذه العطية أن تشفي مرضى باسم السيد المسيح، وتخرج شياطين بروح متضع ومنسحق. بالفعل لاطفتها أفراسيا وصلّت من أجلها فاستراحت وهدأت جدًا بل وتعلقت بأفراسيا. هذا الأمر أثار حسد الراهبة جرمينا فذهبت إلى الأم الرئيسة متذمرة لماذا تعهد بالمرأة التي بها الشيطان للراهبة أفراسيا دون غيرها. وبالفعل إذ جاءت السيدة مرة أخرى سلمتها لجرمينا، فقامت السيدة بضربها بعنف وشدة حتى كادت أن تقتلها لولا تدخّل القديسة أفراسيا التي صلت عليها فهدأت واستراحت بعد أن خرج الشيطان منها، فتمجد الله بالأكثر في حياة أفراسيا وندمت جرمينا على ما فرط منها.
إذ بلغت أفراسيا الثلاثين من عمرها مرضت وتألمت كثيرًا جدًا ثم رقدت في الرب. تأثرت الراهبة جوليا (لم يأتي ذكرها من قبل أنها تلميذتها) لرقاد تلميذتها أفراسيا فبقيت بجوار قبرها ثلاثة أيام تبكي وتصلي وفي اليوم الرابع قالت جوليا للأم الرئيسة أن السيد المسيح قد دعاها للراحة بصلوات أفراسيا، وبالفعل أُخذت نفسها في اليوم الرابع ودُفنت مع تلميذتها (حوالي عام 420 م).
عن مخطوط يحوي مجموعة من القديسات بدير القديس أنبا أنطونيوس.
O’Leary: The Saints of Egypt, P 135; Butler, Mar. 13.
[ملاحظة: يرى البعض أنها عذراء من روما، وأنها تمت بصلة قرابة للإمبراطور هوفوريوس].