… «وَبَيْنمَا كَانَ (بُولُسُ) يَتكَلَّمُ … ارْتعَبَ فِيلِكْسُ»
( أعمال 24: 25 )
في كلمات بولس أمام قاضيه فيلكس الوالي، نرى مُفارقة بينهما: فبينما كان رجاء بولس الأكيد هو في قيامة الأموات ( أع 24: 15 )، فإن رجاء فيلكس ما كان يتعدَّى ”أن يأخذ دراهم“ (ع26)! هذه هي محبة المال التي حذَّر الوحي منها باعتبارها أصل لكل الشـرور ( 1تي 6: 10 ). وحقًا ما أبعد الفارق بين الرجاء المبارك الذي كان لبولس في القيامة وبعد ذلك مجد السماء، وبين الكنوز الوقتية والزائلة على الأرض التي كان يرجوها فيلكس ( مت 6: 19 – 21)!
وبالنسبة للضمير؛ كان ضمير بولس مُدرَّبًا ليكون بلا عثرة من نحو الله والناس (ع16)، وكان ضمير فيلكس قلقًا، فارتعب من حديث بولس «عَنِ الْبِرِّ وَالتَّعَفُّفِ وَالدَّيْنُونَةِ الْعَتِيدَةِ أَنْ تَكُونَ» (ع25). لكن ما أن ارتعب حتى أنهى الجلسة سريعًا. فبينما كان بولس يُدَرِّب ضميره، كان فيلكس يعمل على إسكات ضميره وتخديره!
والمفارقة الثالثة بين فيلكس وبولس هي في المعرفة. كان فيلكس عنده الكثير من المعرفة، ولكنها مجرَّد معرفة نظرية عن المسيحية (ع22)، أما بولس فكان يعرف المسيح شخصيًا، باعتباره ”الطريق“، فهو الذي قال: ««أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ» (قارن ع14 مع يو14: 6).
لم يكن بولس من الذين يتكلَّمون بالناعمات، فتحدَّث إلى ذلك الوالي بكلام مُرعب، إذ كلَّمه «عَنِ الْبِرِّ وَالتَّعَفُّفِ وَالدَّيْنُونَةِ الْعَتِيدَةِ أَنْ تَكُونَ». وكم كانت حياة ذلك الوالي الشـرير تفتقر إلى البر وإلى التعفف! فكيف لا يرتعب من ”الدَّيْنُونَةِ الْعَتِيدَةِ“؟ وفي اعتقادنا أن بولس كان مزمعًا أن يُقدِّم له الدعوة للخلاص بالنعمة بالإيمان، لكن الوالي لم يُمهله. ولقد زاد هذا الوالي الفاسد الشرير على شروره أن أمَرَ باستمرار حبس رسول يسوع المسيح، دون جريمة ولا ذنب، وهو ليس شرًا قليل القيمة ( مز 82: 2 )؛ ويقينًا سيُحاسبه الرب عليه يوم وقوفه أمام العرش العظيم الأبيض، فرغم وضوح براءة بولس وكذب المُشتكين عليه، أراد فيلكس أن يُرضيهم، وكجبان أجَّل قراره (ع22، 26، 27). ونتذكَّر هنا كلمات المُرنم الخطيرة المُوجَّهة للقضاة الظالمين في ”يوم البشـر“: «حَتَّى مَتَى تَقْضُونَ جَوْرًا وَتَرْفَعُونَ وُجُوهَ الأَشْرَارِ؟» (مز82: 2). ولكنه ليس فقط أجَّل قرار الإفراج عن بولس، بل أجَّل أيضًا قرارًا أكثر خطورة وهو الذي يخص خلاص نفسه. ومع أنه استدعى بولس مرارًا، وتكلَّم معه، ولكن ضميره الذي كان قد تقسـى بمحبة المال (ع26)، ما عاد تخترقه رعود الدينونة المُزمجرة. !