admin
نشر منذ سنتين
6

صار أيوب رمزًا للسيد المسيح



“فَأَخَذَ لِنَفْسِهِ شَقْفَةً لِيَحْتَكَّ بِهَا،
وَهُوَ جَالِسٌ فِي وَسَطِ الرَّمَادِ” [8].
ما هي هذه الشقفة (كِسَر أواني فخارية) التي يحك بها جسمه المُبتلى بالقروح إلا استخدام الوسائل الأرضية أو الزمنية لشفاء النفس. عوض تقديم تعزيات صادقة وشفاء حقيقي، يستخدم الشخص شقفة تسبب بالأكثر تلوثًا للقروح، وتحطم الجسم، هكذا إذ نمد أيدينا لعلاج أمراضنا الروحية بطرقٍ بشريةٍ خارج نعمة الله نحطم نفوسنا بالأكثر ونهلكها.
صار أيوب رمزًا للسيد المسيح، إذ لم يجد أيوب موضعًا ليسند فيه رأسه، ليس أمامه إلا أن يجلس على مزبلة وسط قروحٍ ملأت كل جسمه، يسخر به حتى أصدقاؤه. هكذا ليس لابن الإنسان أين يسند رأسه، ليس له إلا أن يرتفع على الصليب وسط آلام جسمه كله، لم تقبله خاصته (يو 1: 11).

لم يصعد أيوب على جبلٍ، بل جلس على مزبلة، لينعم فيها بالنصرة على عدو الخير ممجدًا الله إلهه. هكذا مسيحنا مخلص العالم يستريح في المتواضعين ومنسحقي القلوب ليقيم منهم هيكلًا له. اختار الجهال ليخزي بهم الحكماء، والضعفاء ليخزي بهم الأقوياء، والمُزدرى وغير الموجود ليبطل الموجود (1 كو 1: 27-28).
لم يجد أيوب أحدًا يعطف عليه، ولا من يضمد قروحه، ولعل أصدقاءه خشوا العدو أو لم يحتملوا رائحة نتانة القروح. لم يجد قطعة قماش ينظف بها جروحه، بل كان يحكها بشقفة فخارية، فكان العلاج أشد ألمًا من المرض نفسه. ليس من يدهن جراحات القروح بمواد مطهرة ولا بدهنٍ يهدئ من الألم! لقد اشتكى فيما بعد قائلًا إن لحمه لبسه الدود مع التراب (أي 7: 5).
أما جلوسه في الرماد وكل جسمه مملوء بالقروح، فيزيد من تلوث جراحاته عوض تطهيرها. ولعله فعل هذا علامة تواضعه وندامته وتوبته.
جاءت في الترجمة السبعينية: “جلس فوق مزبلة خارج المدينة“.
يقول البابا غريغوريوس (الكبير) إننا لا نعجب إن كان ذاك الذي مدحه الله نفسه يسمح له بالتجربة حتى يجلس في وسط الرماد، كما سمح للقديس يوحنا المعمدان الذي شهد له أنه ليس من بين مواليد النساء من هو أعظم منه أن تُدفع حياته ثمنًا لرقصة ماجنة.
* ألا (يسمح بهذا) لكي ما يضغط عليهم إلى أسفل حتى يكافئهم في الأعالي؟
إنه ينزل بهم إلى أسفل من الخارج إلى مستوى الازدراء، حتى يقودهم من الداخل إلى العلويات التي لا تُدرك.

البابا غريغوريوس (الكبير)

* إذ لم تستطع الأدوية البشرية أن تشفيه شفاه الصبر والإيمان. لقد جلس في كومة مزبلة، أما نفسه فكانت تتجول في الفردوس(124).

القديس جيروم

* أنزله من الكرسي الملوكي ليجلس في مزبلة. ومع مقاومته بالويلات التي أشرت إليها حالًا بقي سليمًا. تمزق جسمه، لكنه احتفظ في أعماق نفسه بكنز التقوى غير منتهك(125).

القديس باسيليوس الكبير

* يا لك من إنسان فاسد (جسديًا)، لكنك بريء! يا لك من كائن موصوم (بالقروح)، لكنك جميل! مجروح، لكن نفسك مملوءة صحة! تجلس على مزبلة، وتملك في السماء!
إن كنا نحب فلنقتدِ به، ولنجاهد لنتبع مثاله(126).

الأب قيصريوس أسقف آرل

* ألا ترونه بالحق قد جاء إلى أقصى الفقر المدقع، حتى يستحيل أن تجدوا شخصًا تقارنونه به؟ لأنه كيف يمكن أن يوجد من هو أكثر فقرًا من إنسانٍ عارٍ ليس لديه سقف يأوي تحته؟ نعم، ولم يكن في قدرته أن يتمتع حتى بالأرض بل جلس في مزبلة.
لهذا حينما تجدون أنفسكم قد بلغتم إلى الفقر، تأملوا آلام البار، وللحال تقومون وتنفضون عنكم كل فكر للقنوط.

هل تبحث عن  دراسة حول أمثال يسوع في الاناجيل: ما هي ولماذا تكلم بها وهل هي صحيحة؟

تبدو هذه المحنة للبشر القاعدة لكل الآلام مجتمعة معًا. أما المحنة الثانية التي تليها، بل بالحري تسبقها فهي أحزان الجسد. من صار هكذا معاقًا مثله؟ من احتمل مرضًا كهذا؟ من قبل أو سمع عن أحدٍ سقط تحت أحزانٍ عظيمة هكذا؟ لا أحد.
كان جسمه يبلى قليلًا قليلًا، وسيل من الدود يصدر عن أعضائه من كل جانب، يفيض هذا السيل الجارف بلا توقف، وتحيط به الرائحة النتنة بقوة، ويتدمر الجسم شيئًا فشيئًا، وجعل الفساد مع عفونة كهذه طعامه مرًا، وصار الجوع بالنسبة له غريبًا وفذًا.
لم يكن قادرًا أن يتمتع حتى بقوتٍ يُقدم له، إذ يقول: “أرى طعامي قد صار كريهًا” (7:6). حينما تسقط تحت ضعفٍ يا إنسان، تذكر ذاك الجسم المقدس. فقد كان جسدًا مقدسًا وطاهرًا حتى وهو مُصاب بجراحات كهذه…
لكن قد يقول أحد، كانت له تعزية عظيمة وراحة، إذ عرف أن الله هو الذي جلب هذه المتاعب عليه. هذا في الواقع يجعل اضطرابه أشد وأكثر ارتباكًا، أن الله البار الذي خدمه بكل وسيلة دخل في حرب معه… يقول: “تستذنبني لكي تتبرر أنت” (8:40).
إذ شعر بالذنب قال: “وضعت يدي على فمي. مرة تكلمت، فلا أجيب، ومرتين، فلا أزيد” (5:40). مرة أخرى يقول: “بسمع الأذن قد سمعت عنك، والآن رأتك عيني. لذلك أرفض وأندم في التراب والرماد” (5:42-6).
لكنك إن كنت تفكر أن في هذا كفاية للتعزية، فإنك قادر أن تختبر ذات التعزية. وإن كنت لا تعاني شيئًا من هذا من يدي الله، بل من غطرسة البشر، فلتشكر الله ولا تجدف على ذاك القادر أن يمنعهم بالحق. وإن كان قد سمح لهم بذلك فلأجل امتحانك، فمن يتألم بالآلام من يدي الله يُكلل. هكذا أنت أيضًا تُكلل، لأنك تحتمل المصائب بتقوى، تلك التي جلبها الناس عليك، شاكرًا ذاك القادر أن يصدهم عن ذلك، لكنه لم يرد ذلك(127).
* صارت جراحات الرجل البار (أيوب) أكثر نفعًا من اللآلئ…
صوّروا هذا المصارع أمامكم، وتخيلوه في الحمأة، جالسًا في وسطها.
يا له من تمثالٍ ذهبيٍ مرصع بالجواهر!
لست أعرف كيف أعَّبر عن هذا، فإني عاجز عن إيجاد مادة ثمينة هكذا لأقارنها بهذا الجسم الملطخ بالدماء. إنه أثمن بكثير من أية مادة، مهما بلغت تكلفتها، فإن طبيعة ذاك الجسد ثمينة بما لا يُقارن بأي شيء، وتلك الجراحات أكثر إشراقًا من أشعة الشمس، فإنها تنير عيون الجسد، أما تلك فتنير عيون النفس! إنها تضرب الشيطان بعمى كلي مطبق(128).

هل تبحث عن  St. Takla dot org website visit to Ethiopia 2008 زيارة موقع سانت تكلا دوت أورج إلى إثيوبيا - 2008

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي