admin
نشر منذ سنتين
4
سمح الله للشيطان أن يجرب أيوب




“فَقَالَ الرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ:
هُوَذَا كُلُّ مَا لَهُ فِي يَدِكَ،
وَإِنَّمَا إِلَيهِ لاَ تَمُدَّ يَدَكَ.
ثمَّ خَرَجَ الشَّيْطَانُ مِنْ أَمَامِ وَجْهِ الرَّبِّ ” [12].
لقد سمح الله للشيطان أن يجرب أيوب، كما سمح أن يغربل بطرس الرسول، لكن حرص ألا يفنى إيمانه (لو 22: 32)، فإن التجارب تؤول للمدح والكرامة والمجد (1 بط 1: 7).
التصريح الذي سمح به الرب للشيطان يعطي المؤمن طمأنينة وسلامًا، فعدو الخير لا يقدر أن يمس مؤمنًا دون إذن إلهه، حتى أملاكه لا يقدر أن يقترب إليها بدون سماح إلهه. أما الله فهو الأب القدير المحب الحكيم، يعطي السماح بالقدر الذي نحتمله، وبما يؤول إلى مجدنا إن كنا أمناء.
قيل عن عدو الخير: “خرج الشيطان من أمام وجه الرب” كما قيل عن قايين (تك 4: 16)، إذ لا يحتمل الشر الوجود في الحضرة الإلهية. أما بنو الله الماثلون أمام الله فلم يُقل عنهم أنهم خرجوا من وجه الرب. هكذا يبقى المؤمنون في حضرة الرب حتى في لحظات نومهم!
لقد سمح الله للشيطان بأن ينال سلطانًا لتجربة أيوب البار حسب الحدود التي وضعها له. هنا يميز البابا غريغوريوس (الكبير) بين إرادة الشيطان وسلطانه. فمن جهة إرادته فهي دومًا شريرة، أما سلطانه الذي يُسمح له به من قبل الله فلن يكون فيه ظلم، لأنه بسماحٍ إلهيٍ لأجل تزكيتنا وبنياننا. لهذا لا نعجب مما ورد في (1 صم 10:18) “الروح الرديء من قبل الله اقتحم شاول، وجن في وسط البيت”. فهو روح شرير، أما القول: “من قبل الله“، فلأنه ما كان يمكنه أن يقتحم شاول بدون نوال سلطانٍ من الله العادل. يقول القديس بولس: “لم تصبكم تجربة إلا بشرية، ولكن الله أمين، الذي لا يدعكم تُجربون فوق ما تستطيعون” (1 كو 13:10). لذا يقول داود المرتل: “جربني يا رب، وامتحني” (مز 2:26).
يرى القديس أغسطينوس أن الله يسمح للشيطان أن يُسقط عليهم الضيقات، إما لأجل تأديبهم كما سلم شعبه للسبي بواسطة الغرباء؛ وإما للامتحان كي يتزكوا كما سمح لأيوب أن يُجرب، وإما ليبعث بهم إلى نوال الإكليل كما سمح لشهداء أن يُضطهدوا(63).
*بالحقيقة عندما سأل الشيطان أن يُعطى له سلطان ضد أيوب، كان هجومه عليه سببًا في نوال أيوب مجدًا مضاعفًا بعد نصرته. نواله ضعف ما فقده في الحاضر أظهر بالحقيقة أنه سينال بلا شك بنفس الطريقة في المواضع السماوية. يقول الرسول إنه: “إن كان أحد يجاهد لا يُكلل إن لم يجاهد قانونيًا” (2 تي 2: 5).
بالحقيقة كيف يوجد جهاد إن لم يوجد من يقاوم؟
يا لعظمة جمال النور وبهائه الذي لا يمكن تبينه إن لم تعترضه ظلمة الليل.
لماذا يُمدح البعض لأجل الطهارة، إلا لأن آخرين يدانون على وقاحتهم؟
لماذا يتمجد الأقوياء إلا لأنه يوجد جبناء؟
عندما تستخدم ما هو مُر، عندئذ يصير لك الحُلو مستحقًا للمديح بالأكثر(64).

العلامة أوريجينوس

* نقرأ في سفر أيوب كيف أن الشيطان نفسه الذي يظهر كمن له كل السلطة إلى حين لا يقدر أن يفعل شيئًا بدون سماحٍ. لقد نال سلطانًا على الأشياء الدنيا، وفقد سلطانه على كل ما هو أعظم وأسمى. سلطانه هذا ليس كمن يصدر عقوبة، بل العقوبة حالة به هو نفسه(65).
* لقد سمح الله للمجرب، لا لكي يعرف ما هو بالفعل يعرفه (عن أيوب)، وإنما لكي نعرف نحن ونقتدي به. لقد سلم للمجرب، فسلب كل شيء. وبقي الرجل مسلوبًا من ممتلكاته ومن أسرته ومن أولاده، لكنه كان ممتلئًا من الله(66).
* سُمح للمجرب أن يجرب إنسانًا قديسًا، أيوب. في لحظة واحدة نزع كل الأشياء، أزال كل ما كان يملكه، نزع الميراث، وقتل الوارثين. لم يحدث هذا شيئًا فشيئًا، بل جملة معًا، بضربة واحدة… فأعلن عن الكلٍ بإعلان مفاجئ. حين أُزيل كل شيء بقي أيوب وحده، لكن بقيت فيه نذور التسبيح التي يرددها لله(67).
* استجاب الله (لشعبه) طلبتهم، أعطاهم ملكًا حسب قلبهم – كما هو مكتوب – وليس حسب قلبه هو. لقد وهب أيضًا ما سأله إياه الشيطان أن يجرب خادمه لكي يتزكى(68).

القديس أغسطينوس

* ألا ترون الحدود التي وضعت في الاختبار؟ أما تلاحظون أن الشيطان ما كان يمكنه أن يلمس حتى القطيع لو لم ينل سلطانًا؟

القديس يوحنا الذهبي الفم

* يُسمح للشيطان المجرب أن يثير حربًا على القديسين بكل طرق التجربة، حتى يتزكى حبهم لله، ولكي يكون ذلك شاهدًا. وذلك عندما يُنزع عنهم أو يحرمون أو يصيرون في عوز ومعدمين من الأمور الحسية، بينما يبقون محبين لله، ثابتين في محبته، يحبون بالحق. وبينما يحاول (الشيطان) إغراءهم يبقون غير منهزمين، ولا يغيرون محبتهم لله…
فالعدو يرغب بقوة أن يجرب كل إنسانٍ، إن كان ذلك ممكنًا له، ويسأل الله من أجل الكل لكي يجربهم كما سأل من أجل الرجل البار أيوب… وإذ نال في وقت قصير سماحًا اقترب الشيطان فورًا حسب قوة من سيجربه. هكذا يصارع الشرير معهم حسب شهوته. بهذه الوسائل، أولئك الذين هم مستقيمون وثابتون في حب الله يتزكون عندما يستخفون بكل شيء ويحسبونه كلا شيء بجوار حبهم لله(69).

مار إسحق السرياني

* يُعطى السلطان ضدنا في شكلين، إما للعقاب عندما نخطئ، أو للمجد عندما نتزكى، كما نرى في حالة أيوب(70).

الشهيد كبريانوس

* هوذا كل ما له في يدك، وإنما إليه لا تمد يدك” [12]، يمكن أن يكون لها معنى آخر. لقد عرف الرب حقًا أن جنديه كان شجاعًا، وأن النصرة أكيدة تحت كل الظروف لهذا المصارع الصامد. وأن العدو سيعود إلى الرب مهزومًا من صراع واحدٍ. عندئذ يسمح له بمعركة أخرى لكي يُهزم للمرة الأخرى، ويصير هذا الذي يتبعه بأمانة منتصرًا بالأكثر بطريقة لا تُقارن على العدو المنهزم الذي استعاد قواه للحروب الجديدة.

البابا غريغوريوس (الكبير)

*ما كُتب عن أيوب ليس بدون معنى، إذ يتضح من الكتاب أن الشيطان طلبه وسعي إليه. فإن الشيطان لا يستطيع أن يعمل شيئًا من ذاته بدون إذن من الله.
ماذا يقول الشيطان للرب؟ “سلمه ليدي، فإنه في وجهك سيجدف عليك” (أي 1: 12) ولا يزال أيوب كما هو إلى الآن، وهكذا الله أيضًا، وكذلك الشيطان. لذلك فبقدر ذلك يطلبه الشيطان ويقول للرب: “إنما هو يخدمك، لأنك تساعده وتحميه وتعينه، ولكن ابسط يدك الآن وسلمه لي، فإنه في وجهك يجدف عليك”.
باختصار إذ يكون الشخص حاصلًا على العزاء بالنعمة، تنسحب النعمة قليلًا حتى يمكن أن يُسلم للتجارب. ويأتي الشيطان ويحضر معه آلاف من الشرور كتجاربٍ للإنسان، مثل اليأس والارتداد والأفكار الرديئة، ليعذب بها النفس، لكي يضعفها ويفصلها من الرجاء في الرب(71).

القديس مقاريوس الكبير

*[لا تدخلنا في تجربة] الصلاة هنا ليست لكي لا نُجرب، بل لكي لا ندخل (ننقاد) في تجربة. فإذ يلزم لكل إنسان أن يُمتحن بالنار، عليه ألا يصلي لكي لا تمسه النار، بل لكي لا يهلك. لأن آنية الخزف تُختبر بالأتون، والإنسان يُمتحن بالضيقات trail of tribulation (حكمة يشوع 6:27).
يوسف أُمتحن بغواية الزنا، لكنه لم يدخل في تجربة (تك 7:39-12).
وسوسنة جُربت أيضًا دون أن تدخل في تجربة (دا 22:19).
وكثيرون من كلا الجنسين جُربوا دون أن يدخلوا في تجربة.
أما أيوب فأعظمهم، لأنه ثبت ثباتًا عجيبًا في الرب إلهه(72).

القديس أغسطينوس

* ليس لدى (الشياطين) سلطان ولا قوة يمارونها ضد أحد ما لم ينالوا سماحًا من الله حسب تدبيره, مثال ذلك ما حدث ضد أيوب (أي1: 2), وضد الخنازير المذكورة في الأناجيل (مر 5: 13)(73).

الأب يوحنا الدمشقي

* ليس للأرواح الشريرة السلطان أن تضر أحدًا، يظهر ذلك بوضوح في حالة الطوباوي أيوب، حيث لم يتجاسر العدو أن يجربه إلا حسبما سمح الله به… وقد اعترفت الأرواح نفسها بذلك كما جاء في الإنجيل، إذ قالت: “إن كنت تُخرِجنا فَأْذَنْ لنا أن نذهب إلى قطيع الخنازير” (مت 31:8). فإن كان ليس لديهم السلطان أن يدخلوا الحيوانات النجسة العُجم إلا بسماح من الله، فكم بالحري يعجزون عن الدخول في الإنسان المخلوق علي صورة الله؟!(74)

الأب سيرينوس



هل تبحث عن  أفرحي يا سلطانة السماء ألليلويا

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي