«لِكَي يَتِمَّ مَا قيلَ بِالأنبِيَاءِ:
«إِنهُ سَيُدعَى ناصِرِيًّا»
( متى 2: 23 )
في هيرودس نرى القوة الغاشمة، متحالفة مع المركز. فعندما غضب لتصـرُّف المجوس معه ( مت 2: 11 )، لم يرَ أمامه بديلاً إلا القتل الوحشـي لأطفال بيت لحم. لقد كان يقاوم الله، الذي أحبَطَ قصده، بإرسال ملاك ليوسف في حُلم للمرة الثانية ( مت 2: 13 ) (كانت المرة الأولى في متى 1: 20). فهرب بالصبي إلى مصـر، وبذلك تحققت نبوءة هوشع 11: 1 «مِن مِصـرَ دعَوتُ ابنِي» ( مت 2: 15 ). وبذلك اقتفى يسوع تاريخ شعب إسرائيل. ولا يُضَيِّع ”متى“ السطور في وصف نهاية هيرودس، إنما يقول ببساطة: فلما مات هيرودس، إذا ملاك الرب قد ظهر (للمرة الثالثة) في حُلم ليوسف في مصـر موجهًا إيَّاه «قُم وخُذِ الصَّبِيَّ وأُمَّهُ واذهَب (ارجع) إِلَى أَرضِ إِسرائيلَ»، مطمئنًا إيَّاه «لأَنَّهُ قد ماتَ الذينَ كانُوا يطلُبونَ نَفسَ الصَّبيِّ» ( مت 2: 19 ، 20).
ومن الواضح، أن نية يوسف في البداية، كانت العودة إلى اليهودية. ولكن لمَّا بلغته الأخبار أن ”أرخيلاوس“ قد خَلَفَ هيرودس أبيه ملكًا على اليهودية، جعله الخوف يتردَّد. وللمرة الرابعة وَجَّه الله يوسف في حُلم. وهكذا، وُجِّهوا هو ومريم والصبي أن يعودوا إلى الناصرة موطنهم الأصلي ( لو 2: 39 ). وهكذا نرى كيف وجَّه الله كل هذه التحركات المُبكرة؛ مرة بالظروف، مثل أمر أُوغسطس قيصـر (أن يكتتب كل واحد في مدينته الأصلية ـ لوقا 2: 1، 2)، والأخبار عن مُلك أرخيلاوس عوضًا عن أبيه ( مت 2: 22 )، ومرة بالأحلام (في أربعة مناسبات). وبذلك أُحبطت خطة العدو. وهكذا، فَتح ”البواب“ باب ”حظيرة الخراف“ لكي يدخل «الراعي» الحقيقي، بالرغم من كل أعمال العدو. وأيضًا تحققت النبوات، بالإتيان بيسوع من مصـر، وأيضًا في تسميته «ناصريًا».
وليس هناك نبي في العهد القديم تنبأ بأن يسوع سيكون ناصريًا بحرف الكلمة، ولكن أكثر من نبي قال إنه سيكون محتقرًا ومُعيَرًا. ولذلك يقول ”متى“: «لكَي يَتمَّ ما قيلَ بالأَنبيَاءِ» ( مت 2: 23 )، وليس نبيًا مُحددًا. لقد قالوا إنه سيكون محتقرًا، وهذا ما كانت تعبِّر عنه كلمة «نَاصِري» في أيام ربنا يسوع. لقد كان سكان اليهودية يحتقرون سكان الجليل – والناصرة إحدى مدنه – لوجود نسبة كبيرة من الأُمم وسط سكانه، وكانوا يُسمُّونه ”جليل الأُمم“. و«نَاصِري» هو الاسم الرابع الذي أُعطيَ لربنا في هذه البشارة، وهي: يسوع، وعمانوئيل، والحاكم (المُدبر)، ولكنه أيضًا «نَاصِري». فالله قَبِلَ أن يأتي بين البشـر ليُخلِّص ويسكن، ويحكم، ولكنه للأسف: مُحتقر من الناس.