خُذ ابنك وحيدك الذي تحبه إسحق…
واصعده هناك محرقة
( تك 22: 2 )
كلمة إسحاق معناه ”ضحك“، فعندما كان إبراهيم ينظر إلى إسحاق كان يتذكَّر ضحكه هو وسارة عندما أعطاهما الله الوعد به لأول مرة. ولمَّا وُلد الطفل قالت سارة عندما أسمَتهُ إسحاق: «قَدْ صَنَعَ إِلَيَّ اللهُ ضِحْكًا»، ليس ضحك عدم الإيمان فيما بعد، بل ضحك الفرح: «كُلُّ مَنْ يَسْمَعُ يَضْحَكُ لِي».
إن كل انتظارات إبراهيم تركَّزت في ذلك الطفل، ابن الموعد، وكان قلبه الذي شاخ ينبض عندما يتفكَّر في كل البركات المُركَّزة في ذلك الابن. فلنتفكَّر إذًا في وقعْ كلام الله عليه وهو يسمعه يقول: «خُذِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ»، ولماذا يُذكِّـره الله بأنه وحيده؟ ذلك لكي يجعله وجهًا لوجه أمام الحقيقة بأن الله يطلب منه أن يُضحي بكل شيء تركز فيه رجاؤه، كل شيء رأى فيه إيمانه ثمرًا إلى ذلك الوقت. ثم يعتصـر الله قلب إبراهيم اعتصارًا حين يقول له: «الَّذِي تُحِبُّهُ»؛ لماذا يُذكِّـرهُ الله بمحبته لإسحاق؟ أ ليس بذلك يضع صعوبة كبرى في سبيل طاعة إبراهيم لأمره؟ نعم إن تلك الطاعة مستحيلة على الطبيعة، ولكنها ليست مستحيلة على الإيمان، وكأن الله قصد أن يُبيِّن له تمامًا مقدار الكُلفة التي سيتكلَّفها، حتى يكون عمله عمل إيمان واضحًا.
«وَاذْهَبْ إِلَى أَرْضِ الْمُرِيَّا، وَأَصْعِدْهُ هُنَاكَ مُحْرَقَةً»! هل أُضَحي بوارث الوعد؟ بذاك الذي أعطاه ليَ الله نفسه؟ نعم، وهكذا يقصد الله أحيانًا أن يمتحن إيماننا، لقد تمتعنا ببعض البركات وحصلنا على بعض الاختبارات لنعمة الله، ولكن كأن الله يَسدل ستارًا على هذه كلها ويقول: هل أنت واثق في الأشياء التي أعطيتها لك؟ أم أنت واثق فيَّ أنا؟ هل أنت مستعد أن تُضحى بكل شيء وترى ماذا أنا مُزمع أن أفعله معك؟ يا له من امتحان فاحص لقلوبنا!
ولكن إبراهيم يأخذ ابنه بدون تردُّد، وفي الحال يمضـي إلى المكان المُعيَّن. يدخل إلى أعماق الامتحان المُريع، ويضع الحطب على ابنه، ويصعدان إلى الجبل معًا. ثم يأتي سؤال الابن: «يَا أَبِي … هُوَذَا النَّارُ وَالْحَطَبُ وَلَكِنْ أَيْنَ الْخَرُوفُ لِلْمُحْرَقَةِ؟». كم قد نفذ هذا السؤال كسهم في قلب أبيه! ولكن كم قد لمع الإيمان في جواب الأب: «اللهُ يَرَى لَهُ الْخَرُوفَ لِلْمُحْرَقَةِ يَا ابْنِي»؛ لقد علم أنه حتى ولو وُضع إسحاق للموت فإن الله قادر أن يُقيمه من الأموات. لقد وضع ثقته في إله القيامة، وهكذا أخذ ابنه كأنه مُقَام من الأموات في مثال.