كشف شمشون سره لدليلة
كشف شمشون سره لدليلة

“ولما كانت تضايقه بكلامها كل يوم وألّحت عليه ضاقت نفسه إلى الموت، فكشف لها كل قلبه وقال لها: لم يعل موسى رأسي لأنيّ نذير الله من بطن أمي فإن حُلقت تفارقني قوتي وأضعف وأصير كأحد الناس” [16-17].
كانت دليلة تضيق عليه بقولها له: “كيف تقول أحبكِ وقلبك ليس معي، هوذا ثلاث مرات قد ختلتني ولم تخبرني بماذا قوتك العظيمة؟[15]، فضاقت نفسه إلى الموت. إذ انحنت نفسه لشهوات جسده الشريرة تضيق نفسه منجرفة نحو الموت، عوض اتساعها بالحب الإلهي لتقبل الله في داخلها فتنفتح لخليقته.


إذ ضاقت نفسه جدًا حتى الموت لم يستطع أن يتكتم أسراره الروحية فكشف لها عن كل قلبه، قائلًا لها إنه كنذير لا يعل موسى رأسه، فإن حُلقت تفارقه قوته. وقد علق بعض الآباء على هذا التصرف، منهم القديس غريغوريوس النزينزي(127) حينما تحدث عن البابا أثناسيوس كعمود في الكنيسة، شبّه مقاومة الأشرار للكنيسة بما فعله الأشرار بشمشون، إذ نزعوا عنه شعره سرّ قوته؛ هكذا قاوم الأشرار البابا أثناسيوس كراعٍ قوي يسند شعبه حتى إذ يحلقون شعر الكنيسة أي ينزعون عنها مجدها يكونون قد نطقوا عليها بالشر.
وللقديس أغسطينوس تعليق على هذا الأمر نقتطف منه الآتي: [لنحذر أيها الأخوة المحبوبون قدرما نستطيع لئلا نعاني روحيًا ما عاناه شمشون جسديًا. لنفهم العقل بكونه الرجل (شمشون) والجسد ترمز له المرأة (دليلة). إن كان الإنسان يخضع لجسده عندما يتملقه بلطف للانهماك في الملذات فسيعاني من جسده ما عاناه شمشون من المرأة (دليلة). لذلك يليق بنا أيها الأعزاء المحبوبون بمعونة الله أن نجاهد ما استطعنا محقيقين قول الرسول عن نفسه: “أقمع جسدي وأستعبده (أخضعه)” (1 كو 9: 27). لنحذر بمعونة الله من موسى العدو الذي حلق رأس الجنس البشري عندما انخدع آدم وحواء بحيلة لئلا يعلو رأسنا نحن أيضًا، لأن رأسنا هو المسيح. إن كنا نستسلم لامرأة أي لشهوات الجسد المتملقة أو للشرور الأخرى فإننا ننخدع ونُحرم من النعمة الروحية ونكون كمن نُزع عنه شعر النذر… يوجد موسى يقطع بطريقة نافعة وآخر بطريقة ضارة، موسى الشفاء واهب الجمال لنا هو المسيح ربنا، الذي يقطع من قلوبنا أفكار الشر الضارة. إنه يحلق الرذائل عن النفس، ينير الرأس، ويهب الذهن جمالًا ويحررنا من الشعر المميت الذي للعبودية البائسة ويجعل حياتنا مقدسة وفي طهارة وتدبير عندما تنمو كشعر النذير من جديد… انظروا لقد أظهرت الموسى الذي نطلبه، أما الآخر فنرفضه ونتجنبه. الموسى المكرم هو المسيح والموسى المهلك هو الشيطان. المسيح هو رأسنا كقول الرسول، والشعر إما أن يكون فضائل أو رذائل، لذلك عندما تحدث النبي عن خطاياه قال: “أكثر من شعر رأسي (الذي يبغضونني بلا سبب)” (مز 69: 4). فالفصائل والرذائل يرمز لها بالشعر، عندما نحلق بالمسيح نتحرر من كل الرذائل، وعندما نحلق بالشيطان نُحرم من كل الفضائل(128)]. كما يقول: [إن خضع إنسان لشهوة أو انهمك في ملذة يفعل به جسده ما فعلته دليلة بشمشون(129)].

مرة أخرى يقول القديس أغسطينوس: [الآن ماذا يعني أن شمشون يحمل قوة في شعره؟ لاحظوا هذا بدقة أيها الأخوة. أنه لم يحمل قوة في يديه ولا في قدميه ولا في صدره ولا في رأسه وغنما في شعره. ما هو الشعر؟ يجيب الرسول أن الشعر غطاء (1 كو 11: 15)، وكأن المسيح حمل القوة في الغطاء عندما أختفي (احتمي) في ظلال الشريعة القديمة… ماذا يعني أن سرّ شمشون قد صار موضوع خيانة (من دليلة) وأن رأسه قد حُلقت؟ الشريعة قد احُتقرت والمسيح صُلب! لو لم يزدروا بالشريعة (حلق الرأس) لما قتلوا المسيح، إذ عرفوا أنه ليس من حقهم قتله. لقد قالوا للحاكم: “لا يجوز لنا أن نقتل أحدًا” (يو 18: 31)(130)].

هل تبحث عن  أمنا يا عذراء مريم

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي