داود هو الملك الثاني لبني إسرائيل. أما الملك الأول فكان شاول. وكان في المملكة قائد عظيم اسمه صموئيل، كان قاضياً للشعب كما كان كاهناً ونبياً للرب. وبدأ الملك شاول بدايةً طيبة، لكنه انحرف وعصى الرب ولم يطعه، وكانت النتيجة أن الله رفض شاول من المُلك. وحزن صموئيل النبي على شاول وبكى عليه، ولكن المملكة دوماً أهم من الملك، وعمل الرب دوماً أهم من الشخص الذي يعمله. لذلك قال الله لصموئيل: «حَتَّى مَتَى تَنُوحُ عَلَى شَاوُلَ، وَأَنَا قَدْ رَفَضْتُهُ عَنْ أَنْ يَمْلِكَ عَلَى إِسْرَائِيلَ؟ اِمْلأْ قَرْنَكَ دُهْناً وَتَعَالَ أُرْسِلْكَ إِلَى يَسَّى ٱلْبَيْتَلَحْمِيِّ، لأَنِّي قَدْ رَأَيْتُ لِي فِي بَنِيهِ مَلِكاً» (١صموئيل ١٦: ١-١٣). أما قرن الدهن فهو الوعاء الذي يضعون فيه الدُهن الخاص، الذي يمسحون به الكهنة والملوك، علامة اختيار الله لهم. وهذا الدُّهن ذو رائحة طيبة. وأمر الرب صموئيل أن يذهب إلى بيت لحم ليقدم ذبيحة للرب، فأخذ صموئيل عِجْلة من البقر، وسار نحو بيت لحم وهو لا يعلم من يكون الملك الجديد، لكنه كان يعرف أن الرب سيعلن له من يكون ذلك الملك.
وما أن وصل صموئيل إلى بيت لحم حتى اجتمع حوله شيوخ المدينة، فقال لهم: «سلام. جئت لأذبح للرب. تقدسوا وتعالوا معي إلى الذبيحة». واهتم صموئيل بأهل بيت يسى والد داود، وطلب أن يستعدوا استعداداً خاصاً، وربما نزل صموئيل ضيفاً عندهم. وكان الله قد قال لصموئيل إن الذي يمسحه ملكاً هو أحد أولاد يسى، ولذلك طلب أن يرى كل أولاد يسى، فجاء يسى ومعه كل أولاده، ما عدا داود الصغير. ورأى صموئيل النبي ابن يسى الأكبر واسمه أليآب، وكان طويل القامة وحسن المنظر، فظنّ صموئيل أن أليآب هو الشخص الذي يطلبه الرب ليكون ملكاً. ولكن الرب كان يقصد شخصاً آخر، فقال الرب لصموئيل: «لا تنظر إلى المظهر لأن الإنسان ينظر إلى العينين، وأما الرب فإنه ينظر إلى القلب».
هذه الكلمات تعلمنا درساً عظيماً. إن الله لا تهمه المظاهر الخارجية، لكنه يهتم كثيراً بحالة القلب الداخلية. فلتكن حالة قلوبنا موضع اهتمامنا، ولنعتنِ بأن يكون لنا القلب النقي، كما قال السيد المسيح: «طُوبَى لِلأَنْقِيَاءِ ٱلْقَلْبِ، لأَنَّهُمْ يُعَايِنُونَ ٱللّٰهَ» (متى ٥: ٨).
وجاء يسى بالابن الثاني واسمه أبيناداب ولكن الربَّ لم يقبله. وجاء بالابن الثالث واسمه شمَّة ولكن الرب لم يقبله. فجاء يسى بالأبناء الرابع والخامس والسادس والسابع، ولم يقبل الرب أحداً منهم. فقال صموئيل ليسى: «ٱلرَّبُّ لَمْ يَخْتَرْ هٰؤُلاَءِ». وفي حيرة تساءل صموئيل: «هَلْ كَمُلَ ٱلْغِلْمَانُ؟» فأجاب يسى: «بَقِيَ بَعْدُ ٱلصَّغِيرُ وَهُوَذَا يَرْعَى ٱلْغَنَمَ». فَقَالَ صَمُوئِيلُ لِيَسَّى: «أَرْسِلْ وَأْتِ بِهِ، لأَنَّنَا لاَ نَجْلِسُ حَتَّى يَأْتِيَ إِلَى هٰهُنَا» (١صموئيل ١٦: ١١). فأرسل يسى رسولاً يدعو داود للحضور، فترك داود أغنامه في رعاية الرسول الذي أرسله أبوه، وأسرع ليقابل صموئيل رجل الله، وهو لا يعرف سبب تلك الدعوة المفاجئة.