إذ تمتع يونان بالحياة بعد الموت دعاه الرب ثانية للخدمة لينعموا هم أيضًا بالحياة، والعجيب أن الله لم يعاتب يونان بكلمة ولا جرح مشاعره بسبب هروبه في الإرسالية الأولى، إذ يقول الكتاب:
صورة في موقع الأنبا تكلا: يونان النبي يدعو مدينة نينوى للتوبة – صور من الكتاب المقدس: الرسام جوستاف دوريه
“ثم صار قول الرب إلى يونان، قائلاً: قم إذهب إلى نينوى المدينة العظيمة ونادِ لها المناداة التي أنا مكلمك بها، فقام يونان وذهب إلى نينوى بحسب قول الرب. أما نينوى فكانت مدينة عظيمة لله مسيرة ثلاثة أيام، فابتدأ يونان يدخل المدينة مسيرة يوم واحد ونادى. وقال: بعد أربعين يومًا تنقلب نينوى” [١–٤].
يصف نينوى هكذا: “مدينة عظيمة لله مسيرة ثلاثة أيام”؛ بالمعنى الحرفي تعني أنها مدينة ضخمة يقطعها الإنسان في ثلاثة أيام، أو يبقى يجول في شوارعها ثلاثة أيام، أما بالمفهوم الروحي فإن نينوى كعاصمة لأشور قد سلمت نفسها للشيطان تتعبد للأصنام، لكن الله يتطلع إليها، أنها مدينته العظيمة التي اغتصبها العدو بتسليم نفسها له. الله لا يحتقر خليقته خاصة الإنسان، حتى إن انحرف عنه فهو ينتظر خلاصه ورجوعه إليه كمدينة عظيمة له يسكنها الثالوث القدوس.
في دراستنا لسفر يشوع رأينا رقم ٣ يُشير للإيمان بالثالوث القدوس كما يُشير للقيامة في اليوم الثالث[23]. هذا هو سرّ عظمة الإنسان أن يصير مدينة الله أو كما يسميها الكتاب “مدينة الحق” (زك ٨: ٣)، مملكة الثالوث القدوس، الشاهدة لقيامة الرب بحياتها المقامة فيه.
استجاب يونان للدعوة ودخل المدينة مسيرة يوم واحد لينادي بالتوبة ما هو هذا الدخول إلاَّ إشارة إلى ظهور أحد الثالوث القدوس، الله الكلمة الذي تجسد وتألم، فصار كمن في مدينتنا. حلّ في وسطنا كواحد منا، خلاله تقبلنا عمل الثالوث القدوس، ونلنا الخلاص!
نادى يونان أنه بعد أربعين يومًا تنقلب مدينة نينوى، وفي الترجمة السبعينية بعد ثلاثة أيام تنقلب مدينة نينوى، إن كان رقم ٤٠ يُشير إلى حياتنا الزمنية، لذلك صام السيد المسيح أربعين يومًا لكي نصوم كل أيام حياتنا، فإن نينوى تنقلب بعد أربعين يومًا إذ تزول السماء والأرض حتى تنعم بالسماء الجديدة والأرض الجديدة. وإن كان رقم ٣ يُشير إلى القيامة مع السيد المسيح، فلابد لنينوى القديمة أن تُهدم لتقوم الجديدة فيه.