داود ملك على كل بني إسرائيل:
وعند موت إيشبوشث اختارت كل الأسباط داود ملكًا عليها. وقد بادر للحال بتأسيس المملكة (2 صم 5: 1-5)
وكانت بعض الحاميات الفلسطينية في بعض بلاد المملكة،
وكانت بعض البلدان الأخرى في يد الكنعانيين.
فقام داود بأخذ حصن اليبوسيين في أورشليم. وكان السكان يعتبرون الحصن منيعًا
لا يقهر ولكن داود اكتسحه عنوة. وبحكمة جعل المدينة عاصمة ملكه
وأقام قصرًا بناه له صناع صوريون. وكانت العاصمة الجديدة تقع على الحدود
بين الأسباط التي في الشمال والجنوب. وقد ساعد أخذه البلاد التي كانت في أيدي الكنعانيين
على فتح الطريق بين يهوذا والشمال ويسّرت التعامل بين الشمال والجنوب
وعملت على أحكام أواصر مملكته. وقد غزا الفلسطينيون البلاد مرتين
ولكن هزمهم داود في المرتين بالقرب من أورشليم (2 صم 5: 17-25 و1 أخبار 14: 8-17)
وقد تقدم بعد انتصاره الثاني على الفلسطينيين فغزا بلادهم وأخذ جتّ.
وفي هذه المرة ثم في مرات تالية قام فيها داود بمهاجمة الفلسطينيين
تمكن من إخضاعهم تمامًا (2 صم 21: 15-22)
فكفوا عن اقلاف المملكة التي أسسها مدة عدة قرون وحالما
أتم داود تأسيس المملكة وجه عنايته إلى الشؤون الدينية
فاحضر التابوت باحتفالات دينية وذبائح وفرح عظيم فنقله من قرية يعاريم (يشوع 15: 9 و2 أخبار 1: 4)
ووضعه في خيمة الاجتماع التي نصبها له في مدينة داود (2 صم ص 6 و1 أخبار ص 13 وص 15: 1-3)
ثم من بعد ذلك وجه عنايته إلى تنظيم العبادة فأحسن تنظيمها (1 أخبار ص 15 وص 16)
ووضع تصميمًا لهيكل عظيم (2 صم ص 7 و1 أخبار ص 17 وص 22: 7 -10).
وزاد الله له نعمته فأصبح ناجحًا جدًا. ولكي يضمن أمن مملكته
ويحرص على ان لا تأتيها العدوى الوثنية من الأمم المجاورة
ولكي ينتقم لأجل هجمات وقعت على ملكه، قام داود بحرب ضد الأمم المحيطة
بهم فاخضع الموآبيين والاراميين في صعوبة ودمشق والعمونيين
والادوميين والعمالقة (2 صم ص 8 و10 و12: 26-31)
وبهذا امتدت مملكته إلى أقصى حدود وصلت إليها في كل تاريخها.
وقد ارتكب داود خطيئته الشنيعة ضد أوريا الحثي أثناء حربه مع العمونيين.
وقد وبخه النبي ناثان على هذه الخطيئة واعلن له العقاب السماوي الذي يحلّ به:
ان السيف لن يفارق بيته (2 صم 11: 1 إلى 12: 23)
وقد تاب داود توبة صادقة (مز 51) ولكن الغلام الذي ولد نتيجة زواجه من امرأة اوريا مات (2 صم 12: 19)
وقد ظهرت قوة الشهوة الجامحة وقوة الانتقام الغشوم في بيته (2 صم ص 13)
، وفي عصيان ابنه عليه فاقضَ مضجعه وأثار حربًا أهلية وشعواء في مملكته (2 صم ص 14 -19).
وقد وجدت روح القلق والحسد والطمع التي أثارها ابشالوم في الأسباط،
مكانًا في نفوس الشعب وبقيت حتى بعد ما اخمد عصيان أبشالوم،
وظهرت مرة أخرى في عصيان شبع بن بكري (2 صم ص 20)
وقد وفىّ داود العدل حقّه بحسب ما كان سائرًا في عصره فانتقم لكسر شاول الحلف مع الجبعونيين (2 صم ص 21). وارتكب خطيئة كبرياء بقيامه بإحصاء الشعب وقد عوقب لذلك بأن أصيب الشعب بالوباء (2 صم ص 24 و1 أخبار ص 21) وقد انشغل داود كثيرًا أثناء حكمه بشئون الدولة الداخلية وتنظيمها وكذلك بالحروب الكثيرة التي قام بها. وكذلك شغل بإعداد المواد لبناء الهيكل. وختم حكمه بتثبيت سليمان على العرش وارثًا له (1 ملو ص 1) ثم أوصى بإيقاع الحكم العدل على بعض ممن ارتكبوا جرمًا وافلتوا من العدالة في مدة حكمه (1 ملو 2: 1-11) ومات في السنة الحادية والسبعين من عمره بعد أن حكم أربعين سنة أو يزيد منها سبع سنين ونصف سنة في حبرون وثلاثة وثلاثين سنة في أورشليم (2 صم 2: 11 و5: 4 و5 و1 أخبار 29: 27). وقد دفن داود في مدينة داود وتقع هذه جنوب الحرم الشريف. أما مكان قبره بحسب التقليد فهو المكان الذي يسمّى “النبي داود” وهو بالقرب من الباب المسمى بهذا الاسم.
وقد اعتبر داود منذ حداثته مرنم إسرائيل الحلو (2 صم 23: 1) وقد نسبت إليه المزامير. وقد ورد في الكتب التاريخية ذكر لشغفه بالموسيقى. فقد كان يضرب على القيثارة بمهارة فائقة (1 صم 16: 18-23 و2 صم 6: 5) وقد نظم خدمة التسبيح للمقدس (1 أخبار 6: 31 و16: 7 و41 و42 و25: 1) وقد انشأ رثاء لشاول ويوناثان وكذلك رثا أبنير. ثم انشد رثاء لشاول ويوناثان وكذلك رثا أبنير. ثم انشد انشودة النجاة والكلمات الختامية التي نطق بها (2 صم 1: 17-27 و3: 33 وص 22 وص 23: 1-7) وقد أشار عاموس وعزرا إلى نشاطه الموسيقي (عزرا 3: 10 ونحم 12: 24 و36 و45 و46 وعا 6: 5) وابن سيراخ (ص 47: 8 و9) ومثل هذا العمل الذي قام به داود كان قد نشأ وترعرع وتهذبت الملكات له عند المصريين القدماء والبابليين والعبرانيين (عدد 21: 14 وقضاة ص 5). وينسب على داود ثلاثة وسبعون مزمورًا كما ذكر في عناوين هذه المزامير في الأصل العبري (قارن مز 3 و34 و51 إلخ.). وكثيرًا ما تذكر المناسبة التي لأجلها أنشد هذا المزمور أو ذاك. مزمور 59 وعلى الأرجح مز 7 انشئا أثناء وجوده مع شاول ومزامير 34 و52 و54 و56 و57 و63 و142 أنشئت في وقت حلّ به ضيق وعندما كان طريدًا. ومزامير 3 و18 و30 و51 و60 كتبت في عدة مناسبات فيها جاز داود اختبارات منوعة عندما كان ملكًا.
ومع أن داود ارتكب في بعض الأحيان خطايا يندى لها الجبين خجلًا إلا إننا غذ نظرنا على نسبة النضوج الروحي الضئيلة التي كانت سائدة في ذلك العصر وحالة الظلام التي كانت تعم العالم قبل انبلاج فجر النور، ثم إذا نظرنا إلى عمق توبته لرأينا في هذا شيئًا مما يخفف ذنبه على حدّ ما. ومن الناحية الأخرى إذا نظرنا إلى قوة تعلقه بالله وشدة إخلاصه له وروعة إيمانه به أمكننا أن ندرك كيف انه دعي رجلًا حسب قلب الله (1 صم 13: 14) وعلى الإجمال فقد فعل المرضي في عيني الله ما عدا ما كان من خطيئته في حق أوريا الحثي (1 ملو15: 5) فقد خدم جيله بمشورة الله ورقد (أعمال 13: 36). وإن مقدار ماله من الأثر في الجنس البشري عظيم إلى حد كبير. فقد أسس ملكًا، وانشأ مزامير أنشدت في كل بقاع العالم المسيحي طوال قرون وقرون. وكلما أنشدت كلما بعثت في المرنمين حياة روحية قوية. وقد كان داود حلقة على غاية ما يكون من الأهمية في سلسلة انساب من هو ابن داود وفي نفس الوقت رب داود (مت 22: 41-45)