إن المصدر الأساسي لتاريخ إبراهيم هو ما جاء في سفر التكوين ( 11 : 26 – 25 : 18 ) ومما يسترعي الانتباه أنه في باقي أسفار العهد القديم يذكر إبراهيم بالاسم أكثر من أربعين مرة، ومرات الإشارة إليه في العهد الجديد تزيد عن السبعين. وكثير من الاكتشافات الأثرية، وبخاصة في القرن الأخير، قد زودتنا بثروة من المعلومات لفهم الخلفيتين الثقافية والتاريخية للعصر الذي عاش فيه إبراهيم. وهناك آرء كثيرة عن أصل اسم إبراهيم واشتقاقه، ولكننا نفهم من الكتاب أن معنى الاسم هو ” أب لجمهور ” ( تك 17 : 5 ).
حياة إبراهيم
كانت أور الكلدانيين، والتي يرجح أن موقعها الآن هو تل المكير، على بعد تسعة أميال من الناصرية على نهر الفرات في جنوبي العراق، هي مسقط رأس ابراهيم بن تارح من نسل سام، وقد ارتحل مع تارح أبيه وعائلته مسافة 600 ميل إلى الشمال الغربي من أور، واستقروا في حاران على البلخ أحد روافدنهر الفرات ( تك 11 : 26-32 ). وفي سن الخامسة والسبعين ارتحل إبراهيم وزوجته ساراي وابن أخيه لوط وكل ممتلكاتهـما، تلبية لدعوة الله، إلى أرض كنعان على بعد 400 ميل إلى الجنوب من حــــاران. وتوقفوا في طريقهم، في شكيم وبيت إيل، وأخيراً استقر إبراهيم في النقب أي في الجنوب، ولكن حدث جوع فانحدر جنوباً إلى مصر، وعندما استرعى جمال سارة فرعون، أرسل الله عليه الضربات مما جعله يطلق ابراهيم وساراي. فعاد إبراهيم ولوط بعد ذلك إلى النقب أي الجنوب ( تك 12 : 1 -20 ). ومن ثم انتقلا إلى بيت إيل، وكانت ثروتهما قد ازدادت مما رأيا معه أنه من الأفضـــل أن يفترقا، وترك إبراهيم – في شهامة – الخيار للوط، فاختار لوط الإقامة في وادي الأردن في مدينة سدوم المملوءة بالشر.
وعندما استقر إبراهيم في دائرة حبرون، أعطاه الله الوعد بأرض كنعان له ولنسله الذي سوف لا يعد من الكثرة ( تك 13 : 1-18 ). وعندما سبى غزاة الشمال لوطاً وملوك وادي الأردن معه، لحق بهم إبراهيم وحلفاؤة في دان وطاردوهم إلى شمالي دمشق واسترجعواكل الأسرى. وعند عودة إبراهيم، أبى أن يأخذ الغنائم، ولكنه أعطى العشور لملكي صادق الذي كان كاهناً لله العلي وملكاً لشاليم ( تك 14 : 1 – 24 ). ومع أن أليعازر الدمشقي كان الوارث المنتظر، إلا أن إبراهيم تلقى بالإيمان وعد الله بأن يكون له ابن، سيكون نسله كنجوم السماء في الكثرة، وأنهم سيمتلكون أرض كنعان.
وبعد تقديم ابراهيم لذبيحة أمره بـــها الله، أنبأه الله بأن نسله سيتغربون في مصر ويستعبدون للمصريين وبعد ذلك ينقذهم الله. وكان عهد الله مع إبراهيم يؤكدله بأنه سيعطى كل أرض الموعد لذريته ( 15 : 1-21 ). وبعد عشر سنوات من إقامته في كنعان دون أن تبدو بادرة على أن يكون له ابن، أشارت عليه سارة – بعد أن نفذ صبرها – بأن يدخل على جاريتها المصرية هاجر، وإذ حبلت هاجر بإسماعيل، صغرت مولاتها في عينيها، وسخرت من عقم ساراي، مما أدى إلى نفيها إلى البرية، حيث ظهر لها ملاك الرب لنجدتها. وبعد عودتها ولدت إسماعيل عندما كان إبراهيم ابن ست وثمانين سنة.
ومن الأمور الهامة أن الله ظهر لإبراهيم بعد ذلك بثلاث عشرة سنة، وأيد له الوعد قائلاً له إن أمماً وملوكاً منه يخرجون ويرثون هذه المواعيد الأبدية، وغير اسم أبرام إلى إبراهيم، الذي يعني أنه سيكون أباً لجمهور من الأمم، وأعطاه الختان كعلامة العهد الأبدي، والوعد بمولد إسحق، وتغير اسم ساراي إلى سارة، ومن ذلك الوقت أصبح الختان فريضة في بيت إبراهيم ( 17 : 1 – 27 ). وأقام إبراهيم في حبرون حيث ظهر له الرب مرة أخرى وأيد له الوعد بولادة إسحق. وعندما علم إبراهيم بقضاء الله على سدوم وعمورة توسل من أجل لوط فأنقذه الله مع ابنتيه، واستطاع إبراهيم من سهول ممرا أن يرى الدمار الرهيب الذي أصاب سدوم وعمورة.
هرب لوط إلى صوغر حيث ولدت ابنتاه موآب وعمون، سفاحا من أبيهما، ومنهما جاء الموآبيون والعمونيون ( 18 : 1 – 19 : 38 ). ومن هناك انتقل إبراهيم إلى قادش وتغرب في جرار حيث حذر الرب أبيمالك ملك جرار من أن ينجس سارة، بل أمره أن أن يطلب من إبراهيم كنبي أن يصلي من أجله، وقد أجزل أبيمالك العطاء لإبراهيم فاتسعت ثروته ( تك 20 : 1 – 18 ). ولد إسحق الوارث الموعود به من سارة عندما كان إبراهيم ابن مئة سنة، وعلى خلاف العادات السائدة، أمر الله إبراهيم أن يطرد هاجر مع ابنها إسماعيل، الذي كان يسخر من إسحق، وقد فعل إبراهيم ذلك على مضض منه، وقد أنقذ الله هاجر وإسماعيل بمعجزة منه، وسكن إسماعيل في برية فاران، وأعطاها الله الوعد بأن إسماعيل سيصير أمة عظيمة. وبعد ذلك عقد إبراهيم معاهدة مع أبيمالك لكي يضمن حقوقه في بئر سبع كمستقر له ( تك 21 : 1-34 ).
ابونا ابراهيم
وكان امتحاناً قاسياً حاسماً لإبراهيم أن يطلب منه الله أن يقدم ابنه الوحيد إسحق ذبيحة. وفي طاعة كاملة شرع إبراهيم في تنفيذ ذلك الأمر على جبل المريا. وفي اللحظة الأخيرة أرشدة الله إلى الكبش الممسك بقرنية في الغابة ليقدمه فدية عن إسحق. وهناك تأيد الوعد مرة أخرى لإبراهيم. وعندما ماتت سارة اشترى إبراهيم مغارة المكفيلة في حبرون لتكون مقبرة لعائلته ( 22 : 1 – 23 : 20 ). وعندما بلغ إسحق الأربعين من عمره، أرسل إبراهيم عبده أليعازر الدمشقي إلى مدينة ناحور فيما بين النهرين فأخذ رفقة بنت بتوئيل زوجة لإسحق. وقد عين إبراهيم إسحق وارثاً لكل ماله ولوعود العهد، أما باقي أولاد إبراهيم فقد أعطاهم عطايا وصرفهم شرقاً قبل موته. وعندما مات إبراهيم في الخامسة والسبعين بعد المائة دفنه ابناه إسحق وإسماعيل في مغارة المكفيلة ( 24 : 1 – 25 : 18 ).
البيئة الجغرافية التي عاش فيها ابراهيم
تنقل إبراهيم في المنطقة الممتدة من الخليج العربي إلى الهلال الخصيب إلى وادي النيل في مصر، على أن مقره الرئيسي كان في أرض كنعان، وكان من الشائع في عهده أن ينتقل التجار والمبعوثون السياسيون وغيرهم بين مصر وما بين النهرين. وواضح من كتابات الألف الثانية قبل الميلاد، أن آخرين أيضاً قد أرسلوا لاتخاذ زوجات لهم من أماكن بعيدة كما فعل إبراهيم لابنه إسحق. والاكتشافات الأثرية الحديثة تثبت أن الأماكن تثبت أن الأماكن الجغرافية الواردة أسماؤها في تاريخ إبراهيم، كانت مأهولة بالسكان في ذلك العصر. فقد كانت مدينة أور في وادي الفرات الأسفل مركزاً سكانياً كبيراً، وقد حصلنا على فيض من المعلومات من القبور الملكية التي اكتشفتها البعثات الأثرية التي قادها سير ليونارد وولي تحت إشراف المتحف البريطاني ومتحف جامعة بنسلفانيا، ومع أنه لا دليل فيها على إقامة إبراهيم هناك، إلا أن تاريخ أور يمتد إلى ما قبل إبراهيم بكثير، وكانت لديهم معرفة كبيرة بالكتابة والتعليم، والحسابات الرياضية والسجلات الخاصة بالإعمال والديانة والفن. مما يدل على أن أور كانت إحدى المدن الكبرى الغنية في وادي الدجلة والفرات عندما هاجر منها إبراهيم إلى حاران.
ويبدو أن بقعة حبرون على بعد نحو تسعة عشر ميلاً جنوبي أورشليم كانت مكاناً ملائماً لسكنى إبراهيم فيها، ويظهر أن تلك المدينة التي كانت تعرف في عهد الآباء باسم ” قرية أربع ” قد تأسست في زمن مبكر كما يظهر من اكتشافات البعثة الأمريكيـــــــة ( 1964 ) التي اكتشفت أسواراً من اللبن على أساس من الصخر يعود إلى سنة 3000 ق.م. وكثيراً ما يطلق الكتاب المقدس على هذه اسم ” ممراً”. وتقع بئر سبع على بعد 48 ميلاً في الجنوب الغربي من أورشليم على منتصف المسافة من البحر المتوسط والطرف الجنوبي للبحر الميت – تقريباً – على حدود ” النقب ” التي معناها ” جاف ” أو ” يابس “، وتوجد آبار كثيرة هناك مما سهل لإبراهيم ولنسله الإقامة في تلك المنطقة مع قطعانهم ومواشيهم. والطريق المسماة في الكتاب طريق شور كانت تمتد من مرتفعات اليهودية مارة ببئر سبع إلى مصر. وتقع جرار ( 21 : 32 و 34 ) في أرض الفلسطينين. ومع أن تل جامنة على بعد ثمانية أميال جنوبي غزة، إلا أن و.ج. أدامز ( 1922 ) وو. م. فلندرز بيتري ( 1927 ) كانا يعتبرانه موقع جرار القديمة، إلا أن الأبحاث الحديثة التي قام بها أهاروني ترجح أنه تل أبي هريرة الذي يقع على بعد 11 ميلاً جنوبي شرقي غزة.
وتدل الآثار الفخارية التي وجدت فيه على أنه كان مأهولاً منذ العصر الحجري مع ازدهار شديد في منتصف العصر البرونزي الذي عاش فيه إبراهيم والآباء. ونرى في سفر التكوين من العلاقات بين إبراهيم وإسحق وأبيمالك ملك جرار مدى اهتمامهم المشترك بآبار بئر سبع. ومع أن الفلسطينيين لم تكن لهم السيادة المطلقة على هذه المنطقة قبل القرن الثاني عشر قبل الميلاد، لكن كانت لهم مراكز تجارية في الجنوب الغربي في فلسطين في عصر الآباء. ولسدوم وعمورة مكانة فريدة في تاريخ إبراهيم، وتسمـــى ” مدن الدائرة “شرقي بيت إيل وحبرون في فلسطين. وفي سدوم استقر لوط بعد انفصاله عن إبراهيم. ويرجح و.ف. ألبريت أن هذه المدن كانت في المنطقة الضحلة في الطرف الجنوبي للبحر الميت. وواضح أنه كان سهلاً خصباً يذخر بالقرى حوالي 2000 ق.م. ومن المحتمل أن أطلال سدوم وعمورة قد غمرتها مياة البحر الميت.
تحديد التاريخ الذي عاش فيه إبراهيم
إن الجمع بين المعلومات التاريخية وبين سفر التكوين يدفعنا إلى تحديد تاريخ إبراهيم في القرن التاسع عشر قبل الميلاد تقريباً، والانخفاض الحاد في عدد السكان الذي حدث في تلك الفترة، يرجعه بعض العلماء إلى الحرب المدمرة المذكورة في الأصحاح الرابع عشر من التكوين. وأسماء هؤلاء الملوك هي أسماء نموذجية للعصر البابلي القديـــــــــــم ( 2000 – 1700 ق.م) وإن كان من المحتمل أن أمرافل شخص آخر غير حمورابي. كما أن التحالف بين أربعة ملوك ضد خمسة (تك 14 ) يطابق تماماً التحالفات السياسية والعسكرية التي كانت في ذلك العصر، إذ بعد ذلك كانت التحالفات تتم بين أعداد أكبر من الملوك. كما أن أسماء إبراهيم وسائر الآباء تشابه الأسماء المذكورة في جداول القرون من التاسع عشر إلى السابع عشر قبل الميلاد. كما أن الإقامة الموسمية في النقب ( الجنوب ) التي نراها في قصة سفر التكوين نجدها أيضاً في الاكتشافات الأثرية عن الفترة مـــــــــــــن 2100 – 1800 ق.م. ولم يكن الوضع كذلك في الألف سنة السابقة أو في الثمانمائة سنة اللاحقة لهذه الفترة. يقول بعض العلماء إن إبراهيم عاش بعد ذلك بعدة قرون، ولكن هذا الافتراض الذي يستخلصونه من بعض جداول الأنساب في الكتاب هو افتراض ضعيف. إن تاريخ عصر إبراهيم يرتبط إرتباطاً مباشراً بتاريخ خروج الشعب القديم من مصر الذي ينحصر في الفترة ما بين 1450 – 1250 ق.م تقريباً. فإذا كان إبراهيم قد عاش قبل الخروج بحوالي 600 سنة، فيكون تاريخ وصوله إلى كنعان هو ما بين 2050 – 1850 ق.م.
الاكتشافات الأثرية في سفر التكوين
لقد ألقت الاكتشافات الأثرية الكثير من الضوء على تاريخ إبراهيم كما هو مذكور في التكوين ( 12 – 25 ) فالقوانين والعادات التي كانت سائدة في العالم في العصر الذي عاش فيه إبراهيم قد كشفت لنا عن أسلوب الحياة المذكورة في الكتاب. فالقوانين الكثيرة المتعلقة بالوراثة التي كشفت عنها الحفائر الأثرية في ” نوزو” على نهر الدجلة تفسر لنا اهتمام إبراهيم بأن يكون له وارث، فبناء على تلك الشرائع كان يمكن للإنسان أن يتبنى خادماً أو عبداً ويجعله وارثاً شرعياً له إذا لم يكن له ابن، وفي هذه الحالة كان يجب على الابن بالتبني أن يعني بسيده، وأن يقوم بدفنه عند موته ويرث كل ممتلكاته وأن يحافظ على اسم العائلة. فإبراهيم كان يتصرف حسب قوانين عصره في اعتباره أليعازر الدمشقي وارثاً له ( 15 : 2-4 ). وإذا ولد ابن بعد ذلك فإن الابن يلغي كل هذه الإجراءات ويصبح هو الوارث الشرعي. كما كان يمكن وجود وارث عن طريق جارية، فعندما ولدت هاجر جارية سارة إسماعيل، كان من الطبيعي أن يعتبره إبراهيم وارثاً شرعياً له ( أصحاح 16 ) وظل إسماعيل – من وجهة النظر البشرية – مدة ثلاث عشرة سنة هو الوارث الشرعي لإبراهيم، مع أن الله قال لإبراهيم أن أليعازر الدمشقي لن يكون الوارث له بل سيكون له ابن، وعندما بلغ إسماعيل الثالثة عشرة من عمره، أعطى الله الوعد لإبراهيم محدداً بأنه سيكون له ابن من ســــــــــــــــارة ( أصحاح 17 ) وفي ذلك الوقت أعطاه الختان علامة عهد لإبراهيم ونسله. ومع أن الختان كان يمارس عند شعوب كثيرة، ولكنه أصبح لإبراهيم وذريته علامة مميزة في علاقة عهد من الله. تبين قوانين حمورابي أن الجارية أو السرية التي تلد ابناً لسيدها، لاتحل في البيت محل الزوجة العاقر، وفي نفس الوقت ليس للزوجة أن تطرد الجارية وابنها. وعندما سخرت هاجر من سيدتها، عاملتها بقسوة، فهربت إلى برية شور في الطريق إلى مصر، فأمرها الملاك بأن ترجع إلى مولاتها وتخضع تحت يديها، فعادت إلى بيت إبراهيم حيث ولـــــــــدت إسماعيل ( أصحاح 16 ).
ولم يكن لإبراهيم الحق – حسب المألوف في ذلك العصر – في أن يطرد هاجر وابنها، ولكنه فعل ذلك بعد أن أمره الله بذلك ( 21 : 12 – 21 ) ومع هذا الأمر وعد الله بأن إسماعيل سيكون أمة عظيمة. كما أن مجموعة قوانين الحثيين تلقي الضوء على موضوع شراء إبراهيم للمقبرة من عفـــــــرون ( أصحاح 23 ). ومع أن مجموعة القوانين الحثية التي اكتشفت في بوغازكوي عاصمة الحثيين في آسيا الصغرى ترجع إلى القرن الرابع عشر قبل الميلاد، إلا أنه من الواضح أنها كانت سائدة عند الحثيين منذ القرن التاسع عشر قبل الميلاد. وتبين هذه القوانين الالتزامات الاقطاعية التي كانت تتبع عند بيع قطعة أرض بكاملها، فكانت تختلف عن تلك التي كانت تتبع عند بيع جزء منها. ومع أن إبراهيم كان يريد شراء المغارة فقط، إلا أن عفرون اشترط بيع الحقل كله، وبذلك نقل جميع المسئوليات والالتزامات الاقطاعية إلى إبراهيم. كما أننا نلاحظ نقل ملكية الشجر وهذا يطابق ماكان يجري في مثل هذه الحالات عند الحثيين ( تك 23 : 17 ).
إيمان إبراهيم
مع أن إبراهيم جاء من أسرة تعبد الأوثان ( يش 24 : 2 و 14 ) إلا أنه استجاب لدعوة الله له بالذهاب إلى أرض كنعان. وقد أعلن الله نفسه لإبراهيم مرات كثــــيرة، ولكن لا يذكر الكتاب كيفية الإعلان في كل مرة. ويذكر استفانوس ظهور الله لإبراهيم وهو في مابين النهرين، وأمره له بأن يخرج من أرضه ومن عشيرته إلى أرض كنعان ( أع 7 : 2 ). في بعض الحالات تذكر كيفية إعلان الله نفسه لإبراهيم : ” ظهر الرب لإبراهيم ” ليعطيه الوعد بأرض كنعان له ولنسله ( تك 12 : 7 )، كما ظهر الله في النار التي التهمت الذبيحــــــة ( 15 : 17 ).
كما ” ظهر الرب لإبراهيم ” ليؤكد له الوعد كاملاً ثم ” صعد الله عن إبراهيــم ” ( 17 : 1 و 22 ). وأبلغ ظهور كان عندما استقبل إبراهيم ثلاثة رجال – كان أحدهم هو الرب نفسه – ( تك 18 : 1 ). وفي أثناء هذه الظهورات كان إبراهيم يخاطب الله وجهاً لوجه، ولذلك كثيراً ما نقرأ عن الله أنه إله إبراهيم. كما أن الرسائل كانت تعلن بواســـــطة ” ملاك الرب “، وقد ساوت هاجر بينه وبين ” الرب ” ( 16 : 1 – 14 )، كما فعل إبراهيم نفس الشيئ (تك 22 : 1-19 ).
كانت نتيجة طاعة إبراهيم لله أن نشأت علاقة وثيقة بينة وبين الله، وقد بين إبراهيم إيمانه وثقته في الله بطاعته في الهجرة إلى كنعان والإنفصال عن عشيرته. ومن خلال المذبح الذي كان يقيمه في كل مكان يستقر فيه، كان يشهد بعبادته لله في وسط العالم الوثني، وكانت معرفته بالله تزداد بتتابع إعلانات الله له عن خطة الله لنسل إبراهيم مستقبلاً. ومن مميزات إبراهيم، أنه ” آمن بالرب ” فحسب له براً ( تك 15 : 6 ). ولإيمان إبراهيم وطاعته وشركته، قويت علاقته بالله حتى دعي ” خليل الله ” ( يع 2 : 23، إش 41 : 8، 2 أخ 20 : 7 ).
كانت الصلاة جزءاً هاماً في علاقة إبراهيم بالله، فقد ارتبطت الصلاة بالذبيحـــــة ( 12 : 8، 13 : 4 ). التي كان يقدمها على المذابح التي أقامها في الأماكن المختلفة في كل كنعان. وبالصلاة عبر إبراهيم عن اهتمامه العملي بمواعيد الله له ( 15 : 4 ). وعندما طلب إبراهيم من الله أن يكون إسماعيل هو النسل الموعود به، استجاب الله طلبته بأن أكد وعده له مرة أخرى بأن الابن الموعود به سيولد له من سارة ( 17 : 19 ). ويظهر سمو إبراهيم في صلاته التوسلية عندما أخبره الله بقضائه على مدن سدوم وعمورة، فحاج إبراهيم الله على أساس أن الله ديان كل الأرض لا بد أن يكون عادلاً، ومع أن مدن الدائرة قد دمرت، إلا أن الله أنقذ الأبرياء القلائل الذين كانوا يعيشون فيها.
وفعالية الصلاة تظهر بوضوح في علاقة إبراهيم بأبيمالك، فقد أكد الله لإبيمالك أن حياته تتوقف على صلاة إبراهيم من أجلــــــــه ( 20 : 7 ). والإرشاد الإلهي عن طريق الصلاة يتجلى في اختبار عبد إبراهيــــــم ( أصحاح 24 ). ولا شك أن هذ العبد يعكس موقف إبراهيم من انتظار إرشاد الرب في كل خطوة لاختيار زوجة لإسحق، فقد عبر عن اتكاله على الرب بالصلاة، كما صلى شاكراً الرب الذي أنجح طريقه. كان مفهوم إبراهيم عن الله شاملاً وعملياً، فقد كان الله هو ” الإله العلي مالك السموات والأرض ” ( 14 : 22 ) أو ” الرب إله السماء ” ( 24 : 7 )، وكانت قدرة الله المطلقة حقيقة عملية أكيدة في حياة إبراهيم، كما بدت في سيادة الله على نواميس الطبيعة في إعطاء إبراهيم ابناً ( 18 : 13 و 14 ). وعندما تعرضت حياته للخطر على يد فرعون مصر، ظهرت قوة الله في إنقاذ إبراهيم. كما أن علم الله المطلق تجلى في تأكيده الوعدلإبراهيم بابن من سارة قبل أن يولد إسحق بسنين عديدة، فعلى مدى خمس وعشرين سنة من إطاعة إبراهيم لله بالهجرة إلى كنعان، ظل وعد الله بمولد إسحق يزداد وضوحاً أمام إبراهيم، كما عرف الله شر سدوم وعمورة ( 18 : 20 )، كما أن دينونة تلك المدن جعلت إبراهيم ييقن فوق إيقان – أن الله البار العادل لايمكن أن يسمح بأن يستمر هذا الشر إلى ما لا نهاية.
ومع أن ذنب الأموريين لم يكن قد كمل في زمن إبراهيم ( 15 : 16 ) إلا أن القضاء على تلك المدن كان قد آن أوانه، ولكن حتى بالنسبة لهذه المدن، سبقت الرحمة الدينونة بالنسبة للوط البار الذي عاش بين هؤلاء الناس بعض الوقت. لا شك أن حياته كانت تعكس بر الله وقداسته، ولكن دعوته للآخرين لم تجد استجابة، وهكذا نجا هو وبيته فقط قبل وقوع دينونة الله. ومحبة الله وعنايته وقصده وإرشاده كانت كلها أموراً واضحة في حياة إبراهيم بصورة دائمــة. وفي الوعد السداسي لإبراهيم عندما دعاه الله ( 12 : 2 و3 ) أدرك إبراهيم أن محبة الله ستغمره بالبركة حتى إن نسله سيكون أمة عظيمة كما ستكون سبب بركة لكل أمم الأرض. وإذ عرف إبراهيم خطة الله وقصده من نحوه، ترك إبراهيم – بكل شهامة – للوط أن يختار ما يشاء عندما كان لابد من أن ينفصلا ( 13 : 8 ). وكذلك رفض قبول المكافأة من ملك سدوم وشهد له بأن إلهه هو ” مالك السموات والأرض ” ( 14 : 22 ). ثم أن إبراهيم أعطى العشور لملكي صادق كاهن الله العلي ( 14 : 18 – 20 ). كان إبراهيــــــــم يخاف الله ( 22 : 12 )، وكان حبه واحترامه وإجلاله لله أموراً واضحة في موقف الإيمان والطاعة والتسليم القلبي الكامل لله إلى حد تقديم ابنه محرقة.
وكان مستوى حياة إبراهيم الأدبي والأخلاقي يعكس حقيقة أنه يعبــد ” الله القدير ” ( 17 : 1 ) وهكذا شهد الله عنه : ” لأني عرفته لكي يوصي بنيه وبيته من بعده أن يحفظوا طريق الرب ليعملوا براً وعدلاً، لكي يأتي الرب لإبراهيم بما تكلم به ” ( 18 : 19 ).
مكانة إبراهيم
لقد شغل إبراهيم مكانة رفيعة وفريدة في كل العالم منذ نحو أربعة آلاف سنة. فعند اليهود هو أبو أمة إسرائيل، كما يعتبره العالم الإسلامي ثاني الأنبياء ويذكر في القرآن 188 مـــرة، كما يعتبر عند المسيحيين من أعظم رجال الإيمان في كل العصور. وكثيراً ما يطلق على الإسرائيليين ” نسل إبراهيم “، وفي كل عصور العهد القديم تأكدت حقيقة أن إبراهيم كان الأب الذي منه جاء الشعب المختار ( إش 51 : 2، حز 33 : 24 ) وما أعظم أهمية تلك الحقيقة أن الله اختار إبراهيم ( نح 9 : 7 ) وفداه ( إش 29 : 22 ) وباركه بركة خاصــة ( ميخا 7 : 22 ).
والإعلان السماوي الذي أعطاه الله لإبراهيم بالغ الأهمية في تاريخ إسرائيل. فقد أعلن الله نفسه لموسى ولشعب إسرائيل في مصر بأنه ” إله إبراهيم ” ( خر 2 : 24 – 6 : 8 ). وعليه فبعد خروج إسرائيل من مصر طلب موسى الرحمة على أساس عهد الله لإبراهيـم ( 32 : 13 ). وفي كل سفر التثنية يذكر موسى الشعب بأن الله أحب أباءهم وقطع عهداً معهم وطلب منهم أن يطيعوا حتى يتمم الله لهم العهد الذي أعطاه لإبراهيم ( تث 1 : 8، 6 : 10، 9 : 9 و 27 و 28، 29 : 13، 30 : 20 ).
كما أن كنعان التي كانوا على وشك أن يمتلكوها، هي الأرض التي وعد الله بها إبراهيم ( 34 : 4 ). كما ناشد داود إله إبراهيم في صلاته من اجل سليمان ( 1 أخ 29 : 18 )، وكذلك فعل يهوشافاط وهو يدرك أن شعبه هو نسل إبراهيم ( 2 أخ 20 : 7 )، كما يخاطب إيليا في تحديه لكهنة البعل، إله إسرائيل بأنه إله إبراهيم ( 1 مل 18 : 36 ). وفي أيام يهو آحاز تحنن الله على الشعب ورحمهم ونجاهم من يد حزائيل ملك آرام لأجل عهده مع إبراهيم ( 2 مل 13 : 23 ).
فالمرنمون في المزامـــــــير ( 47 : 9، 105 : 6 و 9و 42 ) وأشعياء ( 29 : 22، 41 : 8، 51 : 2، 63 : 16 )، وإرميا ( 33 : 26 )، وحزقيال ( 33 : 24 )، ميخا ( 7 : 20 ) جميعهم يذكرون مكانة إبراهيم كأبيهم الذي قطع الله معه عهداً وصنع معه الرحمة بصورة خاصة. كما يذكر إبراهيم في أسفار الأبوكريفا وفي الكتابات المتأخرة كنبي عظيم، أعطاه الله إعلانات عظيمة وثبت معه العهد ( انظر يشوع ابن سيراخ 44 : 20 – 23 وكذلك يوسيــفوس 1 : 7 و 8 ).
كما تذكر بعض القصص الأسطورية عن إبراهيم في سفر يهوديت، وكذلك في يوسيفوس. ويقول التلمود إن إبراهيم كان فلكياً أو منجماً من الطبقة الأولى، وقد علم الحكمة لملوك الشرق والغرب. وفي المسيحية أيضاً يحظى إبراهيم بمكانة عالية كبطل من أبطال الإيمان، كما أن يسوع جاء من نسل إبراهيم ( مت 1 : 1 )، كما أنه في تعاليمه وأحاديثه أقر بمكانة اليهود كنسل إبراهيم، ولكنه أكد أيضاً أنه أعظم من إبراهيم ( متى 1 : 1 و 2 و 17، 3 : 9، 8 : 11، 22 : 32، مرقس 12 : 26، لــــو 1 : 55 و 73، 3 : 8 و 23 – 34، 13 : 16 و 28، 16 : 22 – 30، 19 : 9، 20 : 37، يو 8 : 33 – 58 ). كما أن الرسل كثيراً ماذكروا إبراهيم في أقوالهم لليهــــود ( أع 3 : 13 و 25، 7 : 2 – 32، 13 : 26 ) كما ذكر بولس إبراهيم كمثال بارز للتبرير بالإيمان ( رو 4 : 1 – 16 ) وفي رسالته إلى غلاطية يؤكد بولس أن الذين للمسيح هم نسل إبراهيم الذي قبل بالإيمان كل إعلانات ومواعيد الله.
كما أن كاتب الرسالة إلى العبرانيين يشير إلى إبراهيم كمن خرج من صلبه الكهنوت اللاوي ( عب 7 : 5 )، ويخص إبراهيم باعتباره رجل الإيمان العظيم في علاقته بالله والمواعيد التي أعطيت له. ومن زمن العهد الجديد ما زال إبراهيم مثالاً للإيمان والطاعة في علاقته بالله.
حضن إبراهيم
هو عبارة مجازية استخدمها الرب يسوع في مثل لعـــــازر والغني ( لو 16 : 22 و 23 ) في وصف حالة الأمن والسعادة التي أكرم بها لعازر عند موته. وهذه الصورة المجازية مأخوذة عن العادة في الشرق القديم من الاتكاء في الولائم على وسائد، الواحد إلى جانب الآخر، وكانت الصورة التي يجلس عليها المتكئون، هي أن تصل رأس الواحد إلى صدر الجالس بجانبه، وعند الحديث كان الواحد يسند رأسه على صدر الآخر، وكان من دواعي الشرف أن يجلس أحدهم إلى جانب ضيف مرموق، والأكثر أن يجلس بجوار المضيــــــــــــــف ( صاحب الوليمة )، فجلوس شخص بجوار ضيف عظيم أو بجوار المضيف وإسناد رأسه إلى صدره، كان معناه الحظوة والصلة الوثيقة بهذا الشخص ( انظر يو 13 : 25، 21 : 20 ).
فلعازر – الذي كان في حياته على الأرض مريضاً يستجدى ما يسد به رمقه، بجانب هذا الرجل الغني الذي كان يعيش عيشة مترفة – نراه ينعم في عالم السعادة في مكان الكرامة العظمى إذ يتكيء في ” حضن إبراهيم “. وفي هذه القصة يذكر حضن إبراهيم بالمقابلة مع الهاوية، فما أروعه موطناً لهذا المسكين البـــار، بينما الهاوية هي مكان العذاب للغني الشرير. وكلمة ” هاوية ” ( ” هادز ” باليونانية )، في المفهوم اليوناني واليهودي، هي المكان الذي يذهب إليه جميع الأموات، ولكنه ينقسم إلى قسمين أحدهما مكان للسعادة والآخر مكان للعذاب. ولكن هذا غير الموجود هنا، فرغم أن المكانين يبدوان قريبيين، حتى يمكن الرؤية وسمع الكلام، إلا أننا نجد أن الهاوية هي مكان العذاب، علاوة على أن هناك هوة عظيمة قد أثبتت بين الهاوية ( هادز ) وحضن إبراهيم، وأنه لا يمكن عبور هذه الهوة في أي من الاتجاهين، مما يدل على أن كلا منهما قد استقر في مكانه الدائم وليس كمحطة في الطريق في انتظار الدينونة.
رؤيا إبراهيم
وهو كتاب خارج دائرة الأسفار القانونية، موجود في نسخة سلافية قديمة نقلت عن ترجمة يونانية لمؤلف عبري أو أرامي حيث يظهر ذلك في الأسماء السامية للأصنام. والكتاب نفسه موضوع، يخصص ثلثه الأول ( ثمانية أصحاحات ) للأساطير عن شباب إبراهيم. ولعل هذا الجزء كتب قبل سنة 50 م. أما الرؤيا فتشغل باقي الكتاب، ويبدو من محتوياتها أنها ترجع إلى 100 م. وهذه الرؤيا من قبيل التعليقات اليهودية على الأصحاح الخامس عشر من سفر التكوين، فقد رافق أحد الملائكة واسمه يهوئيل إبراهيم إلى السماء السابعة حيث شاهد الأحداث الماضية كسقوط آدم و حواء ( بسبب خطية الجنــس، وبناء على إغواء عزازيل )، كما شاهد مأساة قايين وهابيل، ورأى أحداثاً مستقبلية مثل خراب الهيكل ومجيئ المسيا. وقد صاحب ذلك وقوع عشر ضربات على الأمم. كما رأى اجتماع شعب إسرائيل في أرض الموعــد، ودينونة الأشرار. والكتاب مزيج من التوحيد والثنائية.
وقد باحث إبراهيم الله في مشكلة الشر، ولما سأل إبراهيم الله لماذا يصبر على عزازيل، قال له الله إن الشر يأتي من إرادة الإنسان الحرة. وقد استنتج البعض من التضارب في هذا المفهوم اللاهوتي أن المؤلف قد جمع بين جملة مصادر. ويسمى الشيطان في رؤيا إبراهيم عزازيل، وأنه هو الحية في تك 3.
ويظن البعض أن أجزاء من هذه الرؤيا كانت تستخدم عند الغنوسيين وكذلك عند بعض الهراطقة من اليهود في بداية العصر المسيحي.
عهد إبراهيم
هو مؤلف يهودي ابوكريفي يبين اختبارات إبراهيم عند موته فيقول لنا إن الملاك ميخائيل قد أخبر إبراهيم الشيخ العجوز بأنه يجب أن يموت، ولكن إبراهيم يمتنع عن تسليم روحه، فيأخذه الملاك في مركبة في طبقات الجلد، وعندما يشاهد شر الناس على الأرض، يستمطر الدينونة عليهم. وعندئذ يظهر لإبراهيم – في رؤيا – الطريق الرحب الذي يؤدي إلى الهلاك، والطريق الضيق الذي يؤدي إلى الفردوس، ثم يرى وزن النفوس في الدينونة، وقد نجت نفس بشفاعة إبراهيم وأخيراً – و إبراهيم مازال ممتنعاً عن تسليم نفسه – يأخـــــذه ” ملاك الموت ” ويأتي به إلى الفردوس. ومازال هذا السفر موجوداً في المخطوطات اليونانية، منها سبع مطولة وثلاث مختصرة.
ولعل أقدمها يرجع إلى القرن الثالث عشر، وقد عرف أوريجانوس شيئاً عنه، مما يحتمل معه أن يكون بعضه قد كتب في القرن الأول الميلادي. وتوجد فيه بعض الإضافات ذات الصبغة المسيحية، ولكنه أساساً مؤلف يهودي. ولعل الرأي القائل بأنه كان أصلاً سفراً يهودياً ثم قام أحد المسيحيين بترجمته إلى اليونانيــــة، أقرب إلى الحقيقة، ولو أن البعض يظنونه إسكندري الأصل. وبجانب المخطوطات اليونانية توجد منه مخطوطات بالسلافية ولغة رومانيا، والعربية والحبشية والقبطية، وهناك وجوه للشبه بيه وبين ” عهد أيوب ” و “رؤيا إبراهيم ” ويستقي أفكاره من ينابيع يهودية. ويظهر الملاك ميخائيل كثيراً في الكتاب، ويشغل مكانة سامية تنسب إليه عادة في كتابات اليهود في ذلك العصر.
” وملاك الموت ” في ذلك المؤلف يحمل سمات غريبة لعلها مصرية أو بابلية أو فارسية. وبناء على ذلك المؤلف توجد ثلاث دينونات، أولها بواسطة هابيل، والثانية بواسطة أسباط إسرائيل الإثنى عشر، والإخيرة بواسطة الله في اليوم الأخير. ولا يظهر المسيا في أي من هذه الدينونات، فالكتاب كله يدور عموماً داخل دائرة الفكر اليهودي.