التجديد هو التغيير الفجائى الذى يطرأ على حياة الإنسان،
فيقطع صلته بماض مخز أثيم إلى حياة تختلف عن الحياة القديمة التي كان يعيشها،
وقوام هذه الحياة، أن يدخل الله فيها، وهى كما وصفها السيد المسيح الولادة من فوق،
وهى معجزة دون أدنى شك فى حياة المؤمن،
وهى ليست قالباً واحداً يصب فيه الإنسان ليصنع من جديد،
إذ أنها لها صورها المتعددة بطبيعة الحياة التى يطرأ عليها التغيير…
*أخبرنا يا أبانا كيف حدث هذا التغيير فى حياتك
فرأيت الله، وسلم السماء والملائكة، ودخلت فى عهد حاسم وشركة جديدة
، مع سيدك لم تكن معروفه أو مألوفة عندك من قبل؟..
*نعم هذه الرؤيا التى أثارت رهبتى، وأوقفتنى على باب السماء،
وكانت بمثابة نقطة تحول فاصلة فى تاريخى
لا يمكن أن نمر بها دون أن ندرك معناها وكنهها،
كنموذج عظيم من النماذج المتعددة المختلفة للولادة الجديدة عند الكثيرين من أبناء الله..
*ومع أنه ليس من السهل أن أصف بدقة العوامل المتعددة النفسية
التى انتهت بى إلى العهد الذى وصلت إليه مع الله،..
إلا أنه يمكن ملاحظة ثلاثة أمور متتابعة وصلت بى بالتأكيد إلى الولادة الجديدة وهى
( العزلة_ والندم _والغفران الإلهى)..
*أما عن العزلة فقد كانت هذه أول ليلة أخرج فيها من بيتى،
وأضرب فى الصحراء فى اتجاه آرام النهرين،
لقد خرجت فى الصباح الباكر من بئر سبع حتى وصلت إلى المكان الذى أطلقت عليه
فيما بعد “بيت إيل” وأنا أتجاوز الستين ميلاً، وما من شك بأن بلغت حد الإعياء الجسدى،
فارتميت على الأرض، ولم أجد سوى حجر أتوسده هناك وأضع رأسى عليه…
*ولا حاجة إلى القول إن الوحشية الكاملة قد أمسكت بى فى تلك الليلة، وأضعفتنى ،
وليس هناك من أحد يؤنسنى، وقد تركت أبى وحضن أمى الحبيبة لأول مرة فى حياتى…
*لقد رفعت رأسى فرأيت النجوم اللامعة فوقى،لقد ناجيتها، واستمعت إلى ما يمكن أن يثير فى أعماق نفسى…
* فى مناجاتى تحولت إلى ما يشبه الندم العميق على ما حدث منى، وما صرت إليه..
*لقد كنت فى بيتى أجد دائماً تبريراً لما أفعل فهذا حقى، إذ أن هذا الحق مقرر لى من قبل مولدى. …
*وأنا و إن كنت قد لجأت إلى الخداع، فإن أمى هى المسئولة عن غشى لأرى وخداعى له..
*كان من السهل على فى بيتى أن أبرر كل شىء، وأن أهدى نفسى دون أدنى لوم ….
* أما الآن وأنا وحيد أعزل فى الصحراء فقد أدركت تماماً، أننى أحصد نتيجة ما فعلت..
* وأن الصراع النفسى الذى إستولى على تحول إلى ما يشبه مناخس
شاول الطرسوسى التى كان يرفسها فيزداد ألماً…
* وإذ كنت نائما فى بؤسى وندمى، أواجه سؤال واحد لا غير: هل يغفر الله ذنبى وهل تتسع لى رحمته ورأفته وإحسانه وجوده؟
أم سأكون الإنسان الذى سيرى عقاب العدالة الإلهية التى ستتابعنى وأنا شريد غريب؟..
* لقد نمت فى الصحراء وحيداً أعزل نائماً كالطفل الصغير الخائف
الذى يتمنى أن يحتضنه أبوه وأمه فى دفء الحنان والرقة والمحبة..
*على أنه مهما تصورت وتخيلت فمن المستحيل أننى كنت أتصور معاملة الله العجيبة
التى ظهرت لى فى الرؤيا الخالدة التى رأيتها وغيرت تاريخى فى بيت إيل…
لقد جاءنى الله كالأب إلى طفله المذعور، لا ليهدىء مخاوفى فحسب،
بل ليعطينى من العطايا ما لم أكن أحلم بها أو أنتظرها على وجه الإطلاق..
*لم يأت الرب الإله منتقماً كما كنت أتخيل أو أتصور،
بل جاء حانياً مهدئاً مترفقاً.. وكانت الرؤيا بادىء ذى بدء إعلاناً عميقاً عن غير المنظور،
فهناك الله، وهناك السماء، وهناك السلم الرابطة بين السماء والأرض، وهناك الملائكة، وهناك اليقين الثابت بأن القوى الخفية غير المنظورة هى الأقوى والأعظم و….
*هنا فقط أدركت أكثر من ذلك أننى فى البرية أو الأرض لست بعيداً أو مقطوع الصلة بهذه القوى العظيمة، بل أننى وأنا فى الأرض: “ما أرهب هذا المكان ما هذا إلا بيت الله وهذا بابا السماء” لقد تدانت السماء والأرض وانتهى الفاصل الرهيب بينهما بالسلم التى رأسها فى السماء وقاعدتها ترتكز على الأرض وهناك الملائكة الصاعدة باحتياجات الإنسان وانتظاره وتوسلاته وطلباته من الله، وهناك الملائكة النازلة بجواب الله عليها جميعاً، وفوق الكل، وقبل، وبعد الكل هناك الله الذى يقف على رأس السلم يحنو ويراقب ويهتم ويجيب ويعطى..
*إلى هذا الحد يغفر الله ويتسامح؟ أإلى هذا الحد لم يصنع معى حسب خطاياى أو يجازينى حسب آثامى؟..
* أإلى هذا الحد يترفق ويعين فهو لم يتركما وحدى فى الطريق،ترى هل سيسير معى الرحلة بأكملها ويعضدنى ويضمنى ذهاباً وعودة؟
* أإلى هذا الحد يمكن أن يكون الله طيباً؟..
أجل هنا تأكدت أن الله لا يمكن أن ينهال ضرباً على ابنه الخائف النادم المذعور الوحيد فى الصحراء…
* بل على العكس إن الله بهذا الأسلوب من الحنان والرفق والإحسان والرحمة قصد أن يخجلنى من نفسى لأكتشف دركات الضعف ،والخطية التى وصلت إلى قرارها…
*ولا حاجة إلى القول إن هذه الحقيقة هى التى نفذت إلى أعماقى طوال العشرين عاماً التى قضيتها عند خالى لابان، وأنها قد أضحت الصلاة التى صليتها فى عودتى عند نهر الأردن وأنا أصيح “صغير أنا عن جميع ألطافك وجميع الأمانة التى صنعت إلى عبدك فإنى بعصاى عبرت هذا الأردن، والآن قد صرت جيشين”..
*نعم هذه الألطاف وهذه الأمانة هى التى كسرت قلبى، وهى التى أعطتنى من أول يوم رأى الله فى شخصى الضعيف فى بيت إيل…
* أن تستولى على الهيبة وأخذت لمسة الحياة، وولدت جديداً، وأنا أسمع الله يجيب على ، ويدخل معى فى عهد ونذر الحياة الجديدة، وبالجملة كان بيت إيل بمثابة النقطة والمكان لمولدى وحياتى الجديدة.
*تسألوننى هل توقف الله عندك وأنت تقابل الأنانية والإثرة بالجود والمحبة والترفق والإحسان؟..
* كلا وما أنا إلا واحد من النماذج المتعددة التى بها يجذب الله ابنه الضال الشريد الهائم على وجهه فى الأرض، ومهما بعد الابن ونأى وتاه فى الكورة البعيدة فإن استقباله الدائم هو الحضن الأبدى والقبلة المشرقة
، والحلة الأولى والعجل المسمن، والخاتم والحذاء، والموسيقى والرقص، فإذا قالوا لك غير ذلك فلا تصدق،..
* لأن الله لا يمكن أن يعالج ابنه العائد بالقسوة والعقوبة والشدة إلا كآخر أسلوب
عندما لا تنجح الأساليب الأخرى من جود وعطاء ورفق ومحبة..