قصّة إيليّا والمحرقة

قصّة إيليّا والمحرقة


في يوم عيد مار الياس الحيّ أو النبيّ إيليّا أعظم أنبياء إسرائيل،
نجدُ الكثير من القال والقيل في شأنه.
البعض ينتقد صوره المرفوعة فوق المذابح وهو يبيد أنبياء البعل، معتبرينَ إيّاها تشويهًا لروحانيّة هذا النبيّ الناسك،
والبعض الآخر يتهجّم على إيليّا نفسه وعلى الكتاب المقدّس الّذي يعظّم أعمالًا دمويّة يصفونها بالداعشيّة…
للأسف هذه المواقف تُبنى استنادًا إلى القصّة المتناقلة شفهيًّا عن المواجهة بين النبيّ إيليّا وكهنة البعل. فهذه القصّة تبدأ شعبيًّا بنوع من التحدّي بين إيليّا والكهنة، وهذا يجرّد القصّة من إطارها التاريخيّ ومن أسباب حصولها…
وكما يقول المتل عندما يُعرفُ السبب يبطل العجب!
في الواقع، كانت زوجة الملك آحاب ملك اسرائيل من أصول غير يهوديّة وكانت تتعبّد للأصنام. وقد استغلّت مقامها كملكة لنشر عبادة الأصنام في إسرائيل. وقد اجتذبت الشعب إلى هذه العبادة بحكم سلطانها وتشجيعها. ولم تكتفِ بهذا، بل وفي ظلّ ضعف آحاب، تمادت في غيّها، واندفعت تضطهد أنبياء الله فنقضت المذابح وقتلت الأنبياء بحدّ السيف، ولم ينجُ منهم إلاّ البعض القليل من الّذي خبّأهم عوبديا وهو كانَ رجلاً يخشى الربّ!
لنقرأ ماذا يقول سفر الملوك الأوّل في هذا الشأن (الفصل 18)
7 – وَفِيمَا كَانَ عُوبَدْيَا فِي الطَّرِيقِ إِذَا بِإِيلِيَّا قَدْ لَقِيَهُ. فَعَرَفَهُ وَخَرَّ عَلَى وَجْهِهِ وَقَالَ: ((أَأَنْتَ هُوَ سَيِّدِي إِيلِيَّا؟))
8 – فَقَالَ لَهُ: ((أَنَا هُوَ. اذْهَبْ وَقُلْ لِسَيِّدِكَ: هُوَذَا إِيلِيَّا.))
9 – فَقَالَ: ((مَا هِيَ خَطِيَّتِي حَتَّى إِنَّكَ تَدْفَعُ عَبْدَكَ لِيَدِ أَخْآبَ لِيُمِيتَنِي؟
10 – حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ إِلَهُكَ إِنَّهُ لاَ تُوجَدُ أُمَّةٌ وَلاَ مَمْلَكَةٌ لَمْ يُرْسِلْ سَيِّدِي إِلَيْهَا لِيُفَتِّشَ عَلَيْكَ، وَكَانُوا يَقُولُونَ: إِنَّهُ لاَ يُوجَدُ. وَكَانَ يَسْتَحْلِفُ الْمَمْلَكَةَ وَالأُمَّةَ أَنَّهُمْ لَمْ يَجِدُوكَ.
11 – وَالآنَ أَنْتَ تَقُولُ: اذْهَبْ قُلْ لِسَيِّدِكَ هُوَذَا إِيلِيَّا.
12 – وَيَكُونُ إِذَا انْطَلَقْتُ مِنْ عَِنْدِكَ أَنَّ رُوحَ الرَّبِّ يَحْمِلُكَ إِلَى حَيْثُ لاَ أَعْلَمُ. فَإِذَا أَتَيْتُ وَأَخْبَرْتُ أَخْآبَ وَلَمْ يَجِدْكَ فَإِنَّهُ يَقْتُلُنِي. وَأَنَا عَبْدُكَ أَخْشَى الرَّبَّ مُنْذُ صَبَايَ.
13 – أَلَمْ يُخْبَرْ سَيِّدِي بِمَا فَعَلْتُ حِينَ قَتَلَتْ إِيزَابَلُ أَنْبِيَاءَ الرَّبِّ، إِذْ خَبَّأْتُ مِنْ أَنْبِيَاءِ الرَّبِّ مِئَةَ رَجُلٍ، خَمْسِينَ خَمْسِينَ رَجُلاً فِي مَغَارَةٍ وَعُلْتُهُمْ بِخُبْزٍ وَمَاءٍ؟
14 – وَأَنْتَ الآنَ تَقُولُ: اذْهَبْ قُلْ لِسَيِّدِكَ: هُوَذَا إِيلِيَّا. فَيَقْتُلُنِي)).
15 – فَقَالَ إِيلِيَّا: ((حَيٌّ هُوَ رَبُّ الْجُنُودِ الَّذِي أَنَا وَاقِفٌ أَمَامَهُ، إِنِّي الْيَوْمَ أَتَرَاءَى لَهُ))
16 – فَذَهَبَ عُوبَدْيَا لِلِقَاءِ أَخْآبَ وَأَخْبَرَهُ، فَسَارَ أَخْآبُ لِلِقَاءِ إِيلِيَّا.
17 – وَلَمَّا رَأَى أَخْآبُ إِيلِيَّا قَالَ لَهُ أَخْآبُ: ((أَأَنْتَ هُوَ مُكَدِّرُ إِسْرَائِيلَ؟))
18 – فَقَالَ: ((لَمْ أُكَدِّرْ إِسْرَائِيلَ، بَلْ أَنْتَ وَبَيْتُ أَبِيكَ بِتَرْكِكُمْ وَصَايَا الرَّبِّ وَبِسَيْرِكَ وَرَاءَ الْبَعْلِيمِ.
19 – فَالآنَ أَرْسِلْ وَاجْمَعْ إِلَيَّ كُلَّ إِسْرَائِيلَ إِلَى جَبَلِ الْكَرْمَلِ وَأَنْبِيَاءَ الْبَعْلِ أَرْبَعَ الْمِئَةِ وَالْخَمْسِينَ، وَأَنْبِيَاءَ السَّوَارِي أَرْبَعَ الْمِئَةِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ عَلَى مَائِدَةِ إِيزَابَلَ.))
20 – فَأَرْسَلَ أَخْآبُ إِلَى جَمِيعِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَجَمَعَ الأَنْبِيَاءَ إِلَى جَبَلِ الْكَرْمَلِ.
في الواقع، إنّ إيليًّا نفسه كان خائفًا من بطش إيزابل وآحاب، وقد حاول الهرب من مواجهتهما لئلّا يكونَ مصيره كمصير سائر الأنبياء. ولكنّه بسبب غيرته على ربّ الجنود، تجاسر على المواجهة علما انهما كانا يبحثان عنه لإهلاكه.
فإذًا كانّ آحابُ هو الّذي يطلب مواجهة إيليًّا الّذي “يكدّر إسرائيل” كونه يفضّل طاعة الله على السير وراء ضلال الملك والملكة.
إنّ مواجهة إيليّا والملك كانت حاسمة، وكانَ لا بدّ لإيليّا من القيام بشيءٍ ينقذ إسرائيل من طغيان إيزابل وجرائمها.
فتوكّل إيليّا على الله، وقرّر مواجهة كلّ أنبياء البعل وحيدًا، مواجهة غير متكافئة. لا شيء بيديه سوى إيمان عظيم وراسخ بأنّ إله إسرائيل هو وحده الإله الحقّ وهو الّذي سيُخزي أنبياء البعل وينتقم لدماء أنبياء إسرائيل الّذي سقطوا تحت سيف إيزابل!
قصّة إيليّا والمحرقة
فاجتموا جميعًا على جبل الكرمل وحصلت الواقعة المشهورة… حيث استجاب اللهُ دعاء إيليّا وأرسل نارًا التهمت الذبيحة، فأظهر حقّه، أيّ أنّه وحده الإله الحقّ، وأظهر بطلان آلهة الأنبياء الكذبة!
وهذا ما أثار غضب الشعب المخدوع، بعد أن شاهد مجد الله، فعاقبوا أنبياء بعال بحسب جرائمهم الّتي سبق فارتكبوها بحقّ أنبياء إسرائيل.
بالطبع لم يذبح إيليّا مئات الكهنة بسيفه، بل هو الشعب الّذي سار عليهم بسبب جرائمهم وكذبهم…
فنحن عندما نقول أن نابوليون ترك خلفه تسعة ملايين ضحيّة فهذا لا يعني أنّه قتلهم بسيفه، بل أنّ جنوده وأنصاره هم الّذين فعلوا!
كذلك حصل مع إيليّا…
وبعد المحرقة صار الحوار بين إيليا والله:
1ملوك 19:
4 – ثُمَّ سَارَ فِي الْبَرِّيَّةِ مَسِيرَةَ يَوْمٍ، حَتَّى أَتَى وَجَلَسَ تَحْتَ رَتَمَةٍ وَطَلَبَ الْمَوْتَ لِنَفْسِهِ، وَقَالَ: ((قَدْ كَفَى الآنَ يَا رَبُّ! خُذْ نَفْسِي لأَنِّي لَسْتُ خَيْراً مِنْ آبَائِي!))
5 – وَاضْطَجَعَ وَنَامَ تَحْتَ الرَّتَمَةِ. وَإِذَا بِمَلاَكٍ قَدْ مَسَّهُ وَقَالَ: ((قُمْ وَكُلْ)).
6 – فَتَطَلَّعَ وَإِذَا كَعْكَةُ رَضْفٍ وَكُوزُ مَاءٍ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَأَكَلَ وَشَرِبَ ثُمَّ رَجَعَ فَاضْطَجَعَ.
7 – ثُمَّ عَادَ مَلاَكُ الرَّبِّ ثَانِيَةً فَمَسَّهُ وَقَالَ: ((قُمْ وَكُلْ لأَنَّ الْمَسَافَةَ كَثِيرَةٌ عَلَيْكَ.))
8 – فَقَامَ وَأَكَلَ وَشَرِبَ، وَسَارَ بِقُوَّةِ تِلْكَ الأَكْلَةِ أَرْبَعِينَ نَهَاراً وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً إِلَى جَبَلِ اللَّهِ حُورِيبَ،
9 – وَدَخَلَ هُنَاكَ الْمَغَارَةَ وَبَاتَ فِيهَا.
10 – فَقَالَ: ((قَدْ غِرْتُ غَيْرَةً لِلرَّبِّ إِلَهِ الْجُنُودِ، لأَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ تَرَكُوا عَهْدَكَ وَنَقَضُوا مَذَابِحَكَ وَقَتَلُوا أَنْبِيَاءَكَ بِالسَّيْفِ، فَبَقِيتُ أَنَا وَحْدِي. وَهُمْ يَطْلُبُونَ نَفْسِي لِيَأْخُذُوهَا.))
11 – فَقَالَ: ((اخْرُجْ وَقِفْ عَلَى الْجَبَلِ أَمَامَ الرَّبِّ)). وَإِذَا بِالرَّبِّ عَابِرٌ وَرِيحٌ عَظِيمَةٌ وَشَدِيدَةٌ قَدْ شَقَّتِ الْجِبَالَ وَكَسَّرَتِ الصُّخُورَ أَمَامَ الرَّبِّ، وَلَمْ يَكُنِ الرَّبُّ فِي الرِّيحِ. وَبَعْدَ الرِّيحِ زَلْزَلَةٌ، وَلَمْ يَكُنِ الرَّبُّ فِي الزَّلْزَلَةِ.
12 – وَبَعْدَ الزَّلْزَلَةِ نَارٌ، وَلَمْ يَكُنِ الرَّبُّ فِي النَّارِ. وَبَعْدَ النَّارِ صَوْتٌ مُنْخَفِضٌ خَفِيفٌ.
13 – فَلَمَّا سَمِعَ إِيلِيَّا لَفَّ وَجْهَهُ بِرِدَائِهِ وَخَرَجَ وَوَقَفَ فِي بَابِ الْمَغَارَةِ، وَإِذَا بِصَوْتٍ إِلَيْهِ يَقُولُ: ((مَا لَكَ هَهُنَا يَا إِيلِيَّا؟))
14 – فَقَالَ: ((غِرْتُ غَيْرَةً لِلرَّبِّ إِلَهِ الْجُنُودِ لأَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ تَرَكُوا عَهْدَكَ وَنَقَضُوا مَذَابِحَكَ وَقَتَلُوا أَنْبِيَاءَكَ بِالسَّيْفِ، فَبَقِيتُ أَنَا وَحْدِي، وَهُمْ يَطْلُبُونَ نَفْسِي لِيَأْخُذُوهَا.))
15 – فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ: ((اذْهَبْ رَاجِعاً فِي طَرِيقِكَ إِلَى بَرِّيَّةِ دِمِشْقَ، وَادْخُلْ وَامْسَحْ حَزَائِيلَ مَلِكاً عَلَى أَرَامَ،
16 – وَامْسَحْ يَاهُوَ بْنَ نِمْشِي مَلِكاً عَلَى إِسْرَائِيلَ، وَامْسَحْ أَلِيشَعَ بْنَ شَافَاطَ مِنْ آبَلَ مَحُولَةَ نَبِيّاً عِوَضاً عَنْكَ.
17 – فَالَّذِي يَنْجُو مِنْ سَيْفِ حَزَائِيلَ يَقْتُلُهُ يَاهُو، وَالَّذِي يَنْجُو مِنْ سَيْفِ يَاهُو يَقْتُلُهُ أَلِيشَعُ.
18 – وَقَدْ أَبْقَيْتُ فِي إِسْرَائِيلَ سَبْعَةَ آلاَفٍ، كُلَّ الرُّكَبِ الَّتِي لَمْ تَجْثُ لِلْبَعْلِ وَكُلَّ فَمٍ لَمْ يُقَبِّلْهُ.))
لنقرأ جيّدًا هذا الكلام الّذي قال إيليّا للرب: ((غِرْتُ غَيْرَةً لِلرَّبِّ إِلَهِ الْجُنُودِ لأَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ تَرَكُوا عَهْدَكَ وَنَقَضُوا مَذَابِحَكَ وَقَتَلُوا أَنْبِيَاءَكَ بِالسَّيْفِ، فَبَقِيتُ أَنَا وَحْدِي، وَهُمْ يَطْلُبُونَ نَفْسِي لِيَأْخُذُوهَا.))
إنّ قراءة قصّة إيليّا من مصدرها الأصيل وبمختلف تفاصيلِها تجعلنا نفهم بطريقة أفضل شرعيّة ما قام به إيليّا وبطولته وجدواه وحتّى قداسته!
دعونا نقوم بمقارنة صغيرة:
ما حصل في عبرا وأذّى إلى استشهاد 18 جنديًّا من الجيش اللبنانيّ يبقى حدثًا مطبوعًا في ذاكرة اللبنانيّين…
لا أحدَ منّا اتّهم الجيش اللبنانيّ بالعمل الداعشيّ لأنّه قضى على زمرة من هؤلاء القتلة….
ما حصل في نهر البارد: 180 شهيدًا للجيش اللبناني، كانت باكورتهم 30 شهيدًا ذبحوا غدرًا في مراكزهم…
كلّ الوطن طالب الجيش بالانتقام لدماء الشهداء، فاستطاع القضاء على المئات منهم، وطبعًا لا نتّمهه بالداعشيّة!
ولا أحدَ منّا سيتّهم قائدَ المغاوير بالداعشيّة إذا استطاع الإغارة على مراكز هؤلاء القتلة وإفناء المئات منهم… بل خلاف ذلك سنصفّق له ونعلنه بطلًا وطنيًّا ونحتفل بإنجازاته… ونحن مسيحيّون نعيش في القرن العشرين ونحتفل بسنة الرحمة…
فلماذا نحكم بداعشيّة إيليّا الّذي عاش منذ 3000 سنة ولم يعرف المسيح، وقد عمل ما بوسعه ليردّ الظلم عن شعبه ويكفّ يد الظلاّم، وينتقم لدماء أنبياء الله؟؟؟؟
قصّة إيليّا والمحرقة ليست قصّة داعشيّة قطعًا…
بل هي قصّة تبيّن عدالة الله وهي جديرة بالاحترام!
قصّة إيليّا والمحرقة

هل تبحث عن  عجبا هل بعد هذا نشتهي مسكنا في الارض او مستوطنا

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي