ترى لماذا قصد الرب أن يدعى إله يعقوب؟ ولماذا أعلن “أحببت يعقوب” ملاخى 1: 2؟ هل بسبب صفاته النبيلة ؤأخلاقه الحميدة؟ أم بسبب تكريسه العميق وطاعته الفريدة؟ إن معنى اسمه “متعقب” تكوين 27: 36- واسمه يكشف لنا عن طبيعته وصفاته فهو إنسان يسعى بكل وسيلة للوصول الى أهدافه حتى ولو استخدم الحيلة والدهاء إذاً لماذا أحبه الرب وارتبط به؟ ليعلمنا درسا أساسيا عن نعمته وصلاحه فهو إله كل نعمة الذى يتعامل معنا ليس بحسب ما نحن عليه بل بحسب ما هو فى ذاته – ليس بما نستحقه نحن بل بما يتوافق وصفاته هو.
يعقوب المخطئ
تصرف يعقوب بطريقة خاطئة للحصول على البركة. كان الله قد سبق وأعلن لرفقة أمه أنه سيكون الأعظم وأن أخاه عيسو سيستعبد له. كان هذا وعداً صريحا من الرب بأن يعقوب هو الذى سينال البركة. وما دام الله قد وعد بشئ فهو قادر أن يتممه فى وقته وبطريقته هو إلا أن يعقوب انقاد الى حيلة رفقة أمه ووافق على خداع إسحق ابيه حتى ينال البركة فتظاهر انه هو عيسو وكذب على أبيه (تكوين 72) كان هذا تصرفا ردىئاً لا يرضى الرب ولأنه واحد من اولاد الله فقد أدبه الرب لأنه “أى ابن لا يؤدبه أبوه”. أحبائى الشباب : لنلاحظ طرقنا وتصرفاتنا دائما فالرب يرى ويلاحظ كل تصرفاتنا لننتبه حتى لا نقدم على تصرف شرير لا يرضيه. لنكن أمناء صادقين مع من نتعامل معهم خاصة مع والدينا. ودعونا لا ننسى أن الله القدوس لا يتساهل مع الشر أبداً حتى ولو كان فى حياة أولاده. “لا تضلوا، الله لا يشمخ عليه فإن الذى يزرعه الانسان إياه يحصد أيضا” (غلاطية 6: 7) لقد حصد يعقوب نتيجة خداعه لأبيه حصاداً مؤلما إذ خدعه خاله لابان مرات عديدة ثم خدعه أولاده أيضا بعد ذلك.
إله يعقوب
اضطر يعقوب أن يترك والديه ويهرب من عيسو أخيه إذ كان ينوى قتله. لم يكن من السهل عليه ترك وطنه وأسرته خاصة رفقة أمه إذ كان الابن المحبب لها لكنه كان مجبرا على ذلك بسبب تصرفه الخاطئ. فخرج من مكان سكناه ليذهب الى خاله لابان فى حاران (نواحى سورية)، وفى الطريق حدث معه شئ أغرب من الخيال – أمر عجيب ما كنا نتوقعه أبدا. يقول الكتاب : “فخرج يعقوب من بئر سبع وذهب نحو حاران. وصادف مكانا وبات هناك لأن الشمس كانت قد غابت .. وأخذ من حجارة المكان ووضعه تحت رأسه فاضطجع فى ذلك المكان ورأى حلما وإذا سلم منصوبة على الأرض ورأسها يمس السماء. وهوذا ملائكة الله صاعدة ونازلة عليها. وهوذا الرب واقف عليها فقال انا الرب إله ابراهيم أبيك وإله إسحق. الأرض التى أنت مضطجع عليها أعطيها لك ولنسلك. ويكون نسلك كتراب الأرض وتمتد غربا وشرقا وشمالا وجنوبا. ويتبارك فيك وفى نسلك جميع قبائل الأرض. وها أنا معك وأحفظك حيثما تذهب وأردك إلي هذه الأرض لأنى لا أتركك حتى أفعل ما كلمتك به (تكوين28: 10-15).
هل يمكنا أن نقترب قليلا من يعقوب لنحلل نفسيته ونتصور مشاعره فى تلك اللحظات؟ كان وحيداً بعيدا عن أهله يشعر بمرارة الحرمان منهم، خاصة من رفقة أمه وكانت هذه هى أول مرة يغادر فيها أرضه فكان هذا اختبارا يملأه بالرهبة والشعور بالوحشة .. وكان خائفا منزعجا اذ يترقب فى كل لحظة مجئ عيسو لينتقم منه وكان يشعر بوحشة الصحراء خاصة عندما غابت الشمس وأسدل الليل ستاره الكئيب – كان في مكان يصفه الكتاب : “أرض قفر وخلاء مستوحش خرب” ربما منطقة ينتشر فيها اللصوص وتكثر فيها الوحوش المفترسة لكن فوق كل هذا كان ضميره مثقلا بالشعور بالذنب إذ ارتسم امامه كذبه على أبيه وخداعه لأخيه وبدأ ضميره يستيقظ وشعر بوخزاته المؤلمة وتصور أن الله لا بد أن يقاصصه على فعلته الرديئة وإذ نام وهو فى هذه الحالة أتى إليه الهه فى حلم عجيب وأراه مناظر مطمئنة وأَسمعه كلمات نعمة مشجعة رأى سلما منصوبة على الأرض ورأسها يمس السماء. كأن الرب يقول له أنت لازلت على اتصال بالسماء وبابها لا زال مفتوحاً أمامك ومخازن الله مليئة بالرحمة الكثيرة لك.
ثم رأى الملائكة صاعدة ونازلة على السلم. كنا نتوقع أن الله يرسل ملائكته لمعاقبته على خطئه لكنه ها هو يرسلهم لخدمته وللحفاظ عليه من كل شر!! رآهم صاعدين ونازلين. كانوا يحيطون به وهو نائم فى الصحراء ويصعدون للسماء حاملين احتياجاته لعرش الله ثم ينزلون من فوق حاملين بركات الله الوفيرة له.
ثم رأى الرب نفسه وسمع منه أعجب الكلمات. لم يسمع كلمة توبيخ واحدة ولا حتى إشارة لفعلته الردىئة لكن كلمات تشجيع ووعود عظيمة. قال الرب : أنا الرب : أى أنا الذى لا أتغير أنا الذى أبقى أميناً رغم عدم أمانتك – ثم قدم له مواعيد مجانبة دون قيد أو شرط. غمره الرب باحسانات لا يستحقها دون أن يضعه تحت أى شرط قاله له : “وها أنا معك واحفظك حيثما تذهب – وأردك إلى هذه الأرض لأنى لا أتركك حتى أفعل ما كلمتك به” ياللنعمة الفائقة. كل هذا لشخص مثل يعقوب !! أحبائى الشباب، هذا هو إله يعقوب، الإله الممتلئ بالنعم رغم عدم استحقاقنا وهو يدعونا أن نثق فى نعمته ونستند عليها بالتمام. كم من المرات ربطنا عطاياه باستحقاقنا، لكنه يريد أن يعلمنا ألا ننشغل بذواتنا وأخطائنا وتقصيراتنا بل وفشلنا المتكرر. فهذا سيؤدى بنا لمزيد من الفشل والاكتئاب. لكن لنتحول الى قلبه الفائض بالاحسان ولنتمسك بصلاحه ولنستند على مواعيده. عندئذ ستعلمنا نعمته كيف نعيش بالتعقل والبر والتقوى وكيف نسلك بتدقيق وكيف نسعى لتمجيده فى كل تفاصيل حياتنا.