اشتعلت نار الغيرة الممقوتة أول ما اشتعلت في قلب إبليس، والعجب العجاب انه غار من خالقه، ولقد تملكته غيرة مشبوبة حين رأى كرسي الله في مرتبة أعلى من كرسيه، فأسقطته غيرته الحمقاء من النور إلى الظلمات، ولهذا يخاطبه الوحي الإلهي في سفر إشعياء النبي ويقول له: كيف سقطت من السماء يا زهرة بنت الصبح؟، وأنت قلت في قلبك أصعد إلى السموات، ارفع كرسي فوق كواكب الله، واجلس على جبل الاجتماع في أقاصي الشمال. اصعد فوق مرتفعات السحاب. أصير مثل العلى. لكنك انحدرت إلى الهاوية إلى أسافل الجب” (أش 14: 11- 15).
وتلازمه غيرته المرة هذه بعد سقوطه، فيقام أنبياء الله، ولقد وقف ضد دانيال إحدى وعشرين يومًا، ولكن الرب أرسل ميخائيل رئيس الملائكة لإعانته، يقول دانيال النبي “… وهو ذا ميخائيل واحدا من الرؤساء الأولين جاء لإعانتي…” (دا 10: 13).
وزكريا النبي يشاهد في رؤياه يهوشع الكاهن العظيم في السماء قائما قدام ملاك الرب، والشيطان قائم أيضا عن يمينه ليقاومه، ولقد لزم تدخل الرب الذي انتهر الشيطان” (زك 3: 1، 2).
وكانت غيرته الممقوتة وراء كل التجارب القاسية التي دبرها بأسلوبه الشيطاني مع أيوب الصديق. الرجل الكامل في علاقته مع الله، والمستقيم في معاملاته مع الناس، بشهادة الرب له، ولهذا باركه الله، الأمر الذي أثار الغيرة القاتلة، وأشعلها في قلب إبليس، فذهب بحقد مر، وبغيرة بغيضة، واشتكى ضده أمام الله، وسمح الرب بتجربة أيوب لكي يخلص أيوب من بره الذاتي “لأنه حسب نفسه أبر من الله” (أس 32: 2). الأمر الذي جعل صديقه أليفاز التيماني يقول له “أألإنسان أبر من الله، أم الرجل أطهر من خالقه؟!” (أى 4: 17).
ويعوق الرسل عن الخدمة، فحين رأى نجاح رسالة معلمنا بولس الرسول، وكيف ينضم إلى الكنيسة بالآلاف كل يوم، اتقدت الغيرة المرة في قلبه، ووضع العقبات أمامه ليحول ذلك دون ذهابه إلى تسالونيكي، ونقرأ ذلك كما سجله الرسول بنفسه حيث يقول “أردنا أن نأتي إليكم أنا بولس مرة ومرتين، وإنما أعاقنا الشيطان” (1 تس 2: 17، 18) ولكن شكرا للرب إلهنا الذي يخرج لنا من الآكل أكلا، ومن الجافي يستخرج حلاوة، فقد أخرج لنا من غيرة إبليس “رسالتين” كتبهما معلمنا بولس الرسول إلى كنيسة تسالونيكي بديلا، وعوضًا عن زيارته التي لم تتم بسبب إعاقة الشيطان وحفظهما الروح القدس للكنيسة ذخرًا مدى الأيام.
كما يعترض الملائكة أيضا في إتمام المهام المكلفون بها من قبل الرب ذاته، وحدث ذلك حين أرسل الرب ميخائيل رئيس الملائكة، ليدفن جسد موسى النبي (تث 34: 5، 6) هذه الحادثة لم يسجلها الوحي الإلهي في العهد القديم، وإنما حفظها لنا الروح القدس، وأعلنها في العهد الجديد حيث كتب عنها يهوذا الرسول في رسالته قائلا ” وأما ميخائيل رئيس الملائكة فلما خاصم إبليس محاجا عن جسد موسى لم يجسر أن يورد حكم افتراء بل قال لينتهرك الرب” (يه 9)، ومن اجل هذا أظهر ابن الله في الجسد – لكي ينقض أعمال (غيرة) إبليس” (1 يو3: 8).