لوط هو أبن هاران أبن تارح . مات والده وهو صغيراً ، فتبناه جده تارح وعمه أبرام . ولد في مدينة أور الكلدانيين في جنوب العراق ، وأسم العراق مشتق من مدينة أوروك الكلدانية .
عاش طفولته وصباه في مدينة أور العظيمة ، والتي كانت تمتاز بحضارة عريقة ، لكنها لم تتعرف على الله خالق الكون . كانت أور وثنية تهتم بأمور الأنسانية الزمنية فقط . كان أهلها يعملون بالتجارة ولديهم ثقافة عالية فكان فيها مركزاً ثقافياً هاماً ، و مكتبة عريقة . كانت أور على صلة مع حاران الواقعة في الشمال الغربي من بلاد الرافدين .
يقول الكتاب في “31:11″ ( وأخذ تارح أبرام أبنه ولوطاً بن هاران أبن أبنه وساراي كنته امرأة أبرام فخرجوا معاً من أور الكلدانيين ليذهبوا الى أرض كنعان فأتوا الى حاران وأقاموا هناك ) . كانت حاران في منتصف الطريق بين أور وكنعان ، وقد بقي أبرام ولوط هناك خمسة أعوام ، وهناك توفي تارح حيث قالوا ( لا يمكننا أن نذهب الى أبعد من منتصف الطريق الا اذا مات انساننا العتيق ) . بعد ذلك انطلق ابرام ولوط الى الأرض التي دعي ليذهب اليها ، كانت الأرض مأهولة ، لكنه صادف المجاعة في تلك الأرض عكس البلد الذي تركه والملىء بالخيرات . فكر ابرام مع نفسه وقرر بأن يأخذ لوط الى أرض مصر . كانت هذه الخطوة غير صائبة لأنها بعيدة عن مخطط الله في حياته ، فكان عليه أن يسأل الله الذي قاده الى هذه الأرض ، بل بسبب تلك التجربة نسي الله فأراد أن يحلها بالأتكال على الذات لهذا سمح الله بأدخاله في تجربة في الأرض التي أختارها . ضعف ابرام أمام التجربة فنكر زوجته عندما قال لفرعون أنها أخته . لكن الله رغم ذلك لم يتركه بل تدخل لكي يجازيه خيراً بعد أن يأخذ درساً من تلك التجربة ، فأخرجه الله من تلك المشكلة ومن تلك الكورة بالغنى . بعد عودته مع لوط الى أرض كنعان كان لديهم الكثير من الغنم والبقر والخيام بحيث لم تحتملها الأرض التي نزلوا فيها فلم يقدرا أن يسكنا معاً ، فحدثت مخاصمة بين رعاتهما .
فقال أبرام للوط يجب أن لا تكون مخاصمة بيننا لأننا أخوة . ( القرابة من الدرجة الأولى والثانية يعتبرها الكتاب المقدس أخوة كأخوة الرب يسوع ، ولابان مع يعقوب …الخ ) وهنا أيضاً يعبرون أخوة في الهدف الذي جاءوا من أجله . فقال ابرام للوط : أليست الأرض أمامك ؟ أعتزل عني . أذهب شمالاً ، فأنا يميناً … فأختار لوط مدينة سادوم حيث شبهها بأرض مصر . ذهب لوط وأعتزل عن أبرام ، بهذا الأختبار أرتكب لوط أخطاءً كبيرة لأنه أبتعد عن مركز دائرة الأيمان والمتمثل بأبرام عمه ، كذلك تركه الصحراء التي هي مدرسة روحية كبيرة للأنسان وبعيدة عن المدن التي تكثر فيها التجارب . في الصحراء تدرب النبي موسى قبل الشروع في الرسالة وهكذا تدرب شعبه في أرض سيناء أربعين سنة قبل الدخول الى أرض الميعاد وهكذا بالنسبة الى أنبياء كثيرين ومنهم يوحنا والرب يسوع قبل التجربة وهكذا يفعلون اليوم الرهبان في الصحاري . لهذا واجه لوط متاعب وتجارب روحية كثيرة ولم يتحملها رغم كونه باراُ ، لأن العيش مع الوثنيين من جهة والأبتعاد عن مختار الله أبرام من جهة أخرى ، أرتكب خطاً رغم أعتباره هناك رجل الله البار ، حيث كانت نفسه الزكية تعذب يوماً بعد يوم ” بط 2: 7-8″ .
لماذا أختار لوط سدوم ؟ يقول الكتاب : عندما رفع لوط عينيه ورأى كل دائرة الأردن فرأى المدينتين سدوم وعمورة كجنة الرب ، فأرتحل شرقاً وأعتزل عن عمه . ويقول في ” تك 13: 5-13″ كان أهل سدوم أشراراً وخطاة لدى الرب جداً . هكذا وضع لوط نفسه أمام تجربة كبيرة لعدم الأتكال على الله مرة ثانية وأنعزاله عن أبرام بأرادته الشخصية ، كانت سبب فشله وخسرانه لبركات الرب . المشكلة بدأت منذ النظر صوب سدوم فلاحظ السهول الخصبة الغنية فتبلورة الفكرة ونضجت القناعة فقرر الشروع نحو الهدف الذي أغواه كما أغوة الحية حواء فكانت في البداية ، النظرة الى الشجرة وبعد أن تشبعت حواء من النظر نسجت الفكرة الشريرة ونمت فقررت للتقدم نحو الهدف لكن ذلك الهدف جردها من النعمة ومن محبة الله . هكذا فعل لوط أيضاً حيث ترك أبرام ليذهب ويضرب خيامه بالقرب من الهدف كما فعلت حواء ، ولم يمضي وقت طويل حتى أكتملت القناعة فدخل الى المدينة ، علماً بأنه عندما كان خارجها كان قلبه هناك في داخل المدينة ، وبدخوله اليها تحققت أمنيته وهكذا تناول الثمرة التي أقتطفتها حواء ، لكي يخرج من هناك كما خرج آدم وحواء بدون شىء يلبسون ثوب العري . فكرته منذ البداية كانت بعيدة عن خطة الله في حياته ، فأراد أن يسوق مشروعه ويطور ممتلكاتها في أسواق المدينة ، علماً بأنه يعلم بالفساد الروحي لأهل تلك الأرض فلماذا لم يبتعد منها ؟ وأذا أراد حياة التجارة والربح والحضارة لماذا لم يعود الى أور الغنية ومع أهله هناك ؟ هل سأل نفسه وقال هل أستطيع أن أمارس أيماني وأحفظه ، وأيمان أولادي وأصهاري في تلك المدينة ؟ أم سينزلقون في فساد تلك الكورة ؟ لم يفكر لوط بالله كما كان يفكر بثروته ، ولم يسأل الله قبل الذهاب لكي يعينه قبل أصدار القرار ، بل تجاوز الله وأنفرد بقراره فتصرف تصرفاً مؤلماً ولم يتذكر تجربة الذهاب الى مصر بل قرر الذهاب مرة أخرى . هل نستطيع أن نقول بأن تفكير لوط البار مع ذاته كان بأنه سيبقى مخلصاً للرب ويعمل مصلحاً لنفوس تلك المدينة بالأضافة الى الحصول على ما خطط له من أجل الربح الزائل ؟ قال الرب يسوع ( لا تستطيع أن تعبد الاهين ، أما الله أو المال ) . ظن أهل سدوم بأنه تقياً وأنه ناجحاً في التجارة ومعروفاً من قبل أهل المدينة لكنه أيضاً يظنوه شاذاً عن عاداتهم ولا يريد أن يتطبع لكي لا ينجرف في الخطيئة . أو قد أعتبروه أكثر نجاحاً من عمه الذي عاش للّه أولاً ، أما هو فكان يعيش للدنيا أولاً فأبتعد عن الله فلم يستطيع أن يخدمه كما ينبغي ، بل فشل في تثبيت حتى أقربائه في الأيمان ولم يستطيع التأثير على أهل سدوم لا وبل حتى زوجته التي أراد الملاكين أن ينقذوها التفتت الى الوراء فصارت نصب ملح ” تك 26:19″ . كان سبب التفاتها الى الخلف هو لحنانها الى أهلها ، أي الى الخطيئة وهنا نتذكر قول الرب ( ..لي اولاً ان أودع من في بيتي ، فقال له يسوع ما من احد يضع يده علي المحراث و ينظر الي الوراء يكون اهلا لملكوت الله ) .
كان أتجاه لوط نحو غنى الدنيا وعلى حساب الغنى الروحي ، فكان يصرف أكثر أوقاته للبحث عنه ، هكذا كان يضعف روحياً مما أدى الى ضياع أسرته علماً بأن الله كان يحبه فأعطاه أنذاراً عندما وقعت حرب بين ملوك المدينتين سدوم وعمورة مع المدن المحيطة بها ، فهزمتهم تلك المدن . أَسَر العدو لوط وكل غناه ، لكن أبرام المحب لله عندما سمع بأن أبن أخيه في الأسر لم يتذكر يوم أنفصاله عنه بل أخذ غلمانه الثلاثمائة وثمانية عشر ولحق بالأعداء وهزمهم بقوة الله القديرة ، فحرر لوط وأسرته ومقتنياته ، فخرج ملكيصادق ملك شليم وقدم له خبزاً وخمراً لأنه كان كاهن الله العلي بارك أبرام وقال ( على أبرام بركة الله العلي خالق السموات والأرض وتبارك الله العلي الذي أسلم أعدائك الى يديك ) وأعطاه أبرام العشر من كل شىء .لم يكن كاهناً في عهد أبرام ولم يأتي سبط اللاويين بعد فمن أين جاء ملكي صادق الذي يرمز الى عظيم الكهنة والى صورة المشيح الملك والكاهن ؟ وهكذا يرى في الخبز والخمر الذي قدم هذا الكاهن الى أبرام الى صورة القربان المقدس ، الى صورة الذبيحة الحقيقية ، والى العهد الجديد . ويفسر أيضاً بأن أبن الله يسوع نفسه ظهر في شخص ملكيصادق واختفى بسرعة .
وكما يقدم لنا داود في المزمور 110: 4 كصورة داود المعد هو أيضاً كصورة المسيح ( الملك والكاهن ) وكما يوضح سفر العبرانين هكذا بسبب لوط تم أنقاذ المدينة لكن هل فكر لوط بالعودة أو فهم هذا العمل ومنبع تلك القوة التي كانت لأبرام ؟ أصبح للوط أسم وأحترام خاص لدى أهل المدينة لكنه بقي على حاله وأستمر على نفس الخط وعلى نفس الأتجاه المُدبِر عن وجه الله ولم يعد الى أبرام بل أصبح مشهوراً هناك وأعتبر أحد الوجهاء فكان يجلس في باب المدينة وهذا المكان لا يجلس فيه الا الولاة والقضاة والوجهاء ، فكان يجالس مع أولئك الخطاة ويتبادلون الحديث كان كل شىء يسير جيداً لكنه لم يستطع أن يكسب أحداً الى الله رغم مكانته وفضله على المدينة ، بل بقي فريداً وحيداً في أيمانه ومعتقداته لأنه لم ينادي الناس الى الأيمان بل كان يحاورهم لأجل المال والمصالح الزائلة .
لقد رأى يوما على باب المدينة رجلان عند المغيب فقابلهم وسجد لهما ودعاهم الى بيته فتظاهرا بالرفض لكنه توسل اليهما فقبلا . وصل الخبر بسرعة الى أهل سدوم فأحاطوا بالبيت من الصبي الى الشيخ وطلبوا من لوط أخراج الرجلين لكي يفعلوا الشر بهم ، فخرج اليهم متوسلاً ألا يفعلوا بهما الشر بل عرض عليهم بناته حيث كان لحق الضيافة في تلك الفترة أكبر من شرف الأسرة . لم يقتنعوا بالعرض لأن مرض الخطيئة كان سارياً في كل فرد ومسيطراً على كيانهم فوصلت ريحة أعمالهم الى حضرة الله فأثار غضبه .
خطيئة الزنا وبشكلها المخالف للطبيعة صارت أسمى ما لدى أهل سدوم لذا فقدوا أحترامهم للوط عندما أستضاف الرجلين وتغاظوا فضل أبرام عمه عليهم لأن تلك العادات أصبحت طقوسهم اليومية . أذاً لم يبقى للوط أي شىء عند أهل المدينة أي رُفض ورفُض أيمانه ولم يجد نفعاً رغم كل تلك الفترة من العمل بينهم . تداخل الملاكان فضربوا الجمهور كله بالعمى وأدخلوا لوط الى البيت وطلبوا منه بأن يأتي بأهله في المدينة لكي ينقذوهم من الغضب الآتي ، فقالوا له :
(أصهارك ، وبنيك وبناتك وكل من لك في المدينة ، أخرج من المكان ) قابل لوط أقربائه وطلب منهم الخروج فكان ردهم اليه ساخراً حيث كان لوط كمازح في أعين أصهاره . فقد أولاده لأنهم لم يجدوا منه أي عمل صالح يمجد أسم ألهه ولم يقم مذبحاً للرب كما فعل أبرام ، وهكذا خسر كل شىء فعاد الى البيت في الفجر فحان وقت القصاص كما قال الرب عنهم ( أنهم كانوا يأكلون ويشربون ويشترون ويبيعون ، وكان كل شىء يسير كالمعتاد ولم تكن هناك علاقة تدل الى الدينونة . وهكذا سيكون يوم القيامة ، يوم غضب الله العظيم على أولاد المعصية ) .
أستعجل الملاكان بالخروج ولوط يلتهب من الداخل على أحبائه الذين سيهلكون وهو يعلم بأنه سيكون السبب الرئيسي في هلاكهم لأبتعاده عن أبرام . هكذا سيكون مصير من يعمل لخدمة المال والثروات على حساب الأيمان .
كان أبرام يتوسل الى الرب لكي لا يهلك المدينة بسبب العشرة من الأبرار . لم يجرؤ على طلب التخفيض الى ما دون العشرة ، أما لكونه كان مقتنعاً بأن لوط وعائلته وأقربائه هم أبرار وعددهم يناهز العشرة ، أو لأنه رأى بأن المزيد يدل على الألحاح علماً بأن الله يعفوا عن أورشليم بكاملها أن وجد فيها باراً واحداً ” خر 30:22 و أر 1:5 ” . يبدو بأن أبرام أطمئن عندما وعد الرب بأنه لا يحرق المدينة بسبب العشرة لذلك نام الليل كله وبكر وتطلع الى جهة سدوم وعمورة فاذا الدخان صاعداً كدخان الأتون رغم وعد الرب الذي لم يفهمه أبرام لأنه لن يفهم بأن أبن أخيه لم يستطع أن يحفظ
حتى بناته من الخطيئة ، وكانت أعراض الخطيئة في حياتهن لهذا ارتكبن الفحشاء مع والدهن دون أن يعلم لكي يجلبوا له شعباً ويصير أباً للموآبيين والعمونيين الذين أصبحوا شعباً معادياً لشعب الله في أرض كنعان . أنهما أولاد الخطيئة لذا أصبح نسلهما أعداء لله وشعبه ، وكما أمرت سارة أبرام بأن يدخل الى هاجر متجاوزين وعد الله لهم كذلك جلبت هاجر شعباً معادياً لشعب الله لأن رأي سارة كان تحدياً لوعد الله القدوس الذي وعد به أبرام بنسل عظيم من سارة .
أمطر الله على سدوم وعمورة كبريتاً وناراً من السماء وقلب كل تلك المدن وكل السهل وجميع سكان المدن لكنه أنتشل لوط من وسط الكارثة لأنه تذكر أبرام المؤمن فلأجله أنقذ عائلة لوط .
نرى اليوم أن بعض رجال الدين همهم الأول هو المال قبل الأيمان ، أنهم يعيشون حياة لوط لا ينادون الناس الى الأيمان والتوبة كما نادى يونان النبي نينوى فتابت . ففي النهاية سيحصدون ما يزرعونه كلوط . على كل مؤمن أن يتأمل بالسيرة الذاتية للوط وبحياته المليئة بالفشل بسبب الأبتعاد عن الله وعدم المساهمة في أبلاغ الرسالة التي حمَّلها الله له الى الناس ، بل عاش لحياته الزمنية . سجل الله هذه القصص لنا في الكتاب المقدس لتكون لنا درساً وأنذاراً .
غالباً تكون المدن مراكز الشر ، وقد عرف أبرام تلك الحقيقة فأختار الوادي حيث كان يوقد ناراً على المذبح لكي يعيش متعبداً لله ، وكان يحسب نفسه غريباً في هذه الأرض ويعيش بالأيمان الذي حسب له براً وسلام ، عكس لوط الذي فقد ذلك السلام لأختياره المدينة الصاخبة ولم يجني منها شىء بل خرج كأفقر انسان على الأرض ملىء بالفشل والخجل الذي قاده للعيش في الجبل بعيداً عن الناس وعن عمه . هكذا على كل أب أن يختار مستقبل أسرته في الوسط الملائم للعبادة لكي يضمن المستقبل وان لا ينصب خيامه في أرض الخطيئة لكي لا تنتقل سموم الخطيئة بالعدوى الى أفراد عائلته فيكون نصيبهم الهلاك . على كل مؤمن أن لا يفضل العالم على الآخرة وأن لا يكون لله شريكاً في قلبه ،لأن الله غيور ولا يقبل أن يكون له منافس في قلوبنا . فالأختيار الصحيح هو أن نسلم ذواتنا الى أرادة الله لكي يقودنا هو حسب مشيئته وهكذا سنكون ودعاء له وسنربح كل شىء لأن راعينا سيقودنا الى المراعي الأمينة ويحرصنا من كل سوء : ( طوبى للودعاء لأنهم يرثون الأرض ) .
ختاماً نقول بأن الله لم يغض الشعوب القديمة من حكمه العادل ، بل كان يقتص منهم شر أقتصاص عندما كانوا يعصون شريعته بأرتكابهم الذنوب فكان يهلكهم ويسلط عليهم سيف الأعداء أو المرض أو غير ذلك . فهل يعفينا اليوم ونحن في عهد النعمة والنور من جرائمنا ؟ الله ثابت لا يتغير في كل الأزمنة والأماكن لذا سينال من الخطاة والفجار لأن غضبه معلن من السماء على جميع فجور الناس وأثمهم ، الذين يحجزون الحق بالأثم ” رو 18:1″
ولألهنا المجد دائماً
هل تبحث عن  My Heart Is Full Lyrics

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي