لا تلمسيني
هناك شروحات وتأملات كثيرة علمها الآباء حول هذا القول: قال قال لها يسوع: لا تلمسينى، لان هيئته قد تغيرت وتغيرت وظيفته، وهو في لحظة عبور وليس إقامة (انى أصعد إلى ابى وأبيكم والهى وإلهكم) (يو20: 17).
فلا تزال المجدلية غارقة في الرؤية القديمة ولم تقتبل بعد الرؤية الجديدة، لم تعرف السيد حسبما يريد هو أن يستعلن لها، إنها لازالت تتطلع لسيد الامس.. ظنته بستانى، وحقيقة هو كذلك، إنه البستانى الحقيقي الذي إرتضى أن يشرب كأس خلاصنا، وهو الذي يزرع ويروى وينمى ويستثمر في بستان النفس حبة الخردل وكل ما يراه مثمرا ُ وإيجابياً.
قال لها لا تلمسينى، إذ كيف يلمسه البشر وهو بعد في لسماء، مريداً أن تتلامس معه على المستوى الروحي، لا أن تلمسه بالجسد بل تنتظر الروح القدس الذي سيرسله بعد صعوده الذي به نقدر ان نلمسه، لأنه من الآن سيعرف بالروح (كو5: 16).
لا تلمسيني
أراد الرب أن تلمس حضوره بطريقة غير منظورة في الداخل، لا على مستوى المفاهيم الأرضية بحسب الجسد، لكي يرتفع عقلها إلى المعاينة السمائية، فهى لا تزال تبكيه إنساناً قد مات ورحل ولم يعد موجوداً في القبر بعد لم تعرفه كإله قائم من الأموات، إنها لا تزال تتخيله كما تشاهده بعينيها، لذلك قال لها لا تلمسينى) لانك تفترضين أننى لست أكثير مما أبدو لك، وتؤمنى بى حسب الشكل الجسدى المنظور بواسطة حواس الجسد.
لازالت تبكيه، بينما هو سيلقاها في الجليل، لذلك قال لها (لا تلمسينى) لكي لا تعيق أو تعطل بشرى القيامة للتلاميذ بسبب عاطفتها النسائية، وبسبب نظرتها له كجثمان يمكن أن يسرق، وكجسد يمكن أن يحمل وأن يوضع، لذلك قال لها: (لا تلمسينى)، لانها بحثت عن الميت بين الاموات لا عن الحى من بين الاموات، بحثت عن العالم لا عن الرب الاله.
(لا تلمسينى) لاننى في نظرك لم أصعد بعد إلى أبى.
لأننى في رأيك لا زلت على الأرض إنساناٌ، لأننى في مفهومك لا أزال أمامك بحسب الجسد، لكن وإن كنت عرفتنى إنساناً بحسب الجسد، إلا إننى إله، أنا في الآب والآب فى، أنا والآب واحد.
فإن كنت قد عرفت ذلك وأمنت وإنكشف عن عينى قلبك، تستطيعى أن تتلامسى معى على هذا المستوى الروحي واللاهوتى بروح القيامة، ومتى آمنت وعرفت وإستعلن لك هذا السر العظيم حينئذ أقول لك!! آمنى بما هو روحي وروحانى أي بالإيمان الحى الذي يجعلك تلمسينى عندما أصعد إلى أبى، لأنه طوبى للذين آمنوا ولم يروا.
لقد كان إختفاء السيد المسيح عن المجدلية بعد ظهور القيامة، لأن علاقته بها بعد القيامة لم تعد كما كانت عليه من قبل، فهى في حاجة إلى تغيير وإلى حياة جديدة في المسيح، حتى يلتصق الجديد بالجديد،وهذا هو السبب الذي جعل المجدلية لا تلمسه إلى أن صعد. ويقول القديس يعقوب السروجى: إنها أرادت أن تمسكه وأن تتعلق به، أي أنها تخيلت أنه يمكن لها أن تبقيه على الأرض، لهذا قال لها (لا تلمسينى)، فلا يزال حبها له على المستوى البشرى المحسوس، لذا أراد أن يرفع قلبها إلى السماويات، وأن يمتص حماسها وإندفاعها، فليس الوقت وقت إمساك وتعلق وإنما وقت فرح وبشارة.
فالمقصود بعدم اللمس، التدرج بمريم من الشك إلى الإيمان، ومن محاولة البحث عن جسد يسوع الميت إلى الإيمان بالحى من بين الأموات، فمركز الثقل في إثبات القيامة هو الخبرة الروحية التي تتكون عند الشهود، وهي خبرة الرسل والنسوة في إكتشاف القيامة التي لا تنفع فيها الخبرة الحسية واللمس.
لأن القيامة خبرة روحية لا تدخل إلينا عن طريق الحواس، وهذا ما طلبته المجدلية عندما كانت أسيرة المعرفة الحسية الأرضية الخاصة بالترابيين.
وترمز المجدلية إلى كنيسة الأمم التي لم تؤمن بالمسيح، إلا بعد صعوده وجلوسه عن يمين الآب، وهكذا شاء المسيح ان تؤمن به هذه الكنيسة وأن تلمسه روحياً وتؤمن أنه هو والآب واحد.
لقد قال لها (إنى أصعد إلى أبى وأبيكم وإلهي وإلهكم) (يو 17:20) فهو أبيه (بالطبيعة) أنا والآب واحد. وهو أبونا(بالنعمة والتبنى) نعمة البنوة. إلهي: لأنه صار إنسان بإرادته واخذ بشريتنا وصار إنساناً مثلنا بتجسده.
إلهكم: لأننا عبيد إقتنانا لنفسه ونحن خلائقة والمسيح وسيط بيننا وبينه. فلم يقل (أبينا)، لأنه (أبى) بمعنى و(أبوكم) بمعنى آخر، لي بالطبيعة ولكم بالنعمة، (وإلهي وإلهكم) ولم يقل (إلهنا). هنا أيضاً هو (لى) بمعنى و(لكم) بمعنى آخر
وبالإختصار ربما قال لها المسيح (لا تلمسينى) أي لا تؤمنى بما يكون في عقلك من أفكار وخيالات، بل ليتجدد إيمانك وينطلق إلى ما هو أعلى، وكيف يمكن أن نفترض أن إيمان المجدلية بالمسيح كان صحيحاً وهي كانت لا تزال تقف عند القبر تبكى، كما لو كانت تطلب جثة؟ بينما هو ليس أقل من الآب بالمرة (مساوى للآب في الجوهر).
هل تبحث عن  مزمور 33 - سرّ البهجة أو التسبيح هو الرب

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي