يوئيل والنصر العظيم
يوئيل والنصر العظيم
آمن يوئيل بالنصر وهو يمد بصره إلى آخر الأيام ، ولئن كانت رؤياه قد تحققت جزئياً فى الشعب اليهودى ، ولاحت تباشيرها فى يوم الخمسين ، كما عند سقوط أورشليم وتدميرها على يد تيطس الرومانى ، إلا أن النبوة فى كمالها تأتى بنا إلى آخر الأيام عندما تسقط الخطية نهائياً وإلى الأبد ، ولعل الدراسة الواعية للأصحاح الثالث من يوئيل ، تأتى بنا إلى حقائق عظيمة :
قائد النصر
والقائد هنا ، ليس إنساناً بشرياً ، بل هو اللّه العلى بنفسه ، والمعركة أساساً معركته ، ومن ثم نجده يقول : « شعبى » … « ميراثى » « فضتى » .. « ذهبى » … « نفائسى الجيدة » … وهو يدخل المعركة – لا لمجرد أن يتمم العدالة والكرامة والحق ، بين ظالم ومظلوم ، وبين صاحب حق ، والمعتدى على هذا الحق – بل لأنه هو اعتدى عليه ، وجرح فى مركزه وكرامته ومجده ، … وهو لا يمكن أن يهدأ على الإطلاق قبل أن يصحح هذا الوضع والأمر ، بالضبط ، أشبه بمن يلقى حجراً إلى أعلى ، ومهما يرتفع الحجر فلابد أن يعود إلى الأرض ، مأخوذاً بقانون الجاذبية وسلطانها ، .. ومهما يحاول آلإنسان أن يقاوم هذه النواميس الطبيعية ، فإنها ستتغلب عليه آخر الأمر ، لتضع المقاومة فى وضعها الصحيح ، طال الزمن أو قصر !! … وثمة أمر آخر فى القائد ، إذ أنه القائد المحب الذى لا يهتم بالمجموع فحسب ، بل بكل فرد على حده ، إذ لكل واحد منا مكانه الثابت عنده ، وهو لهذا لا يقول شعبى فحسب ، بل يذكر أيضاً « الصبى » و « البنت » أو أصغر من فى هذا الشعب ، أو أقلهم حظاً من الحياة ، … إنه القائد الذى اندمج فى جنوده ، وهو يخاطب الأعداء : « ماذا أنتن لى يا صور وصيدون وجميع دائرة فلسطين » ” يؤ 3 : 4 “… وهو هو بعينه الذى قال : « لأنى جعت فأطعمتونى ، عطشت فسقيتمونى ، كنت غريباً فآويتمونى ، عرياناً فكسوتمونى مريضاً فزرتمونى ، محبوساً فأتيتم إليّ .. بما أنكم فعلتموه بأحد أخوتى هؤلاء الأصاغر فبى فعلتم » .. ” مت 25 : 35 – 40 “« شاول شاول لماذا تضطهدنى ؟! .. صعب عليك أن ترفس مناخس » .. ( أع 9 : 4 و 5 ) وهو القائد المظفر : « والرب من صهيون يزمجر ومن أورشليم يعطى صوته فترجف السماء والأرض » .. ” يؤ 3 : 16 ” إنه الأسد الخارج من سبط يهوذا !! وإذا كان نابليون قد عد من عباقرة الحروب ، لأنه كان يعتقد قبل أن يدخل المعركة ، أن النصر لابد أن يواتيه ، ولكن نابليون هزم فى موسكو أشر هزيمة ، وعندما سئل لماذا هزم !! .. أجاب : لقد هزمنى الجنرال يناير أو برد الشتاء القارص ، وانتهت عبقريته إلى سانت هيلانة ، حيث عاش يلعق مرارة الهزيمة حتى الموت ، لكن قائدنا دائماً حى ، وقادر على كل شئ ، وخرج غالباً ولكى يغلب!! ..
أعداء النصر
وقد وصف يوئيل أعداء النصر وصفاً دقيقاً ، إذ هم أولا الأعضاء الفاسقون ، عبيد الفسق والخمر الذين « أعطوا الصبى بزانية وباعوا البنت بخمر ليشربوا » ” يؤ 3 : 3 ” . أى أنهم باعوا الصبى الصغير من أجل شهوة الفسق مع زانية ، وباعو البنت الصغيرة من أجل كأس من الخمر ، أو فى عبارة أخرى ، أنهم عبيد الاستباحة والشهوة والمجون ، والعربدة والفساد ، … كان نلسون سيد البحار وعبد المرأة ، … وقد قال روبرت برنز ، الشاعر المجيد ، الذى هز مشاعر اسكتلندا : إنه لو دخل إلى غرفة ورأى فى ركن برميلا من الخمر ، وفى الركن الآخر مدفعاً يهدد من يقف إلى جواره ، بأنه سيطلقه على من يشرب المسكر ، فإنه لا يتردد فى الشرب حتى ولو كان يواجه الموت لا محالة !! .. . ولم يستطع أدجار ألن بو » أعظم كاتب للقصة القصيرة فى أمريكا ، التخلص على الإطلاق من الإدمان على المسكر ، … وكان الأعداء ، أعداء قساة ، والشر دائماً يقسى القلب : « وألقوا قرعة على شعبى » .. عندما اقتسموا غنائمهم التى غنموها بفرح وبهجة وهم يقترعون على الضحايا وأموالهم !! ..
وكان الأعداء أيضاً هم الأعداء اللصوص : « أخذتم فضتى وذهبى وأدخلتم نفائسى الجيدة إلى هياكلكم » ، واللصوصية سمة أعداء اللّه فهم سارقون لكل شئ للحياة ، والوقت ، والمال والمواهب ، والوزنات … وهم – إلى جانب ذلك – الأعداء الظالمون : « من أجل ظلمهم لبنى يهوذا » … وهل يمكن أن يكون الخاطئ القاسى الشهوانى اللص إلا ظالماً ومستبداً ، … قيل إن روما صنعت تمثالا لأحد العشارين ، لأنه كان الوحيد الذى يجبى الأموال بالعدل !! .. وهم آخر الأمر الأعداء الوثنيون الذين أدخلوا نفائس الرب إلى هياكلهم ، كانو لصوصاً وفجاراً وأثمة وأشراراً ، … فمن الغريب أن يكون لهم أيضاً هياكل !! …
أبطال النصر
على أنه من الوجهة الأخرى ، كان هناك أبطال النصر الذين أطلق عليهم الوحى « الأبطال » … وفى الواقع أن الذين يحاربون من أجل اللّه هم الأبطال حقاً : « إلى هناك أنزل يارب أبطالك » ” يؤ 3 : 11 ” وبطولتهم هى البطولة الحقيقية لا الزائفة ، ومن يضارع فى البطولة يوسف ، وموسى ، وداود وبطرس ، ويوحنا ، وبولس ؟ ، ونقرأ فى سفــــر الرؤيـــا فى الأصحـــاح التاســع : «وشكل الجراد شبه خيل مهيأة للحرب ، وعلى رؤوسها كأكاليل شبه الذهب ووجوهها كوجوه الناس» ، وهى صورة الأكاليل التى توضع على رؤوس الأبطال الزائفين فى الأرض ، وهى ليست ذهباً ، بل هى » شبه الذهب » لأنها بطولة زائفة كاذبة ، أما أبطال اللّه الذين يقفون إلى جانب الحق مهما كان ضعفهم ، فليقل الضعيف فيهم بطل أنا !! ..
معركة النصر
وهى الحرب الضروس الشاملة للعالم كله : « أجمع كل الأمم .. جماهير » ” يؤ 3: 2 – 14 ” وهى ليست قاصرة على جماعة دون جماعة ، أو على أمة دون أمة ، … كانت الحروب القديمة تقوم فى نطاق محدود ، ثم أخذ هذا النطاق يتسع حتى عرفنا الحروب العالمية ، … وإذا كان العالم ينقسم الآن إلى كتلتين رهيبتين ، بينهما دول أطلقت على نفسها « الدول غير المنحازة » ، … إلا أن معركة الخير والشر لا يمكن أن يكون فيها شئ اسمه الحياد أو عدم الانحياز ، لأن من ليس معنا فهو علينا ، … ولا مهرب من الوقوف إلى جانب الخير أو جانب الشر !! .. إنها فى الواقع ، المعركة المقدسة . لقد تصور البعض أن القول : « اطبعوا سكاتكم سيوفاً ومناجلكم رماحاً ، ليقل الضعيف بطل أنا » يقصد به الأعداء الذين يشددون بعضهم بعضاً ، غير أن الراجح أنه نداء اللّه لجميع المؤمنين للدخول فى المعركة ، وأن آلات الاقتصاد فى الزرع والحصاد ينبغى أن تتحول إلى أداة للحرب ، أو فى عبارة أخرى ، بالمقابلة مع لغة ميخا وإشعياء ، والتى قيل فيها يطبعون سيوفهم سككاً ورماحهم مناجل ، من واجب المؤمنين أن يكرسوا كل جهدهم للمعركة المقدسة ، … فالوقت والمال والجهد وكل قوة ينبغى تكريسها لهدم سلطان الشر فى الأرض ، … وعلينا فى كل الظروف أن ندرك أن يد اللّه متدخلة فى كل شئ ، .. وكما حدث فى وادى يهوشافاط حين آمن هذا الملك بالنصر حسب وعد اللّه له عندما تألب عليه المؤابيون والأدوميون والعمونيون ، وساعد بعضهم على إهلاك بعض ، ولم يفعل يهوشافاط أكثر من الترنم والصلاة ، … هكذا يحدث معنا فى كل العصور ، وهكذا سيحدث فى اليوم الأخير ، عندما نرنم ترنيمة موسى والحمل !! ..
مجد النصر
بدأ يوئيل نبوته بالحرب والخراب ، وانتهى بالجلال والمجد : « ويكون فى ذلك اليوم أن الجبال تقطر عصيراً والتلال تفيض لبناً وجميع ينابيع يهوذا تفيض ماء ومن بيت الرب يخرج ينبوع ويسقى وادى السنط » ” يؤ 3 : 18 ” – أو فى عبارة أخرى – إن الأرض التى ضربت باللعنة ، وضاع منها الفردوس الأرضى ، بسبب خطية الإنسان ، تعود مرة أخرى ، لتأخذ مجدها العظيم ، فى الأرض الجديدة والسماء الجديدة، عندما تكمل قصة الفداء ، فإذا كان لنا أن نحلل هذا المجد كما جاء على لسان النبى ، … فهو فى الواقع مجد البطولة وهى بطولة الأحياء ، وليست بطولة الموتى،… وإذا كانت انجلترا قد أكرمت أبطالها ، إذ دفنت فى مقابر وستمنستر أولئك الذين أدوا أعظم الخدمات للامبراطورية البريطانية ، وبقى رفاتهم مزاراً يذهب إليه الناس ليروا أعظم الرجال والأبطال… إلا أن مجد النصر الإلهى أعظم وأكمل وأمجد ، لأنه مجد الأبطال الخالدين الذين كتبت أسماؤهم فى سفر الحياة ، وقد اجتازوا الموت إلى الخلود بيسوع المسيح ، وأعطاهم اللّه مجد التشبه به ، والسير فى معيته ، وخدمته ، … ومهما عانوا من متاعب ومعارك فى الحياة ، … فإنهم لا يملكون إلا أن يصيحوا مع ذلك البطل القديس ، والذى كان واحداً من أغنياء لندن ، ولكنه استمع إلى نداء المسيح ، فترك الثروة والغنى ، والجاه والنفوذ والسلطان ، وعاش فى خدمة اللقطاء ، … وفى أخريات حياته ، وهو يموت شبه وحيد فى أحد المستشفيات قال له أحدهم : لقد كان من الممكن أن تقضى حياة أكثر ظهوراً وبروزاً ومجداً ، فلماذا دفنت نفسك بين اللقطاء؟!!.. وأضاء وجه الرجل وهو يقول : إن الذى علق على الصليب أمسكنى ، وما كنت لأهرب ، ولم أندم لأنى قضيت حياتى لمجد ابن اللّه فى الأرض !! ..
هل تبحث عن  الأصحاح الرابع عشر سفر الملوك الأول القمص تادرس يعقوب ملطي

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي