كان أساس الخطية – كما يفهمها صفنيا – الارتداد عن اللّه : « والمرتدين من وراء الرب » “صف 1 : 6 ” ومن الملاحظ أن هذا الارتداد جمع بين عبادة البعل ، وعبادة اللّه ، بين « الكماريم » ، وهم الكهنة الذين يلبسون ثياباً سوداء فى خدمة البعل ، وكهنة إسرائيل ، … ولا مانع عند العابدين من عبادة النجوم والكواكب من فوق السطوح ، وعبادة اللّه : والحلف باسم ملكوم ، … والحلف باسم اللّه ، … هذه الصورة تتحول فى كل العصور إلى ذلك الخلط الذى لا يبعد اللّه تماماً ، محاولا أن يرضى النزعة الدينية التى لا يستطيع الإنسان أن يتخلى عنها إذ الأبدية فى قلبه ، ولكن لا مانع من تحويل مجراها إلى الوثنية والخرافة والحماقة التى تتباعد عن اللّه وحقه وقصده ورغبته ومجده ، ومن هنا نجد صفنيا يصف يهوذا وأورشليم بالأمة « التى لم تتقرب إلى إلهها » ” صف 2 : 2 ” … ولعل ماكتبه اسبرجن هنا يعد من الروائع ، إذ قال : « كثير من الصلوات لا تعتبر صلوات !! . يوجد كلام كثير عن الحق ، وكلام كثير لما ينبغى أن نفعله ، ولكن ليس هناك سؤال عن اللّه ، وليس هناك ذهاب إلى المخدع ، وبسط الأمور أمامه ، وانتظار رحمته ، … ليس هناك فكر عن اللّه لأن العقل ليس قريباً منه ، والرغبات تتجه نحو آلاف الطرق المختلفة ، لكنها لا تأتى إلى اللّه … ينبغى أن نفكر فيه ، ينبغى أن نبحث عنه ، ينبغى أن نأتى إليه ، كما تأتى الفراخ الصغيرة ، عندما يكون صقر فى الجو ، وتسمع نداء أمها فتأتى لتحتمى تحت جناحيها ، ينبغى أن نجرى إليه بالصلاة حتى يمكن أن نتحقق أنه « بخوافيه يظللك وتحت أجنحته تحتمى ترس ومجن حقه » ” مز 91 : 4 ” إن مأساة أورشليم أن عقيدتها فى اللّه وصلت إلى الحد الذى كان فيه الناس يقولون بقلوبهم – وإن كانوا لا يذكرون ذلك بألسنتهم – : « إن الرب لا يحسن ولا يسئ » ” صف 1 : 12 ” أو كأنما هو لا يهتم بالتفريق بين الخير والشر ، والحق والباطل ، … وأنه لا يتدخل ولا يبالى بما يحدث على الأرض ، ومن المؤسف أن هذه هى الخطية التى نبصرها اليوم ، فى أناس قد يكونون مسيحيين إسماً ، وبينهم وبين نفوسهم ، أن اللّه لا سلطان له ولا عمل بين البشر !!..
كانت مدينة أورشليم ، وهى على هذه الحال ، تظن أنها أفضل من غيرها ، ولكن صفنيا يصفها بالقول : « ويل للمتمردة النجسة المدينة الجائرة » … ” صف 3 : 1 ” أو فى لغة أخرى ، هى المدينة الغارقة فى إثمها وشرها وشهواتها ، الجامدة على دروبها أى الشبيهة بالخمر العكرة التى رسب عكارها ، فلم تنتقل من إناء إلى إناء لتتنقى !! .. وليس هذا فحسب ، بل أكثر من ذلك ، أن القادة والرؤساء فى وسطها أشبه بالأسود الزائرة فى قسوتهم ، … ولعل أقسى ما تصاب به أمة أن يكون رؤساؤها قسوة القلوب ، غلاظ المشاعر ، … أما القضاة ، فقد كانت شراهتهم لا توصف ، إذ كانوا أشبه بذئاب المساء التى تنقض على الفريسة لتأكلها لحماً وعظماً ، … ولا تبقى منها شيئاً إلى الصباح ، … ولنتصور عالماً يكون قضاته على هذا الوصف ، فهل ينصح بعد ذلك ، إلا ظلماً وفساداً وشراً وإثماً … أما الأنبياء فهم متفاخرون ، أهل غدوات ، والكلمة « متفاخرون » تعنى أنهم يتكلمون من أنفسهم ، بدون رسالة من الله،… وبذلك يغدرون بالشعب ، وما أشر أن ينطق النبى عن الهوى والخداع ، إذ يعيش المجموع بذلك فى عالم من الأضاليل والأباطيل ، أما الكهنة فهم منجسون إذهم نجسون بأعمالهم وتصرفاتهم ، كما أنهم خالفوا الشريعة فى نظمها وفرائضها ووصاياها … وهل يرى اللّه هذا ويسكت وهو الإله العادل الذى لا يفعل ظلماً ، ووشيكاً سيظهر حقه وعدله كالنور ؟ !! ..
على أن اللّه ، وقد صب سخطه على خطايا يهوذا وأورشليم ، لا يمكن أن يترك خطايا الممالك والبلاد التى حولهما ، … إن الخطية خطية فى نظر اللّه ، سواء يرتكبها اليهودى أو الأممى ، فإذا كان اللّه قد ابتدأ ببيته ، « فالفاجر والخاطئ أين يظهران ؟… ” 1 بط 4 : 18 “.. وهو هنا يندد بخطايا الفلسطينين فى مدنهم الرئيسية ، غزة ، وأشقلون ، وأشدود ، وعقرون ، وساحل البحر ، ويتحول إلى كبرياء الموآبين وبنى عمون ، والكوشيين ، وأشور – لأن اللّه لا يمكن أن يسكت على الشر أو يتهاون مع الإثم !! ..