admin
نشر منذ سنتين
4
إيليا والمعركة على جبل الكرمل
إيليا والمعركة على جبل الكرمل

ولعله من المناسب أن نذكر هنا ان إيليا لم يذهب إلى آخاب ، بل إن آخاب ذهب للقاء إيليا ، … وهذا هو الفارق العظيم بين الرجلين ، أن إيليا يعلم أنه أعظم من آخاب ، بذات الصورة التى رأى فيها بولس نفسه وهو يقول للملك أغريباس : ” كنت أصلى إلى اللّه أنه بقليل وبكثير ليس أنت فقط ، بل أيضاً جميع الذى يسمعوننى اليوم يصيرون هكذا كما أنا ما خلا هذه القيود ” ” أع 26 : 29 ” إن قيمة الإنسان الحقيقية لا تظهر فيما يملك من متاع أو ما يلبس من ثياب فاخرة ، أو ما يحيط به من الخدم أو الحشم ، أو مظاهر العظمة أو القوة ، إن قيمته الحقيقية تكمن فى شخصيته ونفسه ، .
كان إيليا أشعر ، يتمنطق بمنطقة من جلد ، وعندما ركض أمام آخاب ، سار ما يقرب من ستة عشر ميلا على قدميه ، … لم يكن له مركبة آخاب أو ثيابه أو بهاؤه أو مظهره ، ولكنها هذه جميعها ، ليست إلا الغلاف الذى يغطى الحمقى والأشرار فى الأرض !! .. أما جوهر الإنسان ففى قلبه المرتبط باللّه ، وهو الذى يمكن أن يعطيه أعظم قيمة فى هذا الوجود !! .. وفى اللقاء بين الملك وإيليا كان آخاب الإنسان الأحمق الذى غطت الخطية الحقيقة عن عينيه وقلبه ، … فهو يرى الذنب كل الذنب فى إيليا : ” ولما رأى آخاب قال له آخاب : أ أنت هو مكدر إسرائيل ؟ ” “1مل 18 : 17 ” .. وهو لا يستطيع أن يرى خطية واحدة فى نفسه ، أو فى الشعب الذى ترك اللّه ، .. أو عبادة البعل وعشتاروث التى كانت سر النكبة والكارثة والمجاعة !!! .. وهى الصورة الدائمة للبشر ، فهم يدفعون عن أنفسهم النتيجة : التى لابد أن تكون لخطاياهم ، … وهى فى نظرهم الظروف السيئة أو أخطاء الآخرين أو القسوة التى لا مبرر لها من اللّه !! … ولم يخف إيليا من أن يضع الصورة الصحيحة للمأساة كلها إذ قال : ” لم أكدر إسرائيل، بل أنت وبيت أبيك ، بترككم وصايا الرب وبسيرك وراء البعليم ” ” 1 مل 18 : 18 ” … وقاد إيليا الجميع إلى المعركة الفاصلة على جبل الكرمل .. وكان لابد من أن تدرك الأمة – عن بكرة أبيها – من هو الإله الحى الحقيقى وحده ، ومن هى الالهة الزائفة الباطلة الكاذبة !! ؟ والبينة على من ادعى !! ؟ .. فإذا زعم إنسان أنه فيلسوف أو شاعر ، فالبرهان يظهر فى فلسفته أو شعره ، … وإذا قال أنه رجل فإن أعمال الرجال تظهره ، وإذا ادعى أنه نبى مرسل من اللّه ، فإن أقوال النبى أو أعماله هى التى تشهد له !! .. وقد وقف إيليا وحده فى مواجهة ثمانمائة وخمسين نبياً للبعل وعشتاروث ، ولم تكن الكثرة دليلا على الحق أو الصواب الذى يزعمون أنه فى جانبهم، … وأعطاهم إيليا الفرصة الكاملة أولا دون أن يستطيع صراخهم أو جراحهم التى سالت من أجسادهم بسيوفهم ، والتى ظنوا أنهم يرضون الآلهة بها ، .. لم تستطع أن تعينهم فى شئ وسخر إيليا منهم سخرية الواثق بإلهه ، وكانت سخريته لاذعه ، فى قوله ك ” ادعوا بصوت عال لأنه إله . لعله مستغرق أو فى خلوة أو فى سفر أو لعله نائم فيتنبه ” ..” 1 مل 18 : 27 ” .. ومن الغريب أن هذا التحدى لم ينته بعصر إيليا ، فإن البعل يذهب ويجئ فى العصور كلها ، حيث يستبدل اللّه بآلهة غريبة ، أو كما قال أحدهم : ” إن البعل العصرى هو ما يعبده الناس من ثروة أو شهوة أو جاه ، أو مجد عالمى أو راحة مادية ، … وهم يضعونها فى مواجهة البر والأمانة والحق وكل ثمار الروح القدس فى الإنسان الباطن ” !! ..
وإذ عجز الأدعياء عن أن يثبتوا ادعاءهم ، تقدم هو ورمم بالاشتراك مع الشعب مذبح الرب المنهدم ، وقدم الذبيحة بما لا يدع مجالا للشك أو التساؤل أو الخداع ، إذ أنه لم يرتب الحطب والذبيحة فقط ، بل صب ماء كثيراً حتى لا يقال إن النار المشتعلة حدثت عن طريق خداع بشرى ، وأبصر الشعب جميعاً النار التى أتت من السماء لتلتهم كل شئ . على أنه من الملاحظ أن النار لم تنزل إلا بعد صلاة النبى ، وهكذا فى كل حين يشجع اللّه أبناءه ليحسوا بكيفية اختبارية بينه وبين العالم ، وهو مستعد أن يظهر ذاته لهم وللعالم أجمع ، بصورة لا تحتمل اللبس أو الإبهام !! .. ألم يقل عرافو فرعون أمام ضربة البعوض : ” هذا إصبع اللّه ” “خر 8 : 19 ” … وإذ رأى الشعب المعجزة بلغ بهم الانفعال ذروته وسجدوا على وجوههم أمام اللّه ، واشتركوا مع إيليا فى ذبح أنبياء البعل على نهر قيشون !! .. ومع أن هذا الانفعال كان قصيراً ووقتياً ، إلا أنه – على أية حال – عرف الجميع من هو الإله الحق ، ومن هى الآلهة الباطلة !! ..

هل تبحث عن  لا يمكنك الاساءة إلي ايمان الاخري

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي