إيليا وظهوره
إيليا وظهوره

ظهر إيليا فجأة كالشهاب اللامع فى الليل البهيم … وأغلب الظن أنه كالمعمدان ، عاش السنوات السابقة لظهوره فى البرية ، وبين الجبال ، يتأمل ماضى أمته العظيم ، وكيف تحول كل شئ خراباً إثر مجئ إيزابل زوجة لأخاب الملك ، وكانت إيزابل بنت اثبعل ملك الصيدونين ، وكان أبوها كاهنا للبعل – كما يقول يوسيفوس – وقدوضعت خطتها من اللحظة الأولى لمجيئها إلى إسرائيل أن تبيد اسم اللّه من كل مكان ، وأن تحل محله اسم البعل وعبادته، وهوت ابنة الشيطان على كل مقدس فى إسرائيل ، هدمت مذابح اللّه ، وقتلت الأنبياء ، وأجبرت الناس على الانحناء للبعل وعشتاروث ، وأحلت محل أنبياء اللّه أربعمائه وخمسين من أنبياء البعل ، وأربعمائه من أنبياء السوارى ، وكان البعل أبا الآلهة عند الفنيقيين ومصدر القوة والسيطرة والبهجة ، والسوارى أو عشتاروث آلهة الخصب والشباب والجمال ، ولم يستطيع إيليا وهو ينظر مأساة أمته ، إلا أن يتحول ينبوعا من الحزن العميق والغضب الهائل ، والمقاومة الجبارة ، … وهل يمكن أن يكون غير ذلك ، وهو الإنسان الذى كانت عبارته المفضلة:حى هو رب الجنود الذى أنا واقف أمامه ” ” 1 مل 18 : 15 “.. وهل يستطيع واحد منا وقد وقف أمام الرب الحى ، ليرى بيتاً من بيوت اللّه ، وقد كان عامراً بالأمس، مجيداً ينادى بمجد اللّه ، وقد تحول اليوم خراباً تنعق فيه البوم والغربان ، بسبب الخطية والشر ؟ ، وهل يمكن أن يمر بهذا البيت دون أن يقول : ” ياليت رأسى ماء وعينى ينبوع دموع فأبكى نهاراً وليلا قتلى بنت شعبى ” ” إر 9 : 1 “. أليس هذا هو إحساس نحميا أمام أرتحشستا الملك : ” فقال لى الملك لماذا وجهك مكمد وأنت غير مريض ؟ ما هذا إلا كآبة قلب … وقلت للملك ليحيى الملك إلى الأبد . كيف لا يكمد وجهى والمدينة بيت مقابر آبائى خراب وأبوابها قد أكلتها النار ” ” نح 2: 2 و 3 ” وإلى جوار هذا الحزن امتلأ الرجل بالغضب الهائل ، إذ أنه عاش طوال سنى خدمته يتقد غيره ، وانطوت نفسه على ثورة لا تهدأ ولا تستريح ، … وإن الغيرة المتقدة الآكلة، حولت قلبه إلى كتلة من لهيب ، وثورة هائلة ، لا تستطيع مياه الأرض كلها أن تطفىء سعيرها ، ولظاها ، .. هل لك اللهيب المقدس أيها المؤمن – وعلى وجه الخصوص – وأنت تعلم ، أنه ليس شئ عند اللّه أقسى وأوجع من الحياة الفاترة إلى الدرجة التى تثير الغثيان : ” ليتك كنت بارداً أو حاراً ، هكذا لأنك فاتر ولست بارداً ولا حاراً أنا مزمع أن اتقيأك من فمى ” ” رؤ 3 : 15 و 16 ” وقد تحول الحزن والغضب إلى مقاومة جبارة ، … لقد كانت رسالته ، فى لحمتها وسداها ، مقاومة الشر والفساد والطغيان والعبادة الكاذبة ، … وهل يستطيع أن يقف أمام الرب ، ثم يواجه البعل ، وتهدأ نفسه وتستريح ، .. كانت روسيا القيصرية تبذل كل جهدها فى مقاومة المرسليات فى القرن الماضى فى أنحاء الامبراطورية التركية ، … وقد حدث لقاء بين واحد من سفراء القيصر ، وأحد رجال اللّه ، … وقال السفير للمرسل : ينبغى ان أقول لك بكل صراحة أن سيدى القيصر لن يسمح للمرسليات البروتستانتية بأن تضع قدمها فى الإمبراطورية التركية ، وقال المرسل رداً على ذلك : ” ياصاحب الفخامة : إن سيدى الرب يسوع المسيح لن يسأل قيصر الروس أين يضع قدميه ” … إن روسيا التى ضربها العفن والفساد هوى قياصرتها ، ومجدهم ، وبقى اسم المسيح ، وسيبقى إلى الأبد ، وقد أصدر السلطان عبد المجيد خان الفرمان الهمايونى فى شهر ديسمبر عام 1850 ، والذى أخذ به المذهب الإنجيلى فى مصر مركزه القانونى وقد نص فيه : ” عند وصول أمرى العالى الشاهانى إليك ليكن معلوماً لديك أن طائفة النصارى من رعايا دولتى الذين تبعوا مذهب البروتستانت وسلكوا فيه حيث أنهم لغاية الآن ليسوا تحت نظارة مستقلة وأن بطارقة ورؤساء مذاهبهم القديمة التى تركوها بالطبع لم يعد لهم أن ينظروا فى أشغالهم ولذلك حاصل لهم الآن بعض المضايقة والعسر ، وقد اقتضت أفكارنا الخيرية ومرحمتنا السامية الملوكية المشهورة فى حق كافة رعايانا من سائر الطوائف بأن لا ترضى عدالتنا الشاهانية بحصول التعب والاضطراب لأى طائفة منهم . وحيث أن المذكورين هم عبارة من جماعة متفرقة من سائر المذاهب ، وبقى لإصلاح أمورهم والحصول على استتباب راحتهم ، تعيين وكيل لهم من طائفة البروتستانت … وتباشرون جميع مصالحهم مثل سائر الطوائف من رعايانا ، ولذلك تسهلون لهم جميع ما يلزم لمحال عبادتهم ولا ترخصوا لأحد من الطوائف الأخرى أن يتداخل فى مصالحهم وأشغالهم الأهلية والدينية ، ولا يعارضهم أحد فى شئ من ذلك … إلخ ” ..
وقد شاء اللّه أن تأتى مقاومة إيليا للبعل وعشتاروث عن طريق المجاعة التى لابد أن تحل بالشعب بمنع المطر من السماء ، … وكانت المجاعة أنسب أسلوب ليعرف الشعب من هو الإله الحقيقى ، ومن هى الآلهة الباطلة ، .. فإذا كان البعل وعشتاروث يشيران إلى الخصوبة والإثمار ، ويعتبران السر وراء كل طعام وماء ، فإن أفضل الطرق لإثبات كذب هذا الادعاء هو افلاسهما ، وعجزهما عن أى مساعدة من هذا القبيل ، … وفى الوقت عينه إعلان اللّه عن سخطه وغضبة ولعنته على التحول عنه وراء آلهة غريبة كما ذكر موسى فى سفر التثنية : ” وتكون سماؤك التى فوق رأسك نحاساً والأرض التى تحتك حديداً ، ويجعل الرب مطر أرضك غباراً وتراباً ينزل عليك من السماء حتى تهلك ” ” تث 28 : 23 و 24 ” وكان لابد أن تطول المجاعة ، حتى يحس بها الملك وإيزابل إحساساً عميقاً ، وأكثر من ذلك يحس بها الشعب ، حتى يدرك مدى الغضب الإلهى ، وضرورة العودة والرجوع إلى شخص اللّه !! ..

هل تبحث عن  القديس يوحنا ذهبي الفم بآلامه قدم مفهومًا جديدًا الألم

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي