admin
نشر منذ سنتين
4
المرأة الفينيقية وشخصيتها

المرأة الفينيقية وشخصيتها
كانت هذه المرأة كما نعلم امرأة فينيقية سورية، أو في لغة أخرى كانت امرأة وثنية أممية يونانية، ولعل هذا يعطينا إلى حد بعيدة صورة شخصيتها وحياتها وثقافتها، كانت منطقة صور وصيدا حيث تسكن المرأة تتعبد للآلهة عشتاروت آلهة الجمال عند الفينيقيين، وكانت تتركز عبادة هذه الآلهة في القمر كمركز لهذا الجمال، وكانت العبادة تتمثل في أمرين أساسيين، يعبران عن الحضارة اليونانية في ذلك التاريخ، هما الجمال والشهوة، وكان لليوناني أن يعب منهما، ما يشاد وكيف يشاء بدون حدود أو سدود أو قيود!! ولعلنا نذكر أن الفلسفة الأبيقورية كانت من أهم الفلسفات، وأكثرها شيوعًا في تلك الحقبة من الزمان، كان قوامها أن نأكل ونشرب لأننا غداً نموت، وهي أشبه الكل في العصر الحاضر بالفلسفة الوجودية الملحدة التي تدعو إلى الشهوات الانطلاقية، والاندفاعات العارمة نحو ما يقال إنه الحب والشهوة والجمال، أو أنت موجود فخذ الحياة كما تشتهي وتتمتع، خذها حلوة مترعة بهيجة جميلة، قبل أن تؤخذ منك وتنفض عنك، ولا حاجة إلى القول أن هذا الانطلاق الشهواني، مهما أخذ في فكره الأول سمة النظريات الفلسفية، سينتهي إلى نوع من البهيمية العارمة، التي تنحط بالإنسان – مما يظـن أنه عبادة الجمال – وتصل به إلى أبشع دركات الفساد والتبذل والقبح والكارثة!! ومع أنه ليس من السهل أن نقطع بما ذهب إليه أحد المفسرين من أن المرأة الفينقية عاشت هذه الحياة، وربما جاءت بابنتها التي يصرعها الروح النجس من وراء حياة فاسدة شهوانية كهذه، إلا أنه يمكن أن نقول دون زلل في التعبير، إن المنطقة الوثنية التي كانت تعيش فيها هذه المرأة، كانت بعيدة كل البعد عن الإيمان الإلهي الصحيح، وتحيا لذلك حياة حيوانية طليقة، ومن هنا يصح أن يطلق عليها حياة الكلاب بكل ما تشمل الكلمة من معنى الاتساخ والقذارة، الأمر الذي أشار إليه السيد المسيح في الحديث معها.
على أنه من الواضح مع هذا كله، ان المرأة كانت قوية الشخصية صلبة الإرادة، وهي من ذلك النوع من الناس الذي عندما يقصد أمرا لا يتراجع بسهولة قط عن تنفيذه، ويسعى لاقتحام الصعاب مهما بلغت من شدتها وقسوتها أمامه!! بل وعلى استعداد أن يدفع كل ضريبة، قد يقتضيها الأمر مهما كلفته من ثمن فادح عظيم، كما أنها كانت كلما نلحظ من حوارها مع المسيح، واسعة التفكير بارعة المنطق، ومع أن الألم قد يخلق الفصاحة والبلاغة عند الإنسان، ومع أن جوابها قد جاء نتيجة ألم عظيم، الا أنه من الواضح أنها لم تكن عيبة اللسان قاصرة التعبير.
ولا شبهة في أن هذه المرأة وهي تقترب من المسيح كانت قد لفظت من حياتها كل يقين بديانتها وآلهتها الوثنية القديمة، إذ لم تر فيها سوى الإفلاس الكامل الرهيب تجاه مأساه ابنتها التي كانت تعاني أقسى المعاناة من روح نجس شرير، بل لعلها في النظرة الصحيحة إلى الحياة، لم يهتز يقينها فحسب بإفلاس ديانتها، بل أخذ يظهر من وراء الظلام شمس إيمان آخر، أخذ يشرق حتى بلغ اكتمال النور والجلال عندما قال لها يسوع المسيح: عظيم إيمانك!!

هل تبحث عن  الأصحاح السابع عشر تفسير سفر أعمال الرسل القمص أنطونيوس فكري

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي