كان اهتمام المسيح بالغ أن تشفى هذه اليد، فتعود إليها الحياة والحساسية والحركة والنشاط، أو بعبارة أخرى تعود إلى حيث وضعها الله، ووضع رسالتهافي الحياة، وهذا هو عمل المسيح الدائم في حياتنا، إنه يريد أن يعيدنا إلى الوضع الصحيح الذي خلقنا الله عليه، إذ أن الأصل فينا أننا خلقنا على صورته ومثاله، وأن الحياة الصحيحة أن نعود إلى هذا الوضع الأصيل في الحياة!! كان الصبي الصغير محاطًا بمختلف التجارب والمتاعب، وإذ أوشكت نفسه أن تنهار أمام قسوتها وعنفها، ظهر له ملاك في حلم وأراه عدة صور : الصورة الأولى لمجموعة من الصبيان في مثل سنه، يضحكون ويلعبون، وقد وقف في وسطهم الصبي يسوع فخلع على مرحهم الجمال والروعة القدسية، وكان الصبي يسوع يتميز على سائر أقرانه بجمال صحته وهيبة طلعته، ثم أراه الملاك صورة أخرى، صورة جمع من التلاميذ عند أقدام أحد المعلمين، وقد وقف بينهم يسوع وقد بدا عليه الإصغاء والتفكير والتأمل أكثر منهم جميعًا، وفي صورة أخرى أبصره يعمل في دكان النجار وقد ارتدى ثيابًا بسيطة عادية، وكانت أفكاره مع ذلكتبدو مرتفعة علوية، وفي غيرها رآه يتحدث مع أمه أحاديث مفعمة بالولاء والحب، وفي أخرى كان راكعًا بين يدي الآب السماوي يصلي، وقد بدا عليه التعبد واليقين والثقة، وما أن أبصر الصبي الصغير هذه الصور حتى انحنى من أعماق قلبه، يصلي قائلاً : ساعدني لكي تكون لي هذه الصورة التي كانت لسيدي، وأعني لكي أتقدم في النعمة والحكمة عند الله والناس! إن عمل المسيح فينا هو أن يعيدنا إلى صورته ومثاله، فتتحرر من كل معوق روحي ومن اليد اليابسة!… كان هناك رجل اسمه بيتر بارسونز، وكان يعمل تحت إمرة رجل واسع السلطة والثراء اسمه باركر،وكان بارسونز مدمنًا للخمر، وقد فشلت كل محاولات باركر في نصحه للاقلاع عن الخمر، وأخيرًا قرر طرده من العمل، وكانت زوجة بارسونز قد ماتت وخلفت له ابنة اسمها أستر، وكانت الصغيرة تصارع في الصلاة من أجل أبيها، وكان لباركر ابنة صغيرة اسمها كلارا، ما أن سمعت أن أباها قد طرد بارسونز حتى ذهبت إليه، وتوسلت أن يعيده مرة أخرى إلى العمل، وإذ سألها عن السبب في ذلك حتى حدثته عن ابنته أستر، وأنها أفضل فتاة في المدرسة، وأنها ممتقعة الوجه ونحيلة الجسم وحزينة الروح، وأنها سمعت أنها عندما مرضت أمها مرضها الأخير كانت تتولى تمريضها والسهر عليها بكل محبة، وأن كون أبيها سكيرًا، لا تؤاخذ عليه، ولكن حقيقة كونه مدمنًا الخمر كافية لأن تسحق قلبها!! فقال باركر : إننا سنعني بأمرها، يمكن أن يهلك أبوها نفسه، ولكن لن يهلكها معه، وأظن أنها كبرت بحيث يمكن أن تخدم في أحد البيوت إذا كانت أمك تستطيع أن تجد لها عملاً مناسبًا فقالت الابنة : ولكنها لن تكون سعيدة يا أبي، وأن لها أن تسعد وهي تعلم أن أباها ينحدر سريعاً إلى الهلاك، ليتك تجربه مرة أخرى، أعطه فرصة واحدة مرة أخرى فلربما حين يعلم أنها فرصته الأخيرة يرجع ويتوب … ولم تكن كلارا تعلم أنه طوالهذا الوقت كانت استر ابنة الرجل دائمة الصلاة من أجله! وفي نفس الوقت دب شيء جديد في أعماق بارسونز، وهو الإيمان الذي جعله يصارع خطيته المحيطة به، لقد جمع الله هذه الخيوط الرابطة لموضوع الخاطيء التعس، وأعطاه القوة للانتصار والنجاح، ونحن لن نحاول تصوير الصراع الهائل الذي قام في نفسه، أو الصعوبات التي لاقاها من جراء تحكم عادته الشريرة فيه، لقد جرب مرات كثيرة، وخارت قواه وكثيرًا ما ساقه ذلك إلى اليأس والاستسلام، ولكن الله اعانة على الانتصار، وامتلأ بيته من الخير والبركة والسعادة، وفي أصيل أحد الأيام قالت الانبة لأبيها : ألسنا سعيدين الآن يا أبي، فأجابها وقد أفاق من تفكير عميق إذا كنت أنا سعيدًا حقًا أو إذا كنت آمل في الحصول على السعادة في العالم الآتي، فإني أظن يا عزيزتي أني مدين بكل ذلك بعد الله لك، لقد كنت مسرعًا في سيري إلى الهلاك، وقد كففت عن كل محاولة للتوقف وإذا بصلواتك ونصائحك والكتاب المقدس الذي وضعته في متناول يدي، كل ذلك أعانني على النهوض مرة أخرى!!