الأبرص
الأبرص
«ياسيد أن أردت تقدر أن تطهرني» (لو 5 : 12)

مقدمة
رسم أحدهم صورة لشاب ممزق الثياب، مهلهل المظهر، حافي القدمين، وهو راكع على ركبتيه، وكتب تحتها، بدون حذاء، بدون مأوى، بدون مسيح، وقصة هذا الشاب تتحدث أساساً عن إنسان كان غنيًا، وكان من بيت كريم كبير، ولكنه أدمن المسكر، وضيع كل شيء، وسار في ليلة من ليالي الشتاء القاسية يضرب بقدميه، في الطرقات، جائعًا، لا يلوي على شيء، ولكنه إذ أبصر نورًا من بعيد ورأى اجتماعًا، وأحد خدام الله يتكلم، دلف إلى الداخل ليسمع الواعظ يقول: «الله لايحتقر ولا يرذل إنسانًا ما» وأدرك أن هذا نداء الله له، فركع في المكان ليسلم حياته للمسيح، وليبدأ الحياة من جديد. وليتغير كل شيء في حياته!!
لقد تناولت معجزات المسيح ألوان الحياة المتعددة، إذ أعانت من وقف على خط الحياة والموت، والذي بقي جيلاً بأكمله، ولا يجد من يعينه ويساعده، والذي دخل إلى العالم مظلم العينين دون أن يتمتع بجمال الله في الوجود والطبيعة. لكن من أهم الشخصيات التي وقف السيد إلى جوارها شخصية المنبوذ والمكرو والمعزول من الناس، شخصية الأبرص، الذي وهو يرى الحياة في قسوتها وشدتها وبؤسها، وفي عزلته الكاملة عن الجميع، ربما قال لنفسه مرات عديدة : ألا موت يباع فأشتريه!! ولكن المسيح وقف إلى جانب البائس الأعزل، ورده إلى الحياة بما فيها من طعم وحلاوة وجمال وكمال، وهو يفعل هذا على الدوام لكل من يقصده، في بؤسه وألمه وعزلته، وها نحن نتأمل القصة فيما يلي:
الأبرص وعزلته القاسية
لا نستطيع أن نفهم قسوة البرص وعنفه وشدته، مالم ندرك أثره الصحي أو النفسي في حياة الأبرص، لقد كان الأبرص يعيش في عزلة كاملة نفسية وحسية مع الله والناس والنفس ذاتها، أما مع الله فقد كان المفهوم في ذلك العهد أن البرص ضربه من الله، وأنه رمز للخطية والنجاسة، وأن الله يضرب الأبرصبالمرض لغضبه عليه،… عندما أخطأت مريم النبية ضربها الله بالبرص، وعندما تعدى عزيا مركزه، وأخذ مركز الكاهن عاقبة الله بالبرص.
فإذا تحولنا إلى علاقة الأبرص بالآخرين، فإنه كان يعامل معاملة الميت، فهو يعزل عن الناس فورًا، وتذكر شريعة اللاويين: «الأبرص الذي فيه الضربة تكون ثيابه مشقوقة ورأسه يكون مكشوفاً ويغطي شاربيه وينادي «نجس نجس» كل الأيام التي تكون الضربة فيه يكون نجسًا. إنه نجس. يقيم وحده، خارج المحلة يكون مقامه» (لا 13 : 45 ، 46) كان الأبرص يعزل خارج المدينة، وقد وضع اليهود إحدى وستين حالة يكون فيها الاتصال بالمصابين بالبرص سببًا للنجاسة، فلمس الأبرص مثل لمس الميت، وإذا أدخل الأبرص رأسه في بيت، صار البيت كله نجسًا من الأرض إلى السقف، ولا يجوز تحية الأبرص ولو في مكان مكشوف، ولا يجوز الاقتراب منه لمسافة أكثر من أربع أذرع، وإذا كانت الريح تهب من ناحية إنسان أبرص وجب أن يقف الإنسان بعيدًا عنه بمسافة لا تقل عن مائة ذراع، كان محرمًا عليه أن يأتي إلى بيته أو يعيش مع أولاده وزوجته، وهو لا يستطيع أن يقبل ابنه أو ابنته أو يضم أولاده إلى صدره، نحن نرثي في العصور الحديثة لكل المعزولين أو المكروهين، ومازال العالم يملؤهالأسى للمنبوذين في الهند، ولقد كافح غاندي طويلاً من أجل القضاء على العزلة المضروبة بينهم وبين بقية المواطنين، ونحن نرى الصراع القاسي الذي يظهر في معاملة الزنوج في أمريكا وجنوب أفريقيا، ولكن هؤلاء وأولئك لهم مجتمعاتهم الكبيرة، ويوجد لهم أصدقاء في كل مكان،لكن الأبرص القديم فقد صداقة المجتمع، كان عليه أن يعيش كالنائح ممزق الثياب مغطي الوجه، وإذا اقترب منه أحد، أو اقترب هو من أحد كان عليه أن يصبح : «نجس نجس» وكان الربيون يقسون عليهم قسوة بالغة، إذ قال واحد منهم إنه يرفض أن يأكل بيضة في شارع يوجد فيه أبرص، وكان آخر يضرب أي أبرص يقترب منه بالحجارة ليبعده عنه، ومن المتصور أنه بسبب هذا أو لكل هذا، يفقد الأبرص معنى الحياة، أو يكره نفسه، إن جاز التعبير، إن البرص في العادة يبدأ بأورام صغيرة في الجسد، ثم تتقرح وتتقيح، ويسقط شعر الحواجب، ويحجظ العيون، وتتقرح الأوتار الصوتية، ويصبح الصوت خشنًا أجش، وتتقرح اليدان والقدمان، ويصبح الإنسان مجموعة من البقع المتقرحة، ثم يتلو ذلك الضعف العقلي والانحلال الجسدي، وفي بعض أنواع البرص يفقد المريض الإحساس في الأجزاء المصابة من جسمه إذ تتأثر خلايا الأعصاب، وتضعف العضلات، وتصير الأيادي أشبه بالمخالب، وتسقط والأظافر والأصابع تدريجيًا، وقد تستمر الحالة سنوات يموت فيها الإنسان جزءًا بعد جزء!!
وفي هذه الحالة البطيئة القاسية المستمرة، كم يتمنى الأبرص لو أن حياته تنتهي مرة واحدة، فلا يظل يعاني الآلام والعذاب، وربما يقف الناس منه موقف العداء أو اللوم أو الحنق، كما يقف الإنسان من الحياة عندما يضيق بها أو تضيق به!!
الأبرص والاتجاه إلى المسيح
سمع الأبرص عن المسيح، وجازف بالمجيء إليه، والجموع الكثيرة تتبعه، ولكن لعله في تلك اللحظة كان ضيق النفس بوضعه وألمه، وعندما يمتليء الإنسان ألمًا أو تبعًا، فهو لا يعود يبالي بما يمكن أن يصنعه الناس معه من مضايقات أو منع أو طرد، وهذه إحدى بركات الألم إنه يوجهنا إلى الله. ويقربنا منه.
عاش في الهند طبيب اسمه بول براند، وقد كرس هذا الطبيب حياته لخدمة البرص، وقد فكر ذات مرة أن يجرب وضع عضلات سليمة مكان المتآكلة، فأرسل إلى إحدى المصحات، أن ترسل إليه مريضًا تمكن منه البرص، فإذا بشاب اسمه كرشنا ميرسي، كان معذبًا من آلام البرص، يعرض رغبته الكاملة في أن يجري عليه أبحاثه، وقال له: أفعل ما بدا لك لأن الحياة لم تعد ذات قيمة عندي، ونجح الطبيب مع الشاب نجاحًا عظيمًا وكان هذا كله بسبب عنصر المجازفة والمغامرة، من إنسان دفعته آلامه إلى أن يكون موضع التجربة والاختبار!!
كان القبطان العجوز يقود سفينة فيما عدد من الممثلين والممثلات نزلوا من ميناء في اسكتلندا، ولما جلسوا إلى المائدة، وقبل أن يقدم الطعام صفق القبطان وهو يقول: «أيتها السيدات وأيها السادة لنقدم الشكر لله وصلى!! وكان عمله هذا موضوع السخرية والضحك طوال مدة الطعام، قال أحدهم: لم أعرف أن قبطاننا قسيس، وقال آخرون شيئًا مثل هذا، على أنه بعد بضع ساعات قامت عاصفة شديدة جداً، لعبت بالسفينة كما تلعب الريح بالريشة الطائرة، والتمس الممثلون من زعيمهم أن يسأل القبطان عن العاصفة وهل هناك أمل في النجاة، وهل سيخرجون سالمين أم لا فقال له القبطان إن الأمر خطير!! وكان اضطراب الممثلين لا حد له، وعاد الزعيم إلى سطح المركب مرة أخرى (بعد أن أخبر زملاءه في الكبائن) وقال للقبطان إذا كان الأمر خطيراً كما تقول فإني أعبر عن أسفي وأسف زملائي لسخريتنا بصلاتك، ونرجو أن تصلي معنا، وكان وجه القبطان صارمًا وهو يقول: إني في الهدوء أصلي، وفي قلب العاصفة أؤدي واجبي!!
إن الآلام لم تولد الشجاعة فحسب في قلب الأبرص بل علمته الاتضاع والانسحاق، لقد جاء إلى السيد وقد خر على وجهه ساجدًا له، لقد سحقه الألم ومنعه عن الوقوف أو الركوع ووصل به إلى الانبطاح الكامل على وجهه، ونحن لا نعلم هل كان من الممكن أن يفعل ذلك لو لم يمتليء من المذلة التي جاءته من برصه!! إنه على أي حال أشبه بتلك القصة الرمزية التي تحدثنا عن عود من الغابكان في بستان جميل، وكانت المياه تنساب من تحته، وكان النسيم العليل يداعب أوراقه فتمتزج موسيقاه بشدو الأطيار وكان لذلك يستمتع بحياة سعيداً بهجة. على أنه في أحد الأيام العابسة شعر بألم حاد، إذ كانت سكين حادة تجتثه من أصوله، وأحس أنه يحمل من مكانه ويطرح إلى جانب الطريق، فظل في مكانه يندب حظه التعس، ويبكي بدموع من ذوب قلبه حتى جفت عيناه بل جف قلبه، وكأنه لم يكفه كل هذا فإذا بالسكين تعمل فيه مرة أخرى، ظلت تقطع منه أجزاء، وبعد ذلك جعلت تثقب ثقوبًا كثيرة فيه، وعندما انتهت العملية المؤلمة فيه، صاح العود: لقد انتهيت،على أن الرجل الذي مزقه هذا التمزيق الشنيع، وضعه في فمه وجعل يخرج منه ألحانًا شجية. هتف العود أو على الأصح هتف ما بقي منه: هل خرجت هذه الأنغام الجميلة مني أنا؟ وقال الرجل: نعم.. كانت هذه الموسيقى الشجية فيك، ولكن لم يكن في الإمكان أن تخرج منك إلا بعد أن مزقتك السكين وأطاحت بالكثير منك!! كان من المستحيل أن يشفي نعمان السرياني من برصه قبل أن تنتهي كبرياؤه، ولهذا لم يخرج له أليشع، وعاد هو إلى أليشع منحنيًا أمام عظمة الله، وجوده، وإحسانه.
وكان الأبرص أكثر من ذلك واثقًا في قدره المسيح، ومؤمنًا بسلطانه العظيم على مرضه، … وفي الحقيقة إنه لا سبيل إلى الخلاص بدون إيمان، … دخل الشاب غرفة العمليات، وقبل أن يعطي المخدر قال للطبيب إني خائف، فأرجعه الطبيب إلى غرفته، ودعا له براعيه، وظل الراعي يحدثه عن الله والثقة به، حتى استرد الشاب إيمانه، وبعد ذلك أجريت له العملية بنجاح. ومهما كان نوع الإيمان الذي في الرجل فإنه كان ولاشك إيمانًا ناقصًا إذ كان يؤمن بقدرة المسيح، ولكنه كان لا يعرف مدى رغبته وإرادته، لكن المسيح أكد له الأمرين القدرة والرغبة معًا، على ما سنرى، ونحن لا نتصور أن إنسانًا عاش في وسط الآلام يلاقي احتقار الناس في كل مكان دون أن يضعف إيمانه أو يتذبذب أو يرتد، ولكن المسيح في العادة لا يقصف القصبة المرضوضة، والفتيلة المدخنة لا يطفيها!! وكم جاءه الناس بإيمان ناقص. فصححه وكمله وهو لا يحتقر ضعفنا بل يسنده ويقويه!!
ومن واجبنا أن نتعلم منه كيف نترفق بضعفات الآخرين!! طلب أحد خدام الله من فتاة فقيرة صغيرة أن تصلي، وكانت الفتاة في ذلك تكاد تموت جوعًا، فقالت له الفتاة: إن معدتي تصرخ من الجوع ولأجل ذلك لا أستطيع أن أصلي، كان يجب أن يعطيها لتأكل حتى تستطيع الصلاة!
الأبرص وجواب المسيح له
كان جواب المسيح على نداء الأبرص جواب الحنان في اللمسة التي لمسه بها، كان الأبرص يقابل من الجميع بالتقزز أو الرجم بالأحجار، وكان لا يجد له مكانًا عند القريب أو البعيد على حد سواء، ولكنه – فيما أعتقد – عاش طيلة حياته يتحسس المكان الذي لمسه فيه المسيح!! أجل!! من حظنا على الدوام أن نقول:
يا ترى أي صديق مثل فادينا الحبيب
يحمل الأثقال عنا وكذا الهم المذيب
وكذا.. كانت ليئة مكروهة من أختها، وكانت محبوبة من الله، كان يوسف مطرودًا من أخوته، ولكنه كان في حضن الرب، نبذ يعبيص من أقرب الناس إليه، ولكن إله إسرائيل آتاه بكل ما سأل، تنصل أبوا المولود الأعمى منه، ووجده يسوع المسيح!! لقد حطم المسيح الناموس الطقسي بهذه اللمسة ليحيي ناموس المحبة.
كانت هناك فتاة في مدينة، وقد تلوثت ببرص الخطية، وكانت تعيش منعزلة في غرفة وضيعة، وهناك أصابها الداء والجوع، ولم يكن من يعني بها، وسمعت بها سيدة مسيحية، فسعت إليها وأخذت تنظف لها غرفتها، وتقدم لها الطعام، وفي ذات يوم سألتها إن كانت ترغب في الصلاة معها، ولكنها رفضت إذ قالت بجفاء: أنت لا تحسنين إلى بدافع الشفقة، بل بدافع رغبتك في أن تأخذي السماء مكانك الأخير!! صمتت السيدة المحسنة واستمرت في المساعدة حتى شفيت المريضة وفي آخر يوم قالت لها وقد أوشكت على استرداد صحتها وقوتها: ها أنا أزورك للمرة الأخيرة، فهل لا تسمحين لي أن أقبلك قبل أن أمضي!! وإذا التقت الشفاه النقية بالشفاه الملوثة في قبلة المحبة، صنعت القبلة عجبًا، وجاءت الفتاة إلى المسيح!!
رأى ولد صغير في الرابعة من عمره فيبروكلين بالولايات المتحدة رجلاً عجوزًا يسير في الطريق ببطء وهدوء، وتصور بخياله الصغير أن هذا الرجل هو سانت كلوز فأسرع إليه ليقول له: يا سانت كلوز أريد دبًا، وهو يقصد أن يحضر له سانت كلوز في عيد الميلاد لعبة من لعب الأطفال على شكل دب صغير، وسار الرجل هادئًا مبتسمًا، وفي يوم عيد الميلاد طرق بيت الصغير يحمل له الهدية، وهو يقول: لقد ظنني سانت كلوز. ولا يمكن أن أخيب ظنه، وكان في كل عيد ميلاد يحمل إليه هدية سانت كلوز، إذ كان معروفًا في المنطقة بطيبة قلبه!!
كان لابد للمسيح أن يكشف عن قلبه للرجل بهذه اللمسة الرقيقة الحانية، في الحرب العالمية الأولى، كان هناك جنديان يقاتلان في معركة، وسقط أحدهما صريعًا بالرصاص، ونجا الآخر، غير أنه قال للضباط الذي يقودهما: أريد أن أذهب لآتي به، فقال له الضابط: لا فائدة من المخاطرة إذ أنه يموت، ولا معنى لتعريض حياتك أنت للخطر، ولكن الجندي ألح حتى أذن له الضابط، وذهب، وحمله، وأتى به، ولكنه مات في الطريق، فقال الضابط: ألم أقل لك لا فائدة من الذهاب، ولكن الجندي أجاب، لقد كانت هناك فائدة مؤكدة إذ أنه قال لي: لقد كنت واثقًا من انك ستعود ولن تتركني!!
كان المسيح أكثر من هذا الصديق الوفي ، وهو هنا يخطو خطوات أبعد وأعمق من خطوات أوفى الأصدقاء، وأحب المحبين، فما أكثر ما يرى الناس صور المحبة العاجزة التي تظهر بهذه الصورة أو تلك.. لقد تبلورت المحبة في عيون مرثا ومريم دموعًا باكية، وهما واقفتان أمام القبر المغلق على أخيهما، لكن المسيح وحده هو الذي بكى وتقدم خطوة أخرى أبعد وأعظم عندما أقام لعازر من الموت بكلمة قدرته السرمدية!!
ومن المناسب أن نلاحظ أن اليد التي لمست بالحنان الأبرص، هي أيضًا اليد المقتدرة التي شفته من برصه، وكم فعلت هذه اليد؟ وهي إلى اليوم تفعل ذات الشيء، إذ تشفينا من آثامنا وآلامنا وتمنحنا الحياة والقوة والنعمة والبركة!! وإذا صح أن يقال عن أحد السياح، الذي كان يسير مع دليله فوق جبال الألب، وجاءا كلاهما إلى فجوة أسفلها هوة سحيقة ومد الدليل يده وأمسك بالصخرة في الجانب الآخر من الفجوة، وطلب من السائح أن يعبر فوق يده، وإذ تخوف الساذح وترددفي العبور قال له الدليل: اعبر اعبر، فإن هذه اليد لم تهلك أحدًا قبل الآن، فتشجع السائح وعبر بكل هدوء وأمان، وسواء صحت هذه الرواية أو لم تصح، فإنه من المؤكد أن يد المسيح لا يمكن أن تهلك إنسانًا تطلع إليها بلغة الرجاء والأمل.
كان اليهود يعتقدون أن البرص من الله ولا يمكن أن يذهب إلا بقوة الله، وجاء في تقالييدهم أن المسيا عندما يأتي إلى باب روما ويجلس هناك، ويجتمع إليه الناس بشقائهم وبرصهم وآلامهم، وهناك يشفيهم إذ لا برص مع وجود المسيا، وما أجمل أن ينتظر المتعب لمسته القوية المباركة.
في قصة كتبها دكتور فرنك لوباخ في كتابه عن الصلاة قال: تألمت إمرأة سبع سنوات من داء مؤلم في عمودها الفقري، وكانت آلامها مبرحة، وقد اتصلت بمستشفى مايو وعينوا لها ميعادًا لمقابلة الأطباء، وبعد الفحص أعلن الأطباء أن كل ما يستطيعون عمله، هو تخفيف الألم وقتيًا، وذهبت المرأة وزوجها إلى مؤتمر ديني بالقرب من المستشفى حيث أقيمت صوات كثيرة من أجلها، وقد أعلن أن جلن كلارك سيعظ في الكنيسة في يوم الأحد صباحًا، وصلت المرأة أن يعطيها الله القوة لتسمعه، وكان سفر أيوب هو أفضل الأسفار عند هذه السيدة، وإذا بها تسمع الواعظ يعظ في ذلك اليوم عن الآية: «هوذا يقتلني. لا أنتظر شيئًا. فقط أزكي طريق قدامه» (أيوب 13 : 15).. وكما حدثت المعجزة مع أيوب، حدثت معها، إذ أحست – والرجل يعظ – أن هناك يدًا تلمس رأسها وتستمر في لمس عمودها الفقري إلى أن وصلت اليد إلى نقطة الألم، وأزالته!! إن الأطباء في أعظم مستشفى في العالملم يستطيعوا أن يعطوا تعليلاً عملياً لما حدث، ولكن هناك يد الطبيب الأعظم التي لها اللمسة القادرة على كل شيء!!
لم تكن لمسة المسيح، لمسة الحنان، والقدرة فحسب، بل إلى جانب ذلك كانت لمسة التطهير، لم يتنجس المسيح في الأبرص، بل طهر الأبرص بلسمة السيد، وفي الحقيقة أن الفادي المبارك إن كان يهتم بآلامنا الجسدية إلى الحد البعيد، فإنه يهتم أكثر بآلامنا وأمراضنا الداخلية. وهل كان المسيح يقول للرجل: «أريد فأطهر» وهو يقصد فقط الطهارة الخارجية، كلا وألف كلا!! إنه في الواقع يقترب إلينا لكي نكتشف النجاسة التي تملأ حياتنا، حتى لو لم يكن جلدنا أو مظهرنا يحمل أعراض البرص أمام العيون!! كان إشعياء – أغلب الظن – بهي المنظر جميل الهيئة وهو يدخل في سنة وفاة عزيا الملك إلى هيكل الله، واكتشف هناك – وهو يرى السيد – أنه لم يكن عزيا وحده هو الأبرص، بل كان هو والأمة بأكملها عندما تمثل في حضرة الله، وقد بدا هذا من مطلع سفره، «كل الرأس مريض وكل القلب سقيم، من أسفل القدم إلى الرأس ليس فيه صحة بل جرح وأحباط وضربة طرية لم تعصر ولم تعصب ولم تلين بالزيت» (إش 1 : 5 و6) وكان الله يهتم بأن يطهر إشعياء من برصة وخطبته قبل أن يصبح نبياً وخادمًا لله، وكان الله يريد أن يخلص نعمان السرياني من برص الخطية أكثر من برص الجسد، وقد تألم المسيح أشد الألم للعشرة الذين طهروا، ولم يرجع سوى السامري الغريب الجنس لينال طهارة الجسد والروح معًا، ونحن نعتقد أن الأبرص المسكين الذي سجد للمسيح طالباً الشفاء. فناله. لم ينقطع عن السجود، فلم يفعل ما قاله الشاعر العربي:
صلي وصام لأمر كان يطلبه فلما انقضى الأمر لاصلي ولاصام
لقد خرج هذا الرجل – كما تكشف القصة – ينادي برحمة المسيح وإحسانه له، ومع أن السيد طلب منه ألا يذبع نبأ الشفاء حتى لا يتعطل حكم الكهنة بالشفاء، إذا عرفوا أن يرجع إلى لمسة المسيح، لكن مع ذلك لم يكف عن الشهادة لمنقذه وشافيه.
هل نستطيع أن نرى قصة الرجل، وهي تنتقل من عصر إلى عصر، في حياتي وحياتك نحن الملوثين النجسين الذين لا نختلف عن الأبرص القديم في شيء، سوى أن برصنا قد لا يكون ظاهرًا على الجلد، ولكنه عميق متمكن من القلب، حتى تأتي اللمسة المباركة التي تطهرنا روحًا وجسدًا. والكلمة المنعشة الحلوة الرقيقة التي تسمعها آذاننا: «أريد فأطهر»…!.

هل تبحث عن  عندما تتجدد قوى إنسان ما فيصير مثمرًا جدًا بارتشافه من هذا الينبوع

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي