admin
نشر منذ سنتين
4
اسكندر النحاس ومقاومته لبولس
اسكندر النحاس ومقاومته لبولس
يقول الرسول بولس : « اسكندر النحاس أظهر لى شروراً كثيرة » … ولا يستطيع المرء أن يقرأ هذه الكلمات دون أن يمتلئ حزناً وأسى ، لأن الكلمات الأخيرة لبولس شملت أسماء عديدة ، لم يكن أصحابها يعلمون على الإطلاق أن التاريخ سيكشف حياتهم بما فيها من خير أو شر لكل الأجيال والعصور ، وقد وجد بين هذه الأسماء ألمع الشخصيات التى تميزت بالشجاعة والوفاء والأمانة والنبل، وسجلات حياتها ناصعة البياض مثل لوقا وتيخيكس وفرسكا وأكيلا وبيت أنيسيفورس ، ووجد على العكس من بدأ حسناً وانتهى شيئاً كديماس ، … ووجد من سقط وكبا ، ولكنه لم يلبث أن نهض على قدميه مثل مرقس ، .. على أنه لا يوجد بين هذه الأسماء جميعاً من ضارع اسكندر النحاس فى الشر الذى وصل إليه ، … ومن أوصاف بولس له ، يخيل إلينا أننا أمام شخصية شيطانية من هامة الرأس إلى أخمص القدم ، .. وقد ينكر البعض الحلول الشيطانية، وأثر الشيطان فى حياة الناس ، ولكن الكتاب يحدثنا لا عن هذه الحلول فحسب ، بل عن درجاته المفاوتة فى الشدة والعنف ، فهناك من أمسك به شيطان واحد ، وهناك من أمسكت بها سبعة شياطين ، وهناك من استولى عليه لجئون أو « أورطة » بأكملها ، ولا أعرف كم عدد الشياطين التى دخلت اسكندر النحاس ، ولكننا نتبين من مرارة الرسول وتحذيره لتيموثاوس مدى الشناعة التى يمكن أن يصل إليها الإنسان عندما يخضع لسلطان الشيطان ، وقد كان اسكندر النحاس مثلا بارزاً لها ، … يقول الرسول عنه : « لأنه قاوم أقوالنا جداً » فأية أقوال هذه وعلى وجه الخصوص لأنها أقوال بولس وصحبه ، فهل يعنى هذا أن الرجل جند نفسه لمحاربة خدمة الرسول وصحبه وأنه فعل مالا يفعله إلا الشياطين أنفسهم فى الهزء والسخرية والكذب والتجديف على الحق الإلهى ، وعلى كلمة اللّه ، بأسلوب جنونى يصعب فهمه وتفسيره ، وهل كانت هذه المقاومة فى أفسس ، أم امتدت إلى أماكن أخرى ، فكما يجند اللّه أبطاله فى الخدمة ، يفعل الشيطان هكذا من خلال جنوده الأشرار القساة الغلاظ القلوب الذين وصفهم الحكيم سليمان فى أكثر من موضع فى سفر الأمثال : « التاركين سبل الاستقامة للسلوك فى مسالك الظلمة. الفرحين بفعل السوء المبتهجين بأكاذيب الشر ، الذين طرقهم معوجة وهم ملتوون فى سبلهم» (أم 2 : 13 – 15 ) .. « لأنهم لا ينامون إن لم يفعلوا سوءاً وينزع نومهم إن لم يسقطوا أحداً (أم 4 : 16)… «قلب ينشئ أفكاراً رديئة أرجل سريعة الجريان إلى السوء » ( أم 6 : 18 ).. «أما الأشرار فيمتلئون سوءاً ( أم 12 : 21 ) ومن المعتقد عند بعض الشراح أن اسكندر النحاس كان فصيحاً بليغاً ذرب اللسان مفوه التعبير ، وقد استخدم كل بيانه وفصاحته ضد رسالة الإنجيل ، … ومن المتصور عند البعض أنه لم يكتف بهذا ، بل تحول فى خصومته العارمة لبولس إلى درجة أنه سافر من أفسس إلى روما ، .. وأنه ذهب إلى هناك ليشهد ضده فى المحاكم بغية القضاء عليه بأية صورة أو وسيلة ، .. وفى الحقيقة أن الشر عندما يتمكن من أحد ، يحوله وحشاً ضارياً يسلك كل سبيل للقضاء على الآخرين دون أدنى تعفف أو تورع أو خشية وتهيب ، … جاء فى صحيفة أمريكية وصفاً لأحدهم : « إن خلقه يبدو محترماً طالما ظل غير مكشوف ، مع أنه فى حقيقته مستبدع طماع مغرور فى نفسه ، لا يملك أية مهارة كجندى أو سياسى ، لقد زحف نحو الشهرة بسبب وظيفته ، وسياسته المالية أفقرت الشعب كله ليغتنى القليلون ، وسيمزق التاريخ جميع الصفات التى كتبت مدحاً له!! هل يصدق أحد أن هذه الكلمات جاءت وصفا لواشنطون بطل الأمة وقائد استقلالها … وهل يصدق أحد أن جونسون دعى خائناً ، ولنكولن قرداً وولسن داعية الإنجليز فى البيت الأبيض ، وفرنكلين روزفلت عنده جنون مطبق !! .. ومن الثابت أن بولس أحس الأضرار البالغة التى جلبتها مقاومة اسكندر النحاس لعمل اللّه ، وهل لا تضار الحنطة إذا وضع الزوان فى وسطها ، … وهل يستطيع الجيش التقدم بالسرعة الكافية للأمام والأرض كلها فى طريقه حقول ألغام ، … وهل يمكن أن ينتشر عمل اللّه فى كل البقاع وجنود الشر تعيقه عن التقدم والحركة من كل جانب ، … لذلك لم يجد الرسول بدا من أن يحذر تيموثاوس من الرجل وشره وأضاليله وسمومه ، إذ الواضح كما لاحظ بعض ثقاة المفسرين ، أن الرجل وإن كان يكره بولس كراهية مخيفة مفزعة ، إلا أنه كان أكثر كراهيةً لأقوال بولس ورسالته ، وهو لا يريد تدمير بولس كشخص ، بقدر ما يريد تدمير الرسالة التى يحمل بولس لواءها ، ولذا فإن عداءه سيتجه حتماً إلى تيموثاوس أيضاً ، وأنه كما فعل مع بولس ، سيفعل مع الرجل الذى حل محله فى أفسس ، وهذا هو فى الحقيقة لب الداء وأصله وعمقه ، .. إن الذين يقاوموننا بسبب «أقوالنا»، لا تنصب خصومتهم بالدرجة الأولى على أشخاصنا ، حتى ولو بدا منظرنا مكروها لا تستطيع عيونهم أن تتقبله وتراه ، … إنها تنصب فى الواقع على العقيدة والإيمان المسيحى الذى نتمسك به ، ولعل أكبر دليل على ذلك هو التحول من النقيض إلى النقيض لمن يتحول إلى معسكرهم ويمشى فى ركابهم ، ويساير آراءهم وأفكارهم ومعتقداتهم، عندئذ يصبح مكروه الأمس محبوب اليوم ، وعدو الماضى صديق الحاضر ، وهى المأساة الرهيبة بين بنى الإنسان ، عندما يتناحر الناس ويتصارعون ويتقاتلون بسبب الخلاف على العقيدة أو التحول فى الأفكار والمذاهب والمعتقدات. لم يكن الصراع بين اسكندر النحاس وبولس مجرد صراع بين شخصين، أو اختلاف مميت بين فردين ، .. بل هو فى واقع الحال الخلاف الأكبر ، والمقاومة العظمى بين من يمثلهما هذان الشخصان ، بين المسيح الذى ينادى به بولس ، والشيطان الذى يتخفى وراء اسكندر النحاس ، … ومن المناسب أن نلاحظ أن معنى كلمة « ابليس » : « المجرب أو المشتكى أو المخادع أو القاذف » … ومعنى كلمة « شيطان : « المضاد أو المخاصم أو المقاوم أو الكامن» … وعندئذ نستطيع أن نرى أن كل تجربة أو شكوى أو خداع أو قذف ، أو مضادة أو خصومة أو مقاومة ظاهرة أو كامنة من اسكندر النحاس لبولس ، هى فى الحقيقة من الشيطان ضد المسيح ورسالته وأقواله التى كان يحملها بولس ويقوم بها !! .. ومن ثم كان خليقاً ببولس أن ينبه تيموثاوس ويحذره من أن شرور اسكندر النحاس والتى لا تنتهى ، لابد ستلاحقه هو أيضاً ، وأنه ينبغى أن يلاحظه بعين مفتوحة ، ولا يخدع بقول معسول ، أو يفزع من تهمة كاذبة ، أو يتصور أنه قد يرتدع أو يتعفف عن تكرار أعماله وشروره !! .. إن الجندى المسيحى اليقظ عليه أن يعلم أن الشيطان عندما أفلس فى تجاربه مع المسيح ، فارقه إلى حين !! … فإذا اختفى لحظة، فإنما ليعود أقسى وأنكى وأشد !
هل تبحث عن  البطريرك اسطفان دويهي

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي