1- أعجيب”… بعد كل هذه المواعيد بكثرة النسل كنجوم السماء ورمل البحر… أن يتخذ إبراهيم له أكثر من زوجة؟! ظانًا في نفسه أن هذا قد يتفق ومشيئة الله في مباركة نسله!
ولم يفعل إبراهيم ذلك عن شهوة جسدية، وهو رجل كان قد شاخ واجتاز الثمانين من عمره بسنوات، دون أن يتخذ لنفسه امرأة أخرى غير سارة زوجته الوحيدة العاقر! إلى أن أعطته هي أمتها هاجر سرية قائلة له ” هوذا الرب قد أمسكني عن الولادة. ادخل على جاريتي لعلى أرزق منها بنين” (تكوين2:16). وكانت له ست وثمانون سنة من العمر حين ولدت له هاجرا ابنا” (تكوين16:16)
وقد قال القديس اغسطينوس في كتابه Bono Conjugali عن أبينا إبراهيم انه عاش في حالة الزواج بعفاف. وكان في مقدوره أن يعيش عفيفا بدون زواج، ولكن ذلك لم يكن مناسبا في ذلك الزمان. فأي زمان يقصده أوغسطينوس؟ إنه ليس زمنا وثنيا فاسدا تكتنفه ظلمة الجهل فحسب، وإنما تسرى إبراهيم في عصر خافت فيه ابنتا قريبه لوط من انقرض العالم بعد حرق سادوم وعمورا، وهرب هذه العائلة الصغيرة وحيدة في الأرض، فأسكرتا أباهما، وأنجبتا منه نسلًا دون آن يعلم (تكوين 19: 31-38)… ليس عن شهوة ولا دنس، وإنما رغبة في النسل، وخوفًا من انقراض الأسرة في الأرض… ليست المسألة أذًا شهوة حسية أو عدم ضبط نفس. فإن القديس أغسطينوس في الإجابة عن هذه النقطة “وهي زواج إبراهيم بأكثر من واحدة يصيح متسائلًا في تعجب” هل لم يضبط نفسه، هذا الذي قدم أبنه ذبيحة”؟!
أما العلامة ترتيليانوس فيضيف رأيًا أخر بقوله “كان زواج إبراهيم مثالًا ورمزًا” وهذه الفكرة شرحها أيضًا القديس ايرونيموس بالتفصيل في رسالته إلي أجيروشيا. وكلا هذين الكاتبين المسيحيين الكبيرين لم يتكلم من ذاتيهما، وإنما أعتمد علي شرح القديس بولس الرسول بهذه النقطة بذات في رسالته إلي غلاطية (4: 22- 30). في الواقع كانت كثير من الأشياء في تصرفات وحياة الآباء الأول والأنبياء هي – كما قال القديس ايرونيموس – “رموز لأمور ستأتي”. وهذا الموضوع شرحه بالتفصيل القديس هيلاري أسقف بواتيبية الذي كان يلقب “أثناسيوس الغرب” في كتابه Tractatus Mysteriorum فتحدث عن هذه الرموز منذ آدم، وتعرض فيه الزيجات إبراهيم ولزيجات يعقوب أيضًا. وهذا المر أوضحه القديس أوغسطينوس في عبارة موجزة قال فيها ” كانت زوجات الإباء الكثيرات رمز لكنائس مستقبله من شعوب كثيرة تخضع لعريس واحد هو المسيح أما سر الزواج بواحدة في أيامنا، فيشير إلي وحدتنا جميعًا في خضوعنا لله، نحن الذين سنصبح فيما بعد مدينة سمائية واحدة”.ومع ذلك فإن إبراهيم لم تجده زوجاته الكثيرات شيئًا إذ قال له الله ” بإسحق يدعي لك نسل” (تكوين12:21). ولما مات لم يدفن كما لاحظ القديس أمبروسيوس إلا مع زوجته سارة وحدها.
وابنه اسحق لم يتخذ في حياته كلها التي بلغت 180 عامًا (تكوين 35: 28) غير زوجه واحده هي رفقة ، التي كانت حياتها هي الأخرى تحمل رموزًا كثيرة بالأخص في زواجها وفي إنجابها.
أما يعقوب أبو الأسباط الاثني عشر، فمعروف أنه خدع من خاله لابان الذي زفه إلي زوجه من ابنتيه غير التي أختارها لنفسه. وفي الصباح اكتشف يعقوب أنها ليست خطيبته التي أختارها، وإنما هي أختها الكبرى. وأجابه لابان عن هذه الخدع بقوله “لا يفعل هكذا في مكانًا آن تعطي الصغيرة قبل البكر” (تكوين 29: 36). وعلاجًا للمشكلة زواجه الصغرى أيضًا. وتسري يعقوب بنفس السبب الذي من أجله تسري إبراهيم: دفع إلي ذلك دفعا من زوجتيه أن يتخذ له جاريتهما سريتين لينجب لهما نسلًا (تكوين 30: 3،9). وكانت في تلك الزيجات أيضًا رموز لأمور ستأتي، شرحها القديس ايرونيموس في رسالته الأنفه الذكر.
وهكذا نري أن الأب الكبير لم يطلب تعدد الزوجات ولم يشتهيه، ولكنه أيضًا لم يرفضه عندما دفع إليه دفعًا بحكم ظروفه الخاصة. بل علي العكس سري بأن ير له نسلًا كثيرًا كان يرن في إذنيه وعد الله له ولأبيه وجده بأن نسله سيصير كنجوم السماء ورمل البحر لا يعد من الكثرة، وأن به ستتبارك جميع قبائل الأرض.