[pt_view id=”aa2d703e20″ tag=”التاريخ الكنسي لسوزومين – ترجمة تشستر هارترانفت – تعريب د.بولا ساويرس” field=name]
الكتاب السابع : الفصل الأول
(مساعدة مانيا للرومان. جراتيان يصرح بحرية الإيمان)
(7/1/1) هكذا كان مصير فالنس. وإذ انتشى البرابرة بالانتصار، اجتاحوا تراقيا وتقدموا إلى أبواب القنسطنطينية. وإزاء هذه الحالة الطارئة أرسلت مانيا عددا من العرب المتعاهدين، مع كثيرين من العامة، فكانت خدمة عظيمة. وقد أُخبِر أن دومنيكا Dominicaزوجة فالنس قد أمدت بعض الناس من الخزانة العامة، وبعد أن سلحَّوا أنفسهم بسرعة، هاجموا البربر وطردوهم من المدينة.
(7/1/2) واستاء جراتيان الذى كان يشترك مع أخيه فى حكم الامبراطورية الرومانية فى هذه الفترة، من الاضطهاد الأخير الذى كان يجرى بسبب التعدد فى قوانين الايمان، فردَّ جميع المنفيين بسبب دينهم. كذلك سن قانونا بأن كل شخص مسموح له أن يمارس دينه الخاص، وأن يعقد بحرية اجتماعاته، فيما عدا المانويين واتباع فوتينوس ويونوميوس.
الكتاب السابع: الفصل الثانى
(جراتيان يختار ثيودوسيوس الاسبانى ليحكم معه. الاريوسية تسود على الكنائس الشرقية فيما عدا اورشليم. مجمع انطاكية. إقرار مسألة رئاسة الكنائس)
(7/2/1) وعندما فكَّر جراتيان مليا فى أن ذلك مطلب لا يمكن الاستغناء عنه، وهو صد عمليات توغل البرابرة من ايسترIster فى ايلليريا Illyria وتراقيا، وكان وجوده فى الغال ضروريا على قدَم المساواة لصد غارات الألمانيين([1])، أشرك لذلك ثيودوسيوس معه فى حكم الامبراطورية، فى سيرميخ Sirmich. وكان ثيودوسيوس ينتمى إلى عائلة مشهورة فى بيرنيسPyrenees بأيبيريا Iberia، وقد حاز على شهرة عظيمة فى الحرب حتى أنه أُعتُبِر على نطاق واسع، قبل حصوله على السلطة الامبراطورية، بأنه قادر على إدارة شؤن الامبراطورية.
(7/2/2) وفى هذه الفترة كانت كل كنائس الشرق فيما عدا اورشليم فى يد الاريوسيين، وكان المقدونييون يختلفون قليلا فى الرأى عن أولئك المحافظين على عقيدة نيقية، وكانوا يشتركون معهم فى التناول فى كل المدن، وكان ذلك بصفة خاصة حالة المقدونيين فى القنسطنطينية منذ تصالحهم مع ليبيريوس.
(7/2/3) ولكن بعد مرسوم جراتيان، تشجع بعض اساقفة المقدونيين، واستردوا كنائسهم التى طُرِدوا منها بواسطة فالنس، واجتمعوا معا فى كاريا Caria بأنطاكية واحتجوا بأن الإبن ليس مساوى للآب فى الجوهر، ولكنه فقط “مثله”([2]) فى الجوهر. ومنذ ذلك الحين انفصل المقدونيون عن الآخرين، وعقدوا كنائس منفصلة، بينما أدان آخرون هذا الرأى وعارضوا مَن يقولون به واستمروا متحدين بثبات مع اتباع العقائد النيقاوية.
(7/2/4) وعاد كثيرون من الاساقفة الذين نفاهم فالنس فى نحو هذه الفترة وفقا لقانون جراتيان، وأظهروا عدم التطلع لاسترداد وظائفهم الكنسية العليا مفضلين وحدة الشعب، لذلك توسلوا للأساقفة الاريوسيين أن يظلوا فى المناصب التى يشغلونها ولا يمزقوا بالشقاق الكنيسة التى سلَّمها الله والرسل واحدة، ولكن المجادلة والطموح إلى الأولوية قد قسَّمها إلى أجزاء كثيرة. وكان اولاليوس Eulalius اسقف أماسيا فى بونطس أحد هؤلاء الذين اتبعوا هذا المنحى فى السلوك. ويقال أنه عندما عاد من المنفى وجد كنيسته يرأسها اريوسى، وأنه بالكاد خمسون من سكان المدينة قد خضعوا لهذا الاسقف الجديد. وإذ كان أولاليوس يرغب فى الوحدة فوق كل اعتبار آخر، عرض أن يشترك مع الاسقف فى إدارة الكنيسة وعبَّر عن موافقته بالسماح له بالأولوية. وإذ لم يوافق الاريوسى على اقتراحه، لم يمض وقت طويل حتى هجرته القلة التى كانت تتبعه وانتقلت إلى الطرف الآخر.
الكتاب السابع: الفصل الثالث
(بشأن سان مليتيوس وبولينوس اسقف انطاكية وقسَمَهما بشأن الكرسى الاسقفى)
(7/3/1) ونتيجة لهذا القانون عاد مليتيوس فى نحو هذه الفترة. وقد أدى حضوره إلى مجادلة كبيرة بين الشعب. لقد كان بولينوس الذى لم يجرؤ فالنس على نفيه بسبب وقار تقواه، ما زال حيا. ولذلك عارض أنصار مليتيوس اشتراكه مع بولينوس الذى أدان سيامة مليتيوس لأنه نال السيامة من اساقفة اريوسيين. وكان الشعب المؤيد لمليتيوس قد استمروا فى عملهم الذى شرعوا فيه، لأنهم لم يكونوا قليلى العدد، وهكذا وضعوا مليتيوس على العرش الاسقفى، فى إحدى كنائس الضاحية.
(7/3/2) وتزايدت عداوة الطرفين وكان الشقاق متوقعا لولا أن سادت هذه الخطة الرائعة لإستعادة الانسجام. لأنه بدا أنه من الأفضل الحصول على قَسَمٍ مِن المعتبرين أنهم مؤهلين أو كان من المتوقع شغلهم لكرسى الاسقفية فى ذلك المكان. ومن بين هؤلاء كان هناك خمسة لصالح فلافيان، وهذه الوعود هى أنهم لن يسعون ولا يقبلون السيامة على ذلك المكان فى خلال حياة بولينوس ومليتيوس، وأنه إذا حدث ومرض أحدهما يدير الآخر الاسقفية بمفرده. وعندما عززوا هذا الوّد بأقسام، عاد الانسجام بين جميع الشعب تقريبا. فيما عدا قلة من اتباع لوسيفر بذريعة أن مليتيوس قد سيم بواسطة الهراطقة. وعندما انتهى هذا النزاع توجه مليتيوس إلى القنسطنطينية حيث كان يجتمع اساقفة كثيرون لبحث ضرورة نقل غريغوريوس([3]) اسقف نزينز Nazianzen إلى هذه المدينة.
الكتاب السابع: الفصل الرابع
(عهد ثيودوسيوس الكبير. عماده بواسطة اسخوليوس اسقف تسالونيكى. الرسائل التى وجهها إلى مَن لا يتمسكون بتعريف مجمع نيقية)
(7/4/1) ولما كانت الغال فى هذه الفترة تشهد غارات الألمان بكثرة، فقد عاد جراتيان إلى سلطنته الأبوية التى احتفظ بها لنفسه ولشقيقه عندما منح حُكم ايلليريا والمقاطعات الشرقية لثيودوسيوس([4]). وقد نفذ قصده هذا بالنظر إلى اعتبار البرابرة. وكان ثيودوسيوس موفقا على قدر مساوى ضد القبائل الوافدة من على ضفاف الإستر، فهزمها وأجبرها على الجنوح إلى السلِم.
(7/4/2) وبعدما قبِل منهم رهائن توجه إلى تسالونيكى. وهناك سقط مريضا، وبعدما نال تهذيبا من اسخوليوس Ascholiusالاسقف، اعتمد وسرعان ما استرد صحته. وكان والدىّ ثيودوسيوس مسيحيين متمسكين بعقائد نيقية. وقد سُّر باسخوليوس الذى حافظ على نفس العقائد وكان بإختصار موهوبا بكل فضيلة الكهنوت.
(7/4/3) وابتهج أيضا أن الهرطقة الاريوسية لم تنتشر فى ايلليريا. واستعلم عن المفاهيم الدينية التى كانت سائدة فى المقاطعات الأخرى، فعلِم أن جميع الكنائس إلى مقدونية كانت بفكر واحد، وكلها تُقَدِّم الاكرام لله الكلمة وللروح القدس والله الآب بالتساوى. ولكن الشرق وبصفة خاصة القنسطنطينية انقسم الناس إلى هرطقات مختلفة كثيرة.
(7/4/4) وإذ فكَّر أنه من الأفضل أن يعرض مفاهيمه الدينية على رعاياه حتى لا يظهر أنه يستخدم القوة فى أمر الرعايا غير الراغبين فى العبادة ضدا لتقديره هو، أصدر ثيودوسيوس قانونا فى تسالونيكى وأمر بنشره فى القنسطنطينية وهو عالم أن المرسوم سرعان ما سيصير عاما فى كل المدن إذا ما نُشِر فى هذه المدينة التى هى قلعة الامبراطورية كلها. وأظهر فى هذا القانون نيته فى قيادة رعاياه إلى قبول الايمان الذى كرز به بطرس مُقدِّم الرسل([5]) منذ البداية للرومان، والذى اعترف به داماسوس اسقف روما، وبطرس اسقف الأسكندرية، ونصَّ على أن تعبير الكنيسة الجامعة يجب أن يكون قاصرا على وجه الحصر على أولئك الذين يتمسكون بتقديم الاكرام المتساوى للأقانيم الثلاثة فى الثالوث. وأن أولئك الأفراد الذين لهم آراء مضادة لهذا الرأى يعاملون كهراطقة، ويُنظَر إليهم بإزدراء ويُسلّمون للقصاص.
الكتاب السابع: الفصل الخامس
(غريغوريوس اللاهوتى يستلم من ثيودسيوس إدارة الكنائس. طرد ديموفيلس وكل مَن ينكر أن الابن واحد مع الآب فى الجوهر)
(7/5/1) وبعد أنَّ سن هذا القانون، توجه ثيودوسيوس فى الحال إلى القنسطنطينية. وكان الاريوسيون الذين تحت اشراف ديموفيلوس Demophilus ما زالوا يستحوذون على الكنائس.
(7/5/2) وكان غريغوريوس النزينزى يرأس أولئك الذين كانوا يحافظون على المساواة فى الجوهر للثالوث القدوس، ويجتمع بهم فى منزل صغير حُوِّل إلى شكل بيت صلاة من قِبل الذين لهم نفس الاعتقاد ونفس العبادة. ولذا صار بعد ذلك واحدا من [المعالم] الجلية فى المدينة، وهو كذلك الآن ([6]) ليس فقط لجمال وعدد مبانيه ولكن أيضا للمزايا التى تُعزَى إليه من إعلانات الله المرئية. لأن قوة الله تتجلى هناك، فى رؤى اليقظة وفى الأحلام على السواء، وهى مُعِينة وغالبا [ما تكون] لراحة المرضى من أمراض كثيرة، ولأولئك الذين يعانون من تقلبات مفاجئة فى أمورهم. تلك القوة التى تُعزَى للقديسة العذراء مريم والدة الإله إذ أنها تتجلى بهذه الطريقة. وقد أُعطِىَّ لهذه الكنيسة اسم انسطاسيا([7])، لأنه، كما أعتقد، قد بعثت العقائد النيقاوية التى انزوت فى الاستعمال فى القنسطنطينية، وإن جاز القول، دُفِنَت بسبب سلطان أضداد الارثوذكسية، من الموت، وأُحيِيَت بواسطة أحاديث غريغوريوس. أو كما يؤكد البعض، كما سمعتُ، التقوا للعبادة فى ذات يوم فى هذا المبنى فسقطت إمرأة حامل من الطابق العلوى وماتت فى الموقع. ولكن بصلاة الاجتماع كله عادت إلى الحياة وأُنقِذت هى والطفل. وبسبب هذه الواقعة للمعجزة الإلهية حصل المكان كما يؤكد البعض على اسمه.
(7/5/3) وأرسل الامبراطور إلى ديموفيلس يأمره بالإمتثال إلى عقائد نيقية، وأن يقود شعبه إلى اعتناق نفس المفاهيم، وإلاَّ عليه أن يُخلِى الكنائس. فجمع ديموفيلس الشعب وأطلعهم على المرسوم الامبراطورى وأعلمهم أن هذه كانت نيته وهى أن يقيم كنيسة خارج أسوار المدينة فى اليوم التالى وفقا، كما قال، للشريعة الإلهية التى تأمرنا بأن نفر من مدينة إلى أخرى([8]). ومنذ ذلك اليوم وهو يعقد اجتماعه خارج أسوار المدينة مع لوكيوس الذى كان أسقف الاريوسيين بالاسكندرية، والذى بعدما طُرِد، كما روينا عاليه، فر إلى القنسطنطينية وثبَّت إقامته هناك.
(7/5/4) وعندما غادر ديموفيلس واتباعه الكنيسة، دخلها الامبراطور وباشر الصلاة. ومنذ تلك الفترة استحوذ الذين يحافظون على مساواة الثالوث القدوس على بيوت الصلاة.
(7/5/5) وقد وقعت هذه الأحداث فى السنة الخامسة لقنصلية جراتيان وفى السنة الأولى لثيودوسيوس. وبعد أن ظلت الكنائس فى يدى الأريوسيين أربعين سنة.
الكتاب السابع: الفصل السادس
(بخصوص الاريوسيين، ونجاح يونوميوس. شجاعة سان امفيلوكيوس نحو الامبراطور)
(7/6/1) وكان الاريوسيون ما زالوا أقوياء جدا من جهة العدد، وكانوا ما زالوا يجتمعون بلا خوف بسبب الحماية التى وفرها لهم قنستانتيوس وفالنس، ويتحدثون جهارا بشأن الله والطبيعة الإلهية، لذا عزموا الآن على الحصول على مكسب أكثر من الامبراطور لصالحهم من خلال دخول أفراد من طائفتهم فى تعيينات البلاط. وعقدوا الآمال على نجاح هذا المشروع مثلما نجحوا فى حالة قنستانتيوس.
(7/6/2) فأثارت هذه المكائد قلقا كبيرا وخوفا لدى أعضاء الكنيسة الجامعة. ولكن السبب الرئيسى لتخوفهم كان قوة يونوميوس([9]). ويبدو أن يونوميوس كانت له منازعة مع كهنته فى سيزيكوس فى عهد فالنس، وبالتالى انشق عن الاريوسيين واعتزل فى بيثينية بالقرب من القنسطنطينية. وهنا لجأت الجموع إليه، وتجمع البعض من أحياء مختلفة، وعدد قليل بقصد فحص مبادئه، وآخرون لمجرد الرغبة فى سماع أحاديثه.
(7/6/3) ووصلت شهرته إلى آذان الامبراطور الذى كان يود الاجتماع به، ولكن الامبراطورة فلاسيلا Flacillaمنعت بثبات هذه المقابلة من أن تتم لأنها كانت الحارس الأكثر إخلاصا للعقائد النيقاوية، وخشيت لئلا يؤثر يونوميوس بقوة نقاشه على مفاهيم الامبراطور.
(7/6/4) وفى هذه الاثناء بينما كانت هذه المؤمرات تجرى من كل طرف، يقال أن الاساقفة المقيمين فى القنسطنطينية ذهبوا إلى الامبراطور ليقدموا له التحية المعتادة، وكان بين هذا الفريق كاهن مسن من مدينة قليلة الشأن، بسيط وغير دنيوى، غير أنه متعلم جيدا فى المواضيع الإلهية. فتقدم هذا الكاهن المسن وحيَّاه بنفس النمط، ولكن بدلا من أن يُقدِّم اكراما مساويا للأمير الذى كان يجلس بجوار والده، اقترب الكاهن المسن منه وربتّ عليه بحميمية ودعاه بطفله العزيز.
(7/6/5) فغضب الامبراطور من هذه الإهانة التى لحقت بإبنه من حيث أنه لم يُقدِّم له الإكرام مثله. وأمر بإبعاد الكاهن المسن من حضرته بكل شدة. وبينما كان يُدفَع هنا وهناك، إلتفت الكاهن المسن مع ذلك وصاح: فكِّر أيها الامبراطور فى غضب الآب السماوى على أولئك الذين لا يكرِّمون ابنه مثله، والذين يتجاسرون على القول أن الإبن أدنى من الآب.
(7/6/6) وشعر الامبراطور بقوة هذه الملاحظة، فاستدعى القس، واعتذر له عما حدث، واعترف بأنه قد تكلم بالحق. ومنذ ذلك الحين فصاعدا كان الامبراطور أقل إهتماما بالتواصل مع الهراطقة. ومنع التجمعات والمناظرات فى الاسواق. وسنَّ قانونا يحظر فيه اجراء المناقشات حول جوهر وطبيعة الله، ونصَّ على عقوبات فى هذا الشأن إذ اعتبر ذلك من الخطورة بمكان.
الكتاب السابع: الفصل السابع
(بشأن المجمع المقدس العام الثانى. مكان وسبب انعقاده. تنازل غريغوريوس اللاهوتى)
(7/7/1) وبعد ذلك بقليل عقد الامبراطور([10]) مجمعا من الاساقفة الارثوذكس بقصد تأكيد مراسيم نيقية وانتخاب اسقف لكرسى القنسطنطينية الشاغر. ودعا بالمثل المقدونيين لهذا الاجتماع إذ لما كانت عقائدهم تختلف قليلا عن تلك التى للكنيسة الجامعة، فقد رأى أنه من اليسير إحداث اتحاد معهم. واجتمع فى هذا المجمع نحو مائة وخمسون اسقفا الذين حافظوا على المساواة فى الجوهر للثالوث القدوس. وبالمثل ستة وثلاثون من الاساقفة المقدونيين، وكانوا بصفة رئيسية من هللسبونت Hellespont، ومنهم اليسيُوس Eleusiusاسقف سيزيكوس وماركيان اسقف لامبساكوس. وكان الفريق الآخر تحت قيادة تيموثى([11]) الذى خلف أخيه بطرس على كرسى الأسكندرية. وميليتوس اسقف انطاكية الذى توجه إلى القنسطنطينية قبل ذلك بوقت قصير بخصوص انتخاب غريغوريوس.
(7/7/2) وكان أيضا حاضرا فى هذا المجمع كيرلس اسقف اورشليم الذى هجر فى هذه الفترة مفاهيم المقدونيين التى كان يعتنقها سابقا، واسخوليوس اسقف تسالونيكى، وديودورس اسقف طرسوس، واكاكيوس اسقف بيرية. وهذا الأخير حافظ بثبات على مرسوم نيقية. وحث اليسيُوس وأنصاره على التوافق مع هذه المفاهيم مذكرا إياهم فى نفس الوقت بالسفارة التى قد أرسلوها سابقا إلى ليبيريوس، وبالاعتراف الذى عرضوه عليه خلال وساطة يوستاثيوس وسلفانوس وثيوفيلس، كما روينا.
(7/7/3) ومع ذلك أعلن المقدونيون أنهم لن يُسلّموا بأن الإبن مساوى للآب فى الجوهر أيا كان الاعتراف السابق المُقدَّم لليبيريوس وانسحبوا فى الحال([12]). وكتبوا عندئذ لمشايعيهم فى كل مدينة يحضونهم على عدم الموافقة على عقائد نيقية.
(7/7/4) فإلتفت الاساقفة الذين بقيوا فى مجمع القنسطنطينية إلى الاهتمام بإنتخاب اسقف لكرسى تلك المدينة. ويُقال أن الامبراطور من إعجابه العميق بقداسة وبلاغة غريغوريوس([13]) حكم بأنه هو المستحق لهذه الاسقفية وأنه توقيرا لفضيلته كان العدد الاكبر فى المجمع من نفس الرأى. ووافق غريغوريوس فى البداية على قبول رئاسة كنيسة القنسطنطينية، ولكن فيما بعد عندما تأكد اعتراض بعض الاساقفة وخاصة أساقفة مصر على الترشيح سحب موافقته.
(7/7/5) ومن جهتى كان أحكم الرجال هذا جديرا بالإعجاب ليس فقط لمؤهلاته العامة ولكن على الأقل لسلوكه فى هذه الظروف الراهنة. فلم تملأه بلاغته بالكبرياء، ولا قاده المجد الباطل إلى الرغبة فى ضبط كنيسة كان يُديرها عندما كان ليس هناك خطر. لقد سلّم مسألة تعيينه للأساقفة عندما كان مطلوبا منه، ولم يشكو قط من أعماله الكثيرة، ولا من الأخطار الخاضع لها من الهراطقة. فلقد كان قد استحوذ على اسقفية القنسطنطينية عندما لم يكن هناك أى ضرر لمصالح أى فرد عندما يُعيَّن أسقف آخر محله فى نزينز. ولكن المجمع فى طاعة صارمة لقوانين الآباء والنظام الكنسى سحب منه بإقتناعه الخاص الوديعة التى عُهِد بها إليه دون أن يضع أى استثناء لخاطر رجل بارز. لذلك انتقل الامبراطور والكهنة إلى انتخاب اسقف آخر الأمر الذى اعتبروه أكثر أهمية للإلتفات إليه.
(7/7/6) وكان الامبراطور يريد فحصا جادا عاجلا لكى ما يُعهَد برئاسة الكهنوت للمدينة الملكية والكبيرة إلى شخص أكثر امتيازا وأفضلهم. ومع ذلك انقسم المجمع فى المفاهيم، إذ أن كل واحد أراد أن يرى أحد اصدقائه يُسام على الكنيسة.
الكتاب السابع: الفصل الثامن
(انتخاب نكتاريوس لكرسى القنسطنطينية، محل ميلاده وتعليمه)
(7/8/1) وكان يقيم فى القنسطنطينية، فى هذه الفترة، رجل مشهور من طرسوس بكيليكية، فى رتبة سيناتور. وإذ كان عائدا إلى بلده، استفسر من ديودورس([14]) Diodorusاسقف طرسوس ما إذا كانت لديه أية رسائل يُرسلها معه. وكان ديودورس منشغلا للغاية بأمر السيامة التى كانت الموضوع الذى يشغل بال الرجال على نطاق واسع.
(7/8/2) وما أن رأى نكتاريوس حتى اعتبره مستحق للأسقفية، وفى الحال عزم على ذلك فى فكره. إذ كان شيخا وقورا وهيئته تصلح للكهنوت فضلا عن دماثة خلقه. فعهد بالأمر، كما لعمل آخر، إلى اسقف انطاكية وطلب منه أن يستخدم تأثيره فى تذكية هذا الترشيح. فإستخف اسقف انطاكية بهذا الطلب وذلك لأن أسماء رجال أكثر شهرة كانت محل الاعتبار بالفعل. ومع ذلك استدعى نكتاريوس وطلب منه أن يبقى معه لفترة قصيرة.
(7/8/3) وبعد ذلك بوقت ما طلب الامبراطور من الكهنة([15]) أن يحرروا قائمة بأسماء مَن رأوا أنهم مستحقون لكرامة السيامة، محتفظا لنفسه بحق الاختيار لأى من هذه الاسماء المقدَّمة له. وامتثل جميع الاساقفة لهذا الأمر الرسمى، وكتب اسقف انطاكية، ضمن الآخرين، أسماء مَن يقترحهم كمرشحين للأسقفية، وفى نهاية قائمته من باب المجاملة لديدوروس أدرج اسم نكتاريوس.
(7/8/4) وقرأ الامبراطور قائمة أولئك المنقوشين، وتوقف عند اسم نكتاريوس فى نهاية القائمة ووضع عليه اصبعه وبدا لبعض الوقت أنه فقد تركيزه. فعاد إلى البداية ثم مر بالكل واختار نكتاريوس. وأثار هذا الترشيح دهشة عظيمة وتساءل جميع الناس بقلق مَن يكون نكتاريوس وما هو نمط حياته ومحل ميلاده. وعندما سمعوا أنه غير مُعمَّد ازدادت دهشتهم من قرار الامبراطور.
(7/8/5) وإننى اعتقد أن ديدورس نفسه لم يكن يعى أن نكتاريوس لم يكن قد اعتمد بعد لأنه لو كان مُلِّما بهذه الحقيقة لما كان قد تجرأ أن يُعطِى صوته بالكهنوت لشخص غير مُعمَّد. ويبدو من المعقول أن نفترض أنه بالنظر إلى شيخوخة نكتاريوس قد أُعتبِر أنه قد اعتمد قبل ذلك من مدة طويلة. ولكن هذه الأحداث لم تقع بدون تدبير من الله([16])، لأنه حتى عندما أُبلِغ الامبراطور بأن نكتاريوس غير معمَّد، ظل على رأيه بالرغم من اعتراض كهنة كثيرين.
(7/8/5) وعندما تمت الموافقة أخيرا على الأمر الرسمى، عُمِّد نكتاريوس، وبينما هو متدثر بثياب العماد([17]) أُعلِن اسقفا للقنسطنطينية بإجماع أصوات المجمع. وخمن كثيرون أن الامبراطور قد أُقتيد إلى هذا الترشيح برؤيا إلهية.
وإننى لن أقرر ما إذا كانت هذه الرؤيا حقيقية أم لا، ولكننى مقتنع عندما أتمعن فى الظروف غير العادية المصاحبة لهذه السيامة بأن الأحداث التى وقعت لم تكن لتقع بدون القوة الإلهية، وأن الله قد قاد هذا الرجل الممتاز والفاضل والوديع إلى الكهنوت.
تلك هى التفاصيل التى استطعت التأكد منها بشأن سيامة نكتاريوس.
الكتاب السابع: الفصل التاسع
(مراسيم المجمع العام الثانى([18]). مكسيموس الفيلسوف الساخر)
(7/9/1) وبعد هذه الأعمال اجتمع نكتاريوس مع الكهنة الأخرين، وقرروا سيادة الايمان المؤسس فى مجمع نيقية، وإدانة سائر الهرطقات الأخرى حتى ما تُدار الكنائس فى كل مكان وفقا للقوانين الكنسية القديمة. وأن على كل أسقف أن يَبقى فى كنيسته ولا ينتقل إلى أى مكان آخر تحت أية حجة مهما كانت. وأن لا يقوم أى اسقف بدون دعوة بالسيامة فى أى مكان ليس له حق التدخل فيه مثلما كان يحدث مرارا فى الكنيسة الجامعة فى أزمنة الاضطهاد. كما قرروا بالمثل بأن شؤون كل كنيسة تخضع لفحص وضبط مجمع المقاطعة. وأن اسقف القنسطنطينية يلى فى الأولوية اسقف روما بوصفه يشغل كرسى “روما الجديدة”([19]) ليس فقط لأن القنسطنطينية مفضلة بهذا اللقب، ولكنها كانت أيضا تتمتع بمزايا كثيرة مثل وجود سينات خاص بها وتقسيم المواطنين إلى مراتب ودرجات، ويحكمها ماجستريت خاص بها وتمتلك قوانين واتفاقيات وتتساوى فى الحصانة الدبلوماسية مع تلك التى لروما التى فى ايطاليا([20]).
(7/9/2) وقرر المجمع أيضا أن مكسيموس لم يكن ولا يكون الآن، أسقفا. وأن الأفراد الذين قد رسمهم ليسوا من الكهنة، وأن كل ما عُمِل منه أو باسمه لاغى وباطل.
وكان مكسيموس مواطنا من الاسكندرية، ومهنته فيلسوف ساخر. وكان قد التصق بحماس بعقائد نيقية، ولكنه رُسِم سرا فى القنسطنطينية بواسطة اساقفة من مصر كانوا موجودين بها.
(7/9/3) تلك كانت المراسيم التى اصدرها المجمع([21]). وقد صدَّق عليها الامبراطور الذى قرر أن يكون ايمان مجمع نيقية هو السائد، وأن توضع سائر الكنائس فى يد مَن يعترف بنفس الألوهية الواحدة، وبالتكريم المتساوى والقدرة المتساوية للأقانيم الثلاثة، أى الآب والابن والروح القدس. ولكى يُحددهم حصريا، صرَّح الامبراطور أنه يشير إلى مَن يشترك مع نكتاريوس فى القنسطنطينية، وتيموثاوس اسقف الأسكندرية فى مصر، ومع ديدورس اسقف طرسوس فى كنائس الشرق، ومع بيلاجيوس اسقف لاودكية فى سوريا، ومع امفيلكوس رئيس كنائس ايقونية فى اسيا، ومع هيلاديوس اسقف قيصرية كبادوكيا، وكل الذين فى مدن بونطس من بيثينية إلى ارمينيا. ومع غريغوريوس اسقف نيصص، ومع اوترونيوس اسقف مليتين، ومع ترنتيوس اسقف طومى، وأولئك الذين فى تراقيا وسكيثيا. ومع مارتيريوس اسقف ماركيانوبولس.
وكان الامبراطور يُلّم شخصيا بكل هؤلاء الاساقفة وأكد أنهم قد أداروا كنائسهم بحمية وتقوى. وبعد هذه الاعمال انفض المجمع وعاد كل الاساقفة إلى أوطانهم([22]).
الكتاب السابع: الفصل العاشر
(بشأن مارتيريوس اسقف كيليكية. نقل بقايا بولس المعترف، ومليتيوس اسقف انطاكية)
(7/10/1) وألمَّ نكتاريوس بنظام الاحتفالات المقدسة، تحت اشراف كرياكوس اسقف أدنة Adana، الذى طلب منه ديودورس اسقف طرسوس، أن يبقى معه فترة من الوقت. وقد ابقى نكتاريوس معه أيضا كيليكيين آخرين عديدين من بينهم مارتيريوس طبيبه الذى كان شاهدا على مخالفات شبابه. وكان نكتاريوس تواقا لسيامته شماسا ولكن مارتيريوس رفض الكرامة بحجة عدم استحقاقه لهذه الخدمة الالهية، وذكَّر نكتاريوس نفسه بمجرى حياته الماضية. فرد عليه نكتاريوس بهذا، على الرغم من أننى الآن كاهن فأنت تعرف أن مهنتى السابقة كانت أكثر ذنبا من التى لك بقدر ما كنتَ أنت أداة فى خلاعتى العديدة؟. فأجاب مارتيريوس ولكنك أنت ايها المبارك قد تطهرت بالمعمودية، واستحققت الآن الكهنوت، وكلا الرتبتان قد تحددتا بالقانون الإلهى للتطهير من الخطية، ويبدو لى أنك لا تختلف الآن عن الطفل الحديث الولادة. ولكنى أنا قد اقتبلتُ المعمودية منذ زمن طويل، واستمريت فى نفس الاسلوب الشائن.
(7/10/2) وعندما أُعلِم الامبراطور ثيودوسيوس بالأحداث المتنوعة المرتبطة ببولس اسقف القنسطنطينية السابق، أمر بنقل جسده إلى الكنيسة المشيَّدة بواسطة عدوه مقدونيوس ودفنه هناك. وهذا الهيكل مبنى فسيح وأكثر تميزا وما زال يُدعَى بإسم بولس. ومن ثمة تخيَّل كثيرون من الاشخاص الذين كانوا يجهلون حقائق الحالة، وبصفة خاصة النساء وعامة الشعب، أن بولس الرسول مدفون هناك.
(7/10/3) كذلك نُقلت رفات مليتيوس فى نفس الوقت إلى انطاكية وأُودِعت بالقرب من مقبرة بابيلاس الشهيد. ويُقال أنه طوال الطريق العام، كانت الرفات تُستقبل بأمر الملك داخل اسوار كل مدينة على غير العادة الرومانية، وتُكرَّم بإنشاد المزامير بالمناوبة فى تلك الأماكن إلى أن نُقِلت إلى انطاكية.
الكتاب السابع: الفصل الحادى عشر
(سيامة فلافيان اسقفا لأنطاكية. الأحداث المتعاقبة بسبب القسم)
وبعد إجراءات الدفن بأبهة لرفات مليتيوس سيم فلافيان محله، وكان ذلك أيضا حنثا للقسَم الذى كان قد اتخذه، لأن بولينيس كان ما زال حيا. وهذا أثار العديد من المتاعب فى كنيسة انطاكية. فقد رفض الكثيرون الاشتراك مع فلافيان، وعقدوا كنائسهم([23]) مع بولينس. وحتى الكهنة اختلفوا فيما بينهم فى هذا الموضوع. فكهنة مصر والعربية([24]) والقبارصة كانوا غاضبين للظُلم الذى لحق بأبولينس. ومن ناحية أخرى انحاز كهنة سوريا وفلسطين([25]) وفينيقية والشطر الأكبر من ارمينيا وكبادوكيا وغلاطية وبونطس نحو فلافيان. واستاء للغاية اسقف روما وجميع كهنة الغرب من سلوك فلافيان، وارسلوا الرسائل المعتادة التى تُدعَى “المجمعية” إلى بولينوس اسقف انطاكية دون أية إشارة إلى فلافيان. ورفضوا كذلك الشركة مع ديودورس اسقف طرسوس وأكاكيوس اسقف بيرية لأنهما رسما فلافيان. وللإحاطة بهذا الأمر أكثر كَتَب الاساقفة الغربيون والامبراطور جراتيان لأساقفة الشرق للإجتماع فى مجمع بالغرب.
الكتاب السابع: الفصل الثانى عشر
(مشروع ثيودوسيوس لتوحيد كل الهراطقة. الفروض التى وضعها آجلوس وسيسينوس النوفتيان. الامبراطور واتباع الآراء المخالفة)
(7/12/1) وعلى الرغم من أن جميع بيوت الصلاة فى هذه الفترة كانت فى حوزة الكنيسة الجامعة إلاَّ أن متاعبا كثيرة قد وقعت فى أنحاء متعددة من الامبراطورية بتحريض من الاريوسيين.
(7/12/2) ولذلك سرعان ما جمع الامبراطور ثيودوسيوس بعد المجمع المذكور عاليه، مرة ثانية رؤساء الطوائف المزدهرة لكى ما يُقنعوا الآخرين بما هم مقتنعون به أو أن يقتنعوا هم بالموضوعات محل النزاع، إذ أنه تصُور أن الجميع لا بد وأن يأتوا إلى وحدانية الرأى متى كانت هناك مناقشة حرة بشأن نقاط العقيدة المختلف عليها.
(7/12/3) ولذلك عُقِد المجمع وكان ذلك فى السنة الثانية من قنصلية ميروبودس([26]) Merobaudes والأولى لساتورنينوس Saturninus، وفى نفس الفترة التى كان فيها اركاديوس مشتركا مع أبيه فى حكم الامبراطورية. وارسل ثيودوسيوس إلى نكتاريوس وتشاور معه بشأن المجمع وأمره بإدراج مناقشة جميع المسائل المثارة من الهراطقة لكى ما تكون كنيسة المؤمنين بالمسيح واحدة، وتتفق فى العقيدة وفقا للمعتقد الدينى الذى ينبغى اتباعه.
(7/12/4) وعندما رجع نكتاريوس إلى بيته وهو قلق من المهمة المعهود بها إليه، أعلَمَ آجِليُوس Agelius رئيس كنيسة النوفاتيين- والذى كانت له نفس المفاهيم كما له- بالأمر الرسمى للإمبراطور. فبرهن آجليوس على فضيلته بأعماله، ولكنه لم يكن متعودا على دقة وخداع الكلام، لذلك اقترح أحد شمامسته وإسمه سيسينوس Sisinius، الذى خلفه فيما بعد كأسقف ليحل محله، كرجل يمكنه أن يرى ما هو عملى وأن يحاجج عند الضرورة.
(7/12/5) وكان سيسينوس يمتلك قوى التعبير والذكاء وله معرفة دقيقة بتفسير الكُتُب المقدسة، ومُلما جيدا بالأدب الكنسى والأدب الوثنى. [هذا] تعمَّد تجنب مناقشة كتابات سائر اضداد الارثوذكسية بإعتبارها مصدر النزاع والحرب، وأوصى أن يتركز الاستفسار عما إذا كان الهراطقة يُسلِّمون بشهادة ومفسرى الكلام المقدس الذين عاشوا قبل أن تتمزق الكنيسة إلى أجزاء أم لا. فإن هم رفضوا شهادة هؤلاء الرجال العِظام، كما قال هو، يُدانون من أتباعهم، ولكن إن سلّموا بسلطانهم ككفاة لحل النقاط الغامضة فى العقيدة، فعندئذ نستعرض كُتُبهم. إذ أن سيسينوس كان يعى جيدا أنه لما كان القدماء يعترفون بأن الإبن أزلى مع الآب، فإنهم من ثمة لم يفترضوا قط أن أصل الإبن يعود إلى بداية ما.
(7/12/6) وقد حظى هذا الاقتراح بإستحسان نكتاريوس، وفيما بعد الامبراطور. وتركز الاستجواب على أساس الآراء التى يأخذ بها الهراطقة بشأن مُفسرى الكتاب المقدس القدامى. ولمَّا وُجِد أن الهراطقة يُقرون بهؤلاء الكُتَّاب الاوائل بتوقير عظيم، سألهم الامبراطور علنا عما إذا كانوا يختلفون على سلطة هؤلاء الكتَّاب المذكورين سابقا أم لا. واختبر آرائهم فى الموضوعات العقائدية المطروحة فى أعمالهم. فأثار هذا الاقتراح نزاعا شديدا بين قادة الشيع الهرطوقية المختلفة، لأنهم لا يتمسكون جميعا بنفس وجهة النظر بشأن كُتُب القدماء. وعرف الامبراطور أنهم يستندون فى مناظرتهم إلى كلامهم هم وحده، فسحب عرضه ولامهم على آرائهم، وأمر كل حزب أن يُدون شرحا مكتوبا لقانون الايمان الخاص به.
(7/12/7) وفى اليوم المحدد لتقديم هذه الوثائق، ظهر نكتاريوس وآجيلوس فى القصر كممثلين لأولئك الذين يتمسكون بالمساواة فى الجوهر للثالوث القدوس. وتقدم ديموفيلس رئيس الاريوسيين كمندوب عن الاريوسيين. ومثل يونوميوس عن الانوميين، وظهر اليسيوس اسقف سيزيكوس عن الشيعة التى تسمى المقدونيين. وبعد ما تلقى الامبراطور الصيغ منهم، عبَّر عن نفسه لصالح تلك الصيغة الخاصة بالمساواة فى الجوهر للثالوث واعترف بها وحدها، ودمَّر الباقى.
(7/12/8) ولم تتأثر مصالح النوفاتيين بهذا الاجراء إذ انهم يتمسكون بذات عقائد الكنيسة الجامعة بشأن الطبيعة الإلهية.
وغضب أعضاء الشيع الأخرى من الكهنة الذين دخلوا بغير حكمة فى مناقشات فى حضرة الامبراطور. وجحد كثيرون آرائهم السابقة واعتنقوا الشكل المعتمد للدين.
(7/12/9) وسن الامبراطور قانونا يحظر فيه على الهراطقة امتلاك كنائس أو إلقاء تعليم عام بشأن الايمان، أو القيام بسيامة اساقفة أو خلافهم. وطُرِد بعض الهراطقة من المدن والقرى، بينما تم الحط من آخرين وحرمانهم من المزايا التى يتمتع بها رعايا الامبراطورية الآخرون. وما أعظم العقوبات التى طُبِقت على الهراطقة، ولكنهم لم يُعدَموا دائما، لأن الامبراطور لم يرغب فى فرض الاجماع فى وجهات النظر عن الله بواسطة الترهيب. أما أولئك الذين تخلوا طواعية عن الآراء الهرطوقية فقد نالوا المديح منه.
الكتاب السابع: الفصل الثالث عشر
(مكسيموس الطاغية. الوقائع التى جرت بين يوستينا الامبراطورة وامبروسيوس. مقتل الامبراطور جراتيان غدرا. هروب فالنتنيانوس الصغير وأمه إلى ثيودوسيوس)
(7/13/1) ولما كان جراتيان فى هذه الفترة منهمكا فى الحرب ضد الألمان، فقد غادر مكسيموس بريطانيا بقصد اغتصاب السلطة الامبراطورية. وكان فالنتنيانوس يقيم آنذاك فى ايطاليا، ولكن لمَّا كان هو الاصغر، فإن شؤون الدولة كانت تدار بواسطة بروبس Probus البريتوريان prætorian prefect الذى كان سابقا قنصلا.
(7/13/2) وكانت يوستينا أم الامبراطور، تعتنق الهرطقة الاريوسية، فاضطهدت امبروسيوس اسقف ميلان، وأربكت الكنائس بإدخالها تبديلات للعقائد النيقاوية لكى ما تحصل على سيادة صيغة الايمان الموضوعة فى ارمينم. وسخطت على امبروسيوس لأنه قاوم بصرامة محاولات ابتداعها، فقدمته لإبنها على أنه قد أهانها. وصدَّق فالنتيانوس([27]) هذا الافتراء وصمم على الانتقام لهذا الخطأ المزعوم ضد أمه، فأرسل مجموعة من الجنود ضد الكنيسة. وعندما وصلوا إلى المعبد شقوا طريقهم إلى الداخل وقبضوا على امبروسيوس، وكانوا على وشك ارساله إلى المنفى فى ذات اللحظة التى احتشد فيها الشعب فى الكنيسة وأبدوا استعدادا للموت عن إخضاع كاهنهم للنفى.
(7/13/3) فحنقت يوستينا بالأكثر من هذه الواقعة، ولكى ما تفرض مشروعها بالقانون استدعت مينيفولس Menivolus احد السكرتاريين الشرعيين وأمرته أن يدوِّن بأسرع ما يمكن مرسوما بالتصديق على مراسيم ارمينم. وإذ كان مينوفيلوس ملتصقا بثبات بالكنيسة الجامعة، رفض أن يكتب المستند، فحاولت الامبراطورة أن ترشيه بالوعود بشرف أعظم.
(7/13/4) ومع ذلك، رفض الامتثال، وخلع مِنطقته([28]) وألقاها تحت قدمىّ يوستينا، وأعلن أنه ليس فقط لن يبقى فى وظيفته الحالية، بل ولن يقبل الترقية مكافأة للكفر. وإذ ظل حازما فى رفضه، عُهِد إلى آخرين بإعداد القانون.
(7/13/5) وبواسطة هذا القانون فإن جميع الذين يتفقون مع التعاليم التى وُضِعت فى ارمينم وصودِق عليها فى القنسطنطينية يجب التمسك بها بجرأة، وورد فيه أيضا الحُكم بالموت كعقاب لكل مَن يعوق أو يعترض على قانون الامبراطور هذا.
(7/13/6) وبينما كانت أم الامبراطور تخطط لإدخال هذا القانون القاسى إلى حيز التنفيذ وصلت أخبار مقتل جراتيان إثر خيانة اندراجاثيوس Andragathiusجنرال مكسيموس. فقد استولى اندراجاثيوس على المركبة الامبراطورية، وأرسل إلى الامبراطور يخبره أن قرينته سافرت نحو المعسكر. وكان جراتيان شابا ومتزوجا حديثا فضلا عن تعلقه العاطفى بزوجته، فأسرع بلا حذر عبر النهر، وفى شغفه للقائها وقع بلا سابق تفكير فى يدى اندراجاثيوس، فقبض عليه، وما هى إلا برهة حتى قتله. وكان فى الرابعة والعشرين من عمره وحَكم خمسة عشر سنة. فأخمدت هذه المصيبة سخط يوستينا على امبروسيوس.
(7/13/7) وفى نفس الوقت حشد مكسيموس جيشا كبيرا من بريطانيا والغال والكلت والأمم الأخرى، وزحف صوب ايطاليا وكانت الحجة التى قدَّمها لهذا الاجراء هى أنه يرغب فى منع ادخال الابتداعات على الصيغة القديمة للديانة، وعلى النظام الكنسى. ولكنه فى الحقيقة كان مدفوعا بالرغبة فى تبديد أية شكوك يمكن أن تُثَار فيما يتعلق بطموحاته بعد الاستبداد. لقد كان يُراقب ويتآمر على الحُكم الامبراطورى على نحو يجعله يبدو أنه قد استولى على الحُكم الرومانى بموجب القانون وليس بالقوة.
(7/13/8) واجبرت ضروريات الزمن فالنتنيانوس على الاعتراف بحُكمه. ولكنه فيما بعد إذ خاف من المعاناة فر هو وأمه يوستينا وبروبس الحاكم البريتورى فى ايطاليا إلى تسالونيكى.
الكتاب السابع: الفصل الرابع عشر
(ميلاد هونوريوس. ثيودوسيوس يترك اركاديوس فى القنسطنطينية ويتجه إلى ايطاليا. خلافة النوفاتيين والبطاركة الآخرين. جرأة الاريوسيين. القضاء على الطاغية)
(7/14/1) وبينما كان ثيودوسيوس يُعِد العدة للحرب ضد مكسيموس، ولُد ابنه هونوريوس Honorius. وعند الانتهاء من هذه التجهيزات الحربية، ترك ابنه اركاديوس للحُكم فى القنسطنطينية، وتوجه إلى تسالونيكى حيث استقبل فالنتنيانوس. ورفض أن يصرف علنا مبعوثى مكسيموس، ولا أن يسمح لهم بمقابلته. ولكنه استمر فى رحلته على رأس كتائبه إلى ايطاليا.
(7/14/2) وفى نحو هذه الفترة إذ شعر آجيلوس اسقف النوفاتيين بالقنسطنطينية، بإقتراب نهايته رشح سيسينوس أحد كهنة كنيسته خلفا له. ومع ذلك تدمدم الناس لأنه لم يفضل ماركيان الذى كان مشهورا لتقواه، لذلك رسمه آجيلوس ووجه الخطاب التالى إلى الشعب المجتمع فى الكنيسة: ستنالون ماركيان اسقفا لكم بعدى، وبعده سيسنوس. وتوفى سريعا بعد أن نطق بهذا الكلام. وقد قاد كنيسته اربعين سنة بإستحسان عظيم من حزبه الهرطوقى، وتأكد البعض أنه خلال فترة الاضطهاد الوثنى، قد اعترف جهرا بإسم المسيح([29]).
(7/14/3) وليس بعد ذلك بوقت طويل، توفى تيموثاوس وكيرلس وخلفهما ثيوفيلس([30]) على كرسى الأسكندرية، ويوحنا على كرسى اورشليم. وبالمثل توفى ديموفيلس زعيم الاريوسيين فى القنسطنطينية وخلفه مارينوس فى تيراقيا، ولكن حل محله دوروثيوس الذى وصل بعد وقت قصير من انطاكية فى سوريا، والذى كانت طائفته تعتبره أفضل لشغل المنصب من مارينوس.
(7/14/4) وعندما دخل فى هذه الاثناء ثيودوسيوس ايطاليا انتشرت تقارير متضاربة عديدة عن نجاح جيوشه. وأشيع بين الاريوسيين أن الشطر الأكبر من جيشه قد تمزق إربا إربا فى المعركة، وأنه هو نفسه قد قبض عليه الطاغية.
(7/14/5) وإذ افترض هؤلاء الطائفيون صحة هذه الأخبار، ركضوا إلى دار نكتاريوس وأحرقوه من شدة سخطهم من السلطة التى حصل عليها نكتاريوس على الكنائس.
(7/14/6) ومع ذلك حقق الامبراطور هدفه من الحرب، إذ أن جنود مكسيموس سواء بدافع الخوف من التجهيزات ضدهم، أو بالخيانة قبضوا على الطاغية وقتلوه. وما كاد اندراجاثيوس قاتل جراتيان يسمع بموت مكسيموس حتى ألقى بنفسه فى النهر مع سلاحه وهلك. وإذ انتهت الحرب بذلك، وتم الانتقام لجراتيان، احتفل ثيودسيوس بصحبة فالنتنيانوس بالانتصار فى روما وأعاد النظام إلى كنائس ايطاليا، إذ كانت يوستينا الأم قد ماتت.
الكتاب السابع: الفصل الخامس عشر
(فلافيان وايفاجريوس اساقفة انطاكية. احداث الأسكندرية عند تدمير معبد ديونيسيوس. معبد سيرابيوم. والمعابد الأخرى الوثنية التى دُمِّرت)
(7/15/1) وفى نحو هذه الفترة توفى بولينوس اسقف انطاكية. فأصر أولئك الذين التأموا معه على مقتهم لفلافيان على الرغم من أن مفاهيمه الدينية كانت مثل مفاهيمهم بالضبط، لأنه نقض القسَم الذى أقسمه سابقا لميليتوس، ومن ثمة انتخبوا ايفاجريوس اسقفا لهم. غير أن ايفاجريوس لم يعش طويلا فى هذا التعيين. وعلى الرغم من أن فلافيان قد منع انتخاب اسقف آخر، فإن أولئك الذين انشقوا عن الشركة معه استمروا فى عقد اجتماعاتهم بمعزل عنه.
(7/15/2) وفى حوالى هذه الفترة حوَّل اسقف الأسكندرية معبد ديونيسوس الذى منحه له الامبراطور بناء على طلبه إلى كنيسة وأزيلت التماثيل وكُشِفت سائر المواد أيا كانت التى كانت مخفية فى الآديتا adyta([31])، وعُرِضت فى موكب عام لكى يُزدرَى بالأسرار الوثنية، وكذلك [كُشِف عن] الفالى phalli([32]) التى كانت فى الحقيقة أو بدت كذلك مثيرة للسخرية.
(7/15/3) وإذ ذُهِل الوثنيون من هذا العرض غير المتوقع، لم يستطيعوا الاحتمال فى صمت فتآمروا معا على مهاجمة المسيحيين. فقتلوا الكثيرين منهم، وجرحوا آخرين واستولوا على السيرابيون([33]) Serapion. ذلك المعبد الرائع لجماله واتساعه والذى كان مشيَّدا على ربوة، وجعلوه قلعة مؤقتة لهم. وحملوا إليه كثيرين من المسيحيين، وعرَّضوهم للتعذيب وأجبروهم على تقديم الذبائح. وأولئك الذين رفضوا الامتثال صلبوهم وكسروا أرجلهم، أو أماتوهم بطرق قاسية.
(7/15/4) وبعد أن ساد الشغب لبعض الوقت، جاء الحُكام وحثوا الشعب على تذكر القانون، وعلى إلقاء أسلحتهم وتسليم السيرابيون. ومع ذلك، ذهبت جهود رومانوس جنرال الفيالق العسكرية فى مصر، وايفاجريوس حاكم الاسكندرية لحمل الشعب على الخضوع، أدراج الرياح. فأخطروا الامبراطور بالأحداث.
(7/15/5) واستعد أولئك الذين اعتصموا بالسيرابيون لمقاومة أكثر، خوفا من العقاب الذى كانوا يتوقعونه بسبب أعمالهم الوقحة. وكانوا أكثر من ذلك مدفوعين للثورة بسبب الخطاب التحريضى لرجل يدعى اوليمبيوس المتدثر برداء الفلاسفة([34])، الذى أخبرهم بأن عليهم أن يموتوا عن أن يهملوا آلهة آبائهم. وإذ أدرك أنهم محبطون بشدة من تدمير تماثيلهم الوثنية. أكَّد لهم أن مثل هذه الظروف لا تبرر هجرهم لدينهم، لأن هذه التماثيل مصنوعة من مواد قابلة للتلف وهى مجرد صُور وبالتالى ستختفى، أما القوى التى فى داخلها فقد طارت إلى السماء. وبهذه التشبيهات استطاع أن يبقيهم، معه فى السيرابيون.
(7/15/6) وعندما أُخطِر الامبراطور بهذه الاحداث، أعلن أن المسيحيين الذين قُتِلوا هم مباركون بقدر ما لهم من شرف الاستشهاد، وما قد عانوه دفاعا عن الايمان. وعرَض عفوا عمن قتلوهم آملا انه من خلال عمل الرأفة هذا يكونون أكثر استعدادا لإعتناق المسيحية. وأمر بهدم المعابد فى الأسكندرية التى كانت سبب الشغب الشعبى.
(7/15/7) ويقال أنه عندما قُرأ هذا الخطاب على العامة صاح المسيحيون بهتافات الفرح لأن الامبراطور وضع مقت ما قد حدث على الوثنيين. وعندما سمع أولئك الذين كانوا يحرسون السيرابيوم هذه الهتافات ارتعدوا، لدرجة أنهم خرجوا طلبا للفرار. واستولى المسيحيون فى الحال على المبنى وظلوا فيه منذ ذلك الحين.
(7/15/8) وقد علمتُ أنه فى الليلة السابقة لهذا الحدث وبينما الابواب مغلقة وكل شىء كما هو، سمع اوليمبيوس واحدا يُنشِد هللويا. وعندما لم يستطع أن يرى أحدا، ولكنه فقط يسمع صوت مرتل، أدرك فى الحال دلالة الإشارة، فغادر خفية السيرابيوم وأبحر إلى ايطاليا.
(7/15/9) ويقال أنه عندما دُمِّر المعبد([35])، عُثِر على بعض الأحجار منقوش عليها علامات هيروغليفية على شكل صليب([36]) التى عندما أُخضِعَت لفحص المتعلمين فُسِّرت على أنها تعنى الحياة الآتية. وقد أدت هذه العلامات إلى اعتناق العديدين من الوثنيين، كما فعلت حروف أخرى وُجِدَت فى نفس المكان، والتى كانت تشمل على نبوات بخراب المعبد. وهكذا أُخِذ السيرابيوم، وبعد ذلك بقليل تحول إلى كنيسة ودُعِيت بإسم الامبراطور اركاديوس.
(7/15/10) وما زال هناك وثنيون كثيرون فى مدن كثيرة يدافعون بحماس عن معابدهم. فعلى سبيل المثال سكان البترا Petræaوايروبوليس Areopolisفى العربية([37])، ورافيا([38]) وغزة فى فلسطين، وهيروبوليس فى فينيقية، وآباميا على نهر اكسيوس فى سوريا.
(7/15/11) وقد علمتُ أن سكان المدينة الأخيرة يسلحون رجال الجليل والفلاحين فى لبنان ليدافعوا عن معابدهم، وأنهم أخيرا صاروا أكثر جرأة إلى حد قتل الاسقف المدعو مارسيللوس. وكان هذا الاسقف قد أمر بهدم المعابد فى المدينة والقرى مفترضا أن ذلك سيجعلهم أكثر سهولة فى الاقلاع عن دينهم السابق. وعندما سمع أن هناك معبدا فسيحا فى اولون وهى منطقة بأباميا توجه إلى هناك بحشد من الجنود والمقاتلين ووقف على مسافة من ساحة المعركة بعيدا عن مرمى السهام لأنه كان يعانى من النقرس، ولم يكن قادرا على الحرب أو المطاردة أو الفرار. وبينما كان الجنود والمحاربون منهمكون فى الإغارة على المعبد، اكتشف بعض الوثنيين أنه بمفرده فأسرعوا إلى المكان الذى كان منعزلا فيه وقبضوا عليه وأحرقوه حيا.
(7/15/12) ولم يكن الجناة معروفين آنذاك ولكن بمرور الوقت عُرِفوا، وعزم أبناء مارسيللوس على الانتقام لموته. ولكن قنصل المقاطعة منعهم من تنفيذ هذا العزم، وصرَّح أنه ليس من العدل أن ينتقم أقارب أو أصدقاء ماريسللوس لموته، فى حين أنه يتعين عليهم تقديم الشكر لله لأنه حسبه أهلا لأن يمت لهذا السبب.
الكتاب السابع: الفصل السادس عشر
(إلغاء وظيفة كاهن فريضة التوبة. اطروحة عن نمط التوبة)
(7/16/1) فى نحو هذه الفترة، ألغى نكتاريوس وظيفة الكاهن الذى كانت مهمته الاشراف على الخاضعين لفترة توبة. وكانت هذه هى المرة الأولى لإلغاء هذه الخدمة من الكنيسة. وهذا المثال اتبعه الاساقفة فى كل اقليم.
(7/16/2) وهناك روايات عديدة قد قيلت عن طبيعة وأصل وسبب الغاء هذه الخدمة. وسأسجل هنا رأيى الخاص فى هذا الموضوع. فالعصمة من الخطأ، خاصية إلهية ولا تخص الطبيعة البشرية، لذلك وضع الله المغفرة للإنسان مهما كانت كثرة خطاياه. ولما كان التضرع من أجل المغفرة يستلزم الاعتراف بالخطية. فربما قد بدا أن الكهنة قد اعتبروا منذ البداية الاعتراف علنا أمام جماعة الشعب كله أمرا مزعجا، لذلك عينوا كاهنا ذا قداسة عالية، ولا ريب فى فطنته للقيام بهذا الأمر. فيذهب إليه التائبون ويعترفون بخطاياهم، وكانت مهمته أن يشير بنوع “الكفارة” اللازم اتخاذه نحو كل خطية([39]) وعندما يتم تقديم الترضية([40]) المطلوبة يُعطِى الحِل.
(7/16/3) ولم تكتسب عادة فعل التوبة أرضية لدى النوفاتيين فكانت إجراءات من هذا النوع لا لزوم لها لديهم. ولكن هذه العادة سادت بين جميع الهراطقة الآخرين، وما زالت سائدة إلى اليوم.
(7/16/4) وهى تُرَاعى بدقة متناهية من قِبل الكنائس الغربية ولا سيما فى روما حيث هناك مكان مخصص لإستقبال التائبين، يقفون فيه نائحين إلى الانتهاء من الخدمات، إذ ليس لهم أن يشتركوا فى السرائر، وهم ينطرحون أرضا بتأوهات وأنات ساجدين على الأرض. وبعد أن يباشر الاسقف الخدمة يذرف الدموع ويسجد معهم بنفس المنوال وينفجر مع الناس بالبكاء ويتأوهون بصوتٍ عالٍ. وبعد ذلك ينهض الأسقف أولا ثم يقيم الآخرين، ويرفع صلاة نيابة عن التائبين، ثم يصرفهم. ويُخضِع كل تائب نفسه على حدة لمعاناة اختيارية إما بصوم أو بالامتناع عن ارتياد الحمامات أو الامتناع عن أنواع اللحوم العديدة، أو بوسائل أخرى محددة إلى إنقضاء المدة المحددة من الاسقف، وعندئذ ينال الحِل على خطاياه، ويعود إلى الاجتماع مع الشعب فى الكنيسة. وقد راعى الكهنة الرومان هذه العادة منذ البداية وإلى الآن.
(7/16/5) وفى كنيسة القنسطنطينية كان هناك دائما كاهن مُعيَّن للإشراف على التائبين، إلى أن تقدمت ذات يوم سيدة نبيلة للكاهن طالبة التوبة، فأشار عليها بالتضرع إلى الله والصوم، وأن تمكث فى الكنيسة لهذا الغرض([41])، فإغتصبها أحد الخدم([42])، مما سبب كدرًا عظيما للشعب من جراء العواقب الوخيمة التى ستلحق بالشعب من جراء هذا الحدث. وتكدر الكهنة بصفة خاصة من هذه الفضيحة.
(7/16/6) وفكَّر نكتاريوس مليا فيما ينبغى اتخاذه، فطرد المُغتصِب، وألغى وظيفة الكاهن المُشرِف على التائبين بناء على مشورة أشخاص معينين، رأوا ضرورة ترك كل فرد يفحص نفسه بذاته قبل أن يتقدم للسرائر المقدسة.
(7/16/7) ولذلك أُهمِلت منذ تلك الفترة وظيفة الكاهن المشرف على التائبين([43]). ويبدو لى أن التراخى قد حل محل الشدة والحزم القديم. ففى ظل النظام القديم حسبما أظن كانت التعديات أقل حدوثا، إذ كان الناس يخشون من ارتكابها بسبب رعب الاعتراف بها، وتعرضهم لحكم قاسى.
(7/16/8) واعتقد أنه لإعتبارات مماثلة، أن أصدر الامبراطور ثيودوسيوس الذى كان غيورا دائما على مجد الكنيسة، قانونا ينص على عدم قبول النساء فى الخدمة الكنسية، ما لم يكن لهن أطفال، وأن يكن فوق الستين وفقا لوصية بولس الرسول. وبهذا القانون أيضا طُرِدت السيدات اللواتى حلقن رؤسهن([44]) من الكنائس، وخُلِع الاساقفة الذين قبلوهن من اسقفياتهم.
ومع ذلك موضوعات مثل عاليه من الأفضل تركها لتقدير كل فردٍ على حدة.
الكتاب السابع: الفصل السابع عشر
(نفى ثيودوسيوس الكبير ليونوميوس، ثيوفرنيوس خليفته. يوتيخس، ودورثيوس وهرطقاتهما. انقسام الاريوسيبن إلى أحزاب مختلفة.)
(7/17/1) وفى هذه الفترة تقريبا حَكم الامبراطور على يونوميوس بالنفى. وكان هذا الهرطوقى قد ثبّت إقامته بإحدى ضواحى القنسطنطينية، وأقام مرارا كنائس([45])، فى بيوت خاصة حيث كان يقرأ كتاباته الخاصة، وأغوى كثيرين على تبنى مفاهيمه([46]) لدرجة أن هؤلاء الطائفيين الذين دُعيوا بإسمه قد صاروا عديدين فى مقاطعة قيصرية.
(7/17/2) واستمر ثيوفرونيوس الذى كان أيضا مواطنا من كبادوكيا وتلميذا له فى نشر تعاليمه. وإذ كان هذا قد حصل على معرفة سطحية بكتابات ارسطو فقد ألف مُقدِّمة فى دراسة القياس المنطقى فيها، وأسماها “تدريبات للعقل” ولكنه انشغل بعد ذلك كما فهمتُ بكثير من المجادلات غير المفيدة، وسرعان ما حصر نفسه فى مفاهيم مُعلِّمه. ولكنه إذ كان شغوفا بالأمور الجديدة، سعى إلى إثبات أنه على الرغم من أن الله يعرف مسبقا ما سيكون وما لا سيكون ويتذكر ما قد حدث إلا أنه لا يملك دائما تلك المعرفة بنفس الطريقة فيما يتعلق بالمستقبل والحاضر، ويغيّر معرفته عن الماضى. وقد [زعم أن ذلك] من نصوص واردة بالكتب المقدسة([47]). ولما بَدَت هذه الاطروحة شديدة السخف لأتباع يونوميوس أنفسهم، حرموه من كنيستهم. فأسس لنفسه شيعة خاصة به دُعِيَت “الثيوفرنيين”، بإسمه.
(7/17/3) ولم يمض وقت طويل حتى أسس يوتيخس أحد انصار يونوميوس شيعة أخرى فى القنسطنطينية وأعطاها اسمه. وذلك بالنسبة للمسألة المطروحة وهى هل الله الابن يعرف الساعة الأخيرة أم لا. ولحلها تم اقتباس كلام الانجيلى الذى يقول فيه أن هذه الساعة وذلك اليوم لا يعرفه إلا الآب فقط([48]). فقد جادل يوتيخس مع ذلك أن معرفة هذه الساعة تخص الإبن أيضا بمقدار ما قد استلم كل شىء من الآب. وإذ أدان رؤساء اليونوميين هذا الرأى، انشق عنهم وذهب لينضم إلى يونوميوس فى منفاه.
(7/17/4) ولكن شماسا وبعض الأفراد الذين قد بُعِثوا من القنسطنطينية ليشتكوا يوتيخوس، وإذا لزم الأمر يجادلونه، قد وصلوا أولا إلى الجهة المقصودة. وعندما استعلم يونوميوس عن سبب رحلتهم، أبدى موافقته على رأى يوتيخس، وعند وصوله صلى معه، على الرغم من أنه كان غير قانونى أن يصلى مع أى أحد يسافر بدون رسائل مكتوبة من الشخصيات المقدسة تؤكد شركته.
(7/17/5) ومات يونوميوس بعد هذه المنازعة بوقت قصير، ورفض رئيس اليونوميون فى القنسطنطينية قبول يوتيخوس فى الشركة، وذلك من باب الغيرة إذ كان لا يحوز حتى على رتبة اكليريكية، ولأنه لم يستطع مجادلته، ولم يكن ممكنا له حل هذه المسألة. ولذلك انفصل يوتيخس هو ومَن شايعوه فى مفهومه إلى هرطقة خاصة بهم. ويؤكد الكثيرون أنه هو وثيوفرونيوس كانا أولاَّ من أعلنا بين الانوميين عن وجهات نظر خاصة بشأن المعمودية الإلهية.
(7/17/6) وما ذُكِر عاليه هو رواية مختصرة لتفاصيل كثيرة على قدر ما استطعتُ، لتُقدِّم معرفة كافية بأسباب انقسام الانوميين إلى أجزاء فيما بينهم.
وسأكون مملا إن أنا حاولت الدخول فى تفاصيل أكثر. وفى الحقيقة ليست لدىَّ المهارة الجدلية لمثل هذا الموضوع بأى حال من الأحوال.
(7/17/7) أما المسألة الثانية التى ثارت بين الاريوسيين فى القنسطنطينية فهى اسبقية وجود الإبن (الذى اعتبروه موجود من العدم) من الآب. فإن دورثيوس الذى اُستُدعِى من انطاكية ليرأسهم بدلا من مارينوس كان من اصحاب الرأى بأن الله ما كان يمكن أن يُدعَى أبا قبل أن يكون هناك ابن، لأن اسم آب يرتبط بالضرورة بإبن. أما مارينوس من ناحية أخرى فقد أصرَّ على أن الآب آب حتى وإن كان الإبن لا يوجد. وأدلى بهذا الرأى سواء عن اقتناع أو عن الرغبة فى الجدل، ومن الغيرة من تفضيل دورثيُوس عنه فى ادارة الكنيسة.
(7/17/8) ولهذا انقسم الاريوسيون إلى حزبين، واستمر دورثيوس وأتباعه يستولون على بيوت الصلاة، بينما شيد مارتيروس وأنصاره مبانى خاصة بهم، عقدوا فيها [اجتماعاتهم]. وأُطلِق على شيعة مارينوس القوط وابساثيريين Psathyrians: “ابساثيريين” لأن ثيوكتستوس- وهو صانع حلوى([49])– كان أحد المناصرين الغيورين لرأيهم. و”قوط” لأن مفاهيمهم شايعها سيلينوس اسقف تلك الأمة. وتقريبا كل هؤلاء البرابرة قد تبعوا سيلينوس واجتمعوا فى الكنائس مع المارينوسيين. وكان القوطيون منجذبين لسيلينوس بصفة خاصة لأنه كان سابقا سكرتيرا لاولفيلاس، وخلفه كأسقف. وكان قادرا على التعليم فى كنائسهم ليس فقط بلهجتهم العامية، ولكن أيضا باللغة اليونانية.
(7/17/9) وبعد فترة وجيزة من هذا النزاع على الاسبقية ثار نزاع بين مارينوس وأغابيوس الذى رسمه مارينوس نفسه اسقفا على الاريوسيين فى افسس. فإنحاز القوط إلى جانب اغابيوس فى هذا النزاع ويُقال ان العديدين من كهنة الاريوسيين فى تلك المدينة قد تضايقوا جدا من هذا الشجار بين الاسقفين فاشتركوا مع الكنيسة الجامعة. وهذا هو أصل انقسام الاريوسيين إلى فصيلين وهو الانقسام الذى ما زال قائما حتى اليوم([50]) حتى أنه فى كل مدينة لهم كنائسهم الخاصة. ومع ذلك فالاريوسيون فى القنسطنطينية بعد انقسام دام خمسة وثلاثين سنة قد تصالحوا مع بعضهم بعضا بواسطة بلينثاس، القنصل السابق وجنرال سلاح الفُرسان والمشاة، وكان رجلا ذا تأثير كبير فى البلاط. وهذا منع بحث المسألة التى كانت سبب الخلافات السابقة والأحداث التى اعقبت ذلك.
الكتاب السابع: الفصل الثامن عشر
(هرطقة أخرى، التى للسبتيين Sabbatians ، الناشئة من النوفاتيين. رواية مفصلة عن الاحتفال بعيد الفصح)
(7/18/1) وفى حوالى نفس الفترة، حدث انقسام بين النوفاتيين بشأن الاحتفال بعيد القيامة. ومن هذه المنازعة برزت [هرطقة] أخرى تدعى السبتيين Sabbatians. فسابتيوس Sabbatius وثيوكِتستوس ومقاريوس الذين كانوا قد رسموا ماركيان كاهنا تبنوا وجهة نظر الكهنة الشركاء الذين ابتدعوها فى بازوكوما Pazoucoma خلال عهد فالنس، وذهبوا إلى أن عيد الفصح (القيامة) ينبغى أن يُحتفل به بين المسيحيين كما بين اليهود.
(7/18/2) وانفصل عن الكنيسة أولا بقصد ممارسة المزيد من التقشف، إذ أنه تبنى نمط حياة صارم جدا. كما أعلن أيضا أن دافعا آخر لإنعزاله، كثرة الاشخاص المشتركين فى السرائر والذين بدوا له أنهم غير مستحقين لهذه الكرامة.
(7/18/3) ومع ذلك، عندما اُكتُشِفت الابتداعات التى يُريد إدخالها، اعتذر ماركيان عن رسامته. ويُقال أنه سُمِع مرارا وهو يتأوه [قائلا] ليته كان قد وضع يده([51]) على شوك وليس على رأس ساباتيوس.
(7/18/4) وإذ علِم أن شعب ايبارشيته قد انقسم إلى فريقين، جمع ماركيان جميع الاساقفة الذين من رأيه فى سانجاروس Sangarus، مدينة فى بثينية بالقرب من شاطىء البحر وليست بعيدة عن مدينة هلينوبوليس. وعندما اجتمعوا هناك استدعوا ساباتيوس وطلبوا منه أن يعرض سبب مظلمته، فاشتكى من التعدد السارى فى مسألة الصوم، فإرتابوا فى هذه الذريعة إذ شعروا أنه يريد أن يخفى رغبته فى الاولوية. وطلبوا منه أن يُقسِم أنه لن يقبل قط وظيفة اسقف. وعندما أقسم، صار الجميع من نفس الرأى، وصوتوا على حيازة الكنيسة معا لأن الإختلاف السائد فى الاحتفال الفصحى ينبغى ألا يكون بأى حال من الأحوال مناسبة لعدم الشركة فيما بينهم. وقررَّوا أن يكون كل فردٍ حرا فى مراعاة الصوم بالطريقة التى يقدرها هو. وسنوا قانونا فى هذا الصدد والذى نعتوه بقانون السيان. هذه كانت أعمال مجمع سانجاروس.
(7/18/5) ومنذ تلك الفترة، يشايع سابتيوس عادة اليهود، وما لم يتصادف أن يراعى الجميع الصوم فى نفس الوقت فإنهم يصومون طبقا للعادة ولكن مقدَّما، ويحتفلون بالفصح حسب المواصفات الخاصة بهم. فهو([52]) يقضى السبت من المساء إلى الوقت المُحدَّد فى السهر وفى رفع الصلوات المحددة، وفى اليوم التالى يجتمع مع الحشد ويتناول من السرائر. وهذا النمط من مراعاة الصوم لم يكن ملحوظا فى البداية من الشعب، ولكن بمرور الوقت بدأ يُلفِت الانتباه، ويصير معروفا على نطاق عام أكثر، فوجد مُقلدِين له كثيرين، وبصفة خاصة فى فريجيا وغلاطية الذين صار [عندهم] هذا النمط من الاحتفال عادة قومية.
(7/18/6) وكانت النتيجة أن انفصل عن الشركة([53]) وصار اسقفا على مَن اتبع مفاهيمه كما سنرى بعد قليل عندما تتاح لنا الفرصة لذلك([54]).
(7/18/7) ومن ناحيتى، أنا مندهش من أن يحاول ساباتيوس واتباعه إدخال هذه البدعة، فالعبرانيون القدماء، كما يروى يوسيبيوس بشهادة فيلو ويوسيفوس وارستوبولس وآخرون عديدون، قد قدَّموا الذبائح بعد الاعتدال الطبيعى عندما كانت الشمس فى أول علامات البروج التى يدعوها اليونانيون Ram وعندما كان القمر فى الربع المقابل من السماء وفى اليوم الرابع عشر منه.
(7/18/8) وحتى النوفاتيون أنفسهم الذين درسوا هذا الموضوع بدقة ما، قد صرَّحوا أن مؤسس هرطقتهم وتلاميذه الأولون لم يتبعوا هذه العادة التى أُدخِلت لأول مرة من قِبل الذين اجتمعوا فى بازوكوما، وأن أعضاء هذه الشيعة فى روما القديمة ما زالوا يراعون نفس عادة الرومان الذين لم يحيدوا عن عادتهم القديمة فى هذا الخصوص، وقد سُلِّمت لهم هذه العادة من الرسولين بطرس وبولس. وعلاوة على ذلك فإن السامريين الذين يراعون شريعة موسى بصرامة لا يحتفلون أبدا بهذا العيد قبل نضج الثمار، ويقولون أنه يُدعَى فى الشريعة عيد الباكورات، وقبل أن تظهر هذه الباكورات لا يجوز شرعيا الاحتفال بهذا العيد ومن ثمة يلزم بالضرورة أن يسبقه الاعتدال الربيعى.
(7/18/9) ومن هنا تنشأ بالتالى دهشتى من أن هؤلاء الذين يتبنون العادة اليهودية فى الاحتفال بهذا العيد لا يتفقون مع الممارسة القديمة لليهود. وبإستثناء الناس المذكورين عاليه، والأربعة عشريين([55])، الذين فى أسيا فإننى اعتقد أن جميع الهرطقات تحتفل بالفصح بنفس أسلوب الاحتفال به لدى الرومان([56]) والمصريين. وقد دُعِى الاربعة عشريين هكذا، لأنهم يراعون هذا العيد مثل اليهود فى اليوم الرابع عشر من [الشهر] القمرى، ومن هنا كان نعتهم هذا.
(7/18/10) والنوفاتيون يراعون يوم القيامة ويتبعون الاربعة عشريين فيما عدا عندما يأتى اليوم الرابع عشر للقمر فى أول أيام الأسبوع، ففى هذه الحالة يحتفلون بهذا العيد بعد اليهود بعدة أيام، بمقدار الأيام الفاصلة بين اليوم الرابع عشر للقمر وبين يوم الرب التالى له. والموناتنيون الذين يُدعون بوبيزيتوس وفريجيين يحتفلون بالفصح طبقا لنظام غريب قد أدخلوه. فهم يلومون أولئك الذين يراعون العيد وفقا لمسار القمر، ويؤكدون أنه من الصواب الارتباط على وجه الحصر بدورة الشمس. وهم يحسبون كل شهر أنه يتكون من ثلاثين يوما، ويعتبرون اليوم الأول بعد الاعتدال الربيعى هو اليوم الأول من السنة الذى هو وفقا لطريقة حساب الرومان سيُدعى اليوم التاسع من ابريل. ويقولون أنه فى هذا اليوم خُلِق النورين العظيمين للإشارة إلى الأزمنة والسنوات. وهم يُبرهنون على ذلك بأن الشمس والقمر يتقابلان معا فى نفس البقعة من السماء كل ثمانى سنوات، وأن دورة القمر ذات الثمانى سنوات تتم فى 99 شهرا وفى 2922 يوما. وفى خلال هذه المدة هناك ثمانى ثورات من قِبل الشمس، كل منها تشمل 365 يوما وربع يوم واحد([57]). لأنهم يحسبون يوم خلق الشمس المذكور فى الكتب المقدسة بأنه اليوم الرابع عشر للقمر الحادث بعد اليوم التاسع قبل calends([58]) شهر ابريل، واليوم الثامن السابق قبل منتصف ([59])ides نفس الشهر. ولهذا يحتفلون دائما بالفصح فى هذا اليوم عندما يقع فى يوم القيامة، وإلا فإنهم يحتفلون به فى يوم الرب التالى، لأنه مكتوب حسب تأكيدهم أن العيد يمكن أن يُعقَد فى أى يوم بين الرابع عشر والواحد وعشرين.
الكتاب السابع: الفصل التاسع عشر
(العادات بين الشعوب والكنائس المختلفة)
(7/19/1) لقد وصفنا الآن العادات المتعددة التى سادت بالنسبة لاحتفالات الفصح. ويبدو لى أن فيكتور اسقف روما وبوليكربوس اسقف سميرنا قد توصلا إلى قرار حكيم جدا بالنسبة للجدل الذى قد نشأ بينهما. لأنه لما رأى أساقفة الغرب أنه ليس من الضرورى الحط من التقليد المسلَّم لهم من بطرس وبولس، وأنه من ناحية أخرى يُصِّر الاساقفة الاسيويون على اتباع القواعد المسلَّمة لهم من يوحنا الانجيلى، وافقوا بالاجماع على الاستمرار فى مراعاة الاحتفال وفقا لعاداتهم الخاصة بدون الانفصال عن شركة بعضهما البعض. فلقد اتفقوا بأمانة وعدل على أن أولئك الذين يتفقون فى جوهريات العبادة، لا ينبغى بتاتا أن يفترقوا عن بعضهما البعض بسبب التقاليد. لأن التقاليد المتماثلة بالضبط فى كل نقطة، يُمكن العثور عليها فى جميع الكنائس، على الرغم من أن لها نفس الآراء([60]).
(7/19/2) فعلى سبيل المثال هناك مدن كثيرة فى سكيثيا ومع ذلك كلها لها اسقف واحد. بينما فى أمم أخرى يخدم الاسقف كقِس حتى على قرية، كما لاحظتُ بنفسى فى العربية([61]) وفى قبرص وبين النوفاتيين والموناتنيين فى فريجيا.
وأيضا هناك الآن سبعة شمامسة فى روما على وجه الحصر إشارة للعدد الذى رسمه الرسل، والذين كان منهم استفانوس أول الشهداء. بينما فى كنائس أخرى يختلف عدد الشمامسة فيها.
وفى روما تُرتَل هللويا([62]) مرة واحدة سنويا، تُدعَى اليوم الأول للإحتفال بالفصح لدرجة أنها عادة عامة لدى الرومان أن يحلفوا بحقيقة سماع أو ترتيل هذه التسبحة. وفى تلك المدينة لا يتعلم الشعب بواسطة الاسقف، ولا بأى واحد فى الكنيسة.
بينما فى الأسكندرية اسقف المدينة وحده هو الذى يُعلِّم الشعب. ويقال أن هذه العادة السارية هناك منذ أيام اريوس الذى أذاع رغم أنه كان قسا تعليمه الجديد. وهناك عادة أخرى غريبة سائدة فى الأسكندرية لم أشاهدها قط ولا سمعتُ عنها فى مكان آخر، وهى أنه عندما يُقرأ الانجيل لا يقوم الاسقف مِن على كرسيه([63])، ورئيس الشمامسة وحده هو الذى يقرأ الانجيل فى هذه المدينة، بينما فى بعض الأماكن يقرأه الشمامسة، وفى كنائس كثيرة [يُقرَأ] من الكهنة، وفى أيام مشهورة يُقرَأ من الاساقفة كما على سبيل المثال فى القنسطنطينية فى اليوم الأول من الاحتفال بعيد القيامة.
وفى بعض الكنائس تشتمل الفترة المدعوة “الصوم الاربعينى”([64]) التى تسبق هذا الاحتفال، والتى تُخصَّص مِن قِبل الشعب للصوم، على ستة أسابيع كما هى الحالة فى ايلليريا والأقاليم الغربية وفى ليبيا وسائر أرجاء مصر وفى فلسطين. بينما تتكون من سبعة أسابيع فى القنسطنطينية والمقاطعات المجاورة فى فينيقية([65]). وفى بعض الكنائس يصوم الشعب ثلاثة أسابيع بديلة خلال الفترة من ستة أو سبع أسابيع بينما فى أخرى يصومون بإستمرار خلال الأسابيع الثلاثة السابقة للإحتفال. وبعض الناس مثل المونتانيين يصومون فقط أسبوعين.
والاجتماعات لا تُعقَد فى نفس الوقت فى جميع الكنائس. فشعب القنسطنطينية وتقريبا فى كل مكان يجتمعون يوم السبت وبالمثل فى اليوم الأول من الاسبوع. وهى عادة لم تراعَ أبدا فى روما أو فى الأسكندرية. فهناك مدن عديدة وقرى فى مصر يجتمع الناس فيها معا، خلافا للعادة، مساء السبوت، وعلى الرغم من أنهم يكونون قد تناولوا الغداء مسبقا، يتناولون من السرائر المقدسة([66]). وبالنسبة للصلوات والمزامير، لا تُتَلى بذاتها، ولا تُقرَأ ذات الفصول فى نفس المناسبات فى جميع الكنائس, فالكِتاب المعنون “برؤيا بطرس” الذى يُعتبَر من السخافات لدى القدماء ما زال يُقرَأ فى بعض كنائس فلسطين فى يوم الاستعداد([67]) عندما يُراعى الناس صوما فى ذكرى آلام المخلص.
(7/19/3) وكذلك العمل المدعو “رؤيا الرسول بولس”، على الرغم من أنه غير معترف به من القدماء ما زال محل تقدير من الرهبان. ويؤكد البعض أن الكِتاب قد وُجِد خلال هذا العهد برؤية إلهية فى صندوق من الرخام مدفون تحت أرضية بيت بولس فى طرسوس فى كيليكية. وقد علمتُ من كيليكس كاهن كنيسة طرسوس وهو رجل متقدم جدا فى العمر كما يدل على ذلك شَعر رأسه أن هذا الخبر زائف فهو يقول أن واقعة مثل هذه غير معروفة قط بينهم([68]) ولا يستبعد أن يكون الهراطقة هم الذين اخترعوا هذه القصة.
(7/19/4) إن ما قلته عن هذا الموضوع لابد وأن يكون كافيا الآن. فهناك عادات كثيرة أخرى ما زالت مرعية فى المدن والقرى، وأولئك الذين قد نشأوا فى مراعاتها لابد وأنهم، من باب احترام العظماء الذين اسسوها وداوموا عليها سيعتبرون أنه من الخطأ إبطالها. ويجب أن تُعزَى دوافع أخرى لأولئك الذين يراعون ممارسات مختلفة فى الاحتفال بالصوم الذى قادنا إلى هذا الاستطراد الطويل.
الكتاب السابع: الفصل العشرون
(امتداد عقائدنا، وإزالة المعابد الوثنية بالكامل. فيضان النيل)
(7/20/1) وبينما كان الهراطقة يتمزقون فيما بينهم كانت الكنيسة الجامعة تزداد أكثر فأكثر بإنضمام الكثيرين من المبتدعين بسبب الشقاق فيما بينهم وبصفة خاصة من حشود الوثنيين.
(7/20/2) وعندما علِم الامبراطور أن ممارسة الوثنية كانت قد نمت بشدة بسبب التسهيلات المستمرة للدخول والخروج إلى ومن المعابد، أمر بغلق جميع المعابد ثم أعقب ذلك إزالة الكثير من هذه المبانى. ولما وجد الوثنيون أنفسهم محرومين من بيوت صلاتهم بدأوا يرتادون كنائسنا لأنهم لم يجرأوا على تقديم الذبائح بالشكل الوثنى سرا إذ كان ذلك أمرا خطيرا لأن الذبائح كانت عقوبتها الموت ومصادرة الممتلكات.
(7/20/3) ويُقال أن النهر فى مصر لم يفِض فى هذه السنة لشواطئه بالقدر المعتاد وأن المصريين قد عَزُوا، بغضب، هذه الحالة إلى حظر الأضاحى له طبقا لعُرف أسلافهم. وإذ خشى حاكِم المقاطعة لئلا يؤدى الاستياء العام إلى شغب أرسل رسالة إلى الامبراطور بهذا الصدد.
ولكن الامبراطور كان أبعد ما يكون عن إعطاء أهمية أكثر للخصوبة المؤقتة الناتجة عن النيل عن الخصوبة التى يُقدمها هو لله ولصالح الدين. فأجاب بالآتى: دع ذلك النهر لا يَفِض إن كان فيضانه يتطلب أضاحى لضمان إنتظام سريانه المعتاد، أو إن كان يتلذذ بها، أو إن كان يُحِب خلط الدماء بمياهه التى تستمد مصدرها من جنة الله. وبعد ذلك بوقت قصير، فاض النيل على ضفتيه بشدة لدرجة أن أعلى الصروح قد غمرتها المياه. وعندما وصلت إلى أبعد حد وبلغت تقريبا أكمل قياس لم تضغط المياه إلى أعلى ولو أقل درجة، لدرجة أن المصريين قد انطرحوا فى خوف مضاد. وكان الفزع فى هذه المرة أن تغرق مدينة الأسكندرية وجزء من ليبيا([69]). وإذ غضب الوثنيون من هذه الواقعة غير المتوقعة هتفوا فى المسارح العامة ساخرين أن النهر مثل رجل عجوز أحمق لا يقدر أن يضبط إجراءاته. ومن ثم تخلى الكثيرون من المصريين عن خرافات أجدادهم واعتنقوا المسيحية. لقد أوردتُ هذه الأحداث كما علمتها منهم.
الكتاب السابع: الفصل الواحد وعشرون
(اكتشاف رأس المُكرَّم السابق لربنا، والأحداث الخاصة بها)
(7/21/1) وفى نفس هذا الوقت تم نقل رأس يوحنا المعمدان التى طَلبتْها هيروديا من هيرودس رئيس الربع، إلى القنسطنطينية. ويُقال أنها قد أُكتُشِفت بواسطة بعض رهبان من هرطقة المقدونيين الذين كانوا يقطنون أصلا فى القنسطنطينية ثم أقاموا فى كيليكية.
(7/21/2) وقد أُخبِر ماردونيس الخصى الأول فى القصر البلاط بهذا الاكتشاف، خلال العهد السابق، فأمر فالنس بنقل الرفات إلى القنسطنطينية، وحملها الضباط المكلفون بنقلها إلى هناك، ووضعوها فى مركبة عامة وتوجهوا بها حتى بانتيخيوم ([70])Pantichium، وهى منطقة فى مقاطعة خلقيدونية. وهنا توقفت فجأة بغال المركبة، ولم تفلح ضربات السياط ولا صراخ السيَّاس فى حملها على التقدم إلى أبعد. فأُعتُبِر هذا الحدث غير العادى من قِبل الجميع، وحتى من قِبل الامبراطور نفسه أنه من الله. ولذلك أُودِعت الرأس المُقدَّسة فى كوزيلاوس Cosilaos، وهى قرية فى الحى الذى ينتمى إلى ماردونيوس.
(7/21/3) وبعد فترة وجيزة توجه الامبراطور ثيودوسيوس([71]) سواء مدفوعا من الله، أو من النبى نفسه إلى القرية، وكان عازما على نقل رفات المعمدان. ويُقال أنه لم يلق معارضة إلا من عذراء قديسة اسمها ماترونا كانت خادمة وحارسة الرفات. فوضع جانبا كل سلطة وقوة، وحصل منها بعد عدة التماسات على موافقة بتردد بنقل الرفات لأنها كانت تتذكر ما حدث عند نقل الرفات فى فترة فالنس. ووضعها الامبراطور بالصندوق الذى كانت مودعة فيه فى ثوبه الارجوانى ونقله إلى موضع يُدعى هبدوموس Hebdomos فى ضواحى القنسطنطينية، حيث شيَّد هيكلا فسيحا ورائعا. أما المرأة التى كانت معيَّنة للإهتمام بالرفات فلم يتمكن الامبراطور من اقناعها بنبذ مفاهيمها الدينية، على الرغم من أنه لجأ إلى الرجاء والوعود، فقد كانت على ما يظهر من أنصار بدعة مقدونيوس.
(7/21/4) وكان هناك كاهن يُدعَى فنسنت وكان هو أيضا مهتم بتابوت النبى ويقوم بالمهام الكهنوتية له، هذا اتبع الآراء الدينية للإمبراطور وإنضم إلى شركة الكنيسة الجامعة. لقد كان قد اقسم، كما يؤكد المقدونيون، على ألا يحيد أبدا عن تعليمهم، ولكنه أعلن بعد ذلك صراحة أنه إذا كان المعمدان قد اتبع الامبراطور فيتعين عليه هو أيضا أن ينضم إلى الشركة معه، وهكذا انفصل [عنهم].
(7/21/5) وكان [هناك] فارسىٌ قد غادر بلده فى صُحبة قريب له يدعى آداس([72]) خلال عهد قنستانتيوس لكى يتجنب الاضطهاد الذى كان يعانيه المسيحيون آنذاك فى بلاد فارس، وعند وصوله إلى الاراضى الرومانية، وُضِع فى مصاف الكهنة ثم رُقِىّ إلى رتبة قس. وتزوَّج آداس وقدَّم خدمة كبيرة للكنيسة، وخلف ابنا اسمه اوكسنتيوس الذى كان مشهورا بتقواه الأمينة وغيرته نحو اصدقائه، واعتدال حياته وحبه للرسائل، وعظمة انجازاته فى الأدبين الوثنى والكنسى. وكان متواضعا وخجولا فى سلوكه على الرغم من ألفته مع الامبراطور وحاشيته، وامتلاكه لمنصب رفيع جدا. وما زالت ذكراه مطوبة جدا لدى الرهبان والرجال الغيورين الذين كانوا جميعا مُلمين به.
(7/21/6) وظلت المرأة التى كانت متعهدة بالرفات بقية حياتها فى كوزيلاوس وكانت تتميز إلى حد كبير بالتقوى والحكمة، وعلًّمت عذارى كثيرات. وأنا متأكد أن كثيرات ما زلن على قيد الحياة يعكسن السمات المُكرَّمة التى قد تمرسوا عليها نتيجة للتهذب على يد ماترونا.
الكتاب السابع: الفصل الثانى والعشرون
(موت فالنتنيانوس الاصغر، الطاغية يوجينيوس. نبوة يوحنا الراهب الطيبى)
(7/22/1) وبينما كان ثيودوسيوس منشغلا هكذا بالإدارة الحكيمة والسلامية لشؤون رعاياه فى الشرق وفى خدمة الله، وصلت الأخبار بأن فالنتنيانوس قد مات مخنوقا. ويقول البعض أنه قد أُعدِم من قِبل خصيان حجرة نومه بتكليف من اربوجاستوس، قائد الجيش وبعض رجال البلاط الذين كانوا مستائين لأن الأمير الشاب قد بدأ السير على خطى والده فيما يتعلق بالحُكم، وخلافا لآراء كان قد وافق عليها معهم. ومع ذلك يؤكد آخرون أنه ارتكب هذا الفعل القاتل بيديه لأنه وجد نفسه معوَّقا بعمل غير مشروع فى إحدى سنواته ومن ثم اعتبر نفسه غير مستحق للحياة لأنه على الرغم من أنه امبراطور، فلم يكن مسموحا له أن يفعل ما يشاء. ويقال أن الصبى كان نبيلا فى شخصه، وممتازا فى أسلوبه الملكى، وأنه لو كان قد عاش إلى سن الرجولة، لكان قد أثبت أنه مستحق للسيطرة على زمام الامبراطورية، ولكان قد فاق أباه فى الشهامة والعدالة، ولكنه على الرغم من أنه قد وُهِب هذه الصفات الواعدة، فقد توفى بالطريقة المروية أعلاه.
(7/22/2) وكان هناك رجل ما، يُدعَى يوجينيوس كان بأى حال من الاحوال مُخلِصا فى إعترافه بالمسيحية. هذا تطلع إلى السلطة واستحوذ على شعار السلطة الامبراطورية وكان يأمل فى الخلافة بطريقة آمنة، وكان منقادا بتكهنات بعض الأفراد الذين يقرأون الطالع عن طريق احشاء وكبد الحيوانات، وبالطبع النجوم. وكان رجال المراتب العليا من الرومان ولوعِين بمثل هذه الخرافات.
(7/22/3) وقد لوحظ أن فلافيان البريتوريان، الرجل المتعلم والذى بدا أنه أهل للسياسة وأنه مُلم بكل وسائل التنبؤ بالمستقبل، قد أقنع يوجينوس على حمل السلاح مؤكدا له أنه مقدرٌ للعرش وأن حربه ستتوج بالنصر، وستبطل المسيحية. وإذ انخدع بهذه الاغراءات، جيَّش جيشا واستولى على بوابات ايطاليا، التى يسميها الرومان، جوليان آلبس Julian Alps، وهى سلسلة جبال وعرة، وكان قد إستولى عليها مسبقا وحصنها، وليس لها سوى ممر واحد ضيق ومغلق على الجانبين بالمنحدرات والجبال الشاهقة.
(7/22/4) وتحيَّر ثيودوسيوس فيما إذا كان يجب عليه انتظار نتيجة الحرب، أم يبدأ أولا بمهاجمة يوجينوس. فعزم على أن يستشير، فى هذه المعضلة، راهبا من طيبة، كان كما رويتُ سابقا، مشهورا بمعرفته للمستقبل([73]).
(7/22/5) ولذلك أرسل يوتربيوس أحد رهبان القصر ومحل ثقته إلى مصر بأوامر لإحضار يوحنا إن أمكن إلى البلاط، ولكن فى حالة رفضه يستعلم منه عما ينبغى عمله. وعندما جاء إلى يوحنا لم يتمكن من اقناع الراهب بالذهاب إلى الامبراطور. ولكنه أرسل كلمة بواسطة يوتروبيوس أن الحرب ستنتهى لصالح ثيودوسيوس، وأن الطاغية سيُقتَل ولكن بعد الانتصار. وأن ثيودوسيوس نفسه سيموت فى ايطاليا. وقد أكدت الاحداث صدق هاتين النبوتين.
الكتاب السابع: الفصل الثالث والعشرون
(ابتزاز الضريبة فى انطاكية، تحطيم تماثيل الامبراطور. بعثة فلافيان رئيس الكهنة)
(7/23/1) فى هذا الوقت وبسبب ضروريات الحرب، بدا للمسؤولين عنها أنه من الأفضل فرض ضرائب أكثر من المعتادة. ولهذا السبب ثار سكان انطاكية فى سوريا وحطموا تماثيل الامبراطور والامبراطورة وجروها بالحبال عبر المدينة.
(7/23/2) وكما هى العادة فى مثل هذه الظروف تلفظت الجموع الغاضبة بكل نعت مهين يمكن أن توحى به العاطفة. فصمم الامبراطور على الانتقام لهذه الاهانة بقتل العديدين من مواطنى انطاكية. وأصيب الناس بالخرس من مجرد سماع الخبر، وكف غضب المواطنين وحل محله الندم، وأسلَموا أنفسهم للدموع والآهات كما لو كانوا قد خضعوا بالفعل للعقوبة التى هُدِدُوا بها وتضرعوا إلى الله، لكى يصرف غضب الامبراطور واستخدموا بعض الترتيل الجنائزية threnodic([74]) فى صلواتهم، وكلفوا فلافيانوس اسقفهم بأن يتوجه إلى ثيودوسيوس.
(7/23/3) ولكنه عند وصوله وجد أن غضب الامبراطور مما قد حدث لا هوادة فيه. فلجأ إلى الحيلة التالية: جعل بعض الشبان المعتادين أن يغنوا للإمبراطور أثناء جلوسه على المائدة أن ينطقوا هذه التسابيح بألحان الانطاكيين. ويُقال أن إنسانية الامبراطور قد تحركت، وغُلِب من الشفقة فى ذات الآن وهدأ غضبه. ولما تحنن قلبه على المدينة سال دمعه فى الكأس الذى كان فى يده. وقد رُوِى أنه فى الليلة السابقة لوقوع الشغب شوهِد شبح فى شكل إمرأة على ارتفاع مذهل وبمظهر مرعب تجوب خلال شوارع المدينة تجلِد الهواء بسوط سىء الصوت شبيه بذلك الذى يُستخَدم فى وخز الحيوانات التى تُستخَدَم فى المسارح العامة. وأُستُدل من ذلك على أن الشغب قد حدث نتيجة لإثارة الشرير ومكر الشيطان. وما من شك فى أن دماء كثيرة كانت ستُراق لو لم يهدأ غضب الامبراطور نتيجة للإستعطاف الكهنوتى([75]).
الكتاب السابع: الفصل الرابع والعشرون
(انتصار ثيودوسيوس على يوجينيوس)
(7/24/1) وعندما أكمل استعدادته للحرب، أعلن ثيودوسيوس إبنه الاصغر هونوريوس امبراطورا وتركه يَحكم القنسطنطينية بالاشتراك مع اركاديوس الذى كان قد تم تعيينه سابقا امبراطورا. ورحل من الشرق إلى الغرب على رأس قواته. وكان جيشه يتكون ليس من الجنود الرومان فقط، ولكن أيضا من جماعات البرابرة من ضفاف نهر ايستر.
(7/24/2) ويُقال أنه عندما غادر القنسطنطينية جاء إلى المَعلَم السابع وذهب للصلاة إلى الله فى الكنيسة التى كان قد شيَّدها تكريما ليوحنا المعمدان، وصلى من أجل أن ينجح الجيش الرومانى بإسمه([76]) وطلب أن يساعده المعمدان بنفسه. وبعد أن رفع هذه الصلاة تقدَّم صوب ايطاليا، وعبر الألب واستولى على أول حامية.
(7/24/3) وعند نزوله من مرتفعات هذه الجبال شاهد سهلا أمامه مغطى بالفُرسان والمشاة، وأدرك فى نفس الوقت أن هناك بعض كتائب العدو كامنة وراءه فى تجاويف الجبال. فهاجمت طليعة جيشه المتقدم المشاة المتمركزين فى السهل. وثارت معركة يائسة ومشكوك فيها. وعلاوة على ذلك عندما حوصر الجيش اعتبر نفسه أنه قد صار فى سلطة الرجال ولا يمكن أن ينجو حتى بواسطة أولئك الذين يرغبون فى ذلك لأن أولئك الذين قد انتشروا فى المؤخرة يستولون على المرتفعات.
(7/24/5) فإنطرح أرضا وصلى بدموع واستجاب الله له سريعا. إذ أرسل ضباط الكتائب الكامنة فى المرتفعات يَعرضُون خدماتهم كحلفاء له شريطة أن يُعيّنهم فى مراكز مُشرِّفة فى جيشه. وإذ لم يكن هناك ورق وحبر فى متناول اليد، أخذ بعض الألواح وكَتَب عليها مُصدِّقا على تعيناتهم شريطة أن يفوا بوعودهم له، وعلى أساس هذه الشروط تقدموا إلى الامبراطور. ولم تمل المسألة إلى أىٍ من الجانبين بل ظلت المعركة متوازنة بالتساوى فى السهل.
(7/24/6) وعندئذ هبت رياح عاتية فى وجه العدو. وكانت من نوع لم نسجله قط من قبل، وبددت صفوف العدو، وارتدت السهام والرماح التى أُطلِقت على الرومان إلى أبدان أولئك الذين رشقوها، كما لو كانت من الصفوف المضادة. وطارت الدروع من أياديهم، وهامت ضدهم القاذورات والغبار. وإذ صاروا هكذا مكشوفين وعُزَّل فى مواجهة جيش الرومان، لقى كثيرون منهم حتفهم، بينما أُسِر القليلون الذين حاولوا الهرب.
(7/24/7) وألقى يوجينيوس بنفسه تحت أقدام الامبراطور وتوسل إليه أن يحفظ حياته. ولكنه بينما كان يتوسل هكذا، ضربه جندى على رأسه. وهرب اربوجاستوس بعد المعركة وسقط بيديه.
(7/24/8) ويقال أنه بينما كانت المعركة دائرة ترآى الشيطان فى هيكل الله الذى فى هبدوموس حيث انشغل الامبراطور بالصلاة عند بدء زحفه، وأهان يوحنا المعمدان ساخرا من رأسه المقطوعة وهو يصيح بالكلام التالى: لقد قهرتنى ووضعت الفخاخ لجيشى. واندهش الاشخاص الذين تصادف وجودهم فى ذلك الموضع، والذين كانوا ينتظرون بفارغ الصبر معرفة الأخبار عن الحرب، وكتبوا رواية ما قد حدث واليوم الذى حدث فيه. وفيما بعد تأكدوا أنه كان نفس يوم المعركة.
هذا هو تاريخ هذه الأحداث.
الكتاب السابع: الفصل الخامس والعشرون
(مذبحة تسالونيكى. جرأة سان امبروسيوس فى حضرة الامبراطور ثيودوسيوس. سيرة هذا القديس البار)
(7/25/1) وعقب موت ثيوجينس ذهب الامبراطور إلى ميلان، وتوجه نحو الكنيسة للصلاة داخل جدرانها. وعندما اقترب من بوابات الصرح، استقبله امبروسيوس، اسقف المدينة الذى أمسكه من ثوبه الارجوانى، وقال له فى حضور الجمهور: قف عندك، فإن رجلا مدنَّسا بالخطية ويداه ملوثتان بدم مسفوك بغير حق، لا يكون مستحقا للدخول بدون توبة. وإذ ذُهِل الامبراطور من جرأة الاسقف([77])، بدأ يفكر فى سلوكه ويسترجع خطواته بندم كبير.
(7/25/2) وكانت مناسبة الخطية ما يلى: عندما كان بوثيريكوس Buthericus قائدا للقوات فى ايلليريا، رآه قائد المركبة فى شكل مزرى فى حانة، فحاول الاحتجاج، فاعتقله وسجنه. وبعد مرور بعض الوقت كان هناك سباق خيل فى تسالونيكى، فطالبت الجماهير الافراج عن السجين معتبرة ذلك شرط للإحتفال بالسباق. وعندما لم يُلتفَت إلى طلبهم، انتفضوا فى شغب، وأخيرا قُتِل بوثيريكوس.
(7/25/3) وعندما سمع الامبراطور بهذا الفعل غضب فى الحال وأمر بإعدام عدد معين من المواطنين. وإمتلأت المدينة بدماء العديدين من المظلومين الذين كانوا قد وصلوا إلى هناك توا اثناء سفرهم إلى اراضى أخرى، فقُتِلوا مع الآخرين.
(7/25/4) وكان هناك الكثير من المعاناة التى تستحق فعلا المواساة، منها على سبيل المثال أن تاجرا قد قدَّم نفسه ليكون بديلا فى القتل عن ابنيه اللذين كانا ضمن المعدودين للقتل، ووعد الجنود بمنحهم كل الذهب الذى معه شريطة وفائهم بهذه المبادلة. فلم يستطيعوا سوى الرثاء لمصيبته وأقنعوه بأنه يمكنهم فقط أخذه بدلا من أحد ابنيه، ولكنهم لا يستطيعون ترك الولدين لأن ذلك سينُقِص العدد المطلوب قتله. وحدق الأب فى إبنيه باكيا متأوها غير قادرٍ على أن ينقذ أيا منهما وظل مترددا إلى أن أُعدِما كلاهما نتيجة لحبه المتساوى لهما. كذلك عِلمتُ أيضا أن عبدا أمينا قد عرض نفسه طواعية للموت بدلا من سيده الذى أُقتِيد إلى موضع الاعدام. ومن الواضح أنه لهذا السبب وغيره من الاعمال القاسية، أن وبخ امبروسيوس الامبراطور ومنعه من دخول الكنيسة وحرَمَه.
(7/25/5) واعترف ثيودوسيوس بخطيته علنا فى الكنيسة، وامتنع عن ارتداء ثوبه الارجوانى خلال فترة التوبة وفقا لعادات النائحين. وسن كذلك قانونا يمنع فيه الضباط من تنفيذ الأوامر الامبراطورية الخاصة بتنفيذ احكام الاعدام قبل ثلاثين يوما من صدور الأمر لكى ما يكون غضب الامبراطور قد هدأ، وتكون هناك فرصة لممارسة الرأفة والندم.
(7/25/6) وما من شك فى أن امبروسيوس قد أنجز أعمالا أخرى جديرة بوظيفته الكهنوتية، والمعروفة على الأرجح لسكان بلده. ومن بين الاعمال الباهرة التى تُنسَب إليه قد أحطتُ بالآتى: كانت العادة السارية أن يجلس الامبراطور على مقعد داخل سياج palisades([78]) المذبح وبذلك يكون بمعزل عن بقية الجمع. فإعتبر امبروسيوس هذه العادة ناشئة من الرغبة إما فى التهذب وإما فى التذلل. فأوجب جلوس الامبراطور خارج تعريشة المذبح المشغولة، لكى ما يجلس فى مواجهة الشعب وخلف الكهنة.
(7/25/7) واستحسن ثيودوسيوس هذا التقليد الأفضل واتبعه بالمثل خلفاؤه. وقد قيل لنا أنه منذ ذلك الحين تُراعَى هذه العادة بدقة.
(7/25/8) وأظن أنه من الضرورى أن أسجل عملا آخر جديرا بالذكر قد أنجزه هذا الاسقف. حدث أن أهان وثنى مشهور جراتيان مؤكدا أنه لا يستحق أباه، فحُكِم عليه بالتالى بالإعدام. وعندما كان مقادا إلى موضع الإعدام، ذهب امبروسيوس إلى القصر يلتمس العفو. وكان جراتيان آنذاك مشغولا بمشاهدة عرض خاص بالصيد كعادة الآباطرة فى الاحتفال بمسراتهم الخاصة وليس لأجل تسلية العامة. وإذ وجد أن هذه هى الحالة، ذهب الاسقف إلى البوابة التى يُدخِلون منها الحيوانات وإختبأ ودخل مع الصيادين([79]) المتعهدين بالحيوانات. وظل يلتمس وقف اجراءات الاعدام إلى أن حصل على موافقة الامبراطور الفورية رغم معارضته هو وحاشيته، وأنقذ الرجل من الموت.
(7/25/9) لقد كان امبروسيوس مجتهدا فى مراعاة قوانين الكنيسة، وفى الحفاظ على التهذب بين الاكليروس. لقد اخترتُ الواقعتين المذكورتين أعلاه من بين الأعمال العديدة الرائعة لكى أظهر بهما الجرأة التى كان يخاطب بها أولئك الذين فى السلطة عندما تكون المسألة هى خدمة الله.
الكتاب السابع: الفصل السادس والعشرون
(القديس دوناتوس اسقف بيرية، و ثيوتيموس الكاهن الاعلى فى سكيثيا)
(7/26/1) وكان هناك فى هذه الفترة فى أنحاء متعددة من الإمبراطورية، اساقفة آخرون مشهورين بدرجة كبيرة بقداستهم ومؤهلاتهم العالية. ومن بين هؤلاء دوناتس اسقف يورويا Eurœa فى ابيروس Epirus يستحق الاشارة إليه على نحو خاص. فسكان هذه البلاد يروُون العديد من المعجزات الخارقة التى انجزها، أبرزها هلاك تنين هائل الحجم كان قد تمركز على الطريق الرئيسى فى مكان يُدعى Chamægephyræ وكان يلتهم الأغنام والماعز والجياد والناس. فجاء دوناتس إلى هذا الوحش وهاجمه بلا سلاح ولا سيف ولا حربة. ورفع رأسه وكان على وشك أن يسحقه، وعندئذ رشم دوناتس علامة الصليب بأصبعه([80]) فى الهواء وبصق على الوحش. ودخل البصاق فى فمه، فنفق فى الحال، وتمدد على الارض ولم يَظهر أقل حجما من ثعابين الهند، وقد علمتُ من أهل البلد أنهم احتاجوا إلى ثمانية أزواج من الثيران لنقله إلى حقل مجاور، حيث أحرقوه هناك حتى لا يؤدى تحلل جسمه إلى فساد الهواء، وتوليد الأمراض.
(7/26/2) وقد أُودِع جثمان هذا الاسقف فى بيت صلاة رائع يحمل اسمه، ويقع بالقرب من ينبوع مياه كثيرة أفاضها الله من الأرض استجابة لصلاته فى موضع قفر لم يكن به ماء من قبل. إذ يقال أنه فى ذات يوم عندما كان مسافرا، واضطر إلى المرور بهذه البقعة، وإذ أدرك أن رفقائه عطشى، حرك الأرض بيديه وصلى، وقبل أن تنتهى صلاته نبع من الأرض ينبوع مياه لم يجف قط منذ ذلك الحين. ويشهد سكان ايسوريا Isoria([81])، وهى قرية فى مقاطعة يوريا Eurœa بصدق هذه الرواية.
(7/26/2) وكانت كنيسة طومى Tomi- وفى الحقيقة جميع كنائس سكيثيا- فى هذه الفترة تحت ادارة ثيوتيموس Theotimusمن سكيثيا، وقد نشأ على ممارسة الفلسفة([82]) وحازت فضائله إعجاب الهون البرابرة الذين كانوا يسكنون على ضفاف ايستر، لدرجة أنهم دعوه إله الرومان لأنهم اختبروا الاعمال التقوية التى أجراها.
(7/26/3) ويُقال أنه بينما كان مسافرا فى ذات يوم نحو بلاد البربر أدرك أن بعضا منهم يزحفون صوب طومى، فانفجر رفقاؤه فى العويل وخارت قواهم فى الحال، لكنه نزل من فوق ظهر الجواد وصلى. وكانت النتيجة أن البرابرة مرَّوا عليهم دون أن يروه هو أو رفقائه أو الجياد التى نزلوا مِن عليها. وإذ كانت هذه القبائل تخرب سكيثيا مرارا بغاراتها الوحشية، حاول أن يقمع وحشية سلوكهم بتقديم الطعام والهبات لهم. فظن أحد البرابرة أنه رجل ثرى، فصمم على أسره. وانحنى على درعه كعادته عندما يثب على أعدائه ورفع الرجل يده اليمنى ليرمى الحبل الذى كان يمسكه بقوة على الاسقف بقصد جره إلى بلده. ولكن يده ظلت ممدوة فى الهواء، ولم يتحرر الرجل من قيوده المرعبة إلى أن توسل رفقاؤه لثيوتيموس للتشفع من أجله لدى الله.
(7/26/4) ويقال أن ثيوتيموس قد احتفظ بشعره الطويل عندما كرَّس نفسه لحياة الفلسفة([83]). وكان معتدلا جدا، ليس لديه أوقات محددة لتناول الوجبات لكنه كان يأكل ويشرب عندما يضطره الجوع والعطش. وإننى لأعتبر جزءً من دور الفيلسوف([84]) هو الاستسلام لهذه المتطلبات عن ضرورة وليس عن الرغبة فى الاشباع الحسى.
الكتاب السابع: الفصل السابع والعشرون
(القديس ابيفانيوس اسقف قبرص. ورواية أعماله الخاصة)
(7/27/1) كان ابيفانيوس فى هذه الفترة على رأس متروبولية كنيسة قبرص. وكان مشهورا ليس فقط للفضائل والاعمال العجيبة التى اظهرها خلال حياته، ولكن أيضا للكرامة التى وهبها الله له بعد وفاته، إذ يُقال أن الشياطين كانت تُطرَد والأمراض تُشفَى عند قبره. وكانت قد أُجرِّيَت أعمالا عجيبة كثيرة أثناء حياته وتُنسَب له، أشهرها ما يلى والتى وصلت إلى عِلمِنا. أنه كان يُنفِق بسخاء على المحتاجين سواء الذين عانوا من تحطم سفنهم أو من أى كارثة أخرى. وبعد أن أنفق كل ميراثه الخاص من أجل راحة ذوى هذه الحالات، استخدم أموال الكنيسة لنفس الغرض. وكانت هذه الاموال تتزايد بكثرة من تبرعات الاتقياء من مختلف المقاطعات الذين كانوا مدفوعين بإعجابهم لإبيفانيوس ويعهدون إليه بتوزيع صدقاتهم خلال حيواتهم أو يوصون بممتلكاتهم له بعد موتهم.
(7/27/2) ويُقال أنه فى إحدى المناسبات، اكتشف أمين الصندوق، وكان رجلا تقيا، أن ايرادات الكنيسة قد أُستُنفِدت تقريبا، ولم يبق سوى القليل فى الصندوق ورأى أن من واجبه أن يوّبخ الاسقف بإعتباره مبذر. ومع ذلك رغم أن ابيفانيوس قد أُعلِم بهذا القصُور، إلاَّ أنه صرف المبلغ القليل الباقى. وإذا بغريب يذهب إلى البيت الصغير الذى يعيش فيه أمين الصندوق ويضع بين يديه حقيبة مملوءة بعملات ذهبية. ولما كان لا المُعطِى ولا المستلِم ظاهرا، فقد بدا الأمر معجزة بالحقيقة. ولما كان هذا الانسان الذى قدَّم هذا المال الوفير غير معروف فقد اعتقد الجميع أنه عمل إلهى.
(7/27/3) وإننى أود أن اذكر أيضا هذه المعجزة المنسوبة إلى ابيفانيوس، فقد سمعتُ أن عملا مماثلا قد رُوِى عن غريغوريوس الذى قد رأس أولا نيوقيصرية. ولا أرى أى سبب للشك فى مصداقية هذه الرواية، ولكنها لا تدحض صحة المعجزة المنسوبة لإبيفانيوس. فبطرس الرسول لم يكن الرجل الوحيد الذى أقام ميتا، فيوحنا الانجيلى أجرى معجزة مماثلة فى افسس، مثلما فعلت بالمثل بنات فيلبس المبشر فى هيرابوليس Hierapolis. وقد أُجرِيت أعمال مماثلة فى عصُور مختلفة بواسطة رجال الله. والمعجزة التى أريد أن ارويها هى الآتى:
(7/27/4) عندما تيقن اثنان من المتسولين أن ابيفانيوس سيمر بهذا الطريق، اتفقا معا على الحصول منه على قدر من التبرع أكبر من المعتاد، وذلك عن طريق الاحتيال. فلما شاهدا اقترابه، أنطرح أحدهما على الأرض متظاهرا بالموت. ووقف الثانى إلى جواره يولول بصوتٍ عالٍ متأسفا غلى فقدان رفيقه، وعلى فقره الذى جعله غير قادرٍ على تدبير قبر له. فصلى ابيفانيوس إلى الله لكى ما يقوم الراحل بسلام، وأعطى الحى مالا كافيا للمقبرة، وقال للباكى اهتم يا ابنى بدفن صاحبك ولا تبكى بعد، فإنه لا يقدر الآن أن يقوم من الموت فهو قدرٌ لا مفر منه، لذلك عليك أن تتحمله بإستسلام. وبعد أن قال هذا الكلام، غادر الاسقف المكان.
(7/27/5) وحالما لم يكن هناك أحد فى الافق، ركل المتسول الذى تحدث مع ابيفانيوس زميله الآخر الذى كان متمددا على الأرض بقدمه وقال له: لقد أديتَ دورك جيدا فقم الآن لأنه بعملك صار لدينا مدد جيد اليوم. ومع ذلك ظل راقدا بنفس الطريقة لا يسمع أى صراخ ولا يرى مَن يحركه بكل قوته. فركض المتسول الآخر خلف الكاهن واعترف له بالحيلة وولول ونتف شعره والتمس من ابيفانيوس استعادة رفيقه. فوعظه ابيفانيوس بقبول المصيبة بصبر، وصرفه([85]).
(7/27/6) إن الله لم يتراجع عما فعله، لأننى أشعر أن قصده هو أن يُظهِر أن أولئك الذين يحتالون على عبيده يُعتبَرون مذنبين بالخداع كما لو كانوا قد احتالوا ضده هو، ذاك الذى يرى ويسمع الجميع.
الكتاب السابع: الفصل الثامن والعشرون
(اكاكيوس اسقف بيرية، زينو، آجاكس. رجال متميزون ومشهورون بالفضيلة)
(7/28/1) وأيضا التفاصيل الآتية هى نتائج التحقق. كان اكاكيوس متميزا بين الاساقفة. وكان يدير سابقا اسقفية بيرية([86]) Berœa بسوريا، وله بالطبع العديد من الاعمال الجديرة بالتسجيل. فلقد نشأ منذ شبابه على الرهبنة الزائدة، وكان صارما فى مراعاة أنظمة هذا النمط من الحياة. وعندما رُقِّى إلى الاسقفية برهن على عظم فضيلته.
(7/28/2) ومن ذلك أنه جعل دار الاسقفية مفتوحة طوال ساعات اليوم حتى يتسنى دائما للمواطنين والغرباء زيارته، وحتى أثناء وجباته أو فى وقت راحته. وهذا المسلك، فى رأيى، جدير بالإعجاب للغاية([87])، لأنه إما أنه كان يعيش بمثل هذه الطريقة دائما كشخص متأكد من نفسه، أو أنه ابتكر ذلك كوسيلة للإستعداد ضد الشر الذى فى طبيعة المرء لكى بتوقعه للقبض عليه من قِبل اشخاص يدخلون فجأة، يكون من الضرورى بالنسبة له أن يكون بإستمرار على أهبة الاستعداد دون أن يُخطىء فى واجباته، ولكن بالأحرى ينشغل بالأعمال المعهودة إليه.
(7/28/3) وكان زينو([88]) وأجاكس، أخوان شهيران إزدهرا فى حوالى نفس الفترة. لقد كرسا نفسيهما لحياة الفلسفة([89]) ولكنهما لم يمكثا فى الصحراء كنساك. ولكن [مكثا] فى غزة وهى مدينة بحرية وكانت تُدعَى أيضا مايوما. وكلاهما دافع عن حقيقة دينهما بأمانة أعظم واعترفا بالله بشجاعة لدرجة أنهما كثيرا ما تعرضا لمعاملة قاسية للغاية من قِبل الوثنيين.
(7/22/5) ويقال أن آجاكس قد تزوج إمرأة جميلة جدا، وبعدما أنجب منها ثلاثة ابناء، توقف عن معاشرتها، وتبنى التدريبات الرهبانية. وربى إثنين من أبنائه على الحياة المقدسة والبتولية وسمح للثالث بالزواج. وقد أدار كنيسة بوتوليوم Botolium بلياقة وتميز. أما زينو فقد تخلى منذ شبابه عن العالَم والزواج وثابر على الالتزام بخدمة الله. ويُقال، وأنا نفسى شاهد على حقيقة هذا التيقن، أنه عندما كان هو اسقفا على كنيسة مايوما ما كان يتغيب قط عن تسبحة باكر أو المساء([90])، أو أية عبادة أخرى ما لم يكن مصابا بداءٍ ما، رغم أنه كان فى هذه الفترة شيخا يبلغ من العمر مائة سنة تقريبا. وداوم على نهجه فى الحياة بالفلسفة الرهبانية ولكن من خلال مهنته فى نسج الكتان ليتحصل على حاجاته الخاصة، ويزود الآخرين. ولم يحد قط عن مسلكه إلى نهاية حياته، على الرغم من أنه قد فاق جميع الكهنة الآخرين فى هذه المقاطعة فى العمر، وعلى الرغم من أنه كان يرأس الناس والممتلكات لأكبر كنيسة.
(7/28/5) لقد ذكرتُ هذه كأمثلة لأولئك الذين خدموا ككهنة فى هذه الفترة. إن مهمة تعداد جميعهم جيدة فالله قد شهد لحياتهم عن طريق الاستجابة بسهولة لصلواتهم وعمل الكثير من المعجزات.
الكتاب السابع: الفصل التاسع وعشرون
(اكتشاف رفات النبى حبقوق وميخا. وفاة الإمبراطور ثيودوسيوس الكبير)
(7/29/1) وعندما كانت الكنيسة فى كل مكان تحت اشراف هؤلاء الرجال البارزين، تحمس الكهنة والشعب فى محاكاة فضائلهم وغيرتهم. ولم تتميز كنيسة هذا العصر بأمثلة هؤلاء الأتقياء المشهورين فحسب، بل برزت إلى النور بعد قليل من الوقت فى حوالى نفس الفترة، رفات النبييَن حبقوق وميخا.
(7/29/2) وحسبما فهمتُ أظهر الله المكان الذى أُودِعت فيه هذه الاجساد بواسطة رؤيا إلهية([91]) فى حلم لزيبينوس Zebennus الذى كان يسلك آنذاك كأسقف([92]) لكنيسة اليوثربوليس([93]) Eleutheropolis. فقد وُجِدت رفات حبقوق فى سيلا Cela وهى مدينة كانت تُدعَى قبلا سييلا ([94]) Ceila.
أما قبر ميخا فقد أُكتُشِف على مسافة نحو عشرة استاديات من سيلا Cela، فى مكان يُدعَى بيراساستيا Berathsatia. وهذه المقبرة كانت تُدعَى بجهل من قِبل سكان البلد بمقبرة “الآمين”، أو بحسب لغتهم المحلية Nephsameemana .
هذه الأحداث التى وقعت خلال عهد ثيودوسيوس كافية لحسن صيت الديانة المسيحية.
(7/29/3) وبعد التغلب على يوجينس بقى الإمبراطور ثيودوسيوس لبعض الوقت فى ميلان، وهناك داهمه مرض خطير. وتذكَّر نبوة يوحنا الراهب، وحدَّس أن مرضه للموت. فاستدعى بسرعة ابنه هونوريوس من القنسطنطينية.
وعند رؤيته إياه بدا أنه أفضل لدرجة أنه كان قادرا على حضور الألعاب الرياضية فى ميدان سباق الخيل. ومع ذلك بعد العشاء، ساءت حالته فأرسل إلى ابنه ليرأس المشهد، وتوفى فى الليلة التالية. وقد حدث ذلك خلال قنصلية الأخوين أوليبريوس وبروبيانوس.
[1] – Alemanni the
[2] – like Him in substance
[3] – ويُكتَب أيضا بأشكال عديدة : جريجورى، غريغورى، جريجوريوس. أنظر سيرته، للمعرب، نشر اسقفية الشباب.
[4] – وهو الامبراطور ثيودوسيوس الأول أو الكبير، والذى حكم من حوالى 347م- 395م. ومن ثم هذا الكتاب السابع يغطى فى الواقع أحداث هذه الفترة الزمنية.
[5] – من البديهى لثيودوسيوس كشخص رومانى عندما يستشهد بالرسل، يستشهد بكاروز دياره أولا، مثلما نقول نحن فى مصر مار مرقس كاروز الديار المصرية. ومن ثم استشهاده هنا “بمار بطرس مقدِّم الرسل” يعكس لنا الفكر الذى ساد الغرب اللاتينى من جهة كاروز روما وكيف أنهم تجاهلوا كرازة بولس كاروز الأمم.
[6] – أى فى وقت كتابة سوزمينوس لتاريخه هذا، فى حوالى 443- 448م كما قلنا.
[7] – أُطلِق هذا الإسم عليها فيما بعد، ويُقدِّم سوزمينوس هنا الآراء التى قيلت عن سبب ذلك.
[8] – انظر مت 23:10. ولاحظ هنا الميل البشرى العام لتأويل النص إلى صالح قارئه ووفقا لرؤيته هو وتأويله هو. فعندما كان فالنس ابو الاريوسية ونصيرها يستخدم كل أدوات الدولة السياسية والتشريعية والتنفيذية والعسكرية والشُرطية ضد الأرثوذكس لم يكن ذلك “إضطهادا” ولا “إرهابا” بل كان عقابا شرعيا وقانونيا للكفرة الخارجين على “شرع الله”!! و”شرعية الدولة”!! وعلى “القانون”!! لأنه من الضرورى أن “تكون الرعية كلها على دين الحاكم”!!. لأن دين الحاكم هو بالضرورة لابد أن يكون “الدين الحق” الوحيد!!. لكن عندما يُطبق ثيودوسيوس على الأريوسيين نفس منطقهم يكون ذلك “اضطهادا” وضد “الشرعية والشرع” !!. وهكذا يُعلِّمنا التاريخ أن ما كان هكذا يكون فى كل زمان ومكان مهما تغير الدين والمذهب واشخاص الحكام وأجناس الرعية، لأن البشر هم بشر. وسيظل تفسير نصوص الدين، أى دين كان، مطية لأهواء الناس بصفة عامة والسلطة الحاكمة بصفة خاصة.
[9] – أو أونوميوس، حسب لفظ البعض.
[10] – لاحظ هنا الداعى والآمر بعقد هذا المجمع، وهو المجمع المسكونى الثانى المعترف به من الكنائس الخلقيدونية وغير الخلقيدونية.
[11]– هو البابا الاسكندرى تيموثاوس، الثانى والعشرون فى عداد بطاركة الأسكندرية. والذى خلف بالفعل البابا بطرس، الواحد والعشرين فى العدد.
[12] – وهذا هو ثبات عدد اعضاء المجمع المسكونى الثانى، المنعقد فى القسطنطينية اساسا من أجل عقيدة الروح القدس، بمائة وخمسين، كما نردد فى القداس الإلهى “والمائة وخمسين بالقسطنطينية”.
[13] – يقصد غريغوريوس اللاهوتى أو النزينزى.
[14] – نفس الإسم يُكتَب أيضا تيودورس، وتوادروس. ثم صُحِّف إلى تاوضروس ثم إلى تادرس.
[15] – يوضح لنا آميدون أن لقب الكهنة فى الكتابات الأولى لم يكن يعنى “رتبة القسوس” فقط ولكنه كان يشمل الاساقفة أيضا، أنظر المقدمة لترجمته لعمل روفينوس، “ت. ك.”.
[16] – واضح أن سوزمينوس من فئة المؤرخين الذين يعتبرون أن التاريخ، كما سبق أن قلتُ، فى يد الله وأن ما يجرى، يجرى إما بإرادته أو بسماح منه لغاية يدركها هو وحده كصالح ومحب للبشر.
[17] – واضح من هذه الاشارة التاريخية، أن العماد كان له ثياب خاصة.
[18] – أى مجمع القسطنطينية الأول المنعقد فى حوالى381م. وهو أحد المجامع المسكونية الثلاث المعترف بها من الكنائس غير الخلقيدونية.
[19] – واضح هنا بجلاء أن أساس ترتيب أولوية الكراسى الكنسية، كان على الصعيد التاريخى البحت، سياسيا بحتا لا علاقة له من قريب أو من بعيد بالرسول الذى ينتمى إليه هذا الكرسى أو ذلك. فهو يقول بوصفه اسقف (روما)، أى العاصمة السياسية القديمة للإمبراطورية الرومانية، وبوصفه يشغل كرسى (روما الجديدة) أى مقر امبراطور الشرق. كل ذلك يسبق محاولات التنظير الكنسى التى جرت فى مرحلة لاحقة من أساقفة روما وخاصة منذ مجمع خلقيدون. وفى تصورى لو أردنا أن نتكلم عن ترتيب كنسى للأولوية أن تأتى اورشليم أولا ليس لأن رسولها يعقوب أخو الرب، ولكن لأنها تباركت بحياة رب المجد بالجسد.
[20] – شكرا للسيد سوزمينوس، الذى قدَّم حيثيات الحُكم بأسباب وضع القنسطنطينية فى المرتبة التالية مباشرة لروما القديمة. فواضح بجلاء شديد أن جميعها مقومات الدولة السياسية الكاملة السيادة المستقلة التى لها حاكم وسلطة تشريعية وسلطة تنفيذية. أى مقومات لا علاقة لها بتاتا بالوضع الكرازى. واستنادا على ذلك وبناء عليه عندما أصبحت “مقاطعات” الامبراطورية “دولا مستقلة” ذات سيادة كاملة وسلطات ثلاث كاملة وتمثيل دبلوماسى معترف به دوليا. لا مجال بتاتا “لرئيس رسل” ولا “لرسول” ولا لأغلبية عددية للتابعين. وإنما مساواة كاملة، كما نلاحظ فى التعامل الدولى.
[21] – أى كما قلنا مع الاساقفة الآخرين.
[22] – واضح هنا أن سوزمينوس قد اغفل الشأن العقائدى فى مجمع القنسطنطينية وهو مسألة ألوهية الروح القدس والتى من أجلها انعقد المجمع اساسا.
[23] – يستخدم سوزمينوس هذه الكلمة فى بعض المواضع بمعنى الاجتماع الكنسى، وليس المبنى.
[24] – نُذكّر أن “العربية” ليست شبه الجزيرة العربية المعروفة الآن، ولكنها مناطق الشمال الغربى لها، أى مناطق الأردن الآن، وما يُعرف بالنَقَب داخل حدود اسرائيل السياسية الآن، وقطاع غزة، وشمال سيناء المصرية الآن.
[25] – المقصود بفلسطين هنا، على الصعيد التاريخى، الكيان الإسرائيلى الحالى وقطاع “الضفة الغربية”، وقطاع غزة.
[26]– كان جنرالا رومانيا، وقد توفى فى حوالى سنة 383م أو فى سنة 388م فى رأى آخر. وقد شغل القنصلية مرتين الأولى سنة 377م مع جراتيان، والثانية 383م مع ساتورنينوس. وكانت هذه علامة على شرف عظيم. وبالتالى عندما يقول سوزمينوس وفى السنة الأولى لساتورنينوس فهو يشير الى القنصلية الثانية لميروبودس أى سنة 383م. أما عن ساتورنينوس فهذا كان الشخص الذى كلفه ثيودوسيوس الكبير بعقد المعاهدة مع القوط. وكانت القنصلية أعلى المناصب المتميزة فى الجمهورية الرومانية التالية للأمبراطور. وهى بمثابة رئيس الحكومة أو رئيس السلطة التنفيذية فى الدولة. وكان يوجد قنصلان فى كل سنة لحكم الامبراطورية ومن هنا نفهم اشارة سوزمينوس عاليه إليهما معا. وكان من ضمن حقوق كل منهما حق الفيتو أى حق الاعتراض على إقرار أى تشريع مقترح.
[27] – الصغير
[28] – كانت المِنطقة(أى الحِزام) تعبر آنذاك عن رتبة ووظيفة الشخص. أنظر تعريبنا لروفينوس، “ت. ك.” 16:11. ويرد هذا الإسم هناك بالشكل بِنفولس Benvolus.
[29] – أى خلال فترة يوليانوس الجاحد.
[30] – بابا الاسكندرية، الثالث والعشرون فى العدد.
[31] – كلمة لاتينية عن الكلمة اليونانية aduton وهى تعنى المكان الأكثر قدسية فى المعابد الوثنية، المحظور على غير سدنة المعبد دخوله. أى ما يمكن أن نطلق عليه “المقدَس”.
[32] – الفالى phalli، هو تمثال لعضو التذكير كان يوجد فى الأماكن السرية فى المعابد الوثنية حيث كانت (عبادة الفالوس) منتشرة فى سائر العبادات الوثنية، فى معظم أرجاء العالم، وكان يُشير إلى إله الخصوبة.
[33] – يقصد السيرابيوم.
[34] – هنا الفلاسفة الوثنيين.
[35] – كان ذلك فى عهد فيلوثيئوس سنة 391م.
[36] – هذه العلامات هى الشكل الهيروغليفى المعروف بإسم مفتاح الحياة، والذى اتخذه المصريون المسيحيون بعد ذلك رمزا لهم.
[37] – يُساعدنا سوزمينوس هنا بهذه العبارة “فى العربية” على التأكد من المقصود بكلمة “العربية” جغرافيا آنذاك. فمن المعروف والثابت أن البتراء هى مَنطقة جنوب دولة الأردن الحالية، أما ايروبوليس (أو هيروبوليس) فهو الإسم اليونانى للمدينة المعروفة بإسم “ربة موآب” فى أسفار “العهد القديم”، وهى مدينة الربَّة الآن بدولة الأردن الحالية. وكلمة “ربة” تعنى عاصمة باللغة العبرانية. إذن يمكننى أن أرجح على صعيد الجغرافيا التاريخية، أن “العربية” الكتابية وفى كتابات المؤرخين الأوائل كانت تتمثل فيما يُعرَف حاليا بالأردن وجنوب فلسطين وجنوب إسرائيل.
[38] – نلاحظ هنا أنه استبعد “رافيا” التى هى رفح حاليا، من العربية وضمها مع غزة إلى فلسطين. وبالفعل غزة كانت ومازالت فى القطاع الفلسطينى، أما رفح فهى على الحدود الفلسطينية المصرية مباشرة.
[39] – يمكننا أن نستدل من ذلك على أنه كان هناك على الأقل من هذا العصر، “أب اعتراف” وكان “الاعتراف سرا لا جهرا” وكان هناك شكل على نحو ما لأوشية التحليل، قبل الاقتراب من المائدة المقدسة.
[40] – أنظر المحاورة العشرين لكاسيان.
[41]– بالطبع ليس داخل الكنيسة ذاتها ولكن داخل إحدى المبانى الملحقة بها على غرار المضايف التى نقرأ عنها.
[42]– كما فعل فى القديم ابناء عالى الكاهن. ولذلك لا تعرف الكنيسة القبطية، نظام تواجد أديرة نساء بجوار اديرة رجال. انظر التاريخ الرهبانى..، للمعرب
[43]– كان ذلك فى القنسطنطينية. أما فى كنيسة روما فكما ذكر سوزمينوس ظلت قائمة. وفى كنيسة الأسكندرية توجد هذه الخدمة بإسم “سر الاعتراف” دون تخصيص كاهن معين، أو مكان معين، وتتم “سرا” وليس علنا. ويختار كل شخص “الأب” الذى يريده. وغير مسموح لأحد وخاصة النساء بالمبيت داخل الكنيسة.
[44] – أظن أن هذا التعبير لدى سوزمينوس، إشارة الى النساء “المسترجلات” بتعبيرنا اليوم.
[45] – هنا بمعنى اجتماعات كنسية، كما سبق أن أشرت عاليه.
[46] – نفس منهج الطوائف المختلفة الآن، عندما تترد على بيوت العامة بزعم “دراسة الانجيل”، وكلنا مسيحيون!!!.
[47] – أى أنه زعم أن آرائه هذه تعتمد على نصوص الكتاب المقدس، شأنه فى ذلك شأن جميع الهراطقة حتى الآن وهو إسناد ما يريدون إلى الكتاب المقدس من خلال التفسير الخاطىء لآياته، ومن خلال الاعتماد على آية واحدة أو عبارة واحدة!!.
[48] – مت 36:24.
[49] – “ابساثيريان” من الكلمة اليونانية ψαθυροπώλης أى صانع حلوى. ومنها حملوا هذا اللقب.
[50] – أى إلى أيام كتابة سوزمينوس “لتاريخه” هذا.
[51] – نلاحظ هنا السيامة بوضع اليد.
[52] – اى ساباتيوس.
[53] – مع النوفاتيين وماركيان.
[54] – واضح أن هذه الشيعة المسيحية اسما واليهودية قالبا، هى التى عُرِفت فى المناطق العربية بإسم السبتيين، وظنوا أنها نسبة إلى يوم السبت، بينما كما نرى هنا منسوبة إلى اسم صاحبها والذى يردد اسم السبت ايضا.
[55] – Quartodecimani أحدى الشيع، والمنسوبة إلى اليوم الرابع عشر.
[56] – فى ايطاليا.
[57] – من ناحيتى، اترك التعليق على هذه النقطة الفلكية لذوى الاختصاص فى هذا الموضوع، حيث لا أدعى معرفة ما بها، وليست محل اهتماماتى. المعرب. ولكن يمكن الرجوع لمن يُريد التوسع إلى اسهامات الدكتور رشدى بهنام عن هذا الموضوع، وأيضا إلى مقالة ؟؟؟؟
[58] – هذه كلمة لاتينية الأصل تعنى الأيام الأولى من كل شهر فى التقويم الرومانى، ويقصدون بها عادة الفاتح من الشهر القمرى.
[59] – ides تشير فى القواميس الى منتصف الشهر فى التقويم الرومانى.
[60] – هكذا وردت الجملة الأخيرة فى النص الإنجليزى. وبلا شك هناك تشوش واضح فى سياقها، ولا أدرى هل السبب من المترجم أم من التنزيل الآلى، لأن المفروض هنا استطرادًا للجملة السابقة أن تكون كما يلى ” لأن التقاليد المتماثلة بالضبط …، لا يُمكن العثور…”
[61] – إسهامة أخرى من سوزمينوس تساعدنا على فهم المقصود جغرافيا بكلمة “العربية” فى الكتابات القديمة، فسوزمينوس كان من غزة وبالتالى من السهل عليه أن يعرف وأن يرى ما يدور فى المدن المجاورة له.
[62] – هذه اشارة جيدة تستحق الدراسة، فمن الجملة التالية نعلم أنها تسبحة عنوانها هكذا، فما هى يا ترى هذه التسبحة التى كانت تُنشَد فى الكنيسة الرومانية مرة واحدة سنويا فى اليوم الأول للإحتفال بالفصح؟.
[63] – أرى أن هذه الملاحظة كانت سماعية، وبكل تأكيد من أحد الأريوسيين كنوع من التشهير بالأسقف الأسكندري وبكنيسة الأسكندرية. ذلك أن الطقس القبطى هو أن الاسقف أو البابا متى كان حاضرا بشخصه هو الذى يقرأ انجيل القداس الإلهى، فكيف يقرأه وهو جالس، فى الوقت الذى يصرخ فيه الشماس منبها الشعب قائلا “قفوا بخوف ورعدة من الله لسماع الانجيل المقدس من فم ابينا الطوباوى …..”. وقد ورد فى سيرة البابا اثناسيوس الرسولى، طبعة البولاندست، أن البابا اثناسيوس “لم يقرأ قط فى حياته الإنجيل وهو جالسُ”. أنظر: ص 47، البابا اثناسيوس للمسكين، مرجع سابق الذكر.
[64] – Quadragesima .
[65]– كان ذلك موضوع المحاورة 21 لكاسيان. أنظر “المحاورات”، ترجمة المعرب، تحت الطبع.
[66] – ومن محاورات كاسيان نعلم أن الرهبان فى مصر فى القرن الرابع ذاته، كانوا يجتمعون أسبوعيا يومى السبت والأحد ويتناولون السرائر المقدسة يوم الأحد صباحا. ولكن ربما تكون ملاحظة سوزمينوس هذه عن المدن.
[67] – لعله يوم البرامون عندنا الآن.
[68] – واضح أن الجرى وراء الغيبيات وإسباغها على كل شىء هو تراث شرقى يسرى فى كل بلاد الشرق أيا كانت الأجناس والمذاهب والأديان. ويا له من إرث.
[69]– كانت المناطق غرب الاسكندرية تسمى دائما ليبيا بإعتبار أن الصحراء الغربية لمصر كانت تسمى قديما صحراء ليبيا، أى الفاصلة بين مصر وليبيا, وبذلك ليس المقصود بغرق ليبيا هنا، بلد ليبيا المعروفُ حاليا فى الجغرافيا السياسية، ولكن منطقة غرب مدينة الاسكندرية. ولنا هنا اشارة تاريخية هامة وهى أنه فى زمن ثيودسيوس الكبير كان هناك فرع من فروع النيل يصل إلى الأسكندرية ولعله هو الفرع المعروف بالكانوبى.
[70] – أو بانتيكيوم حسب لفظ البعض.
[71] – الامبراطور ثيودوسيوس الكبير.
[72] – ويرد ايضا على بعض مواقع البحث، بالشكل عداس.
[73] – سوزمينوس يستقى معلوماته هنا من بالاديوس وكاسيان، انظر التاريخ الرهبانى، للمعرب.
[74] – كلمة يونانية تعنى قصيدة أو خطبة أو نشيد خاص بالرثاء وبصفة خاصة للموتى. أى أناشيد الجنازات.
[75] – يقصد نتيجة لتدخل الاسقف.
[76] – أى بإسم المعمدان.
[77] – أريد ان اسجل هنا ملاحظة على تعبير سوزمينوس هنا، وعلى سلوك الامبراطور من ناحية أخرى. وهى، هل كان من الممكن لأمبروسيوس أن يسلك نفس الموقف مع يوليانوس أو فالنس؟. جائز، ولكن هل كنا سنحصل على نفس النتيجة؟. بكل تأكيد، بل وعلى نحو مطلق، كلا بتاتا. فها هى يوستينا أم فالنتنيانوس الصغير مثال لذلك. إذن لا يتعين أن نمدح امبروسيوس هنا، إلا على عدم نفاقه للسلطة، وعدم أخذه بالوجوه. الأمر الذى نجده، فى الحقيقة، على المستوى العادى لدى بعض الكهنة حيث يراعون المستوى الطبقى والمالى عند معالجتهم للأمور فيكون الأدنى طبقيا أو رتبة أو مرتبة هو المُخطِىء والملوم دائما، ويُسرِعون بتلمس الاعذار لذوى الرتبة الأعلى، مع عِلمهم فى دواخلهم بأن الأدنى مرتبة مظلوم وصاحب حق. فى هذه الناحية كان امبروسيوس قديسا لأنه لم يأخذ بالوجوه، ولم يُجمِّل سلوكا خاطئا للحاكِم حتى لو كان صاحب أفضال على الكنيسة الجامعة. ولكن ثيودوسيوس الكبير أيضا، فى نظرى هنا، يستحق مديحا كبيرا، وإشادة عظيمة لأن السلطة لم تطغيه، ولم تُنسيه ضعف الطبيعة البشرية، ولأنه كان على المستوى الانسانى يهتم بخلاص نفسه، فلم يتظاهر بالحزم السلطوى ولا بهيبة الحاكِم، لإخفاء زلاته كبشرى، ولكنه كإنسان يهتم بأبديته انحنى أمام المدبِّر الروحى انحناء داود الملك أمام ناثان النبى، وكأن لسان حاله يقول “أخطأت إلى السماء وقدامك”. وقَبِل باتضاعٍ العقاب الروحى من أجل خلاصه، ليس كقصاص ولكن كدواء شافى. فقدَّم نموذجا لا نجده فيمن قبله، عدا فالنتنيان الكبير الذى كان الاتضاع متجسدا فيه، ولا فى الأباطرة من بعده. ومن هنا أرى أن هذه الواقعة كانت لإظهار عظمة هذا الحاكِم الباطنية أكثر من جودة تدبير القديس امبروسيوس.
[78] – ما نطلق عليه كردون. وهو عادة حاجز منخفض من شرائط خشبية مشغولة، إما مصمتة وإما على شكل شبكة. وتوجد حاليا فى بعض الهياكل ببعض الكنائس، وهى بالطبع خلاف القبة الخشبية التى توجد فوق المذابح بالكنائس الأثرية، والتى تُعرَف يإسم “الظُلَّة” وكان يتدلى منها ستائر معينة. أنظر عن ذلك الباب الثانى من “كنائس وأديرة حارة زويلة”، رسالة دكتوراة للمعرب.
[79] – هل يمكننى أن استنتج من هذه الاشارة أن الاساقفة، أو الكهنة كانوا آنذاك ليس لهم زى مميز عن رداء العامة.
[80] – أيضا نلاحظ هنا اشارة تاريخية لرسم علامة الصليب بالأصبع.
[81] – لفظها البعض أيضا، ايشوريا، وهى خلاف مملكة الأشوريين كما نوهنا سابقا.
[82] – هنا يقصد الرهبنة.
[83] – هنا حياة الرهبنة.
[84] – هنا يقصد الراهب.
[85] – أنظر مثل هذه المعجزة بالضبط، فى سيرة الأنبا ابرآم اسقف الفيوم والجيزة فى القرن التاسع عشر الميلادى.
[86] – هى مدينة حلب الآن بسوريا.
[87] – وأنا أيضا، معك. فلم يعد هذا المسلك، بعد البابا كيرلس السادس، موجودا، حتى على مستوى الكهنة.
[88] – ويُلفَظ أيضا زينون، فى بعض الكتابات العربية.
[89] – الرهبنة كما قلنا.
[90] – هذه اشارة تاريخية إلى “صلاة باكر” و”صلاة عشية”.
[91] – عن دور “الرؤى الإلهية” كأداة من أدوات كتابة التاريخ المسيحى فى العصور الأولى يزودنا الدكتور/ صموئيل القس قزمان معوض فى كتابه القيّم “إطلالات على تراث الأدب القبطى”، ص 56-61، بمعلومات جديرة بالإشارة إليها هنا، وكيف أن الهَوَس الدينى الشعبى بالبحث عن رفات الأنبياء والقديسين والأبرار، والزعم بظهور أصحابها “فى رؤى” لهذا أو ذاك أجبر المؤرخين على استخدام هذه الأداة لإعطاء مصداقية وثِقلٍ لتاريخهم. بيد أن الآباء الأوائل مثل القديس شنودة الأخميمى الملَّقب بالأرشمندريت [وفى العربية “رئيس المتوحدين”، وهو تعريب خاطىء. أنظر كلمة المعرب فى احتفالية باناريون بالأنبا شنودة عميد الأدب القبطى] على سبيل المثال لا الحصر، قد انتقد بشدة أولئك “الذين يدَّعون أن شهداءً وقديسين قد ظهروا لهم ليُخبروهم بمكان رفاتهم، ويأمروهم ببناء مزارات وكنائس لهم. فيقول: “يقول البعض، لقد ظهر لنا شهداء وقالوا لى أن عظامنا مخبأة فى مكان ما. ولما وصلنا إليهم وأمسكناهم فى ضلالهم، وجدناها عظام كلابٍ… ومكتوب الغبى يُصدّق كل كلمة، ويؤمن أيضا بكل شىء على الإطلاق. والذكى يكون منتبها” (ص59).
[92] – أى ما يمكننا أن نسميه “قائم مقام”.
[93] – اليوثروبوليس هو الإسم اليونانى لمدينة “كيلا” keila. وهى المدينة المذكورة فى الطبعة العربية لأسفار العهد القديم (فى يش 44:15) بإسم “قعيلة”. وكانت تقع فى سهل اليهودية، على مسافة سبعة أميال شرقى بيت جبرين. وهناك تضارب فى الآراء حول موقعها الآن. حيث يرى البعض أن خرائبها تقع الآن فيما يُعرَف بخربة كِيَلا، فى زمام دولة اسرائيل الحالية. ويذكر قاموس الكتاب المقدس أن التقليد المسيحى ذهب إلى ان النبى حبقوق قد دُفِن فيها.
[94] – أشكال أوردها سوزمينوس لإسم كِيلا (قعيلة) فى أيامه.