سلسلة إكثوس ج048 دفاع عن قانون ايمان مجمع نيقية الفصل الثاني بقلم اثناسيوس الرسولي القمص أثناسيوس فهمي جورج

موقِفْ الآريوسيين تِجاه مجمع نيقية

إنهم جهلة وعديمي التقوى إذ يُحاوِلون أن يخالفوا مجمعاً مسكونياً ؛ ما حدث في نيقية ؛ يوسابيوس وقَّع عندئذٍ على ما يعترِضون عليه الآن ؛ عن إجماع المُعلِّمين الحقيقين وعملية التقليد ؛ تغيُّرات وتقلُّبات الآريوسيين .

ولتدرِس أنتَ أيها المحبوب ما إذا كان الأمر غير ذلك . إن كانوا – بعد أن بذَّر الشيطان قُلوبِهِمْ بهذا الضَّلال – يشعرون بِثِقة في اختراعاتِهِمْ الشِّرِّيرة ، فليدافعوا عن أنفسهم ضد براهين الهرطقة التي قد قُدِّمت ، وعندئذٍ سيحين الوقت ليجدوا خطأ – إن استطاعوا – في تعريف الإيمان الذي صيغَ ضدهم . إذ ليس هناك أحد ، بعد أن يُدان بالقتل أو الزِنا ، يكون حُراً بعد المُحاكمة في أن يُناقِش أو يُجادِل القاضي ، مُتسائِلاً لماذا تكلَّم بهذه الطريقة وليس بتلك ، لأنَّ ذلك لن يُبرِّئ الشخص المُدان بل بالأحرى يزيد من جُرمه من جهة الفظاظة والوقاحة . وبالمثل لِنَدع هؤلاء إمَّا أن يثبتوا أنَّ آرائِهِمْ تقية ( لأنهم في ذلك الوقت اتُهموا وأُدينوا وجاءت اعتراضاتِهِم بعد ذلك ، ومن العدل أن يأخذ هؤلاء الذين يُتهمون على عاتِقهم الدِفاع عن أنفسهم ) وإمَّا إذا كان لهم ضمير نَجِسْ ، وهم واعون بفجورِهِم ، فعندئذٍ يجب ألاَّ يعترِضوا على ما لا يفهمونه ، وإلاَّ جلبوا على أنفسهم تُهمة مُزدوجة ، أي الجهل والفجور . وليفحصوا بالأحرى الأمر بروح مَنْ يرغب في التعلُّم ، ويتعلَّموا ما لم يعرِفوه حتّى الآن ، ويُطهِّروا آذانِهِمْ عديمة التقوى بنبع الحق وعقائِد الدين .

3) إنَّ ما حدث لِيوسابيوس ورُفقائه في مجمع نيقية كان كما يلي :

عندما قاوموا بِعِناد في مروقهم وحاولوا أن يحاربوا ضد الله ، كانت التعبيرات التي استخدموها مليئة بالفجور ، إلاَّ أنَّ الأساقفة المُجتمعين ، والذين كانوا نحو ثلاثُمائة ، طلبوا منهم بِلُطف ومحبة أن يشرحوا ويدافعوا عن أنفسهم على أُسُس تقية ، وبِصعوبة بدأوا يتكلَّمون ، وعندئذٍ اختلف الواحد منهم عن الآخر ، وإذ أدركوا ساعتها الشِدَّة والضِيقة التي وقعت فيها بِدعتهم ، ظلُّوا خرسى ، وبِسكوتهم اعترفوا بالعار والخِزي الذي حل على هرطقتِهِم . وبُناء على ذلك ، فإنَّ الأساقفة ، بعد أن رفضوا التعبيرات التي كانوا قد اخترعوها ( أي الآريوسيين ) أعلنوا الإيمان الصحيح والكنسي ضدهم ، وإذ أقره الجميع ، أقره يوسابيوس وأتباعه بهذه الكلِمات عينها ، والتي عليها يعترِضون الآن ، أعني ” من جوهر “ و” مُساوِ في الجوهر “ وأنَّ ” ابن الله ليس خِلقة أو صنعة ولا هو ضِمن الأشياء المُبتدِئة ، بل أنَّ الكلِمة هو مولود من جوهر الآب “ .

هل تبحث عن  يسوع جه للمقيدين

والأمر الغريب حقاً هو أنَّ يوسابيوس أسقف قيصرية فلسطين ، الذي رفض في اليوم السابق ، ثم أقر بعد ذلك ( تعريف إيمان نيقية ) ، أرسل إلى كنيسته رِسالة يقول فيها أنَّ هذا هو إيمان الكنيسة وتقليد الآباء ، وجاهر برأيه علانيةً قائِلاً كانوا قبلاً مُخطئين وكانوا يُقاتِلون بتهور ضد الحق . فرغم أنه كان خجِلاً في ذلك الوقت أن يتمسَّك بهذه التعبيرات ، واعتذر عن نفسه للكنيسة بطريقته الخاصَّة ، إلاَّ أنه بالتأكيد كان يقصِد أن يُضمِّن كلّ هذا في رِسالته ، وذلك بعدم رفضه لـ ” مُساوِ في الجوهر “ و” من جوهر “ . وبهذه الطريقة صار في مأزق ، إذ بينما كان يُقدِّم الأعذار عن نفسه ، مضى قُدُماً لِيُهاجِم الآريوسيين في قولِهِمْ بأنَّ ” الابن لم يكُنْ موجوداً قبل ميلاده “ رافضين بذلك الاعتراف بوجوده قبل ميلاده في الجسد . وأكاكيوس واعِ ومُدرِك لذلك أيضاً ، رغم أنه هو أيضاً بسبب الخوف ، ربما يدَّعي غير ذلك بسبب الظروف الحادِثة ويُنكِر الحقيقة . ومن ثمَّ فقد أُلحِقت بهذه الرِسالة رِسالة يوسابيوس لكي تعرِف منها مدى الإزدراء الذي يُظهِره أعداء المسيح تِجاه مُعلِّميهم هم أنفسهم ، وبالأخص الذي يُظهِره أكاكيوس .

4) ألا يرتكِبون إذاً جريمة في تفكيرهم ذاته بأن يُقاوِموا مجمعاً عظيماً جداً ومسكونياً ؟ أليسوا في تعدِّي عندما يجرأون على أن يتحدُّوا تعريف الإيمان الجيِّد هذا ضد الآريوسية ، والذي أقرُّه – كما هو الحال – هؤلاء الذين في البِداية علَّموهم الفجور وعدم التقوى ؟ وإذا افترضنا ، حتّى بعد قبولهم ( لِتعريف الإيمان ) أنَّ يوسابيوس وأتباعه تغيَّروا ثانية وعادوا مثل الكِلاب إلى قِئ مروقهم ، ألا يكون المُقاوِمون الحاليون ما يزالوا مُستحقين لِمقت أكثر لأنهم يضحُّون هكذا بحُرية نِفوسِهِمْ إلى آخرين ، ويقبلون أن يتخذوا من هؤلاء الأشخاص قادة لِبِدعتهم ، هم الذينَ كما قال يعقوب ” ذَوِي رأيين مُتقلقِلِين في جميع طُرُقِهِمْ “ ( يع 1 : 8 ) ، ليس لهم رأي واحد ، يتغيَّرون على الدوام . والآن يُفضِّلون تعبيرات مُعيَّنة ، لكن سُرعان ما يُهينونها ، وفي المُقابِل يُفضِّلون ما كانوا يلومونه الآن تواً ؟ لكن هذا كما قال الرَّاعي ( هِرماس ) هو ” ابن الشيطان “ وسِمَة الباعة المُتجولين وليس المُعلِّمين اللاهوتيين ، أن يعترِفوا بنفس الأمر كلّ واحد مع الآخر ، وأن لا يختلِفوا لا عن بعضِهِمْ البعض ولا عن آبائِهِمْ . أمَّا هؤلاء الذينَ ليس لهم هذه السِمة فيجب ألاَّ يُدعوا مُعلِّمين لاهوتيين حقيقين بل أشرار . وهكذا فإنَّ اليونانيين ، إذ لا يشهدون لِنَفْس العقائِد بل يتشاجرون الواحد منهم مع الآخر ، ليس لِتعليمهم أيَّة صحة ، أمَّا مُعلني الحق القديسين والحقيقين فيتفِقون معاً ولا يختلِفون ، فبالرغم من أنهم عاشوا في أزمنة مُختلِفة ، إلاَّ أنهم جميعاً يتبعون نفس الطريق ، لكونِهِمْ أنبياء لإله واحد ويُبشِّرون بِنَفْس الكلِمة في هارمونية واتفاق .

هل تبحث عن  ليكن خوفُ اللهِ بين أعينِكم دائماً،

5) وهكذا ما علَّمه موسى هذا حَفَظُه إبراهيم ، وما حَفَظُه إبراهيم هذا أقرُّه نوح وأخنوخ ، مُميِزين الطاهِر من النَّجِسْ ، صائرين مقبولين لدى الله . لأنَّ هابيل أيضاً شهد بهذه الطريقة ، عارِفاً ما قد تعلَّمه من آدم الذي كان قد تعلَّمه من الرب الذي قال عندما أتى في مِلء الزمان لإبطال الخطية ” لستُ أكتُبُ إليكُمْ وصيةً جديدةً بل وصيةً قديمةً كانت عِندكم مِنَ البدء “ ( 1يو 2 : 7 ) . لذلك أيضاً فإنَّ الرَّسول المُبارِك بولس – الذي تعلَّمها منه – عندما يصِف الرُّتَبْ الكنسية ، منع الشمامسة – وكم بالأحرى الأساقفة – من أن يكونوا ذوي لِسانين ( 1تي 3 : 8 ) . وفي توبيخه لأهل غلاطية ، أدلى بتصريح مُستفيض : ” إنْ بشَّرناكُمْ نحنُ أو ملاكٌ مِنَ السَّماءِ بغير ما بشَّرناكُمْ فليكُنْ أناثيما . كما سبقنا فقُلنا أقولُ الآنَ أيضاً إن كانَ أحدٌ يُبشِّرُكُمْ بغير ما قبلتُمْ فليكُنْ أناثيما “ ( غل 1 : 8 – 9 ) . وطالما أنَّ الرَّسول يتحدَّث هكذا ، فلتدع هؤلاء الناس إمَّا أن يحرِموا يوسابيوس وأتباعه ، لأنهم على الأقل مُتقلبين في آرائِهِمْ ويُجاهِرون بإيمان مُخالِف لِمَا قد أقروه ، وإمَّا إذا اعترفوا بأنَّ إقرارات يوسابيوس وأتباعه كانت صحيحة ، لا ينطِقون بأيَّة اعتراضات على مجمع عظيم كهذا . لكن إذا لم يفعلوا أيّاً من هذا ، سيكون من الواضِح تماماً أنهم هم أنفسهم أُلعوبة كلّ ريح وموج ، ويتأثَّرون بالآراء ، ليس آرائِهِمْ هم أنفسهم بل آراء الآخرين . وإذ هم كذلك ، لا يستحِقون أي اهتمام – الآن كما قبلاً – بما يزعمون ، بل بالأحرى دعهم يكُفُّوا عن انتقاد ما لا يفهمونه ، لئلاَّ – لكونِهِمْ لا يعرِفون أن يميِّزوا – يدعون بِبساطة الشر خيراً والخير شراً ، ويظُنون أنَّ المُرْ حُلو والحُلو مُرْ . وبلا شك هم يتمنون أن تسود العقائِد التي حُكِمْ عليها أنها خاطِئة وشُجِبَتْ ، وهم يبذِلون جهوداً كبيرة لِيُقاوموا ما قد عُرِف تعريفاً صحيحاً . وكذلك لا يجب أن يكون هناك أي سبب من جانِبنا لأي توضيح أكثر أو إجابة لأعذارِهِمْ ، ولا من جانِبهِمْ لأي مُقاومة أكثر ، بل يجب أن يكون هناك سبب لِقبول ما قد قبله وأقرُّه قادة هرطقتهم . إذ رغم أنَّ التغيُّر اللاحِق من جانِب يوسابيوس وأتباعه كان مُريباً وغير أخلاقي ، إلاَّ أنَّ قبولهم وإقرارِهِمْ ( للإيمان المُستقيم ) عندما أُتيحت لهم فُرصة – على الأقل – لِبعض الدِفاع القليل عن أنفسهم ، لهو دليل قاطِع على مروق عقيدتهم . فهم لم يكونوا لِيُوافِقوا قبلاً ما لم يكونوا قد أدانوا الهرطقة ، ولم يكونوا لِيُدينونها لو لم يكونوا مُحاطين بالمشقة والخِزي . ولذلك فإنَّ تغيُّرهم ثانية ورجوعهم إلى ما كانوا عليه لهو دليل على حماسهم المُشاكِس للفجور وعدم التقوى . لذا يجب على هؤلاء الناس – كما أسلفتُ – أن يلزموا الصمت ، لكن طالما أنهم بسبب افتقارِهِمْ الشديد للإتضاع ، يأملون أن يستطيعوا الدِفاع عن هذا المروق الشيطاني أفضل من الآخرين ، لذلك رغم أنني في رِسالتي السابقة إليك كتبتُ باستفاضة ضدَّهم ، فمع ذلك ، تعال ودعنا الآن أيضاً نفحصهم في تعبيراتِهِمْ كلٍّ على حدة ، كمثل سابِقِيهم ، لأنَّ الآن ستُظهِر هرطقتهم أنها خالية من الصحة بدرجة ليست أقل مِمّا كانت في الرِسالة السابقة بل سيتضِح أنها من الأرواح الشِّرِّيرة .

هل تبحث عن  الامانة فى الكتاب المقدس - الله الامين في وعوده

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي