عيد الصليب عيد الصليب البابا شنودة الثالث

عيد الصليب

تعيد الكنيسة بعيد الصليب فى 17 توب (27 سبتمبر) يوم ظهوره للملك قسطنطين، وفى يوم 10 برمهات (19 مارس) يوم عثور الملكة هيلانة على خشبة الصليب المقدسة.

ونحن نريد اليوم أن نتكلم عن الصليب بمعناه الروحي، وعن أهمية الصليب وبركته فى حياتنا.

الصليب هو كل مشقة نحتملها من أجل محبتنا لله أو مبحتنا للناس، لأجل الملكوت عموماً.

السيد المسيح والصليب

لقد دعا السيد إلى حمل الصليب فقال “إن أراد أحد أن يأتى ورائى، فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني” (مت 16: 24). (مر 8: 34). وقال للشاب الغنى “اذهب بع كل مالك وأعطه للفقراء.. وتعال اتبعنى حاملاً الصليب” (مر 10: 21).

🕇 🕇 🕇.

وقد جعل حمل الصليب شرطاً للتلمذة عليه.

فقال “ومن لا يحمل صليبه ويأتى ورائى، فلا يقدر أن يكون لى تلميذا” (لو 14: 27).

وهو نفسه – طوال فترة تجسده على الأرض – عاش حاملا للصليب، فمنذ ولادته أراد هيرودس أن يقتله، فهرب مع أمه إلى مصر. ولما بدأ رسالته، احتمل تعب الخدمة، ولم يكن له أين يسند رأسه (لو 9: 58). وعاش حياة ألم، حتى قال عنه أشعياء النبى إنه “رجل أوجاع ومختبر الحزن” (أش 53: 3) ونال اضطهادات مرة من اليهود. ففى إحدى المرات تناولوا حجارة ليرجموه (يو 10: 31). وفى مرة أخرى أرادوا أن يلقوه من على الجبل (لو 4: 29) أما شتائمهم واتهاماتهم له، فهى كثيرة جداً. وكل هذه صلبان غير الصليب الذى صلب عليه…

الصَليب فى حيَاة القديسين

تلاميذ المسيح أيضاً وضعوا الصليب أمام أعينهم.

كرزوا باستمرار.. وقالوا فى ذلك “ولكننا نكرز بالمسيح مصلوباً” مع أنه “لليهود عثرة ولليونانيين جهالة” (1 كو 1: 23). وقال بولس الرسول “لم أعزم أن أعرف شيئاً بينكم، إلا يسوع المسيح وإياه مصلوباً” (1 كو 2: 2). بل أفتخر بالصليب قائلا “وأما أنا فحاشا لى أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح، الذى به قد صلب العالم لى، وأنا للعالم” (غل 6: 14).

حتى الملاك الذي بشر بالقيامة، استخدم هذا التعبير “يسوع المصلوب” (مت 28: 5). فقال للمريمتين “إنى أعلم أنكما تطلبان يسوع المصلوب. ليس هو ههنا، لكنه قام كما قال” وهكذا سماه “يسوع المصلوب” مع أنه كان قد قام. وظل لقب “المصلوب” لاصقاً به، وقد استخدمه آباؤنا الرسل وركزوا عليه فى كرازتهم. كما قال القديس بطرس لليهود “يسوع المسيح الذى صلبتموه أنتم” (أع 2: 36).

🕇 🕇 🕇.

الصليب هو الباب الضيق الذى دعانا الرب إلى الدخول منه (مت 7: 13).

وقال لنا “فى العالم سيكون لكم ضيق” (يو 16: 33). “وتكونون مبغضين من الجميع لأجل إسمي” (مت 10: 22). “بل تأتى ساعة يظن فيها كل من يقتلكم أنه يقدم خدمة لله” (يو 16: 2) “لو كنتم من العالم، لكان العالم يحب خاصته.. ولكن لأنكم لستم من العالم، بل أنا اخترتكم من العالم، لذلك يبغضكم العالم” (يو 15: 19). وهكذا كان القديس بولس الرسول يعلم أنه بضيقات كثيرة ينبغى أن ندخل ملكوت الله “(أع 14: 22).

🕇 🕇 🕇.

وحياة الصليب واضحة فى سير الشهداء والرعاة والنساك:

في سبيل الإيمان احتمل الشهداء والمعترفون عذابات وآلاما لا تطاق. وغالبية الرسل والاساقفة الأول ساروا فى طريق الاستشهاد.

ولما دعا الرب شاول الطرسوسى ليكون رسولاً للأمم، قال عنه سأريه كم ينبغي أن يتألم من أجل إسمى “(أع 9: 16). ومن أمثلة الآم الرعاة والصليب الذى حملوه، يمكن أن نذكر القديس اثناسيوس الرسولى، الذى نفى أربع مرات وتعرض لاتهامات رديئة، والقديس يوحنا ذهبى الفم الذى نفى أيضاً.. وما تعرض له الآباء من سجن وتشريد.

🕇 🕇 🕇.

أما الآباء الرهبان فالكنيسة تلقبهم “لباس الصليب”.

حملوا صليب الوحدة والبعد من كل عزاء بشرى، وصليب النسك الذى تجردوا فيه من كل رغبة جسدية. وتحملوا آلام الجوع والعطش، والبرد والحر، والفقر والعوز، من أجل عظم محبتهم فى الملك المسيح، كما تحملوا أيضاً متاعب ومحاربات الشياطين بأنواع وطرق شتى، كما فى حياة القديس الأنبا أنطونيوس، وحياة السواح.

الصَليب يَسبق القيامة

كان السيد المسيح فى صلبه مرتفعاً عن مستوى الأرض.

وفى قيامته كان أيضاً مرتفعاً فوق مستوى القبر.

وفى صعوده إلى السماء وجلوسه عن يمين الآب. كان مرتفعاً عن مستوى العالم كله، بل إنه أرتفع فوق مستوى هذه السماء أيضاً.

إنها درجات من الارتفاع بدأها كلها بالصليب.

بل قبل ذلك فى ميلاده كان مرتفعاً فوق مستوى الاهتمام بالذات، فأخلى ذاته وأخذ شكل العبد (فى 7: 2).

صليب السيد سبق قيامته.

إخلائه لذاته سبق مجده.

🕇 🕇 🕇.

والألم دائماً يسبق الأكاليل. وهكذا قال القديس بولس الرسول.

إن كنا نتألم معه، فلكى نتمجد أيضاً معه (رو 8: 17).

وهكذا أرانا قيمة الألم ونتائجه. بل أنه اعتبر الألم هبة من الله لنا فى الحياة فقال:

“وهب لكم لأجل المسيح، لا أن تؤمنوا به فقط، بل أيضاً أن تتألموا لأجله” (فى 1: 29). والألم يعتبر هبة بسبب أكاليله.

السيد الرب وضع حمل الصليب شرطاً للتلمذة عليه. فقال: “إن أراد أحد أن يأتى ورائى، فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني (مت 16: 24). بل قال أكثر من هذا” من لا يحمل صليبه ويأتى ورائى، فلا يقدر أن يكون لى تلميذا “(لو 14: 27).

🕇 🕇 🕇.

وكما أن حمل الصليب هو شرط للحياة مع الله، كذلك أيضاً هو اختبار للجدية والثبات فى طريقه.

فالضيقات التى يتعرض لها المؤمن فى حياته هى اختبار لمدى ثباته فى الإيمان. وهكذا قال الرب “فى العالم سيكون لكم ضيق” (يو 16: 33). وسمح لرسله الأطهار وهو فى طريق الصليب، أن يتعرضوا لحمل الصليب، ويظهر مدى ثباتهم. وقال “هوذا الشيطان قد طلبكم لكي يغربلكم كالحنطة” (لو 22: 31).

🕇 🕇 🕇.

لهذا كله فإن الكنيسة المقدسة وضعت الشهداء فى أعلى مراتب القديسين.

لأنهم كانوا أكثر الذين تحملوا الصليب لأجل ثباتهم فى الإيمان. ومعهم أيضاً تضع (المعترفين) الذين أعترفوا بالإيمان وقاسوا عذابات كثيرة، وإن كانوا لم ينالوا إكليل الشهادة.

هل تبحث عن  القراءات اليومية ( يوم الخميس ) 17 يوليو 2014

🕇 🕇 🕇.

فإن حملت صليباً، اقبل ذلك بفرح بسبب ما سوف تناله من اكاليل، إن كنت لا تشكو ولا تشك.

قيل فى آلام السيد المسيح إنه “من أجل السرور الموضوع أمامه احتمل الصليب مستهيناً بالخزي، فجلس في يمين عرش الله” (عب 12: 2). وهنا نرى الصليب ومعه السرور فى احتماله، والمجد كنتيجة له…

🕇 🕇 🕇.

أنواع كثيرة من الصلبان سوف تواجهك، منها الجهاد والاحتمال والصبر. ومنها التعب فى الخدمة وفى التوبة. وايضاً أحتمال التأديب من الله ومن الآباء…

فلا تتذمر كلما حملت صليباً. ولا تظن أن الحياة الروحية لابد أن تكون سهلة، وطريقها مفروش بالورود.

وإلا فعلى أى شئ سوف تكافاً فى الأبدية؟ وايضاً ما معنى كلام الرب عن الباب الضيق (مت 7: 13)؟

الحياة المسيحية هى صَليب

إن الحياة المسيحية بواقعها العملى، هى رحلة إلى الجلجثة والمسيحية بدون صليب، لا تكون مسيحية حقيقة.

والذين أستوفوا خبراتهم على الأرض، لا يكون لهم نصيب فى الملكوت، كما تشرح لنا قصة الغنى ولعازر (لو 16: 25). نقول هذا عن الأفراد، كما نقوله عن الجماعات والكنائس أيضاً.. فالمسيحية هى شركة فى آلام المسيح؟ كما قال القديس بولس الرسول “لأعرفه وقوة قيامته وشركة آلامه، متشبهاً بموته” (فى 3: 10). وقال عن شركة الآلام هذه:

“مع المسيح صلبت. فأحيا لا أنا، بل المسيح يحيا في” (غل 2: 20).

فإن أردت أن يحيا المسيح فيك، ينبغى أن تصلب مع المسيح، أو أن تصلب من أجله. أقول هذا بالمعنى الروحى، وتظهر محبتك لله، بأن تتحمل من أجله، وتتألم من أجله، ولو أدى الأمر أن تموت من أجله أيضاً.

الصَليب وأمجَاده

فى المسيحية تتألم. وتجد فى الألم لذة، وتنال عن ألمك أكاليل، ويتحول ألمك إلى مجد.

ليست المسيحية صليباً تحمله وتتضجر وتتذمر شاكياً! كلا، بل هى محبة للصليب، محبة للألم والبذل والتعب من أجل الرب ومن أجل نشر ملكوته.. وقيل عن السيد المسيح “.. الذى من أجل السرور الموضوع أمامه، احتمل الصليب مستهيناً بالخزي” (عب 12: 2).

🕇 🕇 🕇.

وقال القديس بولس لذلك أسر بالضعفات والشتائم والضرورات والاضطهادات والضيقات لأجل المسيح “(2 كو 12: 10).. والآباء الرسل بعدما جلدوهم” خرجوا فرحين من أمام المجمع، لأنهم حسبوا مستأهلين أن يهانوا من أجل اسمه “(أع 5: 41).. أما عن أمجاد الآلام، فيقول الرسول:

“إن كنا نتألم معه: فلكى نتمجد أيضاً معه” (رو 8: 17).

ولذلك قال بعدها “إن آلام الزمان الحاضر، لا تقاس بالمجد العتيد أن يستعلن فينا” (رو 8: 18). وهكذا قال القديس بطرس الرسول “إن تألمتم من أجل البر فطوباكم” (1 بط 3: 14).

🕇 🕇 🕇.

إذن فالألم معه طوبى. وقد ذكرها السيد المسيح بقوله “طوبى لكم إذا عيروكم وطردوكم وقالوا عليكم كل كلمة شريرة من أجلي كاذبين.. افرحوا وتهللوا لأنه أجركم عظيم في السموات.. فإنهم هكذا طردوا الأنبياء الذين قبلكم” (مت 5: 12، 11).

وهنا نجد الآلام من أجل الرب، ترتبط بالفرح والتهليل وبالأجر السماوى.

🕇 🕇 🕇.

حقا: لأنه بعد الصليب توجد قيامة وصعود، وأيضاً جلوس عن يمين الآب.

لو كانت المسيحية صليبا فقط، بدون أمجاد، لتعب الناس. وكما قال الرسول “إن كان لنا فى هذه الحياة فقط رجاء فى المسيح، فإننا أشقى جميع الناس” (1 كو 15: 19). وإنما المسيحيون فى حمل الصليب، إنما ينظرون إلى الأمجاد الأبدية “غير ناظرين إلى الأشياء التى تُرى، بل إلى التى لا تُروى، لأن التى تُرى وقتية.. وأما التى لا تُرى فأبدية” (2 كو 4: 18).

🕇 🕇 🕇.

لذلك مع التعب الخارجى. يوجد سلام وعزاء.

القديس اسطفانوس فى ساعة رجمه، رأى السموات مفتوحة “وأبصر مجد الله” (أع 7: 56، 55). أى فرح كان له فى تلك الساعة..

وهناك فرح آخر كان يشعر به الشهداء، وهو أنهم قد أكملوا أيام غربتهم على الأرض بسلام واقتربت لحظة لقائهم بالرب.. وبعضهم كان يبصر الأكاليل والأمجاد.. وبعضهم كانت لهم رؤى مقدسة تعزيهم..

🕇 🕇 🕇.

الصليب لا نفصله عن أفراحه وأمجاده: وايضاً لا نفصله عن معونة الله ونعمته.

المسيحى قد يحمل صليباً، ولكنه لا يحمله وحده، ولا يتركه الله وحده. هناك معونة إلهية تسند وتعين، هى التى وقفت مع الشهداء حتى احتملوا الآلام، وهى التى تقف مع المؤمن فى كل ضيقة. هناك عبارة الرب المشجعة “لا تخف. لأنى انا معك، ولا يقع بك أحد ليؤذيك” (اع 18: 10، 9) “تشدد وتشجع لا ترهب ولا ترتعب. لأن الرب إلهك معك حيثما تذهب” (يش 1: 9).

“يحاربونك ولا يقدرون عليك. لأنى أنا معك – يقول الرب – لأنقذك” (أر 1: 19).

محبَة المسيحية للصليب

إنه رمز “يتمسك به كل مسيحى لمعانيه الروحية والعقيدية”.

نعلقه عن الكنائس، وندخله فى كل نقوشنا، ونعلقه على صدورنا، ونرشمه على أنفسنا، ونبدأ به صلواتنا. ونرشم به طعامنا، ونقدس به كل ما لنا. ويحمله رجال الكهنوت فى أيديهم. ويباركون به الشعب. ويستخدم فى كل الأسرار الكنسية، وفى كل الرشومات والرسامات مؤمنين أن كل بركات العهد الجديد جاءت نتيجة الصليب. ملابس الإكليروس أيضاً موشاة بالصليب، ليس لمجرد الزينة، إنما لبركته وقوته. ونحن نعيد للصليب عيدين، ونحمل الصليب فى المواكب والحفلات.

🕇 🕇 🕇.

ونرى فى رشم الصليب قوة تخافها الشياطين.

فكل تعب الشيطان فى إهلاك البشر. ضاع عن طريق الخلاص الذى تم على الصليب. لذلك يخاف الشيطان علامة الصليب.. على شرط أن يكون رشم الصليب بإيمان وبخشوع. قال القديس بولس الرسول “إن كلمة الصليب عند الهالكين جهالة وأما عندنا نحن المخلصين فهى قوة الله” (1 كو 1: 18).

لذلك يحصن المسيحى نفسه برشم الصليب.

كيف تحمل صَليبك عملياً؟

1 – الصليب هو علامة حب وبذل وتضحية وفداء تحمله كلما تعبت لأجل ممارسة هذه الفضائل.

هل تبحث عن  تعرف على علاقة البابا كيرلس بالأب متى المسكين

حاول أن تتعب من أجل إراحة غيرك، ومن أجل انقاذه وخدمته وثق أن الله لا ينسى أبداً تعب المحبة، بل “كل واحد سيأخذ أجرته حسب تعبه” (1 كو 3: 8).. تدرب أن تعطى: مهما بذلت وتحملت وضحيت.. وتدرب أن تعطى أيضاً من أعوازك، كما فعلت الأرملة المطوبة (لو 21: 4).. اتعب فى خدمتك بمقدار تعبك، يظهر حبك، وبذلك تظهر تضحيتك.

🕇 🕇 🕇.

2 – الصليب أيضاً علامة ألم واحتمال:

الآلام العظيمة التى احتملها السيد لأجلنا، سواء آلام الجسد، التى قال عنها “ثقبوا يدىّ وقدمى، وأحصوا كل عظامي”.. أو آلام العار التى احتملها من أجلنا فى سرور، أى وهو مسرور بخلاصنا.

لهذا قال عنه الرسول “من أجل السرور الموضوع أمامه احتمل الصليب مستهيناً بالخزي” (عب 12: 2).

ما أعظم الاحتمال إن كان بسرور. إنه درس لنا.

وأنت تحمل صليباً، إن كنت من أجل الرب تحتمل ضيقته، أو من أجل برك ينالك اضطهاد، أو من أجل ذلك تصاب بمرض أو ضعف.. كذلك إن كنت تحتمل متاعب الناس دون تنتقم لنفسك، بل تحول الخد الآخر، وتمشى الميل الثانى ولا تقاوم الشر (مت 5: 39 – 42) بل تصبر، والصبر صليب.. سواء كان احتمالك وصبرك فى محيط الأسرة، أو فى مجال الخدمة أو فى نطاق العمل.

🕇 🕇 🕇.

3 – وتحمل صليباً، إن كنت تصلب الجسد مع الأهواء (غل 5: 24).

فتبذل كل جهدك لكي تصلب رغبة أو شهوة خاطئة، وتنتصر على نفسك. وتصلب فكرك كلما أراد أن يشرد بك، كما تضبط حواسك وتلجم لسانك وتقهر ذاتك. وتمنع جسدك عن الطعام محتملاً الجوع، مبتعدا عن كل طعام شهى، وعن كل لذة جسدية، وعن محبة المال.

🕇 🕇 🕇.

4 – وتحمل صليبك فى إنكار ذاتك بأخذ المتكأ الأخير.

وبعدم السعى وراء الكرامة وبتنازلك عن حقوقك، وعدم أخذ حقك. على الأرض، وبتفضيل غيرك على نفسك فى كل شئ بالمحبة التى لا تطلب ما لنفسها (1 كو 13: 5)، وبالتواضع والزهد والبعُد عن المديح والكرامة.

5 – وتحمل صليبك بأن تحمل خطايا الآخرين، فهكذا فعل السيد المسيح.

لا مانع أن تحتمل ذنب غيرك وتعاقب عنه بدلاً منه. أو أن تحتمل مسئوليات غيرك وتقوم بها عوضاً عنه. وكما قال القديس بولس لفليمون عن أنسيموس “إن كان قد ظلمك بشئ أو لك عليه دين فأحسب ذلك علىّ.. أنا أوفى” (فل 18: 19).. على قدر استطاعتك اشتراك فى آلام الآخرين، وارفعها عنهم. وكن قيروانياً تحمل صليب غيرك.

معَانى لاهوتية للصَليب

حينما نرشم الصليب، نتذكر كثيراً من المعانى اللاهوتية والروحية المتعلقة به:

1 – نتذكر محبة الله لنا، الذى من أجل خلاصنا، قبل الموت عنا “كلنا كغنم ضللنا. ملنا كل واحد إلى طريقه. والرب وضع عليه إثم جميعنا” (أش 53: 6). حينما نرشم الصليب نتذكر “حمل الله الذى حمل خطايا العالم كله” (يو 1: 29) (1 يو 2: 2).

🕇 🕇 🕇.

2 – وفى الصليب نذكر خطايانا.

خطايانا التى حملها على الصليب، التى من أجلها تجسد وصُلب…

وبهذا التذكر نتضع، وتنسحق نفوسنا، ونشكر على الثمن الذى دفعه لأجلنا “لأنكم اشتريتم بثمن” (1 كو 6: 20).

🕇 🕇 🕇.

3 – وفى الصليب نذكر العدل الإلهي:

كيف أن المغفرة لم تكن على حساب العدل. بل استوفى العدل الإلهى حقه على الصليب. فلا نستهين بالخطية، التى ثمنها هكذا.

🕇 🕇 🕇.

4 – وفي رشمنا للصليب نعلن تبعيتنا لهذا المصلوب:

إن الذين يأخذون الصليب بمجرد معناه الروحي، داخل القلب، دون أية علامة ظاهرة لا يظهرون هذه التبعية علناً، التى نعلنها برشم الصليب، وبحمل الصليب على صدورنا. وبتقبيل الصليب أمام الكل، وبرشمه على أيدينا، وبرفعه على أماكن عبادتنا.

إننا بهذا كله، إنما نعلن إيماننا جهاراً، ولا نستحى بصليب المسيح أمام الناس، بل نفتخر به، ونتمسك به. ونعيد له أعياداً.. ونتمسك به.. حتى دون أن نتكلم. مجرد مظهرنا يعلن إيماننا…

🕇 🕇 🕇.

5 – ونحن لا نرشم الصليب على أنفسنا فى صمت، إنما نقول معه باسم الآب والابن والروح القدس.

وبهذا نعلن فى كل مرة عقيدتنا بالثالوث القدوس الذي هو إله واحد إلى الأبد آمين. وهكذا يكون الثالوث فى ذهننا باستمرار، الأمر الذى لا يتاح للذين لا يرشمون الصليب مثلنا.

🕇 🕇 🕇.

6 – وفى رشم الصليب أيضاً نعلن عقيدتى التجسد والفداء:

فنحن حين نرشم الصليب من فوق إلى تحت، ومن الشمال إلى اليمين، إنما نتذكر أن الله نزل من السماء إلى تحت إلى أرضنا، فنقل الناس من الشمال إلى اليمين، من الظلمة إلى النور، ومن الموت إلى الحياة، وما أكثر التأملات التي تدور بقلوبنا وأفكارنا من رشم علامة الصليب.

🕇 🕇 🕇.

7 – فى الصليب نذكر المغفرة.

كيف أن خطايانا غفرت على الصليب. وكيف أن السيد خاطب الآب السماوى قائلا (وهو على الصليب) “يا أبتاه إغفر لهم، لأنهم لا يدرون ماذا يفعلون”…

🕇 🕇 🕇.

8 – وفي رشمنا للصليب تعليم دينى لأولادنا ولغيرهم:

كل ما يرشم الصليب، حينما يصلى، وحينما يدخل إلى الكنيسة، وحينما يأكل، وحينما ينام، وفى كل وقت، إنما يتذكر الصليب. وهذا التذكر مفيد روحياً ومطلوب كتابياً. وفيه أيضاً تعليم للناس، إن المسيح قد صلب، وتعليم بالذات لأولادنا الصغار الذين يشبون من صغرهم متعودين على الصليب.

🕇 🕇 🕇.

9 – وبرشمنا الصليب إنما نبشر بموت الرب عنا حسب وصيته.

وهذه وصية الرب لنا أن نبشر بموته “الذى لأجل فدائنا” إلى أن يجئ “(1 كو 11: 26).. ونحن برشم الصليب نتذكر موته كل حين، ونظل نتذكره إلى أن يجئ.

ونحن نتذكره كذلك فى سر الإفخارستيا. ولكن هذا السر لا يقام فى كل وقت، بينما الصليب يمكن أن نرشمه فى كل وقت متذكرين موت المسيح عنا…

🕇 🕇 🕇.

10 – وفي رشمنا للصليب، نتذكر أن عقوبة الخطية موت:

لأنه لولا ذلك ما مات المسيح. كنا نحن “أمواتاً بالخطايا” (أف 2: 5). ولكن المسيح مات عنا على الصليب وأعطانا الحياة. وعلى الصليب إذ دفع الثمن قال للآب “يا أبتاه اغفر لهم” (لو 23: 34).

هل تبحث عن  الكاثوليكون من رساله بطرس الأولى ( 3 : 5 - 14) يوم الأربعاء

🕇 🕇 🕇.

11 – وفي رشمنا الصليب نتذكر محبة الله لنا:

نتذكر أن الصليب ذبيحة حب. لأنه “هكذا أحب الله العالم حتى بذل إبنه الوحيد لكى لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية” (يو 3: 16).. ونتذكر أن “الله بين محبته لنا، لأننا ونحن بعد خطاة، مات المسيح لأجلنا.. وصولحنا مع الله بموت ابنه” (رو 5: 8).

فى الصليب نتذكر محبة الله لنا، لأنه “لا يوجد حب أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه” (يو 15: 13).

🕇 🕇 🕇.

12 – ونحن نرشم الصليب لأنه يمنحنا القوة.

القديس بولس الرسول يشعر بقوة الصليب هذه فيقول “به صلب العالم لى، وأنا للعالم” (غل 6: 14). ويقول أيضاً “إن كلمة الصليب عند الهالكين جهالة. وأما عندنا نحن المخلصين فهى قوة الله” (1 كو 1: 18).

لاحظوا هنا أنه لم يقل أن عملية الصليب هى قوة الله، إنما قال أن مجرد “كلمة الصليب” هى قوة الله.

لذلك نحن حينما نرشم الصليب، وحينما نذكر الصليب، نمتلئ قوة. لأننا نتذكر أن الرب بالصليب داس الموت، ومنح الحياة لكل الناس. وقهر الشيطان وغلبه. ولذلك..

🕇 🕇 🕇.

13 – نحن نرشم الصليب لأن الشيطان يخافه:

كل تعب الشيطان منذ حارب آدم إلى آخر الدهور. ضاع على الصليب، إذ دفع الرب الثمن، ومحا جميع خطايا الناس بدمه. لمن يؤمنون ويطيعون. لذلك فإن الشيطان كلما يرى الصليب، يرتعب متذكراً هزيمته الكبرى وضياع تعبه، فيخزى ويهرب.

وهكذا كان أولاد الله يستخدمون باستمرار علامة الصليب باعتبارها علامة الغلبة والانتصار، او هى قوة الله. فمن جهتنا نمتلئ قوة من الداخل. أما عن العدو فى الخارج فهو يرتعب.

وكما كانت ترفع الحية النحاسية فى القديم شفاء للناس وخلاصا من الموت. هكذا رفع رب المجد على الصليب (يو 3: 14). وهكذا علامة الصليب فى مفعولها.

🕇 🕇 🕇.

14 – ونحن نرشم علامة الصليب فتأخذ بركته:

كان الصليب فى العهود القديمة علامة اللعنة والموت بسبب الخطية.. ولكن على الصليب حمل الرب كل لعناتنا، لكي يمنحنا بركة المصالحة مع الله (رو 5: 10). وبركة الحياة الجديدة. ولذلك فكل نعم العهد الجديد مستمدة من الصليب.

لذلك استخدم رجال الإكليروس هذا الصليب فى منح البركة، إشارة إلى أن البركة لا تصدر منهم شخصياً، إنما من صليب الرب الذي ائتمنهم على استخدامه فى منح البركة، ولأنهم يستمدون كهنوتهم من كهنوت هذا المصلوب. وكل بركات العهد الجديد نابعة من صليب الرب وفاعليته.

🕇 🕇 🕇.

15 – لذلك فكل الأسرار المقدسة فى المسيحية نستخدم فيها الصليب.

لأنها كلها نابعة من استحقاقات دم المسيح على الصليب.

فلولا الصليب ما كنا نستحق أن نقترب إلى الله كأبناء فى المعمودية. وما كنا نستحق التناول من جسده ودمه فى سر الإفخارستيا (1 كو 11: 26) وما كنا نستطيع التمتع ببركات أى سر من أسرار الكنيسة.

🕇 🕇 🕇.

16 – ونحن نهتم بالصليب، لنتذكر الشركة التى لنا فيه:

نتذكر قول القديس بولس الرسول “مع المسيح صلبت.. فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا في” (غل 2: 20). وقوله أيضاً “لأعرفه وقوة قيامته وشركة آلامه متشبهاً بموته” (فى 3: 10). وهنا نسأل أنفسنا متى ندخل فى شركة آلام الرب ونصلب معه.

وهنا نتذكر اللص الذى صلب معه، فاستحق أن يكون فى الفردوس معه. ولعله صار فى الفردوس يغنى بالأغنية التى قالها القديس بولس فيما بعد “مع المسيح صلبت”…

كل أمنياتنا أن نصعد على الصليب مع المسيح. ونفتخر بهذا الصليب الذى نذكره الآن كلما تلامس مع حواسنا.

🕇 🕇 🕇.

17 – ونحن نكرم الصليب، لأنه موضع سرور للآب:

الآب الذى تقبل المسيح على الصليب بكل سرور كذبيحة خطية، وكمحرقة أيضاً “رائحة سرور للرب” (لا 1: 17، 13، 5). وقال أشعياء النبى فى ذلك “أما الرب فسرّ بأن يسحقه بالحزن” (أش 53: 10).

إن السيد المسيح أرضى الآب بكمال حياته على الأرض، ولكنه دخل ملء هذا الإرضاء على الصليب، حيث أطاع حتى الموت، موت الصليب “(فى 2: 8).

ففى كل مرة ننظر إلى الصليب نتذكر كمال الطاعة. وكمال الخضوع لكى نتمثل بالسيد المسيح فى طاعته، حتى الموت.

وكما كان الصليب موضع سرور للآب، كان هكذا أيضاً بالنسبة إلى الابن المصلوب الذى قيل عنه “من أجل السرور الموضوع أمامه احتمل الصليب مستهيناً بالخزى” (عب 12: 2).

وهكذا كان ملء سرور المسيح فى صلبه. ليتنا نكون هكذا.

🕇 🕇 🕇.

18 – وفى الصليب، نخرج إليه خارج المحلة، حاملين عاره (عب 13: 12).

بنفس شعورنا فى أسبوع الآلام.. ونذكر في ذلك ما قيل عن موسى النبى “حاسباً عار المسيح غنى أعظم من خزائن مصر” (عب 11: 26) وعار المسيح هو صلبه وآلامه.

🕇 🕇 🕇.

19 – وعلى الصليب نذكر الخلاص الذى ناله اللص المصلوب مع الرب:

وهذا الأمر يعطينا رجاء عجيباً، كيف أن إنساناً أمكن أن يخلص فى الساعات الأخيرة من حياته على الأرض. ويتلقى وعداً بالدخول الى الفردوس.

كيف أن الرب بتأثيره الروحى على هذا اللص، استطاع أن يجذبه إليه، ويذكر له إيمانه واعترافه، ولا يذكر له شيئاً من خطاياه السابقة.

ما أعظمه رجاء تم على الصليب.

🕇 🕇 🕇.

20 – نحمل صليب المسيح الذي يذكرنا بمجيئه الثاني:

كما ورد فى الإنجيل عن نهاية العالم ومجيء الرب “وحينئذ تظهر علامة ابن الإنسان فى السماء (أى الصليب).. ويبصرون ابن الإنسان آتيا على سحاب السماء..” (مت 24: 30).

فلنكرم علامة ابن الإنسان على الأرض، مادمنا نتوقع علامته هذه فى السماء فى مجيئه العظيم.

عيد الصليب - البابا شنوده الثالث 37

.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي