الأصحاح الثامن عشر تفسير رؤيا القديس يوحنا اللاهوتي القمص أنطونيوس فكري

الإصحاح الثامن عشر

هذا الإصحاح نرى فيه سقوط بابل عروس الشيطان وخرابها النهائى. والله يظهر هذا لشعبه حتى لا يشتركوا فى خطاياها. وهذه الصورة رأيناها من قبل فى سفر (إشعياء1: 21 – 9 + 1: 13 – 22 + 1: 47 – 15).

بل نجد أن الله يطلب من أولاده أن يخرجوا منها حتى يستطيع أن يضربها كما تستحق. وهذه الصورة رأيناها أيضا فى سفر (إشعياء20: 48 + 11: 52). وذلك كما أخرج الملاكان لوط وبنتيه ليحرقا سدوم وعمورة.

ولقد تم هذا حرفيا وخربت بابل بيد الفرس أولا ثم صارت خرابا تماما وعاد شعب الرب منها ليعيش فى أورشليم. ولكن من بقى فى بابل ورفض العودة لأورشليم هلك عن خراب بابل.

وطلب الرب الآن لا أن نعتزل العالم ونحيا فى الصحراء، بل أن نحيا فى العالم، على أن لا نشترك فى شر العالم، كقول السيد المسيح “لست أسأل أن تأخذهم من العالم بل أن تحفظهم من الشرير” (يو15: 17) ومن يفعل ويعتزل الشر ينجو من الضربات الموجهة لأشرار العالم أى بابل.

العدد 1

آية (1): –

“1ثُمَّ بَعْدَ هذَا رَأَيْتُ مَلاَكًا آخَرَ نَازِلاً مِنَ السَّمَاءِ، لَهُ سُلْطَانٌ عَظِيمٌ. وَاسْتَنَارَتِ الأَرْضُ مِنْ بَهَائِهِ.”.

ثُمَّ بَعْدَ هذَا = ما سبق ورآه يوحنا كان ضربات موجهة للأشرار، ولكننا هنا أمام خراب نهائى، لا تقوم بعده قائمة لبابل أى مملكة الشر فى العالم.

لَهُ سُلْطَانٌ عَظِيمٌ = فالسماء مصدر كل السلطات لذلك قال نازلا من السماء.

وَاسْتَنَارَتِ الأَرْضُ مِنْ قوته = فمقاصد الله كلها بهاء ونور وخير حتى لو كانت دمار للشر والأشرار، فهذا الخراب لبابل يعتبر تطهيرا للكون.

الأعداد 2-3

الآيات (2 – 3): –

“2 وَصَرَخَ بِشِدَّةٍ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلاً: «سَقَطَتْ! سَقَطَتْ بَابِلُ الْعَظِيمَةُ! وَصَارَتْ مَسْكَنًا لِشَيَاطِينَ، وَمَحْرَسًا لِكُلِّ رُوحٍ نَجِسٍ، وَمَحْرَسًا لِكُلِّ طَائِرٍ نَجِسٍ وَمَمْقُوتٍ، 3لأَنَّهُ مِنْ خَمْرِ غَضَبِ زِنَاهَا قَدْ شَرِبَ جَمِيعُ الأُمَمِ، وَمُلُوكُ الأَرْضِ زَنَوْا مَعَهَا، وَتُجَّارُ الأَرْضِ اسْتَغْنَوْا مِنْ وَفْرَةِ نَعِيمِهَا».”.

بِصَوْتٍ عَظِيمٍ = إشارة لرعب الدينونة وتأكيدا للحسم الإلهى.

سَقَطَتْ سَقَطَتْ بَابِلُ = جاء الفعل سقطت فى صيغة الماضى. وهو ما يسمى بالماضى النبوى، أى هذه هى طريقة الأنبياء فى إستخدام صيغة الماضى إشارة لحتمية سقوطها. وأيضا التكرار سقطت سقطت يفيد نفس الشىء. ولذلك نفهم مما يأتى بعد ذلك أنها مازالت لم تسقط بدليل أنه فى (آية 4) يطلب الخروج منها. ونلاحظ أن بابل ستصير خرابا تماما وتسكنها الطيور النجسة التى تسكن الخرائب كالبوم والوطواط. وهذا رمز لأن الشياطين تسكن الإنسان الذى إستعبد للخطية وصار خرابا. أما الله فحين يسكن فى إنسان فهو يحوله إلى هيكل حى.

مَسْكَنًا لِشَيَاطِينَ = قد يقصد خطاة البشر، فقد قيل عن اليهود مجمع الشيطان (رؤ9: 3) فالأشرار عبارة عن خرائب يسكنها الشياطين ويعيشون فى خراب. عكس أولاد الله فهم هياكل حية لله يحبون السكن فى كنيسة الله، ولا يرتاحون سوى بجوار الله.

وخراب بابل إشارة لخرابها على الأرض وهلاك سكانها فى الأبدية. ونلاحظ أن السبب الأساسى للخراب هو خطايا الزنا = خَمْرِ غَضَبِ زِنَاهَا. والإنغماس فى الملذات = اسْتَغْنَوْا مِنْ وَفْرَةِ نَعِيمِهَا. هؤلاء لم يكن يعنيهم سوى ملذاتهم وشهواتهم وعبادة المال. وظنوا أنهم حين يغترفوا من كل هذا فهم صاروا ملوكا وأسماهم ملوك الأرض (راجع تفسير رؤ2: 1) وأطلق على من يتاجر فى هذه تُجَّارُ الأَرْضِ = التجارة ليست خطية لكن هؤلاء كانوا يتاجرون فى الملذات ليسهلوا أمور الخطايا والنجاسة لملوك الأرض أو هم من إهتموا بالأمجاد العالمية والمال وتعظم المعيشة ونسوا أن هناك حياة أبدية مثل الغنى الغبى. وكل هؤلاء نسوا أن هذا العالم باطل وله نهاية.

مَحْرَسًا = سجنا للأرواح النجسة ومكان أَسْرْ لها.

الأعداد 4-5

الآيات (4 – 5): –

“4ثُمَّ سَمِعْتُ صَوْتًا آخَرَ مِنَ السَّمَاءِ قَائِلاً: «اخْرُجُوا مِنْهَا يَا شَعْبِي لِئَلاَّ تَشْتَرِكُوا فِي خَطَايَاهَا، وَلِئَلاَّ تَأْخُذُوا مِنْ ضَرَبَاتِهَا. 5لأَنَّ خَطَايَاهَا لَحِقَتِ السَّمَاءَ، وَتَذَكَّرَ اللهُ آثَامَهَا.”.

هل تبحث عن  القس باسيلي سمير

الخروج من بابل له تفسيران: -.

  1. الأول روحى: – الله يحذر شعبه حتى ينفصل عن شرور هذا العالم، وبالتالى لا يصاب من الضربات الموجهة للأشرار (بابل).
  2. الثانى هو هروب فعلى إلى البرية حيث تُعال الكنيسة مدة ظهور الوحش. ولكن متى نهرب وإلى أين؟ هذا لن نفهمه الآن بل فى وقته. وهذا معنى قول السيد “متى نظرتم رجسة الخراب… إهربوا للجبال” (مت 15: 24).

تَذَكَّرَ اللهُ آثَامَهَا = ليس أنه كان ناسيا بل هو قرر مجازاتها.

لَحِقَتِ السَّمَاءَ = خطاياهم زادت وإرتفعت لدرجة أن الله ما عاد يصبر على هذا التحدى وهذه النجاسات.

العدد 6

آية (6): –

“6جَازُوهَا كَمَا هِيَ أَيْضًا جَازَتْكُمْ، وَضَاعِفُوا لَهَا ضِعْفًا نَظِيرَ أَعْمَالِهَا. فِي الْكَأْسِ الَّتِي مَزَجَتْ فِيهَا امْزُجُوا لَهَا ضِعْفًا.”.

جَازُوهَا = بحسب التفسيرين السابقين، يصبح هناك تفسيرين لهذه أيضا: -.

  1. برفض الكنيسة لشرور العالم ستكون ديانة لهذا العالم وشاهدة عليه يوم الدين فهى لها نفس ظروف الأشرار وإمكانياتهم لكنها رفضت الشر وهم قبلوه وسقطوا.
  2. حين تهرب الكنيسة للبرية مدة ال 1260 يوما (رؤ6: 12). يكون متاحا إنزال الغضب على بابل، كما أخرج الملاك لوط وعائلته ليتسنى له إحراق سدوم وعمورة ونلاحظ أن الله سيجازى بابل ضعف ما أذاقت شعبه من آلام.

الأعداد 7-8

الآيات (7 – 8): –

“7بِقَدْرِ مَا مَجَّدَتْ نَفْسَهَا وَتَنَعَّمَتْ، بِقَدْرِ ذلِكَ أَعْطُوهَا عَذَابًا وَحُزْنًا. لأَنَّهَا تَقُولُ فِي قَلْبِهَا: أَنَا جَالِسَةٌ مَلِكَةً، وَلَسْتُ أَرْمَلَةً، وَلَنْ أَرَى حَزَنًا. 8مِنْ أَجْلِ ذلِكَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ سَتَأْتِي ضَرَبَاتُهَا: مَوْتٌ وَحُزْنٌ وَجُوعٌ، وَتَحْتَرِقُ بِالنَّارِ، لأَنَّ الرَّبَّ الإِلهَ الَّذِي يَدِينُهَا قَوِيٌّ.”.

مَجَّدَتْ نَفْسَهَا = سبب مجازاتها أنها طلبت مجدها الذاتى ولم تطلب مجد الله.

طلبت النعيم الأرضى واللذة الزمنية ولم تبحث عن السعادة الأبدية. ولاحظ أن بابل تمجد نفسها، أما الكنيسة فيمجدها الله، بأن يحل فى وسطها مجدا لها (زك5: 2).

وَلَنْ أَرَى حَزَنًا = هى لم تؤمن بكلام الكتاب المقدس أن هناك عذاب معد للأشرار، ولم تصدق أن هناك يوم للدينونة (2بط4، 3: 3) فما تناله هو ثمرة طبيعية لأعمالها، فهى نسيت أننا غرباء على الأرض وسيأتى يوم نترك فيه هذه الأرض. وهذه حيلة الشيطان الأساسية أنه يدعو النفس لأن تنسى أن لهذه الحياة نهاية وسيأتى يوما للحساب. ويدعو أيضا النفس لأن تفكر فى اللحظة الحاضرة، وكيف تستمتع بها (خطية الغنى الغبى).

أَنَا جَالِسَةٌ = مستقرة لن يقدر أحد أن يحرمنى مما أتمتع به.

لَسْتُ أَرْمَلَةً = لست حزينة فالأرامل حزانى وكان الرد على ذلك…. ستأتى ضرباتها موت وحزن. ما تشعر به هو ملذات العالم الحاضر، وقارن مع قول الرب يسوع “الآن عندكم حزن ولكن أراكم فتفرح قلوبكم…” (يو16: 22). فالعالم مملوء بالأحزان ولكن الفرح الحقيقى والعزاء الحقيقى هو من الله.

الأعداد 9-10

الآيات (9 – 10): –

“9« وَسَيَبْكِي وَيَنُوحُ عَلَيْهَا مُلُوكُ الأَرْضِ، الَّذِينَ زَنَوْا وَتَنَعَّمُوا مَعَهَا، حِينَمَا يَنْظُرُونَ دُخَانَ حَرِيقِهَا، 10 وَاقِفِينَ مِنْ بَعِيدٍ لأَجْلِ خَوْفِ عَذَابِهَا، قَائِلِينَ: وَيْلٌ! وَيْلٌ! الْمَدِينَةُ الْعَظِيمَةُ بَابِلُ! الْمَدِينَةُ الْقَوِيَّةُ! لأَنَّهُ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ جَاءَتْ دَيْنُونَتُكِ.”.

سَيَبْكِي وَيَنُوحُ عَلَيْهَا مُلُوكُ الأَرْضِ = وياليتهم بكوا على خطاياهم. هؤلاء الذين كانوا يستمتعون بشهواتها وملذاتها سينوحون عليها إذ فقدوا السبب الوحيد والمصدر الوحيد للذاتهم.

وَاقِفِينَ مِنْ بَعِيدٍ = إشارة إلى شدة ما أصابها ولفزع الواقفين مما حدث وربما يكون ما أشير له هنا هو صورة إستعارية، إذ حينما تهلك بابل سيهلك معها سكانها، ولكن ربما يهلك مكان ويظل هناك بعض الأحياء من الأشرار، وينطبق هذا عليهم حرفيا. وقارن فرحة الأشرار بهلاك النبيين وإرسالهم هدايا (رؤ 11) مع حزنهم على بابل.

الأعداد 11-14

الآيات (11 – 14): –

“11 وَيَبْكِي تُجَّارُ الأَرْضِ وَيَنُوحُونَ عَلَيْهَا، لأَنَّ بَضَائِعَهُمْ لاَ يَشْتَرِيهَا أَحَدٌ فِي مَا بَعْدُ، 12بَضَائِعَ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْحَجَرِ الْكَرِيمِ وَاللُّؤْلُؤِ وَالْبَزِّ وَالأُرْجُوانِ وَالْحَرِيرِ وَالْقِرْمِزِ، وَكُلَّ عُودٍ ثِينِيٍّ، وَكُلَّ إِنَاءٍ مِنَ الْعَاجِ، وَكُلَّ إِنَاءٍ مِنْ أَثْمَنِ الْخَشَبِ وَالنُّحَاسِ وَالْحَدِيدِ وَالْمَرْمَرِ، 13 وَقِرْفَةً وَبَخُورًا وَطِيبًا وَلُبَانًا وَخَمْرًا وَزَيْتًا وَسَمِيذًا وَحِنْطَةً وَبَهَائِمَ وَغَنَمًا وَخَيْلاً، وَمَرْكَبَاتٍ، وَأَجْسَادًا، وَنُفُوسَ النَّاسِ. 14 وَذَهَبَ عَنْكِ جَنَى شَهْوَةِ نَفْسِكِ، وَذَهَبَ عَنْكِ كُلُّ مَا هُوَ مُشْحِمٌ وَبَهِيٌّ، وَلَنْ تَجِدِيهِ فِي مَا بَعْدُ.”.

هل تبحث عن  استشهاد الأمير تادرس

الله خلق العالم لنحيا بما على الأرض، ليكون وسيلة حياة وليس هدفا فى حد ذاته. ونجد العالم الآن وقد صار هدفا، ويريد الناس أن يكتنزوا ما أمكنهم من كل ما فيه من أموال وخيرات. الناس الآن يطلبون ما يسمى “تعظم المعيشة” (1يو16: 2) أما بولس الرسول فيقول “إن كان لنا قوت وكسوة فلنكتف بهما” (1تى8: 6). ويقول “أن محبة المال أصل لكل الشرور” (1تى10: 6). ونلاحظ أن يوحنا أورد قائمة بما يتاجر به الناس فى هذا العالم، أو ما يشغلهم أو ما هم مهتمين بالحصول عليه.

ذَّهَبِ وَفِضَّةِ… الْقِرْمِزِ = هذه تستعمل فى الزينة (وإستعملته المرأة الزانية رؤ4: 17).

عُودٍ ثِينِيٍّ… الْمَرْمَرِ = هذا لزينة البيوت الفاخرة والأثاثات الفاخرة.

قِرْفَةً…. وَلُبَانًا = هذه للروائح العطرة.

خَمْرً وَزَيْت… وَغَنَمً = هذه عن المأكولات الفخمة.

خَيْلاً وَمَرْكَبَاتٍ = هذه للعظمة والخيلاء (هذه كالسيارات الآن).

وَأَجْسَادًا = هى تجارة الجنس واللذة المحرمة.

وَنُفُوسَ = هى تجارة الهراطقة الذين يغوون البسطاء ليتركوا إيمانهم الصحيح وكنيستهم.

وكون أنالأَجْسَادً وَالنُفُوسَ أتت فى آخر القائمة فهذا يعنى أنها أصبحت فى ذلك الزمان أرخص شىء.

ومعنى هذه القائمة أن الناس ما عادت تهتم سوى بأن تأكل أفخر شىء وتلبس أفخم شىء وتتزين وتزين بيوتها، تهتم بالموضة وبالجنس. وهؤلاء ماذا سيعملون حينما يخرب هذا العالم، وتبطل هذه التجارة = بَضَائِعَهُمْ لاَ يَشْتَرِيهَا أَحَدٌ. فملوك الأرض هم من يسعوا لإمتلاك كل هذا وتجار الأرض هم من يتاجروا بهذه الأشياء. وكلاهما ملوك الأرض وتجار الأرض كان كل همهم مكسبهم وأموالهم، كانوا يسعون وراء محبة الفضة ناسين الله تماما، فصارت أموالهم إلههم. صار العالم هدفا وليس وسيلة. وحينما تخرب بابل لن يجد كل هؤلاء سوى الندم = وَيَبْكِي كل تُجَّارُ الأَرْضِ. ونجد أن حجى النبى أشار لمثل هذا حينما قال “هل الوقت لكم أن تسكنوا فى بيوتكم المغشاة وهذا البيت (بيت الرب) خراب” (حج 4: 1). وهذا يعنى بالنسبة لحجى النبى أن هؤلاء الناس إهتموا بزينة بيوتهم وتركوا هيكل الرب خرابا ولم يهتموا ببنائه.

كُلَّ عُودٍ ثِينِيٍّ = هناك إحتمالين أو رأيين أن هذا خشب من نوع قَيِّم كالأبنوس والصندل أو أنه خشب حينما يحترق تنتج عنه رائحة طيبة.

ولنفهم أن الأكل والتجارة فى هذه المأكولات ليست خطية، ولكن من كانت آلهتهم بطونهم، لا يسعون سوى للأكل باحثين عن أطيب وأفخم المأكولات، هؤلاء سيبكون إذ يذهب عنهم هذا (رو18: 16 ( + ) فى19: 3) أما بولس الرسول فعلمنا أن نحيا هكذا “تعلمت أن أكون مكتفيا بما أنا فيه، أعرف أن أتضع وأعرف أيضا أن أستفضل.. تدربت أن أشبع وأن أجوع وأن أستفضل وأن أنقص” (فى12، 11: 4).

فى اليوم الأخير لن ينفع إلا ما كنزناه من كنوز فى السماء، فلن يكون بعد إشباع للذات ولا للبطن ولا للأبهة والأمجاد الزمنية. ولمن إكتفى بمثل تجارة العالم هذه، أين سيذهب؟ هو يبكى إذ ذَهَبَ عَنه كُلُّ مَا هُوَ مُشْحِمٌ وَبَهِيٌّ = أى كل ما ظنه مشحم وبهى. أما أولاد الله فلا يشبعهم سوى التلذذ بالروحيات، لا يشبعهم سوى الله. وسوف يجدون الله مصدر فرحهم فى السماء، أما من لم يتذوق السمائيات فى حياته على الأرض فسيبكى وينوح حين تخرب الأرض بما فيها.

الأعداد 15-16

الآيات (15 – 16): –

“15تُجَّارُ هذِهِ الأَشْيَاءِ الَّذِينَ اسْتَغْنَوْا مِنْهَا، سَيَقِفُونَ مِنْ بَعِيدٍ، مِنْ أَجْلِ خَوْفِ عَذَابِهَا، يَبْكُونَ وَيَنُوحُونَ، 16 وَيَقُولُونَ: وَيْلٌ! وَيْلٌ! الْمَدِينَةُ الْعَظِيمَةُ الْمُتَسَرْبِلَةُ بِبَزّ وَأُرْجُوانٍ وَقِرْمِزٍ، وَالْمُتَحَلِّيَةُ بِذَهَبٍ وَحَجَرٍ كَرِيمٍ وَلُؤْلُؤٍ!”.

هل تبحث عن  ان الواثق بنفسه كثيرا مخدوع بقدرته

الأشرار هنا يتأملون فى حبيبتهم بابل التى خربت ويندمون على جمالها السابق الذى خرب. ينوحون بلا رجاء وبلا أمل.

الأعداد 17-18

الآيات (17 – 18): –

“17لأَنَّهُ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ خَرِبَ غِنىً مِثْلُ هذَا. وَكُلُّ رُبَّانٍ، وَكُلُّ الْجَمَاعَةِ فِي السُّفُنِ، وَالْمَّلاَحُونَ وَجَمِيعُ عُمَّالِ الْبَحْرِ، وَقَفُوا مِنْ بَعِيدٍ، 18 وَصَرَخُوا إِذْ نَظَرُوا دُخَانَ حَرِيقِهَا، قَائِلِينَ: أَيَّةُ مَدِينَةٍ مِثْلُ الْمَدِينَةِ الْعَظِيمَةِ؟”.

وَكُلُّ رُبَّانٍ وَكُلُّ الْجَمَاعَةِ فِي السُّفُنِ وَالْمَّلاَحُونَ = إذا كان العالم هو البحر، فالربان وكل الملاحون وجميع عمال البحر هم الذين يساعدون فى عملية التجارة. والمعنى أن كل من ساعد على الشر سيندم فى هذا اليوم حين تحترق بابل.

العدد 19

آية (19): –

“19 وَأَلْقَوْا تُرَابًا عَلَى رُؤُوسِهِمْ، وَصَرَخُوا بَاكِينَ وَنَائِحِينَ قَائِلِينَ: وَيْلٌ! وَيْلٌ! الْمَدِينَةُ الْعَظِيمَةُ، الَّتِي فِيهَا اسْتَغْنَى جَمِيعُ الَّذِينَ لَهُمْ سُفُنٌ فِي الْبَحْرِ مِنْ نَفَائِسِهَا! لأَنَّهَا فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ خَرِبَتْ!”.

الْبَحْرِ هو العالم والبحارة هم جماعة الوسطاء الذين يساعدون الناس على شرهم، وهؤلاء سيبكون على ما كانوا يحسبونه مصدر غناهم وسعادتهم فصار لهم موضوع شقاء وهلاك وضيق وندم بلا فائدة. مشكلة هؤلاء أن مصدر فرحهم الوحيد هو خطايا وملذات وشرور بابل، وتصوروا أنه طالما خربت بابل فليس لهم فرح بعد ذلك فهم لم يتذوقوا ولا عرفوا معنى التعزيات السماوية.

العدد 20

آية (20): –

“20اِفْرَحِي لَهَا أَيَّتُهَا السَّمَاءُ وَالرُّسُلُ الْقِدِّيسُونَ وَالأَنْبِيَاءُ، لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ دَانَهَا دَيْنُونَتَكُمْ».”.

اِفْرَحِي لَهَا أَيَّتُهَا السَّمَاءُ = لقد إشتهى السمائيون وطلبوا أن تأتى هذه الساعة ليتمجد الله ويظهر عدله (رؤ9: 6) وَالرُّسُلُ الْقِدِّيسُونَ وَالأَنْبِيَاءُ = الذين طالما تنبأوا وأنذروا بهذا الخراب، وها قد ثبت صدق نبواتهم. وظهر عدل وصدق وقداسة الله الرافض للشر.

قَدْ دَانَهَا دَيْنُونَتَكُمْ = بقدر ما عذبتكم يا أولاد الله بقدر ما سيدينها الله.

العدد 21

آية (21): –

“21 وَرَفَعَ مَلاَكٌ وَاحِدٌ قَوِيٌّ حَجَرًا كَرَحىً عَظِيمَةٍ، وَرَمَاهُ فِي الْبَحْرِ قَائِلاً: «هكَذَا بِدَفْعٍ سَتُرْمَى بَابِلُ الْمَدِينَةُ الْعَظِيمَةُ، وَلَنْ تُوجَدَ فِي مَا بَعْدُ.”.

عمل رمزى يشير لأن سقوط بابل سيكون بدفعة واحدة، وهذا العمل الرمزى قام به أرميا من قبل (إر64، 63: 51).

الأعداد 22-24

الآيات (22 – 24): –

“22 وَصَوْتُ الضَّارِبِينَ بِالْقِيثَارَةِ وَالْمُغَنِّينَ وَالْمُزَمِّرِينَ وَالنَّافِخِينَ بِالْبُوقِ، لَنْ يُسْمَعَ فِيكِ فِي مَا بَعْدُ. وَكُلُّ صَانِعٍ صِنَاعَةً لَنْ يُوجَدَ فِيكِ فِي مَا بَعْدُ. وَصَوْتُ رَحىً لَنْ يُسْمَعَ فِيكِ فِي مَا بَعْدُ. 23 وَنُورُ سِرَاجٍ لَنْ يُضِيءَ فِيكِ فِي مَا بَعْدُ. وَصَوْتُ عَرِيسٍ وَعَرُوسٍ لَنْ يُسْمَعَ فِيكِ فِي مَا بَعْدُ. لأَنَّ تُجَّارَكِ كَانُوا عُظَمَاءَ الأَرْضِ. إِذْ بِسِحْرِكِ ضَلَّتْ جَمِيعُ الأُمَمِ. 24 وَفِيهَا وُجِدَ دَمُ أَنْبِيَاءَ وَقِدِّيسِينَ، وَجَمِيعِ مَنْ قُتِلَ عَلَى الأَرْضِ».”.

صورة للخراب التام. إذ سيختفى صوت اللهو بل صوت الصناعات، بل الحياة عموما، فلا حياة بدون خبز = صَوْتُ رَحىً لَنْ يُسْمَعَ فِيكِ فِي مَا بَعْدُ.

وتصير فى ظلمة تامة = نُورُ سِرَاجٍ لَنْ يُضِيءَ فِيكِ فِي مَا بَعْدُ. وقارن هذا بما ستكون عليه أورشليم السمائية أى الكنيسة المنتصرة فى السماء، فهى كعروس مزينة لرجلها، والله يسكن معهم، وسيمسح الله كل دمعة من عيونهم، بلا حزن وبلا وجع (رؤ2: 21 – 4) بل لن يحتاجوا إلى سراج أو نور شمس لأن الرب الإله ينير عليهم (رؤ5: 22). والسبب أنها أضلت كثيرين = بِسِحْرِكِ ضَلَّتْ جَمِيعُ الأُمَمِ. وطالما إستشهد فيها قديسيين = فِيهَا وُجِدَ دَمُ أَنْبِيَاءَ وَقِدِّيسِينَ.

ملحوظة:

قارن (آية 9) مع (آية 20) فخراب الشر فى العالم هو سبب لحزن الأشرار الذين كانوا يتمتعون بالخطية فيه، وهو فى نفس الوقت فرح للسمائيين لأن عدل الله وقداسته يظهران فى خراب بابل الزانية العظيمة.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي