الإصحاح السادس والأربعون
إبتداء من هذا الإصحاح نجد نبوات ضد 11 أمة من الأمم الوثنية المحيطة بيهوذا ورقم 11 يشير للخطية فهو = 10 + 1 والرقم 10 يشير لكمال الوصايا أى الكمال التشريعى، وأى زيادة هى تعدى. ورقم 12 يشير لملكوت الله على الأرض، وبهذا فرقم 11 يشير للخارجين عن شعب الله بسبب خطاياهم. ولقد سبق ورأينا فى الإصحاحات السابقة أن القضاء تم على شعب الله يهوذا. والآن نبدأ هنا نرى القضاء ضد باقى الشعوب بسبب الخطية “لأنه الوقت لإبتداء القضاء فى بيت الله. فإن كان أولاً منا فما هى نهاية الذين لا يطيعون إنجيل الله” (1بط17: 4). فالله هو خالق الكل وديان الكل ومؤدب الكل يهود وأمم. ومن هنا نرى نبوات بخراب الأمم المجاورة بواسطة ملك بابل ثم تكون النهاية بخراب بابل نفسها. والله ليس ضد مصر ولا موآب.. الخ ولكن:
- الله ضد الخطية فى هذه الأمم، ومن محبته يؤدبهم، فالله هو ضابط الكل وإله الكل، لذلك نسمع عن مصر “ثم بعد ذلك تُسكن مصر كالأيام القديمة” 26: 46 + وعن موآب نسمع ولكننى أرد سبى موآب فى آخر الأيام 47: 48. فهى نبوات حلوة للشعوب بعد أن ينتهى تأديبها. وبابل كانت عصا تأديب لكل الشعوب، لكن فى نهاية التأديب يرمى الله عصا التأديب إذ لا حاجة لها بعد. وهكذا الشيطان بتجاربه التى يسمح بها الله هى للتأديب حاليا، والنهاية تكون الكنيسة فى السماء والشيطان فى بحيرة النار.
- هذه الأمم ترمز للشيطان الذى يعبدونه من خلال آلهتهم الوثنية، والشيطان يحرك ملوكهم.. فمصر مثلاً ترمز للكبرياء ونرى أن ملكها الحالى وهو حفرع فى غناه يقول “إن الله نفسه لا يقدر أن ينزعنى من مملكتى”.
- أما بابل فهى رمز واضح للشيطان ومملكة الخطية، ومملكة ضد المسيح فى العالم (رؤ2: 18). فلذلك نرى أن بابل تستعبد الجميع يهوداً وأمم رمزاً لإستعباد إبليس لكل العالم (بابل ترمز للشيطان، ويهوذا ترمز لشعب الله، والأمم هم من ليسوا من شعب الله) وإبليس إستعبد الجميع بسبب الخطية.
- ما يفسر النبوات ضد الأمم، هو الآية التى وردت فى (إش63: 4).
فالله لا ولم ولن ينسى للشيطان ما فعله فى الإنسان، فالله يحب آدم، هو أحبنا فخلقنا، وكانت “لذاته مع بنى آدم” (أم8: 31). والله حزن على ما حدث للبشر، لذلك بكى المسيح عند قبر لعازر، لأن ما رآه أمامه موت ونتانة، وصراخ وعويل وحزن، لكنه كان قد خلق الإنسان ليفرح فى جنة عَدْنْ وليحيا أبديا. فنرى أن كل التهديدات التى وردت هنا ضد الأمم، إنما هى ضد الشيطان على ما فعله فى آدم ونسله.
وبينما هناك وعود لليهود والأمم بعودتهم (رمزاً لما سيحدث بعد فداء المسيح) نرى هناك خراباً نهائياً لبابل بلا وعد للرجوع، فنصيب إبليس الهلاك الأبدى (رؤ 10: 20). بلا أمل فى عودة أو تحرير. عموماً الله ليس ضد الأمم، الله لا يكره مصر ولا موآب.. بل الله يؤدب هذه الشعوب كملك ملوك يملك ويحكم الأرض كلها، سواء من يعبده أو من لا يعبده والأمم الــ 11 هم: -.
- مصر: – وترمز للكبرياء وللتعلق بالعالم والخيرات الزمنية والإتكال عليها.
- فلسطين: – تشير للذين هم فى عداوة مستمرة لشعب الله.
- صور وصيدا: – يشيروا للتحالف مع أعداء شعب الله فى الشر.
- موآب: – تشير للفساد والكبرياء. ولمن يُعْثِر شعب الله ويسخر منهم فى ألامهم بعد أن يسقطوا.
- بنى عمون: – يشيروا لمن يحرم أبناء الله من ميراثهم، أو يأخذه منهم. وهذا بالضبط ما عمله إبليس إذ خدع آدم، فحُرِم الإنسان من الجنة.
- أدوم: – يشير بدمويته للشيطان (يو 44: 8) وأيضاً فى كبريائهم وثقتهم فى حكمتهم وحصونهم، هم يشيروا للشيطان. وأيضاً فهم فى عداوة تقليدية مع شعب الله، وهم باعوا أطفال يهوذا عبيداً بعد السبى، ورعوا أغنامهم فى أرض يهوذا التى صارت خراباً، ولكل هذا هم رمز للشياطين.
- دمشق: – كثيراً ما تحالفت أرام (سوريا) مع أعداء شعب الله ضدهم. ولكن دمشق تشير للعالم الذى خلقه الله جميلا ليفرح به الإنسان فتحول إلى هدف بدلا من الله. ويشير الدمار والفساد الذى حدث فى الخليقة للخطية، التى سقط فيها الإنسان فلعنت الأرض، وكان هذا بخداع الشيطان.
- قيدار.
- حاصور يشيروا لمن يعيش فى أمان كاذب غير طالبين حماية الله.
- عيلام = فارس: – يشير للمغرور بقوته ولا يفكر أن قوته هو الله.
- بابل: – تشير لمملكة الخطية ومملكة ضد المسيح فى كل مكان وزمان ومعظم هذه الأمم جاءت النبوات تحمل لها أخباراً طيبة، ما عدا بابل التى يتضح أن خرابها سيكون نهائياً.
ونلاحظ أننا لو حسبنا صور وصيدا أمتين مستقلتين، يصير العدد 12 وبهذا يرمز هذا العدد لأن الأمم لهم وعد بالخلاص وأنهم سيكونون من شعب الله، ولكن هناك دينونة لهم لأن بابل فى وسطهم أى هناك خطية فى وسطهم.
الأعداد 1-12
الأيات (1 – 12): –
“1كَلِمَةُ الرَّبِّ الَّتِي صَارَتْ إِلَى إِرْمِيَا النَّبِيِّ عَنِ الأُمَمِ، 2عَنْ مِصْرَ، عَنْ جَيْشِ فِرْعَوْنَ نَخُو مَلِكِ مِصْرَ الَّذِي كَانَ عَلَى نَهْرِ الْفُرَاتِ فِي كَرْكَمِيشَ، الَّذِي ضَرَبَهُ نَبُوخَذْرَاصَّرُ مَلِكُ بَابِلَ فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ لِيَهُويَاقِيمَ بْنِ يُوشِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا:
3«أَعِدُّوا الْمِجَنَّ وَالتُّرْسَ وَتَقَدَّمُوا لِلْحَرْبِ. 4أَسْرِجُوا الْخَيْلَ، وَاصْعَدُوا أَيُّهَا الْفُرْسَانُ، وَانْتَصِبُوا بِالْخُوَذِ. اصْقِلُوا الرِّمَاحَ. الْبَسُوا الدُّرُوعَ. 5لِمَاذَا أَرَاهُمْ مُرْتَعِبِينَ وَمُدْبِرِينَ إِلَى الْوَرَاءِ، وَقَدْ تَحَطَّمَتْ أَبْطَالُهُمْ وَفَرُّوا هَارِبِينَ، وَلَمْ يَلْتَفِتُوا؟ الْخَوْفُ حَوَالَيْهِمْ، يَقُولُ الرَّبُّ. 6الْخَفِيفُ لاَ يَنُوصُ وَالْبَطَلُ لاَ يَنْجُو. فِي الشِّمَالِ بِجَانِبِ نَهْرِ الْفُرَاتِ عَثَرُوا وَسَقَطُوا. 7مَنْ هذَا الصَّاعِدُ كَالنِّيلِ، كَأَنْهَارٍ تَتَلاَطَمُ أَمْوَاهُهَا؟ 8تَصْعَدُ مِصْرُ كَالنِّيلِ، وَكَأَنْهَارٍ تَتَلاَطَمُ الْمِيَاهُ. فَيَقُولُ: أَصْعَدُ وَأُغَطِّي الأَرْضَ. أُهْلِكُ الْمَدِينَةَ وَالسَّاكِنِينَ فِيهَا. 9اصْعَدِي أَيَّتُهَا الْخَيْلُ، وَهِيجِي أَيَّتُهَا الْمَرْكَبَاتُ، وَلْتَخْرُجِ الأَبْطَالُ: كُوشُ وَفُوطُ الْقَابِضَانِ الْمِجَنَّ، وَاللُّودِيُّونَ الْقَابِضُونَ وَالْمَادُّونَ الْقَوْسَ. 10فَهذَا الْيَوْمُ لِلسَّيِّدِ رَبِّ الْجُنُودِ يَوْمُ نَقْمَةٍ لِلانْتِقَامِ مِنْ مُبْغِضِيهِ، فَيَأْكُلُ السَّيْفُ وَيَشْبَعُ وَيَرْتَوِي مِنْ دَمِهِمْ. لأَنَّ لِلسَّيِّدِ رَبِّ الْجُنُودِ ذَبِيحَةً فِي أَرْضِ الشِّمَالِ عِنْدَ نَهْرِ الْفُرَاتِ. 11اصْعَدِي إِلَى جِلْعَادَ وَخُذِي بَلَسَانًا يَا عَذْرَاءَ، بِنْتَ مِصْرَ. بَاطِلاً تُكَثِّرِينَ الْعَقَاقِيرَ. لاَ رِفَادَةَ لَكِ. 12قَدْ سَمِعَتِ الأُمَمُ بِخِزْيِكِ، وَقَدْ مَلأَ الأَرْضَ عَوِيلُكِ، لأَنَّ بَطَلاً يَصْدِمُ بَطَلاً فَيَسْقُطَانِ كِلاَهُمَا مَعًا». “.
فى هذا الإصحاح نبوتين وفى هذه الأيات نجد النبوة الأولى وهى بسبب غزوة فرعون على بابل وهزيمته عند كركميش على نهر الفرات سنة 606 ثم إنسحاب جيشها لمصر ومصر فى الكتاب المقدس ترمز للظالم الذى يستعبد شعب الله، ورمز للعالم والحليف الذى يترجونه لحمايتهم. فدينونتها تشير لدينونة الظلم فى العالم. والنبوات تبدأ بمصر لهذا السبب فهى التى ظلمت وخدعت الشعب. هى دينونة ضد الشيطان الذى قهر الإنسان ويستعبده ويخدعه فيموت. ومصر بهزيمتها دفعت ثمن خطاياها. وفى الآيات (3، 4) يقول الله للشيطان إستعد أيها العدو بكل ما تملك من أسلحة، وفى آية (5) وما بعدها ففى معركة الصليب سترتد مذعورا، فالعدو الحقيقى لله هو الشيطان، وجزئيا النبوات موجهة إلى فرعون المتكبر الذى إستهان بالله قائلا “الله لا يستطيع أن ينزعنى من كرسيى”. ففى (4) أسرجوا الخيل = فمصر كانت تشتهر بجيادها. والله يقول أعدوا ما إستطعتم من قوة فسوف تهزمون. ومهما كانت قوة إبليس، فيسوع “خرج غالباً ولكى يغلب” (رؤ6: 2). وفى (5) هم مرتعبين هاربين = فالمصريين هربوا فى المعركة والشياطين فى كل معركة يُستخدم فيها إسم يسوع وصليبه يهربون. وفى (6) الخفيف لا ينوص = السريع الحركة لا يهرب (ينوص = يهرب). وفى (8، 7) يقارن بين فيضان النيل فى تدفقه مع تدفق قوات نخو فى إتجاه بابل. وهنا الله يتحدى، والنبى يتكلم بلسانه أن يصمد المصريين والكوشيين (تك6: 10) (هم لهم نفس المنشأ) وجيرانهم الذين فى تحالف معهم أى الليبيين = فوط… بل كلهم سيخجلون لأن الله ضدهم. هم خرجوا للحرب ظانين أنهم سيهدمون المدن (المدن هنا رمز لأولاد الله) ولكن الله لهُ فكر وتدبير آخر، لذلك هو يهزأ بهم (مزمور2). اللوديون = هم شعب على حدود مصر وليبيا. وفى (10) هم تصوروا إنتصارهم وأن هذا اليوم هو يومهم لكن الله يقول بل هذا يوم الرب = أليس فى هذا إشارة واضحة ليوم الصليب الذى ظن فيه الشيطان أنه إنتصر على المسيح، وقتل وإستعبد البشر أحباء الله، فالله لذاته فى بنى آدم. وكان الشيطان يظن نفسه قويا، ولن يستطيع الله أن ينقذ البشر من يده. ولكن المسيح خرج منتصراً على الشيطان وعلى الموت. وفى (12، 11) عذراء بنت مصر التى عاشت فى رفاهية ستهزم وتجرح وعليها أن تبحث عن بلسان فى جلعاد، ولكن بلا شفاء فالله لا يريد للظلم والظالمين شفاء. وبعد أن كانوا أبطالاً صاروا عذراء مجروحة.
الأعداد 13-28
الأيات (13 – 28): –
“13اَلْكَلِمَةُ الَّتِي تَكَلَّمَ بِهَا الرَّبُّ إِلَى إِرْمِيَا النَّبِيِّ فِي مَجِيءِ نَبُوخَذْرَاصَّرَ مَلِكِ بَابِلَ لِيَضْرِبَ أَرْضَ مِصْرَ: 14«أَخْبِرُوا فِي مِصْرَ، وَأَسْمِعُوا فِي مَجْدَلَ، وَأَسْمِعُوا فِي نُوفَ وَفِي تَحْفَنْحِيسَ. قُولُوا انْتَصِبْ وَتَهَيَّأْ، لأَنَّ السَّيْفَ يَأْكُلُ حَوَالَيْكَ. 15لِمَاذَا انْطَرَحَ مُقْتَدِرُوكَ؟ لاَ يَقِفُونَ، لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ طَرَحَهُمْ! 16كَثَّرَ الْعَاثِرِينَ حَتَّى يَسْقُطَ الْوَاحِدُ عَلَى صَاحِبِهِ، وَيَقُولُوا: قُومُوا فَنَرْجِعَ إِلَى شَعْبِنَا، وَإِلَى أَرْضِ مِيلاَدِنَا مِنْ وَجْهِ السَّيْفِ الصَّارِمِ. 17قَدْ نَادُوا هُنَاكَ: فِرْعَوْنُ مَلِكُ مِصْرَ هَالِكٌ. قَدْ فَاتَ الْمِيعَادُ. 18حَيٌّ أَنَا، يَقُولُ الْمَلِكُ رَبُّ الْجُنُودِ اسْمُهُ، كَتَابُورٍ بَيْنَ الْجِبَالِ، وَكَكَرْمَل عِنْدَ الْبَحْرِ يَأْتِي. 19اِصْنَعِي لِنَفْسِكِ أُهْبَةَ جَلاَءٍ أَيَّتُهَا الْبِنْتُ السَّاكِنَةُ مِصْرَ، لأَنَّ نُوفَ تَصِيرُ خَرِبَةً وَتُحْرَقُ فَلاَ سَاكِنَ. 20مِصْرُ عِجْلَةٌ حَسَنَةٌ جِدًّا. الْهَلاَكُ مِنَ الشِّمَالِ جَاءَ جَاءَ. 21أَيْضًا مُسْتَأْجَرُوهَا فِي وَسْطِهَا كَعُجُولِ صِيرَةٍ. لأَنَّهُمْ هُمْ أَيْضًا يَرْتَدُّونَ، يَهْرُبُونَ مَعًا. لَمْ يَقِفُوا لأَنَّ يَوْمَ هَلاَكِهِمْ أَتَى عَلَيْهِمْ، وَقْتَ عِقَابِهِمْ. 22صَوْتُهَا يَمْشِي كَحَيَّةٍ، لأَنَّهُمْ يَسِيرُونَ بِجَيْشٍ، وَقَدْ جَاءُوا إِلَيْهَا بِالْفُؤُوسِ كَمُحْتَطِبِي حَطَبٍ. 23يَقْطَعُونَ وَعْرَهَا، يَقُولُ الرَّبُّ، وَإِنْ يَكُنْ لاَ يُحْصَى، لأَنَّهُمْ قَدْ كَثُرُوا أَكْثَرَ مِنَ الْجَرَادِ، وَلاَ عَدَدَ لَهُمْ. 24قَدْ أُخْزِيَتْ بِنْتُ مِصْرَ وَدُفِعَتْ لِيَدِ شَعْبِ الشِّمَالِ. 25قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: هأَنَذَا أُعَاقِبُ أَمُونَ نُو وَفِرْعَوْنَ وَمِصْرَ وَآلِهَتَهَا وَمُلُوكَهَا، فِرْعَوْنَ وَالْمُتَوَكِّلِينَ عَلَيْهِ. 26 وَأَدْفَعُهُمْ لِيَدِ طَالِبِي نُفُوسِهِمْ، وَلِيَدِ نَبُوخَذْراصَّرَ مَلِكِ بَابِلَ، وَلِيَدِ عَبِيدِهِ. ثُمَّ بَعْدَ ذلِكَ تُسْكَنُ كَالأَيَّامِ الْقَدِيمَةِ، يَقُولُ الرَّبُّ. 27« وَأَنْتَ فَلاَ تَخَفْ يَا عَبْدِي يَعْقُوبُ، وَلاَ تَرْتَعِبْ يَا إِسْرَائِيلُ، لأَنِّي هأَنَذَا أُخَلِّصُكَ مِنْ بَعِيدٍ، وَنَسْلَكَ مِنْ أَرْضِ سَبْيِهِمْ، فَيَرْجعُ يَعْقُوبُ وَيَطْمَئِنُّ وَيَسْتَرِيحُ وَلاَ مُخِيفٌ. 28أَمَّا أَنْتَ يَا عَبْدِي يَعْقُوبُ فَلاَ تَخَفْ، لأَنِّي أَنَا مَعَكَ، لأَنِّي أُفْنِي كُلَّ الأُمَمِ الَّذِينَ بَدَّدْتُكَ إِلَيْهِمْ. أَمَّا أَنْتَ فَلاَ أُفْنِيكَ، بَلْ أُؤَدِّبُكَ بِالْحَقِّ وَلاَ أُبَرِّئُكَ تَبْرِئَةً».”.
النبوة الأولى قالها إرمياء وهو فى يهوذا، وأما هذه النبوة فقالها وهو فى أرض مصر حين جاء نبوخذ راصر ليضرب مصر. وبين النبوتين 18 سنة. وبعد هزيمة مصر فى كركميش لم يهاجم ملك بابل مصر فهو لم يكن مستعداً لذلك. فضمن لمصر سلامتها بشرط أن تتخلى عن كل أملاكها خارج مصر. ولما عرف أهل أورشليم النبأ عكف الملك صدقيا على مفاوضة مصر والثورة على بابل. ولأن كأس مصر كان قد إمتلأ جداً فلم يكتفى الله بضرب الجيش فى خارج أرضه بل ستكون الضربة هذه المرة داخل مصر لساكنيها. وكأن الضربة الأولى كانت إنذار وحينما لم يستفيدوا منهُ كانت الضربة الثانية، التى سيأتى فيها ملك بابل على مصر ليضربها. ونجد فى (14) إنذار بالحرب بمجىء ملك بابل إلى تحفنحيس ومجدل ونوف حيث يقيم اليهود (1: 44) ولكنها مدن مملوءة بالهياكل الوثنية والأصنام وهذه العبادة الوثنية وراءها الشيطان. وفى (16) رجال الحرب فى مصر كانوا مستأجَرين (مرتزقة) أو من الشعوب التى تحت حكم مصر أو المتحالفة معها مثل كوش وفوط. وحينما وجدوا الحرب شديدة وأن فرعون لا يسندهم هربوا كل واحد إلى بلاده. بل سمعوا نداء أن فرعون هالك. فى الإنجليزية جاءت كلمة هالك هكذا NOISE but a is ومعناها هو ليس أكثر من صوت “صنجاً يرن” هكذا الشيطان هو ليس أكثر من صوت ولا قدرة لهُ على أن يؤذى أحداً. ففرعون هذا كان يتكلم كثيراً عن قوته وليس أكثر من هذا. والشيطان هالك ومَخْزى أمام المسيح رب الجنود (18)، هذه نبوة عن هزيمة الشيطان أمام الرب يسوع المسيح ملك الملوك، الذى هو كتابور أعلى من باقى الجبال وككرمل عند البحر = جبل عالٍ بالنسبة لما حوله فهو جبل بالنسبة لبحر. فالمسيح كجبل عالٍ سماوى ثابت راسخ والشيطان كبحر منخفض ثائر مالح. وحتى لو كانت قوة الشيطان التى يستعملها فى حربه كالجبال، فعمل المسيح أقوى ويسود فهو أعلى وأقوى مثل تابور. وجزئيا فالنبوة تشير لأن ملك بابل كجبل عال بالنسبة لفرعون، ولكن من أعطاه هذا هو رب الجنود حتى يؤدب ملك مصر. وفى (20) مصر عجلة حسنة جداً = جاهزة للذبح، قد سمنت من غناها. وأصبح جنودها من الوفرة التى لهم، غير قادرين على القتال. هكذا كل من أتخم نفسه من شهوات هذا العالم لا يستطيع الحرب أمام إبليس، وكلمة عجلة تشير لإله المصريين الذى عبدوه “العجل أبيس” ومنهم تعلم اليهود عبادة العجل الذهبى. ولكن سيأتى من الشمال البابليين لذبح هذا العجل. وفى (21) مستأجروها كعجول صيرة = أى الجنود المستأجَرين صاروا كعجول سمينة يرتدون يهربون غير قادرين على الحرب = المستأجَرون هم كل من جعل نفسه أداة فى يد الشيطان ليُعثِر أولاد الله. وفى (22) وسيكون المصريين غير قادرين حتى أن يحدثوا صوتاً بعد أن كانوا “ليسوا إلا صوت” وينخفض صوتهم مثل حية لا صوت لها غير فحيح العداوة وهى راجعة لجحرها. ولن يجرأوا أن يرفعوا صوتهم كما فى الماضى فـأولاد المسيح أخذوا سلطاناً أن يدوسوا الحيات والعقارب وكل قوة العدو. ولن يكونوا قادرين على المقاومة مثل شجرة لا تستطيع أن تقاوم من يقطعها بفأس. وفى (24) خراب نهائى بيد ملك بابل. وفى (25) الله يعاقب فرعون والمتوكلين عليه أى اليهود الذين وثقوا فيه أكثر من إلههم. ولكن ستسكن مصر ثانية (26). وفى (28، 27) طالما ذكر الخير لمصر يذكر أيضاً الخير لإسرائيل فخلاص المسيح هو للجميع والكنيسة تسمى رمزياً إسرائيل. وهذه النبوة لو أخذناها بمفهوم محدود لكانت تعنى الخير للمسبيين فى بابل. وهنا نرى بوضوح إرتباط خلاص البشر بعقوبة الشيطان = لأَنِّي أُفْنِي كُلَّ الأُمَمِ (الشياطين لهم عقوبة أبدية) الَّذِينَ بَدَّدْتُكَ إِلَيْهِمْ. أَمَّا أَنْتَ فَلاَ أُفْنِيكَ (البشر المؤمنين لهم خلاص أبدى)، بَلْ أُؤَدِّبُكَ بِالْحَقِّ (الألام على الأرض هنا هى للتأديب) وَلاَ أُبَرِّئُكَ تَبْرِئَةً (الله قدوس لا يحتمل الخطية، والخطية لها عقوبتها). والله يطمئن الإنسان أن من ينضم لكنيسته (رمزيا هنا الكنيسة هى يعقوب) عليه ألا يخاف = لا تخف يا عبدى يعقوب. وحتى لو خضعت لعبودية الشيطان لفترة، فهذا وضع مؤقت “فالخليقة أخضعت للباطل على رجاء” (رو8: 20). ولكن هناك خلاص آتٍ من بعيد = أى بطريقة لا يتصورها مخلوق، فالله سيتجسد وبصليبه يضرب قوة الشيطان ويدينه، ويصير الصليب علامة الخلاص للإنسان. اِصْنَعِي لِنَفْسِكِ أُهْبَةَ جَلاَءٍ أَيَّتُهَا الْبِنْتُ السَّاكِنَةُ مِصْرَ (آية19) = كان الشيطان يسكن فى البشر، وبعد المسيح طرده الروح القدس وسكن الروح فى المعمدين (طقس صلاة المعمودية والميرون). والمدن والهياكل التى سكن فيها الشيطان تصير كنائس ويسكن فيها الروح القدس.