الإصحاح الحادى والخمسون
الأعداد 1-64
الأيات (1 – 64): –
“1« هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: هأَنَذَا أُوقِظُ عَلَى بَابِلَ وَعَلَى السَّاكِنِينَ فِي وَسْطِ الْقَائِمِينَ عَلَيَّ رِيحًا مُهْلِكَةً. 2 وَأُرْسِلُ إِلَى بَابِلَ مُذَرِّينَ فَيُذَرُّونَهَا وَيُفَرِّغُونَ أَرْضَهَا، لأَنَّهُمْ يَكُونُونَ عَلَيْهَا مِنْ كُلِّ جِهَةٍ فِي يَوْمِ الشَّرِّ. 3عَلَى النَّازِعِ فِي قَوْسِهِ، فَلْيَنْزِعِ النَّازِعُ، وَعَلَى الْمُفْتَخِرِ بِدِرْعِهِ، فَلاَ تُشْفِقُوا عَلَى مُنْتَخَبِيهَا، بَلْ حَرِّمُوا كُلَّ جُنْدِهَا. 4فَتَسْقُطَ الْقَتْلَى فِي أَرْضِ الْكَلْدَانِيِّينَ، وَالْمَطْعُونُونَ فِي شَوَارِعِهَا. 5لأَنَّ إِسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا لَيْسَا بِمَقْطُوعَيْنِ عَنْ إِلهِهِمَا، عَنْ رَبِّ الْجُنُودِ، وَإِنْ تَكُنْ أَرْضُهُمَا مَلآنَةً إِثْمًا عَلَى قُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ. 6اهْرُبُوا مِنْ وَسْطِ بَابِلَ، وَانْجُوا كُلُّ وَاحِدٍ بِنَفْسِهِ. لاَ تَهْلِكُوا بِذَنْبِهَا، لأَنَّ هذَا زَمَانُ انْتِقَامِ الرَّبِّ، هُوَ يُؤَدِّي لَهَا جَزَاءَهَا. 7بَابِلُ كَأْسُ ذَهَبٍ بِيَدِ الرَّبِّ تُسْكِرُ كُلَّ الأَرْضِ. مِنْ خَمْرِهَا شَرِبَتِ الشُّعُوبُ. مِنْ أَجْلِ ذلِكَ جُنَّتِ الشُّعُوبُ. 8سَقَطَتْ بَابِلُ بَغْتَةً وَتَحَطَّمَتْ. وَلْوِلُوا عَلَيْهَا. خُذُوا بَلَسَانًا لِجُرْحِهَا لَعَلَّهَا تُشْفَى! 9دَاوَيْنَا بَابِلَ فَلَمْ تُشْفَ. دَعُوهَا، وَلْنَذْهَبْ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى أَرْضِهِ، لأَنَّ قَضَاءَهَا وَصَلَ إِلَى السَّمَاءِ، وَارْتَفَعَ إِلَى السَّحَابِ. 10قَدْ أَخْرَجَ الرَّبُّ بِرَّنَا. هَلُمَّ فَنَقُصُّ فِي صِهْيَوْنَ عَمَلَ الرَّبِّ إِلهِنَا. 11سُنُّوا السِّهَامَ. أَعِدُّوا الأَتْرَاسَ. قَدْ أَيْقَظَ الرَّبُّ رُوحَ مُلُوكِ مَادِي، لأَنَّ قَصْدَهُ عَلَى بَابِلَ أَنْ يُهْلِكَهَا. لأَنَّهُ نَقْمَةُ الرَّبِّ، نَقْمَةُ هَيْكَلِهِ. 12عَلَى أَسْوَارِ بَابِلَ ارْفَعُوا الرَّآية. شَدِّدُوا الْحِرَاسَةَ. أَقِيمُوا الْحُرَّاسَ. أَعِدُّوا الْكَمِينَ، لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ قَصَدَ وَأَيْضًا فَعَلَ مَا تَكَلَّمَ بِهِ عَلَى سُكَّانِ بَابِلَ. 13أَيَّتُهَا السَّاكِنَةُ عَلَى مِيَاهٍ كَثِيرَةٍ، الْوَافِرَةُ الْخَزَائِنِ، قَدْ أَتَتْ آخِرَتُكِ، كَيْلُ اغْتِصَابِكِ. 14قَدْ حَلَفَ رَبُّ الْجُنُودِ بِنَفْسِهِ: إِنِّي لأَمْلأَنَّكِ أُنَاسًا كَالْغَوْغَاءِ، فَيَرْفَعُونَ عَلَيْكِ جَلَبَةً.
15«صَانِعُ الأَرْضِ بِقُوَّتِهِ، وَمُؤَسِّسُ الْمَسْكُونَةِ بِحِكْمَتِهِ، وبِفَهْمِهِ مَدَّ السَّمَاوَاتِ. 16إِذَا أَعْطَى قَوْلاً تَكُونُ كَثْرَةُ مِيَاهٍ فِي السَّمَاوَاتِ، وَيُصْعِدُ السَّحَابَ مِنْ أَقَاصِي الأَرْضِ. صَنَعَ بُرُوقًا لِلْمَطَرِ، وَأَخْرَجَ الرِّيحَ مِنْ خَزَائِنِهِ. 17بَلُدَ كُلُّ إِنْسَانٍ بِمَعْرِفَتِهِ. خَزِيَ كُلُّ صَائِغٍ مِنَ التِّمْثَالِ لأَنَّ مَسْبُوكَهُ كَذِبٌ وَلاَ رُوحٌ فِيهِ. 18هِيَ بَاطِلَةٌ، صَنْعَةُ الأَضَالِيلِ. فِي وَقْتِ عِقَابِهَا تَبِيدُ. 19لَيْسَ كَهذِهِ نَصِيبُ يَعْقُوبَ، لأَنَّهُ مُصَوِّرُ الْجَمِيعِ، وَقَضِيبُ مِيرَاثِهِ، رَبُّ الْجُنُودِ اسْمُهُ. 20أَنْتَ لِي فَأْسٌ وَأَدَوَاتُ حَرْبٍ، فَأَسْحَقُ بِكَ الأُمَمَ، وَأُهْلِكُ بِكَ الْمَمَالِكَ، 21 وَأُكَسِّرُ بِكَ الْفَرَسَ وَرَاكِبَهُ، وَأَسْحَقُ بِكَ الْمَرْكَبَةَ وَرَاكِبَهَا، 22 وَأَسْحَقُ بِكَ الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ، وَأَسْحَقُ بِكَ الشَّيْخَ وَالْفَتَى، وَأَسْحَقُ بِكَ الْغُلاَمَ وَالْعَذْرَاءَ، 23 وَأَسْحَقُ بِكَ الرَّاعِيَ وَقَطِيعَهُ، وَأَسْحَقُ بِكَ الْفَلاَّحَ وَفَدَّانَهُ، وَأَسْحَقُ بِكَ الْوُلاَةَ وَالْحُكَّامَ. 24 وَأُكَافِئُ بَابِلَ وَكُلَّ سُكَّانِ أَرْضِ الْكَلْدَانِيِّينَ عَلَى كُلِّ شَرِّهِمِ الَّذِي فَعَلُوهُ فِي صِهْيَوْنَ، أَمَامَ عُيُونِكُمْ، يَقُولُ الرَّبُّ. 25هأَنَذَا عَلَيْكَ أَيُّهَا الْجَبَلُ الْمُهْلِكُ، يَقُولُ الرَّبُّ، الْمُهْلِكُ كُلَّ الأَرْضِ، فَأَمُدُّ يَدِي عَلَيْكَ وَأُدَحْرِجُكَ عَنِ الصُّخُورِ، وَأَجْعَلُكَ جَبَلاً مُحْرَقًا، 26فَلاَ يَأْخُذُونَ مِنْكَ حَجَرًا لِزَاوِيَةٍ، وَلاَ حَجَرًا لأُسُسٍ، بَلْ تَكُونُ خَرَابًا إِلَى الأَبَدِ، يَقُولُ الرَّبُّ.
27«اِرْفَعُوا الرَّآية فِي الأَرْضِ. اضْرِبُوا بِالْبُوقِ فِي الشُّعُوبِ. قَدِّسُوا عَلَيْهَا الأُمَمَ. نَادُوا عَلَيْهَا مَمَالِكَ أَرَارَاطَ وَمِنِّي وَأَشْكَنَازَ. أَقِيمُوا عَلَيْهَا قَائِدًا. أَصْعِدُوا الْخَيْلَ كَغَوْغَاءَ مُقْشَعِرَّةٍ. 28قَدِّسُوا عَلَيْهَا الشُّعُوبَ، مُلُوكَ مَادِي، وُلاَتَهَا وَكُلَّ حُكَّامِهَا وَكُلَّ أَرْضِ سُلْطَانِهَا، 29فَتَرْتَجِفَ الأَرْضُ وَتَتَوَجَّعَ، لأَنَّ أَفْكَارَ الرَّبِّ تَقُومُ عَلَى بَابِلَ، لِيَجْعَلَ أَرْضَ بَابِلَ خَرَابًا بِلاَ سَاكِنٍ. 30كَفَّ جَبَابِرَةُ بَابِلَ عَنِ الْحَرْبِ، وَجَلَسُوا فِي الْحُصُونِ. نَضَبَتْ شَجَاعَتُهُمْ. صَارُوا نِسَاءً. حَرَقُوا مَسَاكِنَهَا. تَحَطَّمَتْ عَوَارِضُهَا. 31يَرْكُضُ عَدَّاءٌ لِلِقَاءِ عَدَّاءٍ، وَمُخْبِرٌ لِلِقَاءِ مُخْبِرٍ، لِيُخْبِرَ مَلِكَ بَابِلَ بِأَنَّ مَدِينَتَهُ قَدْ أُخِذَتْ عَنْ أقْصَى، 32 وَأَنَّ الْمَعَابِرَ قَدْ أُمْسِكَتْ، وَالْقَصَبَ أَحْرَقُوهُ بِالنَّارِ، وَرِجَالُ الْحَرْبِ اضْطَرَبَتْ. 33لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: إِنَّ بِنْتَ بَابِلَ كَبَيْدَرٍ وَقْتَ دَوْسِهِ. بَعْدَ قَلِيل يَأْتِي عَلَيْهَا وَقْتُ الْحَصَادِ».
34«أَكَلَنِي أَفْنَانِي نَبُوخَذْرَاصَّرُ مَلِكُ بَابِلَ. جَعَلَنِي إِنَاءً فَارِغًا. ابْتَلَعَنِي كَتِنِّينٍ، وَمَلأَ جَوْفَهُ مِنْ نِعَمِي. طَوَّحَنِي. 35ظُلْمِي وَلَحْمِي عَلَى بَابِلَ» تَقُولُ سَاكِنَةُ صِهْيَوْنَ. « وَدَمِي عَلَى سُكَّانِ أَرْضِ الْكَلْدَانِيِّينَ» تَقُولُ أُورُشَلِيمُ. 36لِذلِكَ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: «هأَنَذَا أُخَاصِمُ خُصُومَتَكِ، وَأَنْتَقِمُ نَقْمَتَكِ، وَأُنَشِّفُ بَحْرَهَا، وَأُجَفِّفُ يَنْبُوعَهَا. 37 وَتَكُونُ بَابِلُ كُوَمًا، وَمَأْوَى بَنَاتِ آوَى، وَدَهَشًا وَصَفِيرًا بِلاَ سَاكِنٍ. 38يُزَمْجِرُونَ مَعًا كَأَشْبَال. يَزْأَرُونَ كَجِرَاءِ أُسُودٍ. 39عِنْدَ حَرَارَتِهِمْ أُعِدُّ لَهُمْ شَرَابًا وَأُسْكِرُهُمْ، لِكَيْ يَفْرَحُوا وَيَنَامُوا نَوْمًا أَبَدِيًّا، وَلاَ يَسْتَيْقِظُوا، يَقُولُ الرَّبُّ. 40أُنَزِّلُهُمْ كَخِرَافٍ لِلذَّبْحِ وَكَكِبَاشٍ مَعَ أَعْتِدَةٍ.
41« كَيْفَ أُخِذَتْ شِيشَكُ، وَأُمْسِكَتْ فَخْرُ كُلِّ الأَرْضِ؟ كَيْفَ صَارَتْ بَابِلُ دَهَشًا فِي الشُّعُوبِ؟ 42طَلَعَ الْبَحْرُ عَلَى بَابِلَ، فَتَغَطَّتْ بِكَثْرَةِ أَمْوَاجِهِ. 43صَارَتْ مُدُنُهَا خَرَابًا، أَرْضًا نَاشِفَةً وَقَفْرًا، أَرْضًا لاَ يَسْكُنُ فِيهَا إِنْسَانٌ وَلاَ يَعْبُرُ فِيهَا ابْنُ آدَمَ. 44 وَأُعَاقِبُ بِيلَ فِي بَابِلَ، وَأُخْرِجُ مِنْ فَمِهِ مَا ابْتَلَعَهُ، فَلاَ تَجْرِي إِلَيْهِ الشُّعُوبُ بَعْدُ، وَيَسْقُطُ سُورُ بَابِلَ أَيْضًا. 45اُخْرُجُوا مِنْ وَسَطِهَا يَا شَعْبِي، وَلْيُنَجِّ كُلُّ وَاحِدٍ نَفْسَهُ مِنْ حُمُوِّ غَضَبِ الرَّبِّ. 46 وَلاَ يَضْعُفْ قَلْبُكُمْ فَتَخَافُوا مِنَ الْخَبَرِ الَّذِي سُمِعَ فِي الأَرْضِ، فَإِنَّهُ يَأْتِي خَبَرٌ فِي هذِهِ السَّنَةِ، ثُمَّ بَعْدَهُ فِي السَّنَةِ الأُخْرَى، خَبَرٌ وَظُلْمٌ فِي الأَرْضِ، مُتَسَلِّطٌ عَلَى مُتَسَلِّطٍ. 47لِذلِكَ هَا أَيَّامٌ تَأْتِي وَأُعَاقِبُ مَنْحُوتَاتِ بَابِلَ، فَتَخْزَى كُلُّ أَرْضِهَا وَتَسْقُطُ كُلُّ قَتْلاَهَا فِي وَسْطِهَا. 48فَتَهْتِفُ عَلَى بَابِلَ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ وَكُلُّ مَا فِيهَا، لأَنَّ النَّاهِبِينَ يَأْتُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشِّمَالِ، يَقُولُ الرَّبُّ. 49كَمَا أَسْقَطَتْ بَابِلُ قَتْلَى إِسْرَائِيلَ، تَسْقُطُ أَيْضًا قَتْلَى بَابِلَ فِي كُلِّ الأَرْضِ. 50أَيُّهَا النَّاجُونَ مِنَ السَّيْفِ اذْهَبُوا. لاَ تَقِفُوا. اذْكُرُوا الرَّبَّ مِنْ بَعِيدٍ، وَلْتَخْطُرْ أُورُشَلِيمُ بِبَالِكُمْ. 51قَدْ خَزِينَا لأَنَّنَا قَدْ سَمِعْنَا عَارًا. غَطَّى الْخَجَلُ وُجُوهَنَا لأَنَّ الْغُرَبَاءَ قَدْ دَخَلُوا مَقَادِسَ بَيْتِ الرَّبِّ. 52لِذلِكَ هَا أَيَّامٌ تَأْتِي، يَقُولُ الرَّبُّ، وَأُعَاقِبُ مَنْحُوتَاتِهَا، وَيَتَنَهَّدُ الْجَرْحَى فِي كُلِّ أَرْضِهَا. 53فَلَوْ صَعِدَتْ بَابِلُ إِلَى السَّمَاوَاتِ، وَلَوْ حَصَّنَتْ عَلْيَاءَ عِزِّهَا، فَمِنْ عِنْدِي يَأْتِي عَلَيْهَا النَّاهِبُونَ، يَقُولُ الرَّبُّ.
54«صَوْتُ صُرَاخٍ مِنْ بَابِلَ وَانْحِطَامٌ عَظِيمٌ مِنْ أَرْضِ الْكَلْدَانِيِّينَ، 55لأَنَّ الرَّبَّ مُخْرِبٌ بَابِلَ وَقَدْ أَبَادَ مِنْهَا الصَّوْتَ الْعَظِيمَ، وَقَدْ عَجَّتْ أَمْوَاجُهُمْ كَمِيَاهٍ كَثِيرَةٍ وَأُطْلِقَ ضَجِيجُ صَوْتِهِمْ. 56لأَنَّهُ جَاءَ عَلَيْهَا، عَلَى بَابِلَ، الْمُخْرِبُ، وَأُخِذَ جَبَابِرَتُهَا، وَتَحَطَّمَتْ قِسِيُّهُمْ، لأَنَّ الرَّبَّ إِلهُ مُجَازَاةٍ يُكَافِئُ مُكَافَأَةً. 57 وَأُسْكِرُ رُؤَسَاءَهَا وَحُكَمَاءَهَا وَوُلاَتَهَا وَحُكَّامَهَا وَأَبْطَالَهَا فَيَنَامُونَ نَوْمًا أَبَدِيًّا، وَلاَ يَسْتَيْقِظُونَ، يَقُولُ الْمَلِكُ رَبُّ الْجُنُودِ اسْمُهُ. 58هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: إِنَّ أَسْوَارَ بَابِلَ الْعَرِيضَةَ تُدَمَّرُ تَدْمِيرًا، وَأَبْوَابُهَا الشَّامِخَةَ تُحْرَقُ بِالنَّارِ، فَتَتْعَبُ الشُّعُوبُ لِلْبَاطِلِ، وَالْقَبَائِلُ لِلنَّارِ حَتَّى تَعْيَا».
59اَلأَمْرُ الَّذِي أَوْصَى بِهِ إِرْمِيَا النَّبِيُّ سَرَايَا بْنَ نِيرِيَّا بْنِ مَحْسِيَّا، عِنْدَ ذَهَابِهِ مَعَ صِدْقِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا إِلَى بَابِلَ فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ لِمُلْكِهِ، وَكَانَ سَرَايَا رَئِيسَ الْمَحَلَّةِ، 60فَكَتَبَ إِرْمِيَا كُلَّ الشَّرِّ الآتِي عَلَى بَابِلَ فِي سِفْرٍ وَاحِدٍ، كُلَّ هذَا الْكَلاَمِ الْمَكْتُوبِ عَلَى بَابِلَ، 61 وَقَالَ إِرْمِيَا لِسَرَايَا: «إِذَا دَخَلْتَ إِلَى بَابِلَ وَنَظَرْتَ وَقَرَأْتَ كُلَّ هذَا الْكَلاَمِ، 62فَقُلْ: أَنْتَ يَا رَبُّ قَدْ تَكَلَّمْتَ عَلَى هذَا الْمَوْضِعِ لِتَقْرِضَهُ حَتَّى لاَ يَكُونَ فِيهِ سَاكِنٌ مِنَ النَّاسِ إِلَى الْبَهَائِمِ، بَلْ يَكُونُ خِرَبًا أَبَدِيَّةً. 63 وَيَكُونُ إِذَا فَرَغْتَ مِنْ قِرَاءَةِ هذَا السِّفْرِ أَنَّكَ تَرْبُطُ بِهِ حَجَرًا وَتَطْرَحُهُ إِلَى وَسْطِ الْفُرَاتِ 64 وَتَقُولُ: هكَذَا تَغْرَقُ بَابِلُ وَلاَ تَقُومُ، مِنَ الشَّرِّ الَّذِي أَنَا جَالِبُهُ عَلَيْهَا وَيَعْيَوْنَ». إِلَى هُنَا كَلاَمُ إِرْمِيَا. “.
تفسير بعض الكلمات فى الإصحاح: -.
آية 7: – جنت الشعوب = وقعت فى الحيرة والعجز. والشيطان أسكر الناس بالخطية فجنوا وتركوا الله وتبلبلوا وتاهوا، فقرار ترك الله هو جنون.
آية 8: – خذوا بلساناً لجرحها لعلها تشفى = الإيمان بالمسيح وحده هو الذى يشفى وهذا العلاج يصلح لكل تائب، أما الشيطان وتابعوه فهم بلا أمل، لأنهم رافضين الإيمان بالمسيح. والبلسان كان يستخرج من شجرة ويستخدم فى علاج الجروح.
آية 14: – الغوغاء = طور من أطوار الجراد الذى يأتى على كل أخضر فيحوله إلى خراب.
آية 25: – جبلاً محرقاً = قاحلاً كالبركان الهادىء بعد إنفجاره.
آية 32: – المعابر = المخاضات عبر الفرات. والقصب = إذ إختبأ جنود بابل فى القصب على ضفاف النهر، أحرق الماديون هذا القصب، فلا يعرف البابليين حتى أن يختبأوا. عموماً فالمعنى أن الماديون أحرقوا كل وسائل دفاع البابليين.
قد يبدو هذا الاصحاح غير مرتب ولكن في ضوء التفسير الرمزي فهو شرح واضح لعمل الله مع الخليقة التي سقطت، وكيف أسلمها الله للباطل ولكن علي رجاء (رو8: 20). وكان هذا بحكمة من الله الذي استخدم الشيطان الباطل كعصا تأديب للخليقة كما استخدم بابل لتأديب شعبه إسرائيل. ولكن كما هلكت بابل فالشيطان مصيره البحيرة المتقدة بالنار (رؤ20: 10). ثم يأتي اصحاح 52 لنري التطبيق المباشر لسقوط الانسان في يد الباطل وفساده كهيكل لله نتيجة الخطية , وهذا كبرهان أمام أعين الكل علي تنفيذ كلمة الله. فالانسان الآن يؤدب، ولكننا ننتظر المجد وهلاك ابليس بالرجاء , وكلمة الله أن هلاك الشيطان مؤكد.
آيات 1 – 6: – قبل ان تبدأ نبوات الاصحاح يبدأ الله بأن يعطي شعبه رجاء أن سيادة الشيطان علي شعب الله لن تستمر. وأن الله سيهدم مملكته، وعلى أولاد الله أن يهربوا منها (والمقصود الهروب من شر العالم) حتى لا تصيبهم الضربات التى ستنزل على بابل. هأَنَذَا أُوقِظُ = هذا وعد بقيامتنا من موت الخطية، ونلاحظ إرتباط قيامة البشر مع هلاك الشيطان، فالصليب حقق الهدفين معا.
آيات 7 – 9: – الشيطان الذي كان مخلوقا سمائيا (الذهب رمز للسمائيات) أسكر الشعوب بخداعه بملذات الخطية وأسقطها. ولكنه سقط بالمسيح الذي أسس كنيسته، وهنا دعوة لنا لنرجع إلي الكنيسة أرضنا، وكانت هناك محاولات لإرجاع إبليس ولم يقبل وصار إبليس بلا أمل في الشفاء.
آيات 10 – 14: – المسيح الرب برنا، برر كنيسته فلم يعد للشيطان أن يشتكى علينا. ودور الكنيسة الكرازة بعمل المسيح (10) وإستمرار الحرب ضد إبليس، بل من كثرة المؤمنين سيكونوا كالغوغاء (الجراد) (14)، ويهجمون على مملكة إبليس بتسابيحهم وصلواتهم وكرازتهم = فيرفعون عليها جلبة، وعلى الكنيسة حراسة أولادها من حروب إبليس (12). وأسلحة إبليس رئيس هذا العالم هي ملذات العالم (المياه الكثيرة الوافرة الخزائن) (13). هذه الأسلحة ستبطل فاعليتها مع إكتشاف حلاوة عشرة المسيح الجوهرة الكثيرة الثمن.
آيات 15 – 16: – إذا أَعْطَى قَوْلاً تَكُونُ كَثْرَةُ مِيَاهٍ = وهل نحن بلا أسلحة؟ أبدا. فإبن الله كلمة الله = قولا الذي به كان كل شئ أتي ليجدد الخليقة وأرسل الروح القدس (كثرة مياه في السموات).
آيات 17 – 19: – الروح القدس عمله فتح العينين، وهذا ما حدث وإنفتحت عيون المؤمنين وعرفوا تفاهة أوثانهم وحقيقتها. لَيْسَ كَهذِهِ نَصِيبُ يَعْقُوبَ = وهذه تعنى أن عيون المؤمنين إنفتحت على من هو الله.
آيات 20 – 23: – لكن الشيطان أداة لتأديبنا (فأس). الله خلقه سماوى من ذهب ولكنه رفض، ورفض محاولات إرجاعه، فتركه الله كأداة تأديب لأولاده.
ايات 24 – 26: – ولكن يا ويل من يؤذي أولاد الله، أى يا ويل هذا الشيطان الجبل المهلك. الله يستخدم أداة التأديب وبعد التأديب يا ويل من ضرب أولاده.
آيات 27 – 28: – دخول الأمم للكنيسة (قدسوا). ويكون المؤمنين كخيل للهجوم على مملكة الشياطين، فالمؤمنين شبههم سفر النشيد “شبهتك يا حبيبتى بفرس فى مركبات فرعون”. والفرس الأبيض الراكب عليه المسيح “خرج غالبا ولكى يغلب” (رؤ6: 2). قدسوا عليها الشعوب = أى أن الله خصصهم لعمل الهجوم على مملكة الشياطين بصلواتهم وتسابيحهم ودخولهم للإيمان ورفضهم إغراءات الشياطين.
آيات 29 – 33: – صورة لضعف وخراب مملكة الشيطان، لقد صار عدو مهزوم. وصار الشيطان فى رعب = ترتجف. بل هو كان فى رعب قبل الصليب إذ بدأ يدرك من هو هذا الإنسان يسوع “واذا هما قد صرخا قائلين ما لنا ولك يا يسوع ابن الله. أجئت الى هنا قبل الوقت لتعذبنا” (مت8: 29). وبعد الصليب صار للدوس = إِنَّ بِنْتَ بَابِلَ كَبَيْدَرٍ وَقْتَ دَوْسِهِ، وقارن مع قول الرب “أعطيتكم سلطانا أن تدوسوا..”. وحتى لم يعد لهم مكان يختبئوا فيه = وَالْقَصَبَ أَحْرَقُوهُ بِالنَّارِ = فكان جنود بابل يختبئوا فى القصب، فأحرق جنود الفرس القصب.
آيات 34 – 40: – هنا نرى شكوى الإنسان بسبب الألام التى سببها له السقوط، وهى صورة تحدث الآن لكل خاطئ وماذا يفعل الشيطان بمن ينخدع بغواياته. فلقد دمَّر الشيطان الإنسان، ثم نرى إنتقام الله من الشيطان على ما فعله الشيطان بالإنسان.
آيات 40 – 46: – الضربات التى تنزل على الشيطان وجنوده، ودعوة لنا لأن ننعزل عن الشر وإلا تنزل علينا نفس الضربات. وَلاَ يَضْعُفْ قَلْبُكُمْ فَتَخَافُوا مِنَ الْخَبَرِ الَّذِي سُمِعَ فِي الأَرْضِ، فَإِنَّهُ يَأْتِي خَبَرٌ فِي هذِهِ السَّنَةِ، ثُمَّ بَعْدَهُ فِي السَّنَةِ الأُخْرَى، خَبَرٌ وَظُلْمٌ فِي الأَرْضِ، مُتَسَلِّطٌ عَلَى مُتَسَلِّطٍ = الشيطان يحرك ممالك لتظلم وتضطهد شعب الله، والله يستخدم هذه الممالك لتأديب أولاده، وبعد إنتهاء التأديب يرسل مملكة أخرى لتؤدب وتضرب المملكة الأولى التى إضطهدت شعب الله. فمملكة وراء مملكة، وحرب وراء حرب (زك1: 18 – 21)، والله يطمئن شعبه حتى لا يخافوا من هذه الأخبار فهو ضابط الكل، وهو الذى يُسَيِّر الأمور والهدف خلاص نفوس شعبه. عين الله على شعبه ليحفظهم وسط كل هذه الحروب فلا داعى للخوف فهو ضابط الكل.
آيات 47 – 53: – ها أيام وأعاقب منحوتات بابل = الله يود لو أنهى الحروب الآن، ويتمنى أن يهلك الشيطان (منحوتات بابل) الآن، وأن نرى مجده الآن، ولكن “لكل شئ تحت السماوات وقت” (جا3)، قال عنه بولس الرسول “ملء الزمان”. وإلى أن يأتى ملء الزمان هذا ويوضع إبليس فى البحيرة المتقدة بالنار وندخل نحن للمجد، ماذا نفعل؟ أَيُّهَا النَّاجُونَ مِنَ السَّيْفِ اذْهَبُوا. لاَ تَقِفُوا. اذْكُرُوا الرَّبَّ مِنْ بَعِيدٍ، وَلْتَخْطُرْ أُورُشَلِيمُ بِبَالِكُمْ. = على كل من آمن ونجا من الهلاك أن يعمل فى كرم الرب لبناء الكنيسة = أوشليم حتى تبقى الكنيسة منارة وليست ظلمة = قَدْ خَزِينَا لأَنَّنَا قَدْ سَمِعْنَا عَارًا.
آيات 54 – 58: – البحيرة المتقدة بالنار نهاية ابليس.
آيات 59 – 64: – الكتاب المقدس شاهد علي صدق وعود الله وانذارته.
ونضع دراسة الإصحاح فى صورة أسئلة وأجوبة.
- ماذا كانت بابل وماذا صنع بها الله: – بابل كانت كأس ذهب (7) فى يد الله. إمبراطورية غنية. هى رأس الذهب فى (دا 38: 2) وكانت مملوءة من كل شىء صالح وكانت بيد الله. هو باركها. وكذلك خلق الله الشيطان ملاكاً قوياً جميلاً “زهرة بنت الصبح” (إش12: 14 + حز11: 28) ولكنهم سقطوا وأسكروا الأرض. وعلموا الشعوب الخطية. والبعض أسكروهم برعبهم ثم بخرابهم لهم. وهكذا بابل العهد الجديد (رؤ2: 17 + 3: 18) وهم كانوا فى يد الله ومازالوا كفأس للحرب (20) فكأن الله إستخدم قوة بابل كأسلحة لحربه لتأديب الشعوب. وبها كسَّر الله أمماً وجيوشاً (21 – 23) ولكن الدور سيأتى على بابل.
- التهمة الموجهة لبابل: – مرضها عديم الشفاء (9) فبالنسبة لبابل قد يكون المسبيين الأتقياء حاولوا دعوتهم لترك وثنيتهم تبعاً للتعليمات التى تلقوها فى (11: 10) لإقناعهم بغباء وثنيتهم ولكن بلا فائدة. وقد يكون المعنى أن الله حاول مع الشياطين لكى يتوبوا لكنهم رفضوا. فالتوبة هى شفاء الخاطىء. وهى متهمة بشرها وخبثها ضد إسرائيل أى شعب الله (35، 34) وهذا ما صنعه إبليس ببنى البشر. فملك بابل إبتلع كل غنى إسرائيل ومسراتها ثم رماها كإناء فارغ لكن كل الدماء التى سفكها ستقع على رأس بابل.
- الحكم الذى صدر من الله ضد بابل: – هأنذا أخاصم خصومتك = الله وهو جالس على عرش مجده سيحارب على كل نقطة دم سفكها أعداء شعب الله. وكان يبدو وكأن الله قد نسى الشعب الذى فى السبى ولكن عينه كانت دائماً عليهم (5) ليسا بمقطوعين = هو لم ينسى شعبه لكنه تخلى عنهم مؤقتاً لتأديبهم على خطاياهم ولكن الله يعاملهم بأحسن مما يستحقون فهو لم يهجرهم ولم يرميهم فهم شعبه ولابد سينقذهم. وقد ظن الكلدانيين أن الله لن يسألهم عما إقترفوه ضد إسرائيل ولكن هناك يوماً للإنتقام (6)، (56) وسيرد على بابل كل شرورها (24) وسيفرح شعب الله بهذا الحكم ضد بابل وسيعرفون أن هناك إله يحكم فى الأرض. وكما قتلت بابل شعب الرب هكذا يصنع بها (49) لاحظ أن كل هذا منطبق على الشياطين. وفى (10) أخرج الرب برنا = هذا عمل فداء المسيح فيظهر أمام الآب شعبه كأبرار فى عينيه بعد أن صالحنا المسيح معهُ. وبعد هذا يكون عملنا أن نقص فى صهيون عمل الرب = أى نظهر عمل الرب فى كل مكان ليشاركوننا التسبيح لهُ.
- إظهار عظمة سيادة الله الذى سيحاسب هذا العدو القوى: – الله يحلف بنفسه حيث لا يوجد أعظم يحلف به. والله سيملأ بابل بالرجال الذين سيحرثونها ويغلبونها بجمهورهم. وهذا الجمهور سيرعب بابل بصياحه فيرفعون عليك جلبة = هذا صوت صلوات الشعب ضد الشيطان. أو صوت جيش فارس ضد بابل. والله هو القوى الذى سيحطم بابل (12: 10 – 16) وهو يشير لقوة الله لإظهار بُطل أوثان بابل. فهو الذى أسس العالم (15) فلا شىء إذاً يصعب عليه. فيجب أن نعتمد عليه ولا نفشل وهو الذى لهُ السلطة على كل المخلوقات التى صنعها (16). وأعمال عنايته هى خلقة مستمرة. وهو يتحكم فى الرياح والماء يصره فى السحاب ولذلك يبدو عابدو الأوثان أنهم بلهاء (18، 17) وهكذا كل من يخاف من إبليس. فالأوثان وإبليس هى شىء باطل ولا مقارنة بينها وبين الله نصيب يعقوب (19) وهم ميراثه. والله يكرر هذا مرات كثيرة حتى نصبح بلا عذر أمامه.
- وصف للألات المستخدمة فى هذه الخدمة = الله سينبه روح ملوك مادى (11) كورش وداريوس. الذين أتوا ضد بابل بمشورة الله. فالله هو الذى ضد بابل. وهو الذى خطط لذلك. وهذه الأدوات تكون كريح مدمرة مهلكة (1) تسقط كل شىء أمامها وهذه الريح خرجت من خزانة الله (16) وهى جاءت على الساكنين وسط بابل أى كل الشعوب (1) بل أن الأعداء مشبهين هنا بالمذرين (2) الذين سيطردونهم مثل العصافة.
- هناك تفويض كامل لتخريب بابل: – (3) فلا يشفق عليها أحد. فالله قصد هذا ضدها (12). وهذا ما أعطى قوة للمحاربين لينجحوا. وفى (28، 27) هؤلاء هم من تَم دعوتهم تحت قيادة كورش. وسينزلون كالجراد على أرض بابل (يؤ 4: 1) قدسوا عليها = لأن هذه الحرب بأمر الرب ضد بابل. والحرب ضد الشياطين هى قداستنا.
- ضعف الكلدانيين وعدم إمكانهم المقاومة ضد القوة المهلكة: – حين إستخدمهم الله ضد الشعوب أعطاهم قوة فهزموا الشعوب ولكن الله تخلى عنهم الآن فخانتهم قلوبهم فستكون لذلك كل محاولاتهم فاشلة (11) سنوا السهام لكن بلا فائدة وإرفعوا الراية (12) حتى يأتى أحد لمساعدتكم ولكن عبثاً. بل كل من يدعونه ليساعدهم سيرتجف (29) فالأرض كلها سترتعب فهم سيرون أسلحة الله التى لا تقاوم وأنه جعل بابل خراباً. بل سيكونون فى رعب كالنساء. وستحترق أماكن سكنها وعوارضها (56 – 58) وسيكون قادتها كالسكارى من خمر غضب الله وستخونهم أسوار المدينة العريضة والنهر الذى جففه كورش معناه حرمانها من كل الخيرات والتعزيات. فهم فى ألام نفسية بلا سلام. وبابل كرمز لمملكة الشيطان يكون النهر بالنسبة لها هو ملذلت وخيرات هذا العالم التى يستخدمها إبليس لغواية البشر، وهذه سيجففها الله ليستيقظ البشر.
- خراب بابل الذى سيصنعه الغزاة: – هو خراب أكيد فقرار الله لا رجعة فيه (8) ولاحظ أن وقت هذه النبوة كانت بابل فى أوج مجدها. ولكن الله يقول أنا ضدها (25) لذلك ستكون خراباً. وبابل كانت كجبل شامخة ثابتة تدمر من حولها. ولكنها الآن ستصبح كأحجار ترمى وتتدحرج إلى الأرض وستصبح جبلاً محترقاً، مثل البراكين التى تقذف ناراً (بركان إتنا) وستتحول لرماد. وهكذا كل العالم فالأرض ستحترق فى النهاية. وكما داست شعب الله ستداس بابل كورق ذابل على الأرض (33) تكون بابل بكل رجالها وقوتها قد نضجت للخراب رؤ 15: 14 + ميخا 12: 4 وكانت بابل تعيش على مياه كثيرة = (13) لا يمكن إقتحامها. وهكذا بابل العهد الجديد تتحكم فى أمم كثيرة. والمعنى أن خيرات بابل عديدة. ولكن مع كل هذا أتت نهايتها بحسب شهواتها. فمن لا يضع حداً لشهواته يضع الله حداً لها بعقوباته. فبابل كانت متكبرة بقوتها (53) ولكنها كانت مخدوعة. فالله سيرسل من يخربها بالرغم من أسوارها. وسيكون الخراب تدريجياً (46) لعلها تتعظ، ويكون الخبر الأول كإنذار لها وإذا لم تتعظ يجىء الثانى = خبر وراء خبر سنة وراء سنة = فسيسمعون أن كورش أعد نفسه للحرب ثم فى السنة التى تليها يسمعون أنه يخطط ضد بابل. وحتى هنا كان يمكن أن يسعوا للسلام. ولكنهم كانوا فى منتهى الكبرياء والإطمئنان الزائف ليفعلوا هذا، وتقست قلوبهم لخرابهم. وهكذا الشياطين سنة وراء سنة تجىء أخبار الخلاص من الأنبياء المتعددين لكنهم لم يصدقوا. وحين جاء هذا الخراب كان مفاجئاً (8) حين لم يكونوا يتوقعونه. وجاء فى وقت قصير كما جاء خراب بابل العهد الجديد فى زمن ساعة واحدة (رؤ 17: 18) وسيأتى خبر وراء خبر للملك حتى قصره. وكان آخر خبر وصل لبيلشاصر الملك ليلة قتله حين رأى يداً تكتب على الحائط خبر نهايته الذى فسَّره لهُ دانيال النبى. (32، 31) + دا 30: 5. وفى (39، 38) إشارة للإحتفال الدنس الذى أقامه بيلشاصر فى آخر ليلة لهُ وكان يشرب ويسكر فى آنية بيت الرب. يزمجرون معاً كأشبال = هذا صوت غنائهم وهرجهم وفرحهم ونشوتهم بالخمر فى آنية الرب. ولكن الله يقول أن هذه الكأس فى يدهم ستكون لنومهم أبدياً (57) فلا يستيقظون أبداً. وسيكون الخراب شاملاً والقتلى فى الشوارع (4) وكخراف للذبح (40) بأعداد كبيرة وبسهولة وسيكون عدد العدو كالفيضان (42) كما لو كانوا بحراً وتصير مدنهم كقفر غير مسكونة (43) وتخزى آلهتها (52، 47) وتخرب آلهتها. فهم وآلهتهم التى طالما إنتظروا منها الحماية سيخزون ويخزى بيل، وهنا يمكن فهم لماذا قال الله علي رجال بابل انهم يزمجرون معاً كأشبال ولم يقل كأسود. فالشبل يعتمد علي حماية الاسد، ورجال بابل يعتمدون علي إلههم بيل (44) الذى طالما قدموا لهُ ضحايا والخراب سيكون أبدياً نهائياً فلا فائدة للبلسان والعلاج (9، 8). وتصبح بابل أكواماً (37) بل حتى خرائبها (26) ستكون بلا فائدة. فالناس لن تعود تستفيد من أى شىء من خرائب بابل ولن تبنى كمملكة ثانية وهى هكذا للأبد.
- نداء الشعب ليخرجوا منها: – هذا من الحكمة فحينما يجىء خرابها عليهم أن يهجروها (6) حتى ينقذوا أنفسهم ويجب أن يذهبوا بعيداً كما إبتعد إسرائيل عن خيام قورح (قابل مت 16: 24) فكان على المسيحيين أن يهربوا من أورشليم عند خرابها ومن رعبها الذى ستكون فيه (46، 45) من أسلحة غضب الله التى ستكون ضدها. والآن الله حررهم فعليهم أن يتركوا هذه المدينة ولا يبقوا تحت حكم فارس أو غيرها بل يذهبوا لمدينتهم (51، 50) فراحة شعب الله فى كنعان، فى هيكلهم، حيث الله فى وسطهم كما كان مع أبائهم. ولنذكر الله فى عمق أحزاننا ونذكر أورشليم. وحتى لو إبتعدت صهيون عن أعيننا فلا يجب أن تبتعد عن قلوبنا. والله يلاحظ الخجل فى عيون الراجعين لأورشليم من خرابها أى خراب أورشليم ولذلك يقول لهم فى (52) أن الله قد عاقب بابل فلا داعى للخجل لأن الله بالتأكيد سيعيد بناء أورشليم. والإيمان بأن الله سيعيد بناء أورشليم ينزع الخجل من خرابها الحالى.
- المشاعر المختلفة التى تصاحب خراب بابل: – هى نفس المشاعر بخراب بابل العهد الجديد (رؤ19، 9: 18) فالبعض سيرثى خرابها بصوت صرخات (54) ينعون هذا الخراب العظيم لأن الله دمر صوت جمهورها وفرحها الذى تعودوا أن يسمعوه فى بابل (55) وما قالوه فى رثائهم (41) وكيف كان سقوطها مدهشاً، تلك التى كانت للمجد والفرح. والبعض سيفرح بسقوطها وذلك لظهور عدل الله وبره ولتحرير شعب الله ولهذا ستفرح السماء والأرض أى الكنيسة المنتصرة والكنيسة المجاهدة ستعطى لله مجداً على بره فخراب بابل هو تسبيح صهيون.
ملحوظات:
+ فى آية (27) مقشعرة ويقال إن الجراد فى تطوره يصل إلى طور يكون غطاؤه فيه كالشعر فيشبه الخيل. وممالك أراراط ومنى وأشكناز تشكلت تحت لواء الماديين. وأثبت التاريخ أن الذى حاصر بابل كان داريوس المادى.
+ فى آية (41) شيشك = تطلق رمزياً على بابل وهى مشتقة من الإله شيك (تعنى يغطس).
+ خراب بابل بأسواره يعطينا فكرة ونحن نقترب من مجىء المسيح الثانى أن كل ما يبنيه الإنسان فهو ذاهب للدمار فلا داعى أن نعجب بأنفسنا.
الأيات 59 – 64: – غالباً كان سرايا هذا سفيراً لدى ملك بابل وهو أخو باروخ النبى وكان محل ثقة الملك ولم يكن مُضطهداً لإرمياء بل كان محل ثقته فيبدو أنه كان رجلاً هادىء الطباع، يمكن أن يكون سياسياً ناجحاً لدى بلاط نبوخذ نصر، وأميناً فى الوقت نفسه لتكليف إرمياء. وكان مطلوباً منهُ أن يقرأ هذا الكتاب للذين هم فى السبى. وكان من المفروض أن يقرأه بعد أن يصل إلى بابل ويرى عظمتها وقوتها وتحصيناتها، ثم يقرأ بعين الإيمان ولا يظن أنها باقية ولكنها ستخرب وتبيد. فلا يخاف لا هو ولا المسبيين. وكان على سرايا أن ينطق بإسم الله بخراب ذلك المكان. والكلام فى (62) يشبه كلام الملاك فى خراب بابل العهد الجديد (سفر الرؤيا) وكأن سرايا هنا يلعن بابل بخطاياها ولا يتفق مع خطاياها. ويحكم عليها بالرغم مما رآه من إزدهارها. وكأنه يقول طالما أنت يا رب قد حكمت على بابل بالخراب فلن نحسدها على ما هى فيه من عظمة فهى ذاهبة للخراب بل ولن نخاف قوتها وحينما ننظر نحن أبهة وهيئة هذا العالم لنذكر قول الكتاب أن “هيئة هذا العالم ستزول” وسيخرب للأبد ويجب أن ننظر إليه فى إزدراء مقدس. ولقد نطق النبى بهذه النبوات وبعدها طلب الخضوع لملك بابل. فالله هو الذى يجازى بابل. فإتفق النبى مع بولس الرسول فى أنه لا يجب أن ننتقم لأنفسنا لأنه مكتوب “لى النقمة أنا أجازى يقول الرب” فالله سينتقم فى الوقت المناسب وبالطريقة التى يراها. وكان على سرايا أن يلقى هذه الكلمات مع حجر فى الماء كعلامة لنهاية بابل، وكأنها مربوطة بحجر تحاول أن تفلت من الغرق وتهرب من الحكم عليها بلا فائدة فالحجر معلق برقبتها. لأنه بدون الحجر كان الورق سيطفو وهكذا الشرير بدون شروره سينجو. ولهذا إستعمل الوحه إسم شيشك بمعنى يغطس فى الحديث عن بابل هنا. وما سوف يُغرِق الكتاب هو الأحكام التى فى داخله ضد الشرور. وخراب بابل العهد الجديد ممثل بصورة كهذه (رؤ 21: 18).
ولم تكن هذه النبوة هى آخر نبوة لإرمياء فقد تنبأ فى مصر، وهذه النبوة زمنها فى السنة الرابعة لصدقيا. ولكن إلى هنا كلام إرمياء = تعنى أن هذه آخر نبوات كتابه. وهى آخر ما سيتم تنفيذه فخراب بابل كان آخر شىء سيتم فى نبواته ضد الأمم، وأما الإصحاح الأخير فهو تاريخى بحت وقد يكون قد أضيف بيد باروخ أو عزرا. ونلاحظ أن سرايا قد ذهب مع صدقيا الملك إلى بابل حينما ذهب صدقيا ليقدم الخضوع لنبوخذ نصر فى بابل (59: 51) (لكن بعد هذا نقض صدقيا عهده مع نبوخذ نصر وتمرد عليه). وسرايا حينما وصل إلى بابل وتقابل مع المسبيين ذهب معهم إلى النهر وأخبرهم بكل نبوات إرمياء عن خراب بابل، وأمسك بكل هذه النبوات عن بابل وهى مكتوبة ثم ألقى بها فى النهر كرمز لغرق بابل نفسها، وهذا هو المعنى الرمزى لكلمة “شيشك” أى يغطس، فبابل سوف تغرق تماماً. وهذا ما قيل عن بابل فى الأيام الأخيرة فهى سترمى فى البحر (رؤ 21: 18) وهذا رمزاً لما سيحدث لإبليس، إذ سيلقى فى البحيرة المتقدة بالنار هو وتابعوه (رؤ 15، 10: 20) لذلك فهناك دعوة مستمرة لشعب الله أن يخرج من بابل حتى لا تصيبه ضرباتها أى علينا أن نعتزل الشر حتى لا نخرب مع خراب هذا العالم (إر45: 51 + إش 20: 48 + إش 11: 52 + رؤ 4: 18).
وفى الآيات (15 – 19) نرى سر شقاء بابل وخرابها الأبدى، وهو أن الله ليس إلهاً لها، أما يعقوب فالله هو سر نصرته، فمع أن الله يؤدب شعبه يعقوب (سواء شعب العهد القديم أو الكنيسة فى العهد الجديد) إلا أنه لا يتركه للأبد كما يحدث مع بابل (الشيطان ومن يتبعه).