الإصحاح الثاني
الأعداد 1-3
الآيات (1 – 3): –
“1تَجَمَّعِي وَاجْتَمِعِي يَا أَيَّتُهَا الأُمَّةُ غَيْرُ الْمُسْتَحِيَةِ. 2قَبْلَ وِلاَدَةِ الْقَضَاءِ. كَالْعُصَافَةِ عَبَرَ الْيَوْمُ. قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ عَلَيْكُمْ حُمُوُّ غَضَبِ الرَّبِّ، قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ عَلَيْكُمْ يَوْمُ سَخَطِ الرَّبِّ. 3أُطْلُبُوا الرَّبَّ، يَا جَمِيعَ بَائِسِي الأَرْضِ الَّذِينَ فَعَلُوا حُكْمَهُ. اطْلُبُوا الْبِرَّ. اطْلُبُوا التَّوَاضُعَ. لَعَلَّكُمْ تُسْتَرُونَ فِي يَوْمِ سَخَطِ الرَّبِّ.”.
بعد أن عرض النبي صورة ليوم الدينونة، وحتى لا تكون هذه الصورة مدعاة لليأس، ها هو يعرض لهم هنا وسيلة الخلاص والهروب من هذه الألام، أي التوبة الجماعية. وهذه الآيات موجهة ليهوذا ولشعب الرب في كل زمان ومكان. تجمعي = هنا نري أهمية حياة الشركة في الكنيسة والعبادة الجماعية الأمة غير المستحية = أي عديمة الحياء، التي لا تخجل من خطاياها (راجع إر 15: 6). ومن أهمية العبادة الجماعية أن يشجع كل واحد الآخر. وليكن هناك صوم جماعي وصلاة بنفس واحدة. ولننتهز الفرصة قبل ولادة القضاء = أي قبل أن يصدر القضاء حكماً بالهلاك. كالعصافه عبر اليوم = أي أن الحياة تمر سريعاً، وهي بخار يظهر قليلاً ثم يضمحل. فلننتهز الفرصة قبل أن يمر يوم الحياة كالعصافة وتنتهي فرص التوبة. قبل أن يأتي عليكم حمو غضب الرب الغضب القادم شديد جداً وإلهنا نار آكلة لا يستطيع أحد أن يسكن فيها (إش 14: 33) وغضب الله مهيأ ليشتعل عليكم بعدل. كما سيحدث في الأيام الأخيرة حين تنسكب جامات غضب الله (رؤ 16). وفي (3) التوبة شقين [1] سلبية وهي أن يترك الخاطئ خطيته [2] إيجابية وهي تمتع بالرب والشبع به. فحين يقدم الإنسان توبة سيكتشف في نور المسيح مقدار نجاسته فما عليه سوي أن يطلب الله = اطلبوا الرب يا جميع بائسي الأرض = يطلب من الله حتى يخلص من نجاسته التي إكتشفها. وطلب الله المستمر يعطي للنفس رجاء وينزع اليأس = “اطلبوا تجدوا”. وكان المتوقع أن المتكبرين والعظماء في أعين أنفسهم لن يستجيبوا لهذا النداء، لذلك وجه النداء لجميع بائسي الأرض = والبائسين هنا ليسوا الفقراء والمساكين، بل الكلمة تعني المتضعون تحت يد الله وهؤلاء فعلوا حُكْمَهُ = أي أطاعوا نواميسه. وهؤلاء عليهم أن لا يكفوا عن طلب الرب، فعلي من يعرف الرب أن يظل في حالة نمو. وعليهم أن يطلبوا البر والتواضع = أي أن ينموا في أعمال برهم وفي تواضعهم. والبر المسيحي هو أن نتمتع ببر المسيح فينا أي بحياة المسيح البار فينا، وهذا لا يأتي إلا بالتواضع إذ يسكن الله في المتواضعين (إش15: 57). والتواضع هو سمة من سمات الرب. ولاحظ أنه لو طلبنا بركات من الرب ولم يصاحبها التواضع نتعرض لضياعها بسبب كبريائنا ويضيع كل ما سبق وأخذناه. لعلكم تسترون في يوم سخط الرب = هذا ملخص السفر أن التوبة بشقها السلبي أي الامتناع عن الخطية وبشقها الإيجابي أي النمو في البر والتواضع تعطينا ثباتاً في المسيح فيستر علينا في يوم الغضب، يوم الدينونة، يوم سخطه. وكلمة لعلكم فائدتها أن نحتفظ بالخوف المقدس والسهر حتى لا يضيع نصيبنا في السماء.
الأعداد 4-7
الآيات (4 – 7): –
“4لأَنَّ غَزَّةَ تَكُونُ مَتْرُوكَةً، وَأَشْقَلُونَ لِلْخَرَابِ. أَشْدُودُ عِنْدَ الظَّهِيرَةِ يَطْرُدُونَهَا، وَعَقْرُونُ تُسْتَأْصَلُ. 5 وَيْلٌ لِسُكَّانِ سَاحِلِ الْبَحْرِ أُمَّةِ الْكِرِيتِيِّينَ! كَلِمَةُ الرَّبِّ عَلَيْكُمْ: «يَا كَنْعَانُ أَرْضَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ، إِنِّي أَخْرِبُكِ بِلاَ سَاكِنٍ». 6 وَيَكُونُ سَاحِلُ الْبَحْرِ مَرْعًى بِآبَارٍ لِلرُّعَاةِ وَحَظَائِرَ لِلْغَنَمِ. 7 وَيَكُونُ السَّاحِلُ لِبَقِيَّةِ بَيْتِ يَهُوذَا. عَلَيْهِ يَرْعَوْنَ. فِي بُيُوتِ أَشْقَلُونَ عِنْدَ الْمَسَاءِ يَرْبُضُونَ، لأَنَّ الرَّبَّ إِلهَهُمْ يَتَعَهَّدُهُمْ وَيَرُدُّ سَبْيَهُمْ.
يبدأ من هنا سلسلة من النبوات ضد الأمم التي طالما ضايقت شعب الله واضطهدته. وإتُخذت هذه الأمم كرمز لإبليس عدونا الحقيقي. وقد خرب المسيح مملكة الشيطان بصليبه. فحينما نسمع هنا بنبوات عن خراب بعض الأمم فالمَتَصَّوْر أنها نبوات بتحطيم مملكة إبليس، مملكة الشر. وهذه الآيات التي تتنبأ ضد كل الأمم تشير لدينونة الله لكل العالم في يوم الرب (7: 1). وهلاك الأمم أيضاً يشير للإنسان القديم الذي فينا المولود بالخطية، وذلك في المعمودية ليقوم إنسان جديد يحتل مكان الإنسان القديم. ونلاحظ في هذه الآيات عدم ذكر مدينة جت، لأنها كانت قد خربت في هذا الوقت فعلاً. وقد تم خراب هذه الأمم فعلاً بيد نبوخذ نصر. وذكر هذه النبوات هنا له غرض آخر أيضاً فاليهود لن يشعروا بعد سماع هذه النبوات بأن الله ضدهم شخصياً ولكنه هو ضد الخطية عموماً، وهو هنا يعد بأن ينتقم من مضايقيهم.
وفي (4) أشدود عند الظهيرة يطردونها = سيضربونها ضربة سريعة مفاجئة. وفي (5) أمة الكريتيين = هم الفلسطينيين (راجع تث23: 2 + إر4: 47 + 1صم14: 30 + عا7: 9) ومن هذا نفهم أن كفتور كانت إسماً آخر لكريت، وإن الفلسطينيين كان أصلهم مهاجرين من جزيرة كريت وجاءوا وسكنوا على ساحل البحر = ويل لسكان ساحل البحر. والأرض كلها كانت تسمى كنعان. ولكن الإشارة لهم بهذا الإسم هنا تشير لخطاياهم التي استوجبت عقابهم فكنعان قد لعنه نوح بسبب خطيته. غزة تكون متروكة (4) مع أنها الآن مأهولة، فالكل سيهرب. والخراب هنا موجه ضد المدن الأربعة الكبيرة لفلسطين وهي غزة وأشقلون وأشدود وعقرون. أشدود عند الظهيرة (4) = سقوطها سيكون سريعاً، فإذا بدأ القتال في الصباح سرعان ما تسقط عند الظهيرة ويكون ساحل البحر مرعى (6) ساحل البحر كان يستخدم كمرفأ للسفن ومركز للتجارة، وبعد الخراب صارت الحيوانات ترعى فيه. وفي (7) نبوة بأن يهوذا تسترد أرضها بعد أن يحررهم الله ويرد سبيهم. ولكن هذه الآيات تشير لأن شعب المسيح سيسترد أرضه وميراثه بعد أن حرمه منها إبليس بغواية الحية، والرب إلههم يتعهدهم في هذه المراعي، فيسوع هو الراعي الصالح ونحن قطيعه. وسيكون ساحل البحر مرعى بأبار للرعاة وحظائر للغنم = البحر هو العالم المضطرب ولكن شعب المسيح الذي آمن به وسار وراءه كراعٍ صالح نجا من هذا البحر وعاش على الساحل وأعطاه الرب الراعي الحقيقي كنيسة هي حظيرة للغنم، ورعاة يسقونه من ماء الروح القدس = الآبار.
الأعداد 8-11
الآيات (8 – 11): –
“8«قَدْ سَمِعْتُ تَعْيِيرَ مُوآبَ وَتَجَادِيفَ بَنِي عَمُّونَ الَّتِي بِهَا عَيَّرُوا شَعْبِي، وَتَعَظَّمُوا عَلَى تُخُمِهِمْ. 9فَلِذلِكَ حَيٌّ أَنَا، يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ إِلهُ إِسْرَائِيلَ، إِنَّ مُوآبَ تَكُونُ كَسَدُومَ وَبَنِي عَمُّونَ كَعَمُورَةَ، مِلْكَ الْقَرِيصِ، وَحُفْرَةَ مِلْحٍ، وَخَرَابًا إِلَى الأَبَدِ. تَنْهَبُهُمْ بَقِيَّةُ شَعْبِي، وَبَقِيَّةُ أُمَّتِي تَمْتَلِكُهُمْ». 10هذَا لَهُمْ عِوَضُ تَكَبُّرِهِمْ، لأَنَّهُمْ عَيَّرُوا وَتَعَظَّمُوا عَلَى شَعْبِ رَبِّ الْجُنُودِ. 11الرَّبُّ مُخِيفٌ إِلَيْهِمْ، لأَنَّهُ يُهْزِلُ جَمِيعَ آلِهَةِ الأَرْضِ، فَسَيَسْجُدُ لَهُ النَّاسُ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ مَكَانِهِ، كُلُّ جَزَائِرِ الأُمَمِ.”.
موآب وبني عمون هم أولاد لوط من إبنتيه. وهؤلاء كانوا يعيرون شعب الله. ويجدفون على الله. هؤلاء يرمزون للشياطين الذين يشمتون في هلاك شعب الله. ويمثلون إبليس في كبريائه = وتعظموا على تخومهم = إعتدوا على حدود إسرائيل، وحرموهم من أرضهم، وهكذا حرمنا إبليس من نصيبنا السماوي. ولنلاحظ أن الله سمع تجاديفهم وهو سيحاسبهم عليها…… وهذا مبرر كافي أن نكون كمن لا يسمع التجاديف ضد الله. موآب ستكون كسدوم = فلوط أبيهم في أيامه أهلك الله سدوم وعمورة وحولها لملح (هي أراضي ملحية حتى الآن) وكان على موآب وبني عمون أن يستفيدوا مما حدث مع أبيهم ويمتنعوا عن الخطية ولكنهم بإصرارهم على خطيتهم ستتحول أرضهم إلى خراب يملأها القريص = الشوك والملح، بدلاً من القمح والمياه العذبة. وقد تم زوال موآب وعمون قبل المسيح بزمن بعيد. أما شعب الله فسوف يرث هذه الأماكن روحياً. يهزل جميع آلهة الأرض = سيظهر مقدار ضعفها وسيهجرها من عبدوها وعظموها وجعلوها تسمن فترات طويلة. وهكذا فالمسيح سيفضح إبليس ويظهر مقدار ضعفه. وسيسجد له الناس كل واحد في مكانه = هذه هي العبادة المسيحية التي يمكن من خلالها أن نعبد الرب في أي مكان (يو19: 4 – 24). جزائر الأمم = هذا يعني أن كل الأمم الوثنية سوف تؤمن بالمسيح، وتسجد له، ويكون ذلك في أي مكان، ويسجدون بالروح والحق.
الأعداد 12-15
الآيات (12 – 15): –
“12« وَأَنْتُمْ يَا أَيُّهَا الْكُوشِيُّونَ. قَتْلَى سَيْفِي هُمْ». 13 وَيَمُدُّ يَدَهُ عَلَى الشِّمَالِ وَيُبِيدُ أَشُّورَ، وَيَجْعَلُ نِينَوَى خَرَابًا يَابِسَةً كَالْقَفْرِ. 14فَتَرْبُضُ فِي وَسَطِهَا الْقُطْعَانُ، كُلُّ طَوَائِفِ الْحَيَوَانِ. اَلْقُوقُ أَيْضًا وَالْقُنْفُذُ يَأْوِيَانِ إِلَى تِيجَانِ عُمُدِهَا. صَوْتٌ يَنْعِبُ فِي الْكُوَى. خَرَابٌ عَلَى الأَعْتَابِ. لأَنَّهُ قَدْ تَعَرَّى أَرْزِيُّهَا. 15هذِهِ هِيَ الْمَدِينَةُ الْمُبْتَهِجَةُ السَّاكِنَةُ مُطْمَئِنَّةً، الْقَائِلَةُ فِي قَلْبِهَا: «أَنَا وَلَيْسَ غَيْرِي». كَيْفَ صَارَتْ خَرَابًا، مَرْبِضًا لِلْحَيَوَانِ! كُلُّ عَابِرٍ بِهَا يَصْفِرُ وَيَهُزُّ يَدَهُ.”.
هنا نبوة ضد الكوشيون وأشور = هنا إنتقل التهديد ضد أعداء الشعب الذين هم عن بعد وليسوا ملاصقين لحدود يهوذا. والكوشيون لونهم أسود، والمعنى أنهم يرمزون لإبليس الملوث بكل أنواع الخطايا. وأشور ترمز لإبليس الذي كان مخلوقاً جميلاً كملاك نوراني. وأشور كان لها مدينتها الجميلة نينوى التي لها تيجان عمدها. وكانت مدينة مبتهجة = فالله يعطي لخليقته أن تكون فرحة. وكانت ساكنة مطمئنة = هذا يصور مجد نينوى أيام مجدها، ويصور المجد الذي كان فيه الشيطان قبل سقوطه. ولكن سقط الشيطان بسبب قوله = القائلة في قلبها أنا وليس غيري. وبسبب هذه الخطية أي الكبرياء سقط إبليس. وجاء عليه المسيح بسيفه = قتلي سيفي = هذا سيف الصليب. ويمد يده على الشمال ويبيد أشور وتتحول أمجاد الشيطان لخراب يابس كالقفر. يملأها القوق والقنفذ وصوت النعيب = وهذا رمز للخراب النهائي خصوصاً أن هذا الخراب حل محل المجد = القنفذ يأوى إلى تيجان عمدها = هذا معناه أن الأعمدة ستسقط للأرض فيدخل القنفذ في فراغات هذه التيجان. تعرى أرزيها = والأرز رمز الكبرياء، والله فضح كبرياء إبليس. وقد صارت مملكة إبليس خراباً مربضاً للحيوان = أي لكل من له فكر جسداني أرضي ترابي. ومن يقبل أن يكون هكذا تابعاً لهذه المملكة الخربة تذهب عنه كرامته، وكل عابر يصفر ويهز يده عليه من السخرية، فقد صار ألعوبة في يد الخطايا. وإذا أخذنا هذه الآيات حرفياً فقوله على الكوشيون قتلى سيفي. فقد كان نبوخذ نصر وجيشه هو سيف الرب الذي أرسله ضد كوش وأشور. ولقد كانت كوش يوماً ما رعباً ليهوذا (2أي9: 14). معنى كلمة أرزيها = أي كل صناعة الأرز الفاخرة. وهنا تصور الآية قصور أشور الفخمة المغلفة بأنواع الخشب وهو الأرز. ولكن الأرز بالذات يشير بطوله ولمدة عمره الطويلة للكبرياء الذي يميز أمة الشياطين.