الإصحاح الأول سفر دانيال القس أنطونيوس فكري

مقدمة سفر دانيال

  1. انتهت نبوات حزقيال بواقع حزين هو خراب أورشليم بالكامل مع أمل في المستقبل بعودتها للمجد.
  2. بينما يحدثنا سفر حزقيال عما رآه النبي وتنبأ به في سنوات السبي الأولى، يحدثنا سفر دانيال عما رآه وتنبأ به في السنوات الأخيرة من السبي.
  3. كان دانيال من سبط يهوذا (6: 1) بل كان على ما يبدو من الأسرة الملكية (3: 1) ولقد تم سبي دانيال في السبي الأول (2أي6: 36، 7) بينما تم سبي حزقيال في السبي الثاني (2مل14: 24 – 16) (راجع مقدمة سفر أرمياء).
  4. دانيال تعني الرب قاضيَّ God is my Judge. وقد أسماه ملك بابل بلطشاسر، وهي تعني ليحفظ الإله بيل حياته، وهكذا أبدل الوثنيون اسم الله بإسم إلههم في إسم دانيال. ونلاحظ أن هناك علاقة بين إسم النبي وموضوع نبوته، فنبوة دانيال تتحدث عن ملكوت الله وإنتشاره في العالم وأنه الديان، وأن الممالك تقوم بسماح منه فهو ضابط الكل، وأن كل قوة أخرى هي نابعة منه. وكل قوة أو كل مملكة تقوم هي لتحقيق خطة إلهية حتى لو كانت هذه القوة يبدو أنها تقاوم الله. وهذا يتضح من أن الله يخبر دانيال بكل الممالك التي ستأتي لقرون طويلة قادمة، فمن يعرف المستقبل قادر أن يتحكم فيه. والسفر يحدثنا أيضاً عن قيام مملكة المسيح. ويدين أيضاً الوثنية ويظهر ضعفها وبطلان آلهتها وألقاب الله في هذا السفر تشير لأنه الديان ضابط الكل، فيطلق السفر على الله أنه ملك السماء / إله السماء / إله الآلهة / رب الملوك…
  5. كان متميزاً من بداية حياته بالحكمة والتقوى. ويتحدث عنه حزقيال النبي المعاصر له، كحكيم أو نبي (حز3: 28) وكذلك كرجل صلاة مشهوراً بقوة صلاته وفاعليتها (حز14: 14، 20) مما يعني أن دانيال بدأت شهرته منذ صباه.
  6. في الرسم الآتي نجد موقع دانيال كنبي وسط أنبياء إسرائيل.
  1. يُقسِّم علماء اليهود الكتاب المقدس إلى ثلاثة أقسام وهي [1] التوراة وتشمل كتب موسى الخمسة ثم [2] النبييم وتشمل الأنبياء ثم [3] الكتوبيم أي الكتب وهي ما تبقي. ويضع اليهود نبوات دانيال مع الكتب ولا يعتبرونه نبياً من الفئة العليا، ولا يضعوا نبواته وسط الأنبياء وحججهم في ذلك واهية:
  2. أنه لم يكن مذلولاً في حياته ومهاناً مثل إرمياء، بل عاش كأمير ورئيس وزراء! ولكن هل يقتصر الله في تعامله على الفقراء والمضطهدين؟! هذا أمر عجيب! فالله يتعامل مع أي إنسان عنده إستعداد أن يفتح قلبه لاستقبال الإعلانات الإلهية. وبينما عاش دانيال النبي في بلاط أعظم ملوك بابل وفارس من بعدها مثل نبوخذ نصر وكورش وداريوس، إلا أنه رفض أن يتنجس بأطايبهم (8: 1) وكان مضطهداً ممن حوله ويحيكون المؤامرات ضده (4: 6). وكان دانيال ينسحق أمام الله ولا يأكل طعاماً شهياً (3: 10). ونجده أيضاً قد ضعف وهزل عندما كان تحت سلطان روح النبوة (27: 8). فهو بحق يستحق اللقب الذي أطلقه عليه يوسيفوس المؤرخ اليهودي “أحد أعظم الأنبياء”. واللقب الذي أطلقه عليه الملاك جبرائيل “الرجل المحبوب” (11: 10) وألم يكن داود النبي ملكاً!! حقاً الروح تهب حيث تشاء. وإشعياء كان من أولاد عمومة الملك حزقيا.
  3. من ضمن أسبابهم، كتابة دانيال لنبوته وهو وسط الأمم، ولم يكتبه في أرض يهوذا ولكن حزقيال كتب نبوته أيضاً في بابل وسط الأمم ولم يكتبها في أرض يهوذا.
  4. من أسبابهم أيضاً أن دانيال كتب أجزاء من كتابه باللهجة الكلدانية وهي بالذات من (4: 2) حتى آخر الإصحاح السابع، أما باقي السفر فكتبه بالعبرية. ويرى علماء اليهود أن كتابة أجزاء نبوية بغير العبرية يفقدها قيمتها، ففي نظرهم أن الله لا يرضى بأن يتكلم بغير العبرانية. ولكن الرد على هذا بسيط جداً، فأولاً: الله غير مقيد بلغة معينة، ثانياً: فإن الشعب اليهودي في السبي كان يتكلم اللغتين (الكلدانية أو الآرامية + العبرية) وكان دانيال يكتب بالآرامية حين يكتب عن البابليين وحوارهم معه. أما حين يكتب عن النبوات والتعزيات وحديث الله عن المستقبل فهو يكتب بالعبرية، فهذه علاقة خاصة بين الله وشعبه. ودانيال يكتب بالآرامية التي يفهمها شعب بابل حتى يكون هذا شاهداً على أن إله دانيال هو الإله الحق “قد قلت لكم الآن قبل أن يكون حتى إذا كان تؤمنون” (يو29: 14) فالله يطلب خلاص كل إنسان وليس اليهود فقط (إش21: 41 – 23 + 7: 44 + 21: 45). ثالثاً: فدانيال يكتب بالآرامية ما يشير لتفاهة الآلهة الوثنية ويشير لقوة الله وهو بهذا يعلم شعب الله كيف يجيبون الوثنيون عندما يسألونهم لماذا لا تعبدون آلهتنا. وهذا ما فعله أرمياء أيضاً في تغييره الآية (إر11: 10) إلى اللهجة الكلدانية حتى يتعلم المسبيين الرد بها على الكلدانيين وأن يظهروا لهم حماقة أوثانهم. رابعاً: طالما أن اليهود يعتبرون السفر سفر إلهي فلماذا التشكيك؟!
  5. يقولون أيضاً أن دانيال لم يمت شهيداً مثل إرمياء وإشعياء وغيرهم والرد بسيط فموسى وإيليا وإليشع وداود وصموئيل أنبياء كبار، وهم أيضاً لم يستشهدوا. إلا أن دانيال في أصوامه وزهده وبكائه والآلام التي تحملها (مثلاً وهو في جب الأسود) يعتبر من المعترفين.
  6. يقولون أن السفر يشمل أجزاء تاريخية وأجزاء عبارة عن رؤى هي في نظرهم ليست نبوات صريحة وهذه حجة واهية فكل الأسفار النبوية تحتوي على أجزاء تاريخية ولكنها توضع لما فيها من نبوات ضمن مجموعة النبييم أي النبوات مثل إشعياء وإرمياء. ودانيال له نبوات صريحة كشفت عن مستقبل الأمم، وكشفها له الله في رؤى عديدة. ونبوات دانيال تشمل إمتداد ملكوت المسيح في كنيسته، بل تمتد لنهاية الأيام.
  7. لكن السبب الحقيقي لرفضهم هذا السفر فهو بسبب وضوحه في نبواته عن مجيء المسيح وتحديد سنة مجيئه، وأنه سيبطل ذبيحتهم وطقوسهم. وهي نبوة صريحة وواضحة اضطروا أمامها لأن يتجنبوا السفر كله كما حدث وامتنعوا عن قراءة الإصحاح (53) من نبوة إشعياء. فهم كما فكروا بعقليتهم الضيقة أن يقتلوا لعازر بعد أن أقامه المسيح (يو10: 12، 11) حتى لا يكون شاهداً لألوهية المسيح، هكذا سلبوا من دانيال نبوته حتى لا يشهد للمسيح. وسنأتي لتفسير النبوة العجيبة. التي تنبأ فيها دانيال عن موعد مجئ المسيح في الإصحاح (9).
  8. في الترجمة السبعينية وقد قام بترجمتها من العبرية لليونانية بعض علماء اليهود، نجدهم قد وضعوا سفر دانيال ضمن أسفار الأنبياء الكبار ويضعونه بعد نبوة حزقيال مباشرة، وهذا ما درجت عليه كل الترجمات المسيحية للآن.
  9. سفر دانيال هو سفر يبعث الرجاء في النفوس الجريحة فإن كان الله يسمح لنا أحياناً أن نُلقى في أتون التجارب، لكن نجده معنا وسط الأتون يعزينا، ونجد الله مع شعبه كسور من نار يحميهم ويتمجد وسطهم، بل يرفعهم في ضيقتهم.
  10. كما اتخذ اليهود موقفاً من سفر دانيال لأغراضهم الخاصة، نجد أن إبليس لا يكف عن تشكيكه في كلمة الله. فلقد استخدم إبليس نقاد العصر الحديث ليهاجموا في صحة نسبة السفر لدانيال النبي. ومما يأخذونه على سفر دانيال كتابة دانيال بالأرامية (اللغة المنتشرة في بابل أنذاك) ويقولون أن الألفاظ المستخدمة لم تُعرف قبل سنة 165ق. م لذلك إدعوا أن هذه النبوة كتبها أحد المكابيين ونسبها لدانيال. ولكن “إن سكت هؤلاء فالحجارة تتكلم”.
  11. إكتشف في جزيرة الألفنتين في مصر أوراق بردي وهي عبارة عن رسائل من اليهود للوالي الفارسي على أورشليم تحوي نفس الكلمات المختلف عليها مما يشهد بأنها كانت متداولة في هذا العصر (الرسائل التي عُثِرَ عليها ترجع لنفس فترة سفر دانيال).
  12. إكتشف في الآثار البابلية أن عقوبة الجاحدين لأحد الآلهة هي أن يُلقي في أتون ناري، بل قد وُجِدَ في الحفريات الأتون وقد نقش عليه “هنا موضع حرق من يجدفون على آلهة الكلدانيين، يموتون بالنار” وإكتشف أيضاً أن من يُمارس عملاً ضد الملك يُلقى حياً في جب الأسود. وإكتشف أيضاً أن نبوخذ نصر كان يأمر بعبادة التماثيل الضخمة. ووجد في الأثار ما يشير لجنون نبوخذ نصر في أواخر أيام حياته.
  13. أشار سفر المكابيين الأول (كُتِبَ سنة 135ق. م) إلى سفر دانيال كسفر قانوني فلا يمكن أن يكون السفر قد كُتِبَ في عصرهم. بل أن السفر يشهد لدانيال النبي وبره وأن الله أنقذه من أفواه الأسود (1مك61: 2) كما اقتبس السفر من دانيال نبوته عن رجسة الخراب (1مك29: 1) ويذكر السفر دانيال مع العظماء في الإيمان مثل إبراهيم وداود.
  14. حين توجه الإسكندر الأكبر لأورشليم ليفتحها قابله يوياداع رئيس الكهنة على رأس موكب من الكهنة، وكان يوياداع مرتدياً ملابسه الخاصة به كرئيس كهنة. وفوجئ جيش الإسكندر، بالإسكندر يسجد ليوياداع (وبعد ذلك سألوه فأخبرهم أنه شاهد هذا المنظر في رؤيا قبل أن يخرج من بلاد اليونان) وكان الله هو الذي أشار على يوياداع بأن يفعل ذلك. ويقول يوسيفوس المؤرخ أن يوياداع أظهر للإسكندر نبوة دانيال التي تنبأ فيها بأن الإسكندر سيهزم الفرس. ولهذا صار الإسكندر بعد ذلك صديقاً لليهود يعاملهم بلطف غير عادي. إذاً كان السفر بنبواته معروفاً عند اليهود قبل الغزو اليوناني سنة333ق. م.
  15. يردد المعترضون أيضاً أن هناك 3 كلمات يونانية في السفر ويقولون كيف تصل اللغة اليونانية لبابل قبل فتح اليونان لها. وهذه مغالطة لأن الألفاظ اليونانية هي عبارة عن 3 كلمات لثلاث آلات موسيقية وردت أسمائها في حادثة إقامة نبوخذ نصر تمثال لآلهته وطلبه أن يسجد الجميع للتمثال حينما تعزف الموسيقي. ولكن هل هناك مانع أن يستخدم البابليون الآلات الموسيقية اليونانية ويطلقوا عليها نفس أسمائها اليونانية. وحتى نثبت هذا فقد انتشرت الحضارة اليونانية في العالم كله قبل ذلك. وكان هناك بعض الجنود اليونانيين في جيش بابل من الأسرى. وقد كانت صور مركزاً للتجارة العالمية لكل شئ (راجع حزقيال 27) بما فيها بضائع اليونان. ومن الطبيعي حين يستعمل البابليون آلات موسيقية يونانية أن يطلقوا عليها نفس أسمائها اليونانية.
  16. من المشاكل التي يثيرها النقاد أيضاً وجود اللغة الأرامية في سفر دانيال. وحل هذه النقطة كما قلنا من قبل أن هذه اللغة كانت منتشرة وسط اليهود في السبي. بل كانت هي لغة الدبلوماسية والتجارة، وقد انتشرت بين الفرس والفينيقيين ومادي وأشور وأسيا الصغرى وفلسطين، وكان ذلك بسبب إنتشار الأراميين في كل مكان. ولنراجع حادثة حصار ربشاقي قائد جيش أشور لأسوار أورشليم وحديثه مع الرؤساء بالعبرية، وطلب رؤساء اليهود منه أن يتحدث بالأرامية فهم يفهمونها.
  17. غير أن مشكلة هؤلاء النقاد الحقيقية هي إنكارهم لمبدأ النبوات، فهم لا يتصورون كيف يتنبأ دانيال بأن يأتي ملك اليونان ويغزو فارس التي انتصرت على بابل.. وكل هذا في أيام قوة ونفوذ بابل، فهم لا يقدرون أن يتصوروا أن الله قادر أن يكشف المستقبل لعبيده الأحباء. لذلك يحاولون جاهدين إثبات أن السفر برمته كُتِبَ بعد أن تحققت الأحداث.
  18. كل المعترضين يريدون دانيال مؤرخاً وليس نبياً.
  19. مملكة بابل وملوكها: أشهر ملوكها هو نبوخذ نصر = نبو حامي الحدود وهو ابن نبو بلاسَّر الإمبراطور الذي أسس الدولة البابلية سنة 625 ق. م. ونبو بلاسر هو الذي أسقط نينوى عاصمة أشور وأنهى بذلك إمبراطورية أشور. وقد حاول نخو فرعون مصر أن يحمى مصالح مصر في أرض فلسطين فحاربه يوشيا ملك يهوذا، وقتله نخو سنة 608 ق. م. ثم أعد جيشاً كبيراً ليحارب بابل نفسها. فأرسل نبو بلاسر إبنه نبوخذ نصر ليحارب نخو فهزمه في معركة كركميش. ثم جاء نبوخذ نصر إلى أورشليم وسبي منها السبي الأول سنة 606 ق. م. الذي كان من ضمنه دانيال والثلاثة فتية. وكما قلنا فهم غالباً من النسل الملوكي. وقد استحسن ملك بابل أن يجعل أولاد الملوك خداماً لُه.

وإذا فهمنا أن بابل تشير لمملكة الشيطان في الكتاب المقدس منذ حاولت بابل أن تتحدى الله (تك1: 11 – 9) وحتى سفر الرؤيا، فإن سبي أولاد الملوك ليخدموا ملك بابل هو في معناه الروحي أن الخطية تسببت في أن أولاد الله الذين هم أولاد الملك صاروا عبيداً للشيطان. وأن خطة إبليس دائماً هي أن يستولى على قوى النفس ويصيرها عبيداً للخطية. وحتى تكمل هذه الصورة نجد أن الله دعا إبراهيم أن يترك أور الكلدانيين أرض ميلاده ويذهب إلى كنعان، هذه دعوة الله لكل نفس أن تترك أرض الخطية لكي تحلق في السماويات.

وأثناء فتوحات نبوخذ نصر وَصَلَهُ خبر وفاة أبيه فأسرع بالعودة ثم أعلن نفسه خليفة لأبيه بعد معركة كركميش. وتكرر صعود نبوخذ نصر على أورشليم بسبب ثورتها عليه إلى أن خربها في السنة الحادية عشر لملكها صدقيا. وينسب لنبوخذ نصر بناء الحدائق المعلقة وحفر قنوات الرى. وفيما يلي تاريخ سريع لملوك بابل:

  1. نبو بلاسر: 625 – 604 ق. م هو مؤسس الإمبراطورية البابلية.
  2. نبوخذ نصر: 606 – 561 ق. م هو أشهر ملوك الإمبراطورية البابلية. ويلاحظ اشتراك نبوخذ نصر في الحكم مع أبيه لمدة ثلاث سنوات.
  3. أبيل مرودخ 561 – 560 ق. م وهو ابن نبوخذ نصر. وهذا قد قتله نرجل شراصر زوج أخته. وغالباً فإن نرجل شراصر هذا هو المعروف باسم نبونيدس.
  4. نبونيدس: وهذا قد إختلف مع كهنة بابل إلى الدرجة التي فَضَّلَ فيها أن يترك عاصمة ملكه تحت رئاسة ابنه بيلشاصر. وتولى بيلشاصر هذا المُلك بدلاً عن أبيه. وذهب نبونيدس للصحراء في منطقة اسمها تيماء وبنى هناك مدينة وقصوراً عاش فيها. فكان نبونيدس هو الملك إسماً، أماّ الملك الفعلي فهو بيلشاصر. وكان نبونيدس يسمى أولاً في المملكة ويسمى بيلشاصر ثانياً. ولذلك فحينما أراد بيلشاصر تكريم دانيال سماه ثالثاً (29: 5). وحينما سقطت بابل أمام كورش ملك فارس كان نبونيدس هذا في منفاه الإختياري. ولقد اكتشفت في الأثار حديثاً قصة بيلشاصر ونبونيدس بعد أن كان النقاد لمدة طويلة يشككون في وجود ملك باسم بيلشاصر ويتساءلون لماذا يقول بيلشاطر لدانيال وأجعلك ثالثاً في المملكة.
  5. بيلشاصر 555 – 536 ق. م. ومعنى اسمه أمير منعم عليه من الإله بيل. وبيل أو بال هو نفسه (بعل) وهذا الملك هو الذي أولم وليمة كبيرة مدة حصار بابل بواسطة جيش كورش، واستعمل في هذه الوليمة آنية الهيكل التي غنمها نبوخذ نصر. وظهرت وسط هذه الوليمة أصابع تنبئ بنهاية ملك بابل. وبيلشاصر يسميه الكتاب إبن نبوخذ نصر وهذا صحيح فهو ابن ابنته.
هل تبحث عن  قيامتنا مع المسيح إن قيامتنا للمجد والسعادة

ويبدو أن مركز دانيال قد تغير بعد نبوخذ نصر، بل أنه كان يبدو بعيداً عن القصر حتى تذكرته الملكة في الليلة الأخيرة لحكم بيلشاصر (11: 5).

ويذكر الكتاب المقدس أن مؤسس بابل هو نمرود. أما البابليين فيقولون أن إلههم مرودخ هو مؤسسها. ومرودخ هو رأس الآلهة. واسم بابل مشتق من بَلْبَلَ حيث بلبل الله ألسنة من حاولوا أن يَتَحَدُّوه. فالخطية تبلبل الألسنة والمحبة تؤلف بين الناس. والروح القدس يوم الخمسين أعطى موهبة الألسنة التي بها فهم الناس لغة الآخرين. وغالباً فالإله مرودخ هو نفسه بيل. وكانت مدينة بابل تحفة معمارية محصنة بسور عجيب، ولكنها سقطت أمام كورش الفارسي. وأشهر آلهة بابل هي مرودخ وبيل. ولكن كان هناك آلهة أخرى مثل الإله سين. وكان نبونيدس إبن كبير كهنة هذا الإله، وحين ملك نبونيدس حاول تغيير العبادة وإعطاء الأهمية لإلهه المحبوب سين بدلاً من مرودخ وبيل ففقد شعبيته واختلف مع الكهنة واضطر للإعتزال وترك الملك لإبنه بيلشاصر.

شخصية نبوخذ نصر: تسجل لنا النقوشات الأثرية كثيراً من جوانب هذه الشخصية وكبرياءه وزهوه بنفسه ومكانته وقوته وعشقه لآلهته مرودخ وبيل، وأن آلهته دعته لهذه الإمبراطورية العالمية. وكان يسعى دائماً لجعل بابل مكان سُكنى آلهته، أعظم مكان في الدنيا، وهذا يلاحظ في الآثار البابلية التي تمجد آلهتهم وعظمتهم، بينما نجد في النقوش الأشورية أخبار حروبهم. ولوحظ في النقوش الأثرية ميل نبوخذ نصَّر لكتابة الشعر في أواخر أيامه. وهكذا وُجدَ شعر منسوب لهُ فيه أنه جعل بابل عظيمة وبها وفرة من كل ما جلبه من أنحاء العالم. ويتشابه تماماً هذا الشعر في كلماته ومضمونه مع ما سجله الكتاب المقدس عن نبوخذ نصر في (4: 4 – 13)، حتى حينما تكلم الملاك تكلم بنفس الأسلوب.

النبوة المزورة: وُجِدَ في الآثار نبوة منسوبة لنبوخذ نصر واضح تزويرها والنبوة تقول أنه “سيأتي كورش البغل الفارسي ويأخذ حكم بابل وأنه سينجح لخيانة شخص تلمح هذه النبوة أنه نبونيدس” وواضح تزوير هذه النبوة بواسطة كهنة مرودخ أعداء نبونيدس وغرضهم إلغاء صفة النبوة من دانيال وإشعياء وإضفائها على نبوخذ نصر، وأيضاً إهانة كورش الذي أسقط مملكتهم وإحتقر آلهتهم والتشهير بعدوهم نبونيدس.

الكلدانيين: غالباً الكلدانيين لفظ يطلقه البابليين على كهنتهم. ولذلك أطلق الأجانب لفظ الكلدانيين على البابليين، أما البابليين أنفسهم فيسمون أنفسهم بابليين (هذه كما يسمى الأجانب المصريين فراعنة مع أن فرعون هو لقب الملوك فقط) وفي الكتابات الحالية يسمى البابليين كلدانيين (راجع دا10: 2 + 2: 2 + 6: 4، 7، 29، 30).

سقوط بابل:

يتفق في ذكر حوادث سقوط بابل نبوات إرمياء وإشعياء مع قصة دانيال ومع القصص التي أوردها المؤرخين.

  1. نبوات إرمياء: تنبأ إرمياء بأنهم سيسقطون بغزو يأتي عليهم من الشمال (3: 50، 9، 41) وبأن ملوك مادي هم الذين سيفعلون هذا (11: 51، 28) وأن أسوارها لن تحميها (12: 51) وسقوطها سيجئ عن طريق دفاعاتها المائية التي أطال نبوخذ نصر في شرحها في نقوشاته (36: 51) وسيكون سقوطها في وقت إحتفال يسكر فيه عظماؤها (39: 51، 57).
  2. نبوات إشعياء: تنبأ إشعياء بخطة كورش في تحويل مجرى النهر بل تنبأ باسم كورش نفسه مرتين (إش26: 44 – 3: 45).
  3. قصة دانيال: سجلها في الإصحاح الخامس.
  4. شهادة المؤرخين:

أولاً: هيرودوتس: قال أن بابل سقطت بواسطة كورش سنة536ق. م وقد زار هيرودوتس بابل وامتدت زياراته من سنة 464 – 447 ق. م. وقال أيضاً أن كورش اقترب من بابل في ربيع هذه السنة وقابله البابليين أولاً فهزمهم. فدخلوا مدينتهم واحتموا بأسوارها المنيعة. وكانت مؤونتهم تكفيهم سنيناً طويلة (20سنة) وهم بدأوا التخزين حين رأوا كورش يهزم بلداً بعد الآخر فعرفوا أن الدور سيأتي عليهم. فإحتموا بأسوارهم، فلجأ كورش للخطط الماهرة فشق قناة حولت مجرى النهر إلى بحيرة كانت الملكة نيتوكريس قد أقامتها لعمل بحيرة صناعية لكنها لم تتم. وأعد جزء من جيشه بجانب النهر وحينما هبط مستوى المياه إلى مستوى الخاصرتين سار جيشه وفاجأ البابليين. وكان من الممكن لو كانوا متنبهين أن يقتلوا الغزاة الفرس فوراً ولكنهم كانوا غارقين لاهين في حفلاتهم وسكرهم ورقصهم لذلك فوجئوا بالفرس وسطهم. وهذا المؤرخ أخذ القصة ممن عاصروها.

ثانياً: زينوفون: الذي قال إن كورش فكر أولاً في حصار المدينة وتجويعها. ثم لفت نظره النهر وعرف عمقه فبدأ في حفر قنوات حول المدينة ظنها البابليون نوع من الحصار، فسخروا منه حيث أنهم قادرين على مقاومة الحصار لمدة 20 سنة وفي ليلة سمع كورش أن الجميع يحتفلون وأنهم سكارى، فأخذ معه الجنود وحفروا سكة للنهر ليصب في هذه القنوات حتى إذا صار ممكناً السير، دخلوا المدينة وقتلوا الملك وكل من وجدوه في الطريق. ثم أعاد الحياة الطبيعية للمدينة تحت حكم داريوس. وكان معه اثنان من الجواسيس ليقودوا الجيش الفارسي. وكانوا من أمراء بابل وأساء ملك بابل معاملتهم فذهبوا إلى كورش أحدهم اسمه جوبرياس الذي يظن البعض أنه داريوس المذكور، ولكن الأرجح أن داريوس هو خال كورش فأم كورش من مادي وكذلك خاله، أما والد كورش فهو من فارس. وملك داريوس على بابل كتابع لكورش ملك الإمبراطورية الفارسية كلها، ولم يكن مستقلاً عنه. (وُجِدَ نقش في بابل كتبه كورش بنفسه يتضمن هذه القصة).

  1. مملكة مادي وفارس وملوكها: الماديون هم نسل مادي بن يافث (تك2: 10) وقد اشتهروا بخيولهم وفرسانهم وكانوا يتصلون بالفرس في الجنسية واللغة والثقافات والتاريخ. وفي وقت نبوبلاسر مؤسس بابل كانت فارس تتبع مادي. وفي أيام كورش إتحدت مادي وفارس وسميت المملكة مادي وفارس وواضح أن الماديين سبقوا الفرس، لكن تفوق الفرس عليهم فيما بعد. وفي أيام كورش الفارسي إستعاد اليهود حريتهم وعادوا إلى أورشليم. وكانت عواصم ملوك فارس برسبوليس (2مك2: 9) وسوسا (شوشن) (نح1: 1 + إس2: 1) وأشهر مدن مادي اكبتانا (أحمثا) (عز2: 6). ومع أن كورش سمح لليهود بالعودة إلى بلادهم إلا أنه لم يمنحهم إستقلالاً سياسياً (كان ذلك سنة 536 ق. م.) بل كان يحكمهم حاكم يعينه الإمبراطور الفارسي (نح7: 3 وقابل مع 14: 5 – 15). فكانت بلادهم جزءاً من مقاطعة عبر النهر (عز36: 8) وكانت مؤلفة من سوريا وفلسطين وفينيقية وقبرص وقد خضع اليهود لحكم الفرس 207سنين. وذلك من احتلال كورش لبابل حتى احتلال الإسكندر الأكبر لفلسطين سنة 333 ق. م.
  1. ملوك الفرس وعلاقتهم بأورشليم:
  1. كورش: هو مؤسس دولة مادي وفارس. وهو الذي أصدر نداء بعودة الشعب إلى أورشليم سنة 536 ق. م. (عز2: 1). فعاد الشعب وبدأوا في بناء الهيكل (عز8: 3 – 13) وكان ذلك سنة 535 ق. م.. وبدأت مقاومة الأعداء (عز5: 4). وتوفى كورش سنة 529 ق. م. وفي فترة حكم كورش مَلَّكَ داريوس المادي على بابل دا31: 5 + 1: 6 كمجاملة لشركائه الماديين.
  2. قمبيز (ارتحشستا): هو إبن كورش وملك بعد وفاة كورش. وقد نجح الوشاة في إقناع هذا الملك بوقف العمل في بناء الهيكل فأصدر أمراً بذلك (عز17: 4 – 25) وظل العمل متوقفاً طوال مدة هذا الملك. وكان لكورش ولدان، الكبير هو قمبيز والآخر يُدعى سمردس. وذهب قمبيز ليحارب في مصر وتولى أخوه الحكم أثناء غيابه، فجاء محتال يشبه سمردس هذا وإغتاله وتملك العرش مكانه لمدة سبعة شهور. وبينما كان قمبيز في رحلة عودته في حملته من مصر مات في الطريق سنة 522 ق. م. فجاء داريوس هستاسب وكان صهراً لكورش وقتل هذا المحتال وإمتلك العرش مكانه. وبموت قمبيز وسمردس انقرضت سلالة كورش.
  3. داريوس هستاسب: إستولى على العرش سنة 521 ق. م. وأسس مملكة جديدة إمتدت من الهند إلى الأرخبيل الإغريقي والدانوب وإغتني جداً. وفي أيامه أخذ النبيان حجي وزكريا يحثان الشعب للعمل في بناء الهيكل (عز1: 5) وكان ذلك سنة 520 ق. م. وأمر هذا الملك بإعادة البناء (عز24: 4) + (عز5، 6) وقد اكتمل بناء الهيكل وتم تدشينه سنة 515 ق. م. وقد ملك هذا الملك ما يزيد على 36سنة وتوفى سنة 486 ق. م.
  4. زركسيس الأول (أحشويرش): هو زوج أستير وهذا ظل يجمع جيشاً لمدة 4 سنين حتى صار جيشاً عظيماً قوامه 5 ,2 مليون رجل تقريباً لكن كان هذا العدد الضخم سبباً في هزيمته فالأوامر لا تصل للأفراد بسهولة. وحاول غزو اليونان ولكنه هُزِمَ في معركة سلاميس سنة 480 ق. م. واضطر للتقهقر وحفظت اليونان هذه النقمة للفرس حتى جاء الإسكندر الأكبر. وكان هذا الملك غارقاً في شهواته ومستهتراً وفي أيامه حدثت حيلة هامان لإبادة الشعب. وأغتيل هذا الملك سنة 465 ق. م.
  5. ارتحشتسا لونجيمانوس أي طويل اليد: وهذا لاطف اليهود وسمح لعزرا أن يعود بعدد منهم إلى أورشليم كما أذن لنحميا أن يعيد بناء أسوار المدينة (عز11: 7 – 13 + نح1: 2 – 10) وتوفى سنة 424 ق. م. وفي عهده سنة 457 ق. م. صدر الأمر بإعادة بناء أورشليم (دا25: 9).
  6. تعاقب على العرش عدد من الملوك كان آخرهم داريوس قدمانوس الذي تغلب عليه الإسكندر الأكبر سنة 331 ق. م لتبدأ الإمبراطورية اليونانية.
  1. مملكة اليونان: قامت على يد الإسكندر الأكبر وإنتشرت إنتشاراً واسعاً جداً وبسرعة عجيبة. ثم مات الإسكندر شاباً وعمره حوالي 32سنة. وخلفه قادة جيوشه الأربعة على مملكته التي انقسمت إلى أربع ممالك ضخمة وستأتي التفاصيل بعد ذلك.
  1. شهادة السيد المسيح لسفر دانيال: سماه السيد المسيح دانيال النبي أي أن الله هو الذي أوحي له أو أعلن له ما قاله (مت15: 24) وقارن هذه الآية مع (دا 27: 9، 31: 11، 11: 12) وقارن أيضاً حديث السيد المسيح عن الضيق في آخر الأيام (مت21: 24) مع نبوة دانيال (1: 12) وقارن أيضاً حديث السيد المسيح حين يصف مجيئه على السحاب (مت30: 24) مع (دا13: 7) وأشار لهذا أيضاً في حديثه مع رئيس الكهنة (مت64: 26) بل أن المسيح كان يطلق على نفسه لقب إبن الإنسان كما قاله دانيال (13: 7) وكانت الآيات (دا13: 7، 14) هي الأساس لما إستعمله المسيح في وصف مجيئه الثاني (مت23: 10 + 27: 16، 28 + 28: 19 + 30: 24 + 31: 25) ويضاف لذلك أن وصف القيامة في (يو28: 5، 29) هو ما قيل في (دا2: 12).
  1. شهادات أخرى من العهد الجديد: أشار بولس الرسول لحادثتي جب الأسود والفتية في أتون النار في (عب33: 11، 34).
  1. التشابه بين سفر دانيال وسفر الرؤيا:

قال الملاك عن دانيال أنه الرجل المحبوب (23: 9 + 11: 10، 19) ويوحنا هو التلميذ المحبوب للمسيح (يو23: 11 + 26: 19 + 2: 20 + 7: 21، 20). وكلاهما كتب سفره في الأسر (دانيال كتبه في بابل ويوحنا كتبه في بطمس) وكلا السفرين له طبيعة أخروية، كلاهما به ختوم بعضها فُتِح والآخر لم يسمح الله بفتحه. وكلاهما تكلم عن مجيء ضد المسيح في سفره وقارن الآتي بين السفرين:

أ – الأشياء التي ستحدث (دا 29: 2، 45) مع (رؤ19: 1 + 1: 4).

ب – نهاية الأرض (دا 35: 2) مع (رؤ11: 20).

ج – دعوة الناس لعبادة التمثال (دا 6: 3) مع (رؤ15: 13).

د – بابل العظيمة (دا 30: 4) مع (رؤ8: 14 + 8: 17 + 2: 18، 10، 21).

هـ – آلهة الذهب والفضة والنحاس والحديد والخشب التي لا تسمع ولا ترى ولاتعرف (دا 23: 5) مع (رؤ20: 9).

و – رؤيا دانيال للمسيح مثل رؤيا يوحنا (دا 13: 7، 14) مع (رؤ7: 1).

شعر الرأس كالصوف (دا 9: 7) مع (رؤ14: 1).

ز – الزمان والزمانين ونصف الزمان (دا 25: 7 + 7: 12) مع (رؤ3: 11 + 6: 12).

ح – وقارن (دا 5: 10، 6) مع (رؤ7: 1).

وقارن (دا 6: 12) مع (رؤ5: 10، 6).

وهناك فرق ففي دانيال، يضع المسيح المنطقة على حقويه، وهذا وضع استعداد لعمل ما، فهو يستعد للتجسد لإتمام الفداء، أما في سفر الرؤيا فهو يضع المنطقة عند ثدييه على صدره فهو هنا سيقوم بدور القاضي الديان.

هل تبحث عن  نصيحتي لك أنك

ط – سفر الحياة (دا 1: 12) مع (رؤ15: 20).

قيل أن سفر دانيال هو رؤيا العهد القديم وسفر الرؤيا هو رؤيا العهد الجديد.

  1. دور دانيال مع شعب الله في إنتشار الكرازة:

كما شهد بولس الرسول أمام الولاة بل وفي قصر قيصر للمسيح، هكذا شهد دانيال لله أمام ملوك بابل وملوك الفرس. وكما أظهر الله قوته للمصريين ليطلقوا شعبه من عبوديتهم في مصر، هكذا كان دانيال بحكمته والمعجزات التي صنعها مُظهِراً قوة الله لهذه الشعوب الوثنية ليقنعها بعجز آلهتها الوثنية أمام قوة إلهه حتى يطلقوا الشعب. ونلاحظ فى (4: 33 – 37) إيمان نبوخذ نصر مما رآه فى دانيال. وفى (عز1: 1 – 4) تأثر كورش بما أراه إياه دانيال من نبوات، ونبوات دانيال أثرت فى الإسكندر ملك اليونان.

ولنلاحظ أنه قبل تأسيس كنيسة العهد القديم في أورشليم، قضى الشعب سنيناً في العبودية في مصر حتى حررهم موسى النبى ثم دخلوا أرض الميعاد ولكنهم إستمروا فترة بلا ملك إلى أن أسس داود المملكة. وهكذا بعد العودة من سبى بابل إستمروا فترة تحت حكم الفرس ثم اليونان وبعدهم الرومان إلى أن أتى المسيح إبن داود.

ولنلاحظ حكمة الله فاليهود الذين تشتتوا بعد سبى أشور للمملكة الشمالية إسرائيل سنة 722 ق. م. ثم سبى بابل للمملكة الجنوبية يهوذا والذى كان على أربع فترات إبتداء من سنة 606 ق. م. وحتى سنة 586 ق. م. هؤلاء اليهود الذين تشتتوا فى كل العالم كانوا عاملاً مساعداً لإنتشار الإيمان بالله وبالإيمان المسيحى بعد ذلك.

ويقال أن دانيال هو الذي كشف نبوات إشعياء (التي تنبأ فيها بإسم كورش الملك وبخطته في غزو بابل) لكورش الملك، وأراه نبوات إرمياء التي حددت مدة سبي بابل وسقوط بابل (إش26: 44 – 3: 45 + إر10: 25 + إر10: 29 – 14) وكان هذا سبباً في أن كورش يعتبر أن أمراً صدر له من السماء ليعيد الشعب ويبني الهيكل (عز1: 1 – 4) ونبوات دانيال هذه في سفره كانت سبباً هي الأخرى في عطف ملك اليونان الإسكندر على أورشليم (راجع صفحة 5 نقطة د).

ملحوظة: الشعب بعد عودته من السبي لم يعد لهم نفس الشكل والمجد الذي كان لهم بعد عودتهم من مصر. فهم لم يعودوا أحراراً تماماً بل خاضعين مرة للفرس ومرة لليونان ومرة للرومان والهيكل لم يعد لسابق مجده. فالعالم الآن وأورشليم يستعدون لإنتهاء الرموز والذبائح الحيوانية التي ترمز للمسيح، ويستعدون لإستقبال المسيح الذبيحة الحقيقية والمحرر الحقيقي من عبودية إبليس. ولذلك فعندما إنتهي نحميا من بناء السور انتهي ملاخي أيضاً من نبوته التي كانت آخر النبوات وانتظر العالم مجئ المسيح الذي فيه تحققت النبوات.

  1. تقسيمات السفر: هناك تقسيمات للسفر تقسمه لجزء تاريخي (1 – 6) وجزء نبوي (7 – 12) ولكن نجد أن إصحاح (2) يدخل في القسم النبوي متفقاً مع إصحاح (7) وهناك رأى بأن أصحاحي (2، 7) يعطوا فكرة عن القوى العالمية، والإصحاحات (3 – 6) يعطوا فكرة عن مقاومة هذه القوى العالمية لشعب الله. والإصحاح المحوري هو إصحاح (9) الذي يتنبأ عن ميعاد مجئ المسيح وصلبه ثم في (36: 11 – 7: 12) يتنبأ عن الألام التي سيعاني منها شعب الله في النهاية ومجيء ضد المسيح والقيامة من الأموات.

نياحة دانيال النبي: عاش دانيال النبي ما يقرب من 90سنة قضى معظمها مشهوراً بحكمته كشخصية بارزة في بلاط بابل وفارس. هذا بفرض أن سنه وقت السبي كان حوالي 18سنة ودفن دانيال في مقابر ملوك الفرس.

الخط العام لنبوة دانيال النبى.

يرجى قراءة هذا الجزء الآن ومرة أخرى بعد الإنتهاء من دراسة السفر.

هناك خط واحد يجمع إصحاحات سفر دانيال وهو أن الله المحب خلق الإنسان ليكون إبنا له ينعم بمجده، فخلقه على صورته كاملا جميلا كما يليق بأولاد الملوك. وسقط الإنسان بغواية الشيطان فى نفس سقطة الشيطان، إذ هو أراد أن يكون مثل الله ولكن بالإنفصال عن الله، كأنه فى حالة تنافس مع الله. بينما أن الفكر الإلهى أن يكون الإنسان فى وحدة مع الله فيحصل من الله على كل البركات الإلهية من جمال وحكمة ومعرفة وقوة ومجد وفرح… إلخ.

ولنرى كيف كانت سقطة الشيطان، وكيف سقط آدم. وسيستمر هذا الفكر سائدا على البشر حتى نهايه الأيام.

* أنت قلت فى قلبك أصعد إلى السموات. أرفع كرسيى فوق كواكب الله… أصير مثل العلى (إش14: 13، 14).

* وكانت هذه خدعة الشيطان أن يُسقِط آدم وحواء فى نفس الخطية، إذ قال الشيطان لحواء “لن تموتا، بل الله عالم أنه يوم تأكلان منه تنفتح أعينكما وتكونان كالله” (تك3: 4، 5).

* وستكون هذه نفس سقطة ضد المسيح فى آخر الأيام، فسينادى من يتبعونه بقولهم “من مثل الوحش” ويقبل هو سجودهم “وسجدوا للتنين الذى أعطى السلطان للوحش، وسجدوا للوحش قائلين> من هو مثل الوحش < (رؤ13: 4).

فالفكر الإلهى أن الله “خلقنا على صورته كشبهه” (تك1: 26)، فخلق الملائكة أولا ثم الإنسان، آدم وحواء وكان الكل فى حضن الله الآب. فالإبن الوحيد الجنس إبن الله الكلمة “الذى هو فى حضن الآب” (يو1: 18)، هو الذى به كانت الخليقة، “به كان كل شئ وبغيره لم يكن شئ مما كان” (يو1: 3)، هو رأس الخليقة “بداءة الخليقة” (رؤ3: 14). وهو “بكر كل خليقة، فإنه فيه خُلِق الكل ما فى السموات وما على الأرض… هو رأس الجسد” (كو1: 15 – 18) فالخليقة كلها خرجت من الإبن الذى هو فى حضن الآب.

* ولما سقط الشيطان إنفصل عن الله.

* ثم سقط الإنسان فإنفصل عن الله ومات وسقط تحت عبودية الشيطان الباطل ولكن على رجاء (رو8: 20).

* ولكن كان الفرق بين الإنسان والشيطان أن الإنسان كان ضعيفا ومترددا وقابلا للتوبة، وهذا ليس هو وضع الشيطان، فالشيطان أخذ قراره وإنفصل عن الله بلا تردد ولا مكان للتوبة فى فكره بل هو فى حالة تحدٍ لله للنهاية. فكان الفداء للإنسان وليس للشيطان.

* والفداء كان بأن تجسد إبن الله الكلمة وإتحد بالإنسان ليعيده مرة ثانية إلى الأحضان الإلهية. وهكذا تبنى الكنائس لشرح هذه الفكرة. فصحن الكنيسة يجتمع فيه الشعب يصلون فيملأهم الروح القدس، والروح القدس يحول الخبز والخمر إلى جسد ودم المسيح ويثبتهم الروح القدس فى المسيح، فيحملهم المسيح الإبن إلى حضن الآب، وهذا يُمَثَّل بالجزء الدائرى فى نهاية الهيكل المواجه للمذبح.

* فمن يرغب بحريته أن يتحد بالمسيح ويثبت فيه، فالله وضع فى الكنيسة أسرارا سبعة يتم بها هذا الثبات لمن يريد، على أن يكون المدخل هو عن طريق الباب الضيق أى رفض الخطية، والنهاية حياة أبدية فى المجد.

* ومن لا يريد فطريق الهلاك، طريق الشيطان موجود أمامه. وهذا هو الباب الواسع الذى نهايته الهلاك مع الشيطان.

* وقطعا فالشيطان يسعى وراء كل إنسان ليجذبه للهلاك، ولكن الشيطان مقيد حاليا وسيطلق فى نهاية الأيام فيعطى كل قوته لضد المسيح، وذلك لمدة محدودة هى ثلاث سنوات ونصف السنة ينتهى العالم الحالى بعدها ويأتى المسيح للدينونة.

* وإذا كان الشيطان يسعى لإغراء كل نفس بملذات الخطية المهلكة، فعلى الجانب الآخر نجد الروح القدس لا يتركنا، إنما يعطينا “نعمة أعظم” لننتصر فى هذه التجارب ونخلص (يع4: 4). وكل إنسان حر فى قراره، فالله يريد أن الجميع يخلصون، لكن السؤال هل الجميع يريدون “الله يريد أن الجميع يخلصون”… “كم مرة أردت ولم تريدوا”… “هل تريد أن تبرأ”… وكيف نحصل على هذه النعمة… “إسألوا تعطوا”.

(1تى2: 4 + مت23: 37 + يو5: 6 + مت7: 7).

* سفر دانيال يرسم صورة كاملة لصورة الخليقة منذ خلقتها وحتى نهايتها، والله القدوس القاضى بالعدل (وهذا معنى إسم دانيال) يقضى بالحب حقا، ولكن بالعدل فهو إله قدوس وعادل. ولنرى كيف صَوَّرَ السفر هذه الحقائق.

الإصحاح الأول.

  1. الله خلقنا فى أجمل صورة وجعلنا أولاد ملك بلا عيب فينا ومن الشرفاء فنحن أولاد ملك الملوك، وحسان المنظر ولنا حكمة وفهم ومعرفة. ولنلاحظ ما قيل عن دانيال والثلاثة فتية.

“وَأَمَرَ الْمَلِكُ أَشْفَنَزَ رَئِيسَ خِصْيَانِهِ بِأَنْ يُحْضِرَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَمِنْ نَسْلِ الْمُلْكِ وَمِنَ الشُّرَفَاءِ، 4فِتْيَانًا لاَ عَيْبَ فِيهِمْ، حِسَانَ الْمَنْظَرِ، حَاذِقِينَ فِي كُلِّ حِكْمَةٍ وَعَارِفِينَ مَعْرِفَةً وَذَوِي فَهْمٍ بِالْعِلْمِ” (دا1: 3).

وبالخطية سقطنا تحت عبودية الشيطان، ويمثله هنا الملك نبوخذ نصَّر ملك بابل. وكما إستخدم نبوخذ نصَّر أولاد الملوك ليكونوا خداما له هكذا عمل الشيطان مع البشر. وحاول نبوخذ نصر أن يُغيِّر هوية دانيال والثلاثة فتية ولكنهم قاوموا ورفضوا والله أعانهم فإزدادوا حكمة وقوة ونورانية. إذاً ليس معنى العبودية للشيطان أن الإنسان كان بالضرورة لا بد أن يسقط، بل قال الله لقايين من قبل عن الخطية “إليك إشتياقها وأنت تسود عليها” (تك4: 7). وبينما رفض قايين وسقط بإرادته وهلك كالشيطان، نجد دانيال والثلاثة فتية ينتصرون، بل كان لهم الفضل فى تغيير الملك نبوخذ نصَّر نفسه لما رآه من عمل الله معهم.

  1. كما رأينا فالله يريد أن الجميع يخلصون، وهو يعطى نعمة ويعين من يريد، وهو “قصبة مرضوضة لا يقصف وفتيلة مدخنة لا يطفئ” ولكن لمن يريد، فنحن مخلوقين على صورته أحرارا، وهو لن يلغى هذه الحرية. والله فى محبته يسعى وراء كل نفس ليخلصها، وكما رأينا يعطى لمن يريد نعمة أعظم من إغراءات الشيطان.
  2. “أقنعتنى يا رب فإقتنعت، وألححت علىَّ فغلبت” (إر20: 7). هذا مبدأ الله فى التعامل مع البشر، أو قل أن الله يبدأ بالإقناع فإن لم نستجب فالله له أساليب أخرى، فهناك مجاعة للإبن الضال ليراجع نفسه ويعود لأبيه، وهناك حوت ليونان. فالله لا يُرغم أحدا على شئ ما بل يظل يسعى وراءه بالإقناع والإلحاح وغيره من الوسائل. فإن إستجاب لهذه المحاولات خلَّصَ نفسه، وإن رفض، يكون هو الذى إختار طريق الهلاك. ولكن الله فى محبته، قبل أن يُهْلِك، يجرب الإنسان بتجارب كثيرة تبدأ بسيطة ثم تشتد لعله يندم ويستيقظ ويعود فيخلص. فإن أصَّر يهلك.

نبوخذ نصَّر ملك بابل.

الإصحاحات الثانى والثالث والرابع.

* نبوخذ نصرَّ نموذج حى لإنسان ساقط خاطئ خدعه الشيطان بنفس أسلوب خداعه التقليدى، وهو أن يشعر بذاته وإمكانياته بالإنفصال عن الله. ونبوخذ نصَّر أيضا هو نموذج حى لطريقة الله فى جذب النفوس التى يجد الله أنها فتيلة مدخنة فلا يطفئها.

* الله أعطى لنبوخذ نصَّر مواهب عظيمة وإمكانيات هائلة، فكان القائد العظيم عسكريا وأسس إمبراطورية عظيمة مترامية الأطراف، وكان المؤسس لمدينة عظيمة هى بابل. بل هو عمل واحدة من عجائب الدنيا السبع وهى حدائق بابل المعلقة.

* ولكنه وصل للنقطة نفسها التى سقط فيها الشيطان وبعده آدم، فقال إذ وقف يشاهد ما صنعته يداه من عظمة بابل “أليست هذه بابل العظيمة التى بنيتها لبيت الملك بقوة إقتدارى، ولجلال مجدى” (دا4: 30) ونسى أن كل ما عمله كان بعقله وهذا العقل هو عطية وهبة من الله. وهذه العطايا والمواهب هى ما يسميه الرب الوزنات (مثل الوزنات مت 25: 14 – 30).

* فكيف يشفى الله نبوخذ نصَّر من كبريائه هذه ليخلص: -.

1) فى الإصحاح الثانى يريه الله فى حلم أن مملكته لن تستمر، وتأتى مملكة أخرى، وتتوالى الممالك إلى أن ينتهى العالم كله. ويملك المسيح وحده، الحجر الذى قُطِع بغير يدين فلا داعٍ للإنتفاخ على مملكة ستنتهى بل وعالم سينتهى.

2) يتحدى نبوحذ نصر ما سمعه من دانيال فى الإصحاح الثالث ويعمل تمثالا هائلا ولسان حاله يقول بتحدى، إن كان رأس التمثال الذى من ذهب هو بابل، فلن تأتى ممالك أخرى بعده. وأقام تمثالا عظيما من ذهب كله، فهو يعاند ما رآه فى الحلم ليقول بل بابل باقية بلا نهاية. ولكن رؤيته للثلاثة فتية فى أتون النار ومعهم شبيه بإبن الآلهة تجعله يفكر. فالله يقنعه خطوة بخطوة أنه إله لا مثيل له ينقذ عبيده وهم فى أتون نار.

3) ثم يأتى التأديب فى الإصحاح الرابع ويبعده الله عن عرشه 7 سنوات يعيش فيها كالحيوان فى ذل فيتضع، ثم يشفيه الله. ونرى العجب فى طرق شفاء الله إذ يخرج نبوخذ نصَّر من هذه التجربة فنجده الملك المتواضع والمؤمن بالله (دا4: 36 – 37). وعمل الله هذا فى شفاء النفس أو تغيير طبيعة النفس هو معجزة حقيقية يتحول فيها الإنسان ليصير خليقة جديدة (2كو5: 17). فنرى هنا نبوخذ نصَّر الملك الوثنى والمتوحش الدموى والمتكبر، وكيف حوَّله الله إلى إنسان يعترف بالله ويسبح الله. وإذا كان هذا قد حدث فى العهد القديم قبل الفداء فكم وكم يقدر الروح القدس الساكن فينا الآن أن يُغَيِّر طبيعتنا إلى صورة المسيح (غل4: 19).

* الإصحاح الخامس.

هنا نرى الصورة العكسية، أى لمن يرفض محاولات الله معه فيظل يتحدى الله، ونجد هذا واضحا فيما حدث مع بيلشاصر إبن نبوخذنصَّر (هو حفيده) وهذا أراد أن يتحدى الله ويشرب خمرا فى آنية بيت الله، فهلك فى نفس الليلة هو وكل مملكته. ونلاحظ أن الله أعطى له إنذارات قبل الهلاك، فكورش هاجمه ولم يستطع مقاومته فإنسحب وأغلق أبواب بابل على نفسه. وأخيرا تظهر اليد التى أرعبته. ولم يتب فهلك.

هل تبحث عن  من يحب يغفر، لأن الحب يمحو جماً من الخطايا

* الإصحاح السادس.

وفى الإصحاح السادس وبعد نهاية مملكة بابل تأتى مملكة الفرس تماما كما قال الله لنبوخذ نصَّر فى رؤيا الحلم. ولكننا نجد أن الإضطهاد ضد شعب الله وأولاد الله مستمر وسيستمر للنهاية. ولكن نجد أن أولاد الله دائما منتصرين فالله يعطى نعمة أعظم. وما يحدث لأولاد الله يكون وسيلة تعليم لغير المؤمنين. فلقد رأى الملك الفارسى يد الله التى تحمى أولاده. هذا الإضطهاد لشعب الله مستمر عبر العصور وحتى نهاية الأيام، فلأن العالم والشيطان يبغض المسيح فهو أيضا سيبغض أولاد الله (يو15: 18 – 25).

* الإصحاح السابع.

نرى فى هذا الإصحاح عدة حقائق.

* نرى هنا حقيقة الأمم التى تضطهد شعب الله، وما هم سوى وحوش، والشيطان هو من أعطاهم هذه الطبيعة الوحشية.

* وإلى متى يستمر هذا الإضطهاد؟ إلى النهاية.

* ولكن هناك الله الديان العادل، فنرى فى الإصحاح السابع يوم الدينونة والله جالس ليدين، فالله يقضى ويحكم بالعدل على من إضطهد أولاده.

* ولكن أيضا فى الإصحاح السابع نرى شفاعة المسيح الكفارية فى أولاد الله يوم الدينونة. ونسمع هنا أنهم “قرَّبوا قدامه إبن الإنسان” وكلمة قربوا تعنى قدَّموه ذبيحة ليشفع فينا.

* الإصحاح الثامن.

نرى فيه الوحى يبدأ فى الإقتراب من الأيام الأخيرة ويرسم صورة لأحداث الأيام الأخيرة. ويعطينا فكرة عن الوحش الذى سيظهر ليكمل إضطهاد أولاد الله، فيَكْمُل ويَكْمَل أولاد الله إستعدادا للنهاية. وكان هذا عن طريق شرح الأيام الأخيرة للدولة اليونانية السلوكية (نسبة لسلوكس ملك سوريا). وكان آخر ملوك هذه الأسرة فعليا هو أنطيوخس إبيفانيوس وهذا يعتبر رمزا واضحا لضد المسيح.

الإصحاح التاسع.

فى هذا الإصحاح نرى شرحا وافيا وواضحا لعمل المسيح الفدائى الكفارى، ويحدد هذا الإصحاح بدقة السنة التى يولد فيها المسيح، والسنة التى يبدأ فيها خدمته التعليمية، والسنة التى يصلب فيها المسيح. ونرى فيها النتائج المدمرة لشعب اليهود بسبب صلبهم المسيح من دمار لأورشليم، وما سوف يحدث قبل خراب أورشليم من نجاسات.

الإصحاح العاشر والحادى عشر.

رؤيا يرى فيها دانيال السيد المسيح ليشرح له الأحداث الخاصة بنهاية الدولة اليونانية التى حكمت سوريا، وهذه الدولة كانت تمتد من سواحل البحر المتوسط وحتى الهند وكانت تشمل اليهودية وأورشليم. ولكن هذه الإصحاحات فضلا عن أنها تحققت حرفيا، إلاّ أنها مكتوبة بصورة غامضة لتشير عن أحداث أيام النهاية. وهى تعطينا علامات غامضة الآن وستتضح فيما بعد عن ضد المسيح الذى يرمز له أنطيوخس إبيفانيوس الملك اليونانى (هى غير واضحة تماما الآن ولكنها ستتضح فى أيام النهاية فالله لا يريد لها أن تنكشف الآن). ولكن هذا الغموض مقصود ولن يتضح إلا فى أيام النهاية لنعرف نحن الدارسين للكتاب المقدس كيف نتعرف على هذا الشخص.

الإصحاح الثانى عشر.

مزيد من العلامات، والوحى يحدد هنا دور الدارسين الفاهمين للكتاب المقدس ويقول عنهم أنهم “يضيئون كضياء الجلد”. والجلد هنا هو السماء التى تلمع فيها النجوم ليلا، والليل هو إشارة للخطية التى تنتشر فى الأيام الأخيرة للعالم وبسببها تكون الضربات والألام والخراب النهائى. وهؤلاء الفاهمون إذ يجدون العلامات التى وضعها الله فى سفر دانيال هنا، وفى سفر الرؤيا، وأنها تنطبق على ضد المسيح أو ما يسميه سفر الرؤيا “الوحش” يعلنون حقيقته للعالم فيردون كثيرين لكى لا يهلكوا (دا12: 3).

ونرى دانيال المحبوب يرقد لينضم لمن سبقوه وهذا ما يحدث مع كل أولاد الله إذ ينتقلون للراحة فى الفردوس، حتى يأتى المسيح فى مجيئه الثانى لينقل أولاده إلى المجد الأبدى والفرح الذى لا ينطق به (1بط1: 8). ولذلك نجد فى هذا الإصحاح أوضح نبوات عن القيامة بل يسمى هذا الإصحاح بإصحاح القيامة العامة. وبعد القيامة العامة تسود مملكة المسيح، ولا يعود هناك من هو ليس خاضعا له. فأولاد الله سيخضعون عن حب، أما من كانوا يعادون الله فيخضعون صاغرين تحت موطئ قدميه.

ويكون بهذا الخط العام لنبوة دانيال أنها تبدأ بخلقة الإنسان فى أبهى صورة، ثم سقوطه وعبوديته، لكن الله يعمل مع كل شخص ومن يستجيب يخلص كنبوخذ نصَّر الملك، ومن يقاوم ويتحدى يهلك كبيلشاصر حفيده. ولكن إضطهاد شعب الله مستمر للنهاية، والله الديان والقاضى العادل سيدين. ويوم الدينونة نجد لنا المسيح إبن الإنسان شفيعا لنا. والضيقات والتجارب تزداد مع أيام النهاية بظهور ضد المسيح. ومن يموت الآن بالجسد يذهب ليستريح مع من سبقونا. وفى النهاية وبعد القيامة العامة تسود مملكة المسيح.

الإصحاح الأول

الأعداد 1-7

الآيات (1 – 7): –

“1فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ مُلْكِ يَهُويَاقِيمَ مَلِكِ يَهُوذَا، ذَهَبَ نَبُوخَذْنَاصَّرُ مَلِكُ بَابِلَ إِلَى أُورُشَلِيمَ وَحَاصَرَهَا. 2 وَسَلَّمَ الرَّبُّ بِيَدِهِ يَهُويَاقِيمَ مَلِكَ يَهُوذَا مَعَ بَعْضِ آنِيَةِ بَيْتِ اللهِ، فَجَاءَ بِهَا إِلَى أَرْضِ شِنْعَارَ إِلَى بَيْتِ إِلهِهِ، وَأَدْخَلَ الآنِيَةَ إِلَى خِزَانَةِ بَيْتِ إِلهِهِ. 3 وَأَمَرَ الْمَلِكُ أَشْفَنَزَ رَئِيسَ خِصْيَانِهِ بِأَنْ يُحْضِرَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَمِنْ نَسْلِ الْمُلْكِ وَمِنَ الشُّرَفَاءِ، 4فِتْيَانًا لاَ عَيْبَ فِيهِمْ، حِسَانَ الْمَنْظَرِ، حَاذِقِينَ فِي كُلِّ حِكْمَةٍ وَعَارِفِينَ مَعْرِفَةً وَذَوِي فَهْمٍ بِالْعِلْمِ، وَالَّذِينَ فِيهِمْ قُوَّةٌ عَلَى الْوُقُوفِ فِي قَصْرِ الْمَلِكِ، فَيُعَلِّمُوهُمْ كِتَابَةَ الْكَلْدَانِيِّينَ وَلِسَانَهُمْ. 5 وَعَيَّنَ لَهُمُ الْمَلِكُ وَظِيفَةً كُلَّ يَوْمٍ بِيَوْمِهِ مِنْ أَطَايِبِ الْمَلِكِ وَمِنْ خَمْرِ مَشْرُوبِهِ لِتَرْبِيَتِهِمْ ثَلاَثَ سِنِينَ، وَعِنْدَ نِهَايَتِهَا يَقِفُونَ أَمَامَ الْمَلِكِ. 6 وَكَانَ بَيْنَهُمْ مِنْ بَنِي يَهُوذَا: دَانِيآلُ وَحَنَنْيَا وَمِيشَائِيلُ وَعَزَرْيَا. 7فَجَعَلَ لَهُمْ رَئِيسُ الْخِصْيَانِ أَسْمَاءً، فَسَمَّى دَانِيآلَ «بَلْطَشَاصَّرَ»، وَحَنَنْيَا «شَدْرَخَ»، وَمِيشَائِيلَ «مِيشَخَ»، وَعَزَرْيَا «عَبْدَنَغُوَ».”.

في السنة الثالثة ويقول إرمياء (1: 25، 9) في السنة الرابعة ولا يوجد تعارض بينهما فإرمياء يحسب سنة تولى الملك ملكه هي السنة الأولى لحكمه أما دانيال فيتبع الطريقة البابلية، فهو يعتبر السنة التالية للملك هي السنة الأولى لحكمه، وهو بهذا لا يحسب كسور السنة، ونلاحظ أن السبي حدث على أربع مراحل (راجع تفسير سفر إرمياء) والمذكور هنا هو السبي الأول الذي فيه أخذ دانيال والثلاث فتية إلى بابل = أرض شنعار = هو الإسم القديم لأرض بابل، ثم صار اسمها بابل بعد بلبلة الألسنة.

أدخل الآنية إلى خزانة بيت إلهه = الآنية تشير لأولاد الله (2كو7: 4 + 2تي20: 2، 21) لذلك إهتم عزرا بحصر عدد الآنية (عز7: 1 – 11) وكان هذا رمزاً لتحرير أولاد الله من سلطان إبليس وعودتهم للكنيسة (أورشليم) وكان المخطط البابلي إعادة تشكيل الشباب العبراني (غسل مخهم) حتى ينسوا وطنهم ولغتهم ودينهم وإلههم وكان ذلك كالآتي:

  1. تغيير الأسماء: حنانيا: الله حنان. ميشائيل = من مثل الله. عزريا = الرب عوني هؤلاء تغيرت أسماءهم إلى شدرخ = أخو إله القمر أخ أو أكو ميشخ = من مثل الإله آخ أو أكو وعبدناغو = عبد الإله نبو كبير الآلهة فلأن أسماءهم الأولى تذكرهم بارتباطهم بالله غيَّروها ليرتبطوا بآلهة بابل. إذاً لنهتم أن نطلق على أولادنا أسماء قديسين ليرتبطوا بهم.
  2. نوعية الطعام: كان اليهود مدققين جداً في طعامهم ولهم أكل محلل وأكل محرم مثل لحم الخنزير، أو ما ذبح للأوثان. وكانت لهم طريقة خاصة في الذبح. وحتى ينسوا هذا قَدَّمَ لهم الملك أفخر مأكولاته. وكان للبابليين طريقة خاصة هي أن يلقوا جزءاً من الطعام لآلهتهم أثناء طبخ طعامهم على النار. لذلك رفض دانيال والفتية هذا النوع من الطعام حتى لا يشتركوا في هذه العبادة الوثنية.
  3. تغيير اللغة: لينسوا لغة أبائهم وتوراتهم، واللغة مقدسة عند العبرانيين فهي لغة موسى ولغة التوراة. وبرع دانيال في علومهم كما تهذب موسى بكل حكمة المصريين. ولكن لا نقرأ أن هذا الملك أمر بتعليمهم ديانات البابليين، أو فنون السحر وإلا كانوا قد رفضوها. فإذا كانوا قد رفضوا طعام البابليين فبالأولى يرفضوا قبول ديانتهم. ويبدو أن المطلوب كان تعليمهم الحكمة والقانون والفنون والعلوم ليؤهلوا للخدمة. وسبي أولاد الملوك مثل دانيال ورفاقه هو تحقيق لنبوة إشعياء ضد الملك حزقيا (7: 39) ولكن هؤلاء الفتية الثلاثة مع دانيال وإن تغيرت أسماءهم لم تتغير قلوبهم فكانوا مثل يوسف أمناء لله بالرغم من تغيير أسماءهم (فيوسف غيروا إسمه إلى صفنات فعنيح).
  4. نسل الملك = إذاً كانوا من العائلة الملكية فى أورشليم.

الأعداد 8-16

الآيات (8 – 16): –

“8أَمَّا دَانِيآلُ فَجَعَلَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ لاَ يَتَنَجَّسُ بِأَطَايِبِ الْمَلِكِ وَلاَ بِخَمْرِ مَشْرُوبِهِ، فَطَلَبَ مِنْ رَئِيسِ الْخِصْيَانِ أَنْ لاَ يَتَنَجَّسَ. 9 وَأَعْطَى اللهُ دَانِيآلَ نِعْمَةً وَرَحْمَةً عِنْدَ رَئِيسِ الْخِصْيَانِ. 10فَقَالَ رَئِيسُ الْخِصْيَانِ لِدَانِيآلَ: «إِنِّي أَخَافُ سَيِّدِي الْمَلِكَ الَّذِي عَيَّنَ طَعَامَكُمْ وَشَرَابَكُمْ. فَلِمَاذَا يَرَى وُجُوهَكُمْ أَهْزَلَ مِنَ الْفِتْيَانِ الَّذِينَ مِنْ جِيلِكُمْ، فَتُدَيِّنُونَ رَأْسِي لِلْمَلِكِ؟ ». 11فَقَالَ دَانِيآلُ لِرَئِيسِ السُّقَاةِ الَّذِي وَلاَّهُ رَئِيسُ الْخِصْيَانِ عَلَى دَانِيآلَ وَحَنَنْيَا وَمِيشَائِيلَ وَعَزَرْيَا: 12«جَرِّبْ عَبِيدَكَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ. فَلْيُعْطُونَا الْقَطَانِيَّ لِنَأْكُلَ وَمَاءً لِنَشْرَبَ. 13 وَلْيَنْظُرُوا إِلَى مَنَاظِرِنَا أَمَامَكَ وَإِلَى مَنَاظِرِ الْفِتْيَانِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ مِنْ أَطَايِبِ الْمَلِكِ. ثُمَّ اصْنَعْ بِعَبِيدِكَ كَمَا تَرَى». 14فَسَمِعَ لَهُمْ هذَا الْكَلاَمَ وَجَرَّبَهُمْ عَشَرَةَ أَيَّامٍ. 15 وَعِنْدَ نِهَايَةِ الْعَشَرَةِ الأَيَّامِ ظَهَرَتْ مَنَاظِرُهُمْ أَحْسَنَ وَأَسْمَنَ لَحْمًا مِنْ كُلِّ الْفِتْيَانِ الآكِلِينَ مِنْ أَطَايِبِ الْمَلِكِ. 16فَكَانَ رَئِيسُ السُّقَاةِ يَرْفَعُ أَطَايِبَهُمْ وَخَمْرَ مَشْرُوبِهِمْ وَيُعْطِيهِمْ قَطَانِيَّ.”.

أعطى الله نعمة لدانيال في عين رئيس الخصيان كما سبق وحدث مع يوسف في بيت فوطيفار وفي السجن وعلينا أن نعترف حين نلاحظ محبة وإحترام الآخرين أن هذا من عمل يد الله ونعمته. وما سبب هذه النعمة؟ أن دانيال جعل في قلبه = أي كان ينوي نية جادة، والحياة الروحية تبدأ من القلب هو إحتياج يسعى إليه القلب. ودانيال طلب من رئيس الخصيان = وهو طلب مستحيل فعقاب رفض الأوامر الموت. لكن لا ننسى عمل السماء، فهو كان أميناً مع الله “فجعل الله أعداؤه يسالمونه” (أم16: 7). وأعطاه الله نعمة في أعين رئيس الخصيان. ولاحظ قول دانيال جرب عبيدك = فهو طلب كله إيمان لكن بوداعة. لا يتنجس بأطايب الملك = فنحن حين نموت عن شهوات الجسد وننظر إليها في عدم مبالاة يكون هذا سبب نعمة من الله وحكمة وتقوى. وبالإضافة لما سبق فهناك سبباً آخر في أنهم رفضوا طعام الملك، فإنه من غير المناسب أن يفرحوا وهم في السبي وبلدهم في ضيقة. ولاحظ أنهم حين اشتركوا في الحزن مع شعب الله حَوَّلَ الله حزنهم إلى فرح (يو20: 16) وهذا حال كل من يبكي على خطيته فالله يعطيه عزاء ويحول دموعه إلى فرح (مز5: 126، 6) وهم طلبوا أن يأكلوا القطاني = أي الحبوب التي تطبخ كالعدس والفول والحمص واللوبيا وهذا هو الأكل الصيامي عند الأقباط وهذا أعطاهم منظراً وصحة أحسن وهذا فيه رد كافٍ لمن يرفض الصيام خوفاً على صحته. بل زادت لهم بركة خاصة فصحتهم تحسنت عن أترابهم. وفي آية (17) نجد أن الله أعطاهم عطية زائدة معرفة وعقلاً وحكمة وفهم أحلام. ولنلاحظ أنهم تربوا في يهوذا على الترف ولكن من أجل الله قبلوا بل طلبوا هذه الحياة الخشنة “أكلة بقول مع المحبة خير من ثور معلوف مع البغضة” (أم15: 17). ولنذكر أنه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان. بل أن الإستغراق في شهوات وملذات العالم سبب كثير من الأمراض. ونلاحظ أنهم صاموا ليرضوا الله فأعطاهم الله كل هذا أما لو صمنا لأغراض مادية، فقد لا يعطينا الله ما نطلبه من الماديات لأن هدف صومنا يجب أن يكون فقط شركة حب مع ألام رب المجد.

الأعداد 17-21

الآيات (17 – 21): –

“17أَمَّا هؤُلاَءِ الْفِتْيَانُ الأَرْبَعَةُ فَأَعْطَاهُمُ اللهُ مَعْرِفَةً وَعَقْلاً فِي كُلِّ كِتَابَةٍ وَحِكْمَةٍ، وَكَانَ دَانِيآلُ فَهِيمًا بِكُلِّ الرُّؤَى وَالأَحْلاَمِ. 18 وَعِنْدَ نِهَايَةِ الأَيَّامِ الَّتِي قَالَ الْمَلِكُ أَنْ يُدْخِلُوهُمْ بَعْدَهَا، أَتَى بِهِمْ رَئِيسُ الْخِصْيَانِ إِلَى أَمَامِ نَبُوخَذْنَاصَّرَ، 19 وَكَلَّمَهُمُ الْمَلِكُ فَلَمْ يُوجَدْ بَيْنَهُمْ كُلِّهِمْ مِثْلُ دَانِيآلَ وَحَنَنْيَا وَمِيشَائِيلَ وَعَزَرْيَا. فَوَقَفُوا أَمَامَ الْمَلِكِ. 20 وَفِي كُلِّ أَمْرِ حِكْمَةِ فَهْمٍ الَّذِي سَأَلَهُمْ عَنْهُ الْمَلِكُ وَجَدَهُمْ عَشَرَةَ أَضْعَافٍ فَوْقَ كُلِّ الْمَجُوسِ وَالسَّحَرَةِ الَّذِينَ فِي كُلِّ مَمْلَكَتِهِ. 21 وَكَانَ دَانِيآلُ إِلَى السَّنَةِ الأُولَى لِكُورَشَ الْمَلِكِ.”.

في مقابل أمانتهم نجد مواهب وعطايا الله غير المحدودة بل حصل دانيال على روح النبوة وتفوقوا على الكلدانيين. فماذا تكون آلهة الكلدانيين وحكمتهم أمام الله وعطاياه. وهذه شهادة ممن كانوا أمناء لله. وقد قيل عنهم وقفوا أمام الملك = وهذه تعني أن الملك عيَّنَهُم مشيرين له (إس14: 1) ودانيال استمر حتى السنة الأولى لكورش وهذه لا تعني أن دانيال عاش حتى السنة الأولى لكورش لأنه يقول كان ولم يقل عاش ومعني هذا أنه رأي تحرر شعبه ونهاية السبي وعودتهم إلى أورشليم كمكافأة له فهو طالما إشتاق قلبياً لهذا. ويعني القول أيضاً أن دانيال استمر في مركزه الهام حتى السنة الأولي لكورش. إلا أنه عاش بعد ذلك بسنوات. وقارن جرب عبيدك 10 أيام مع وجدهم 10 أضعاف. ورقم 10 يشير للكمال في طاعة الوصية فكمال طاعتنا للوصية يعطينا كمال السلطان على قوى الشر. المجوس = كلمة فارسية تعني كهنة وفي ترتيبهم يأتون بعد الحاكم مباشرة في بلاد مادي وفارس.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي