الأَصْحَاحُ الثَّانِى
المحبة والإيمان والأعمال.
(1) المحاباة (ع 1 – 7):
1يَا إِخْوَتِى، لاَ يَكُنْ لَكُمْ إِيمَانُ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، رَبِّ الْمَجْدِ، فِى الْمُحَابَاةِ. 2فَإِنَّهُ، إِنْ دَخَلَ إِلَى مَجْمَعِكُمْ رَجُلٌ بِخَوَاتِمِ ذَهَبٍ فِى لِبَاسٍ بَهِىٍّ، وَدَخَلَ أَيْضًا فَقِيرٌ بِلِبَاسٍ وَسِخٍ، 3فَنَظَرْتُمْ إِلَى اللاَّبِسِ اللِّبَاسَ الْبَهِىَّ وَقُلْتُمْ لَهُ: «اجْلِسْ أَنْتَ هُنَا حَسَنًا. » وَقُلْتُمْ لِلْفَقِيرِ: «قِفْ أَنْتَ هُنَاكَ» أَوِ: «اجْلِسْ هُنَا تَحْتَ مَوْطِئِ قَدَمَىَّ» 4فَهَلْ لاَ تَرْتَابُونَ فِى أَنْفُسِكُمْ، وَتَصِيرُونَ قُضَاةَ أَفْكَارٍ شِرِّيرَةٍ؟ 5اسْمَعُوا يَا إِخْوَتِى الأَحِبَّاءَ، أَمَا اخْتَارَ اللَّهُ فُقَرَاءَ هَذَا الْعَالَمِ أَغْنِيَاءَ فِى الإِيمَانِ، وَوَرَثَةَ الْمَلَكُوتِ الَّذِى وَعَدَ بِهِ الَّذِينَ يُحِبُّونَهُ؟ 6 وَأَمَّا أَنْتُمْ فَأَهَنْتُمُ الْفَقِيرَ. أَلَيْسَ الأَغْنِيَاءُ يَتَسَلَّطُونَ عَلَيْكُمْ وَهُمْ يَجُرُّونَكُمْ إِلَى الْمَحَاكِمِ؟ 7أَمَا هُمْ يُجَدِّفُونَ عَلَى الاسْمِ الْحَسَنِ الَّذِى دُعِى بِهِ عَلَيْكُمْ؟
العدد 1
ع1:
المعمودية تلد المؤمنين ولادة جديدة فيصيروا جميعهم إخوة بلا تمييز أو تحيز أو تفضيل لمؤمن على آخر، بل جميعهم أعضاء فى جسد المسيح الواحد. والإيمان الحقيقى مرتبط بالمحبة للكل دون تمييز، لأن المسيح رب المجد لن يحابى أحدًا فى السماء بل يمجد الكل معه، كل واحد بحسب أعماله دون النظر إلى مركزه أو غناه او إلى أى قدرات عالمية عنده.
الأعداد 2-3
ع2، 3:
مجمعكم: لم يقل كنيستكم لأن المحاباة لا تليق داخل الكنيسة بل بهذا تصير كأنها مجمع يهودى.
يوبخ محاباتهم للغنى، الذى يصفه أن له ملابس بهية وخواتم ذهبية، فيقدمون له مكانًا عظيمًا ليجلس فيه. أما الفقير الذى ملابسه حقيرة ومتسخة فلا يعطونه حق الجلوس بجوار الغنى بل يقف بعيدًا أو يجلس على الأرض. وخطورة خطية المحاباة تظهر فى أمرين:
- أن المحاباة بعيدة عن الإيمان إذ تعتبر أن الأغنياء هم عماد الكنيسة وليس الله الذى أعطاهم الغنى.
- المحاباة إهانة للفقير المخلوق على صورة الله، وهى إهانة للمسيح نفسه الذى افتقر ليغنينا كما قالوا عنه “أليس هذا ابن النجار؟”.
ثم اننا نقلّل بها من قدر إخوة لنا فى الإيمان وهم أعضاء فى جسد المسيح الواحد.
العدد 4
ع4:
لا ترتابون: المحاباة بعيدة عن مخافة الله. فيا من تحابى ألا تراجع نفسك وتشك فى تصرفك هذا لتتوب عنه؟
المحاباة نابعة عن أفكار شريرة، فيطالبهم أن يحاكموا ضمائرهم أى يكونوا قضاة لأفكارهم الشريرة ويراجعوها ويتوبوا عنها.
العدد 5
ع5:
يبين الرسول أن الله لا يهمه الغنى المادى بل أن كثير من القديسين كانوا فقراء مثل موسى راعى الغنم الذى دعاه الله من العليقة، وداود راعى الغنم الذى مسحه الله ملكًا، وكذلك تلاميذ المسيح كان معظمهم من الصيادين والفقراء. هؤلاء صاروا ورثة للملكوت السماوى الذى أعدَّه لهم. ويظهر أهمية الغنى الروحى بالإيمان على الأرض وميراث الملكوت، وهذا أفضل من كل الغنى المادى.
وليس معنى هذا أن الغنى شر، ولكن الشر هو أن ينسى الإنسان الله بسبب انشغاله بالغنى ويسقط فى الكبرياء.
العدد 6
ع6:
تأثر المؤمنون فى الكنيسة بالغنى، فأكرموا الأغنياء واحتقروا الفقراء، ونسوا أن الأغنياء الأشرار يستخدمون أموالهم ونفوذهم فى إهانة المؤمنين وتهييج الأشرار عليهم.
وكذا محاكمتهم وإلقائهم فى السجون.
العدد 7
ع7:
يتمادى الأغنياء فى شرهم فيهينون اسم المسيح الذى دُعِىَ به المؤمنون.
ليتك تنظر إلى الله الواقف أمامك فتعلن الحق ولا تتحيز لأحد خوفًا من مركزه أو سلطانه أو لأى مصلحة تترجاها منه، واكرم الكل مهما كانوا ضعفاء أو فقراء.
(2) المحبـــة (ع 8 – 13):
8فَإِنْ كُنْتُمْ تُكَمِّلُونَ النَّامُوسَ الْمُلُوكِىَّ حَسَبَ الْكِتَابِ: «تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ. » فَحَسَنًا تَفْعَلُونَ. 9 وَلَكِنْ، إِنْ كُنْتُمْ تُحَابُونَ تَفْعَلُونَ خَطِيَّةً، مُوَبَّخِينَ مِنَ النَّامُوسِ كَمُتَعَدِّينَ. 10لأَنَّ مَنْ حَفِظَ كُلَّ النَّامُوسِ، وَإِنَّمَا عَثَرَ فِى وَاحِدَةٍ، فَقَدْ صَارَ مُجْرِمًا فِى الْكُلِّ. 11لأَنَّ الَّذِى قَالَ: «لاَ تَزْنِ» قَالَ أَيْضًا: «لاَ تَقْتُلْ. » فَإِنْ لَمْ تَزْنِ وَلَكِنْ قَتَلْتَ، فَقَدْ صِرْتَ مُتَعَدِّيًا النَّامُوسَ. 12هَكَذَا تَكَلَّمُوا، وَهَكَذَا افْعَلُوا، كَعَتِيدِينَ أَنْ تُحَاكَمُوا بِنَامُوسِ الْحُرِّيَّةِ. 13لأَنَّ الْحُكْمَ هُوَ بِلاَ رَحْمَةٍ لِمَنْ لَمْ يَعْمَلْ رَحْمَةً، وَالرَّحْمَةُ تَفْتَخِرُ عَلَى الْحُكْمِ.
العدد 8
ع8:
الناموس الملوكى: أى ناموس المسيح الملك السماوى وهو المحبة.
ناموس المسيح أى قانونه هو المحبة، وهذا يدفعنا إلى محبة كل من حولنا تطبيقًا للوصية “تحب قريبك كنفسك” (لا 19: 18)، فيطوِّب الرسول سلوك المحبة نحو الجميع.
العدد 9
ع9:
المحاباة ضد المحبة، فهى تعدى على قانون المسيحية وتعتبر خطية كبيرة.
العدد 10
ع10:
لا تبرروا أنفسكم بحفظكم وصايا كثيرة وعبادات فى الكنيسة ولكن تتعدوا أهم شئ وهو المحبة التى هى روح ناموس المسيح، فبهذا تكونون مجرمين فىحق المسيح وكل وصاياه.
العدد 11
ع11:
الإصرار على خطية يستوجب الموت. فلا يصح الإصرار على خطية مثل القتل مع الحرص من الزنا، فناموس موسى يقضى على القاتل بالموت لأنه كسر هذه الوصية رغم حرصه على باقى الشريعة.
العدد 12
ع12:
ناموس الحرية: قانون المسيح اى المحبة.
هكذا فى العهد الجديد يلزم أن نتمسك بكل وصاياه ولا نصرّ على إهمال أحدها بالإصرار على المحاباة، فهذا يستوجب الهلاك.
العدد 13
ع13:
الرحمة تفتخر على الحكم: الحكم العادل هو أن تعطى كل ذى حق حقه، أما الرحمة فى المسيحية فتعطى أكثر من الحق الذى يستحقه الناس ماداموا محتاجين.
من لا يرحم غيره فيحابى الأغنياء ويحتقر الفقراء لا يرحمه الله ويحكم عليه بالهلاك الأبدى، بل أن قانون المسيحية هو الرحمة خاصة وأن الله أظهر رحمته لنا فى الفداء والغفران لخطايانا كل يوم، مما يدفعنا إلى الإشفاق على الكل ورحمتهم.
الله سمح أن يعانى البعض من الفقر أو المرض أو أى احتياج حتى تظهر محبة ورحمة الآخرين عليهم، فيتماسك الكل كأعضاء فى جسد واحد ويفرحون بالمحبة التى تربطهم وينسون آلامهم؛ فلا تهمل كل محتاج حولك.
(3) الإيمان والأعمال (ع 14 – 26):
14مَا الْمَنْفَعَةُ يَا إِخْوَتِى، إِنْ قَالَ أَحَدٌ إِنَّ لَهُ إِيمَانًا، وَلَكِنْ لَيْسَ لَهُ أَعْمَالٌ؟ هَلْ يَقْدِرُ الإِيمَانُ أَنْ يُخَلِّصَهُ؟ 15إِنْ كَانَ أَخٌ وَأُخْتٌ عُرْيَانَيْنِ وَمُعْتَازَيْنِ لِلْقُوتِ الْيَوْمِىِّ، 16فَقَالَ لَهُمَا أَحَدُكُمُ: «امْضِيَا بِسَلاَمٍ، اسْتَدْفِئَا وَاشْبَعَا»، وَلَكِنْ لَمْ تُعْطُوهُمَا حَاجَاتِ الْجَسَدِ، فَمَا الْمَنْفَعَةُ؟ 17هَكَذَا الإِيمَانُ أَيْضًا، إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَعْمَالٌ، مَيِّتٌ فِى ذَاتِهِ. 18لَكِنْ يَقُولُ قَائِلٌ: «أَنْتَ لَكَ إِيمَانٌ، وَأَنَا لِى أَعْمَالٌ. » أَرِنِى إِيمَانَكَ بِدُونِ أَعْمَالِكَ، وَأَنَا أُرِيكَ بِأَعْمَالِى إِيمَانِى. 19أَنْتَ تُؤْمِنُ أَنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ، حَسَنًا تَفْعَلُ. وَالشَّيَاطِينُ يُؤْمِنُونَ وَيَقْشَعِرُّونَ. 20 وَلَكِنْ، هَلْ تُرِيدُ أَنْ تَعْلَمَ أَيُّهَا الإِنْسَانُ الْبَاطِلُ أَنَّ الإِيمَانَ بِدُونِ أَعْمَالٍ مَيِّتٌ؟ 21أَلَمْ يَتَبَرَّرْ إِبْرَاهِيمُ أَبُونَا بِالأَعْمَالِ، إِذْ قَدَّمَ إِسْحَاقَ ابْنَهُ عَلَى الْمَذْبَحِ؟ 22فَتَرَى أَنَّ الإِيمَانَ عَمِلَ مَعَ أَعْمَالِهِ، وَبِالأَعْمَالِ أُكْمِلَ الإِيمَانُ، 23 وَتَمَّ الْكِتَابُ الْقَائِلُ: «فَآمَنَ إِبْرَاهِيمُ بِاللَّهِ فَحُسِبَ لَهُ بِرًّا» وَدُعِى “خَلِيلَ اللَّهِ.” 24تَرَوْنَ إِذًا أَنَّهُ بِالأَعْمَالِ يَتَبَرَّرُ الإِنْسَانُ، لاَ بِالإِيمَانِ وَحْدَهُ. 25كَذَلِكَ رَاحَابُ الّزَانِيَةُ أَيْضًا، أَمَا تَبَرَّرَتْ بِالأَعْمَالِ، إِذْ قَبِلَتِ الرُّسُلَ وَأَخْرَجَتْهُمْ فِى طَرِيقٍ آخَرَ؟ 26لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الْجَسَدَ بِدُونَ رُوحٍ مَيِّتٌ، هَكَذَا الإِيمَانُ أَيْضًا بِدُونِ أَعْمَالٍ مَيِّتٌ.
العدد 14
ع14:
وجد يعقوب الرسول الفقراء يموتون جوعًا والأغنياء لا يتحركون، فتحدث عن عدم منفعة الإيمان بدون أعمال.
ولا يتعارض هذا مع بولس الرسول القائل “إذ نحسب أن الإنسان يتبرر بالإيمان بدون أعمال الناموس” (رو3: 28)، لأن بولس يتحدث عن أعمال الناموس الغير ضرورية للخلاص ولذلك تحدث عن ضرورة الإيمان العامل بالمحبة وتحدث عن الجهاد والخدمة والعطاء، وهذا ما يتفق مع يعقوب الرسول الذى يتحدث هنا عن الأعمال التى هى ثمر للإيمان الحى.
ويقدم الرسول فى الأعداد التالية أمثلة عملية على ضرورة ارتباط الأعمال الصالحة بالإيمان كشرط لخلاص المؤمن.
الأعداد 15-16
ع15، 16:
المثال الأول.
يعطى الرسول مثالا، إن كان لك أخ وأخت فقراء فتعطف عليهم بالكلام دون أن تقدم عملاً ايجابيًا، فأنت لا تسد احتياجاتهم.
العدد 17
ع17:
المثال الثانى.
الإيمان بدون أعمال يشبه جسدًا ميتًا ليس به روح، فالروح هى الأعمال والتى تدل على أن الإيمان حى. فالإيمان الذى ليس له أعمال هو إيمان نظرى ميت فى ذاته ويقودك للموت.
العدد 18
ع18:
المثال الثالث.
يظهر أهمية الأعمال الصالحة فى حوار يتم بين إنسان له إيمان بدون أعمال والثانى له أعمال صالحة ناتجة من إيمانه، فيقول الثانى للأول: إن كان إيمانك حقيقيًا فاظهره لى لأنه لا يمكن إظهاره بدون أعمال، ولكن أنا بأعمالى الصالحة أظهر لك أن إيمانى حقيقى.
العدد 19
ع19:
المثال الرابع.
يؤكد أيضًا عدم فائدة الإيمان بدون أعمال. فإن كان إنسان له إيمان بالله الواحد ولكن ليس له أعمال صالحة، فهذا لا يفيده شيئًا بل يدينه فى اليوم الأخير لأن إيمانه لم يثمر أعمالاً صالحة، مثل الشياطين الذين يؤمنون بأن الله واحد ويقدِّرون هذا جداً لدرجة الخوف الشديد من الله الذى يعبر عنه بالقشعريرة، ولكنهم مستمرون فى شرورهم، فإيمانهم النظرى هذا الغير مصحوب بأعمال صالحة يدينهم فى اليوم الأخير.
العدد 20
ع20:
المؤمن الحقيقى تظهر فى حياته أعمال المحبة، أما “الإنسان الباطل” أى الذى له إيمان بدون أعمال صالحة فإيمانه باطل. ويواصل الرسول إثباته له أن إيمانه الخالى من الأعمال ميت بأدلة أخرى.
الأعداد 21-22
ع21 – 22:
المثال الخامس:
يستخدم يعقوب الرسول مثالاً وهو إبراهيم أبو الشعب اليهودى الذى ظهر إيمانه العامل إذ قدم إسحق ابنه ذبيحة وهو يؤمن بأن الله قادر أن يقيمه من الموت (رو4: 3).
وهكذا اشترك العمل مع إيمان إبراهيم وأكمل بعمله إيمانه، أى بتقديمه إسحق ذبيحة أكمل إيمانه بالله القادر على الإقامة من الأموات.
الأعداد 23-24
ع23 – 24:
خليل: صديق.
بالأعمال، أى بتقديم إبراهيم لإسحق ابنه ذبيحة تمَّم قول الكتاب المقدس فى (تك15: 6) فأكمل إيمانه الذى به صار بارًا أمام الله بل ارتقى إلى درجة صداقة الله.
وهذا هو الدليل الخامس على أن التبرير يتم بالإيمان والأعمال وليس بالإيمان فقط.
الأعداد 25-26
ع25، 26:
المثال السادس:
يعطى الرسول مثالاً لاقتران العمل بالإيمان فى الأمم الذين آمنوا وليس فقط اليهود. فراحاب الزانية الأممية آمنت بقوة إله إسرائيل وخبَّأت الرجلين اللذين أرسلهما يشوع ليتجسسا أرض الموعد حتى لا يُقْتَلا (يش 2: 1 – 6)، وعلَّقت على بيتها شريطا أحمر، إشارة إلى الإيمان بدم المسيح الفادى، فأنقذها الله من الهلاك مع الوثنيين سكان أريحا لإيمانها العامل بالمحبة. فأعلنت راحاب بهذا أن الأعمال تشبه الروح فى الجسد وتحييه فإن لم توجد الأعمال فالإيمان الذى يشبه الجسد سيصير ميتًا.
لا تكتفِ بتقديرك لمتاعب واحتياجات الآخرين، ولكن إقرن مشاعرك بأعمال محبة تقدمها لهم ولو أعمال صغيرة قدر ما تستطيع، عالمًا أن عملك مهما كان صغيرًا له قيمة أمام الله، فكأس الماء البارد لا يضيع أجره.