معمودية يسوع تذكّرنا بمعموديتنا

معمودية يسوع تذكّرنا بمعموديتنا

“لمّا اعتمد الشعب كلّه، اعتمد يسوع أيضًا”

(لوقا 3: 21)
أثناء اعتماد يسوع ظهر الله الواحد بثالوثه الأقدس: الآب والإبن والرُّوح القُدُس. وجاء صوتٌ الله من السماء يقول: “انت ابنيَ الحبيب، عنك رضيت”، والابن الحبيب يسوع المسيح يتعمّد، والرُّوح القُدُس الذي نزل عليه في صورة جِسمٍ حمامة (لوقا ٣: ٢١-٢٢).
بين معمودية يسوع والظهور الإلهي الثالوثي يوجد رابط لاهوتي. فالظهور الإلهي إعلاناً لألوهية يسوع وقدسيته البريئة من أي خطيئة شخصية، هو الذي مشى مع الخطأة لقبول معمودية يوحنا كعلامة للإقرار بحالة الخطيئة وللتوبة.
معمودية يسوع تذكّرنا بمعموديتنا، التي منها هويتنا المسيحية ورسالتنا.
الهوية: هي ولادتنا الروحيّة الثانية من الماء والروح، وبواسطتها جُعلنا خلقاً جديداً، إذ صوّرنا الروح القدس على شبه المسيح، فدُعينا “مسيحيين”. بهذه الولادة الجديدة أصبحنا أعضاء في جسد المسيح الذي هو الكنيسة، وهذا يعني أنّ المسيح حاضر في الكنيسة والمجتمع من خلالنا، نحن أعضاء جسده الروحيّين، ويواصل عمله الخلاصي بواسطتنا.
كما تعني عضويتنا في جسد المسيح الإلتزام بالشركة في بُعدَيها: العمودي أي الاتّحاد مع الله بالمسيح، والأفقي الوحدة بين جميع الناس. أمّا الرسالة فهي الشهادة لمحبة المسيح بالأفعال والمبادرات والمواقف.
إنّ عيد الظهور الإلهيّ، يدعونا إلى الإرتداد إلى الله، وأن نعيش بسلام مع الله والذات ومع بعضنا البعض. ومن أجل أن نعيش الغفران والمصالحة في محيطنا الكنسي والاجتماعي، فنصبح هكذا أبناء الله بحكم المعمودية ومسحة الميرون، وبالعيش في سلام مع الآخر مهما كان بتواضع وصبر ومحبة. وحدهم المتواضعون الودعاء ينعمون بوفرة السلام الذي لا يُسبر غوره، كما نقرأ في المزمور ٣٧: ١١. إنّ المسيح، الذي دشّن بميلاده حالة الشركة، قد أسّس الأخوّة الحقيقيّة بين الناس، التي تنبذ الانقسام والعداوة. كتب بولس الرسول: “المسيح هو سلامنا، فقد جعل من الجماعتَين، بعدما أحلّ السلام بينهما، إنساناً جديداً واحداً، وأصلح بينهما وبين الله إذ جعلهما جسداً واحداً بالصليب المُقدّس، وبه قضى على العداوة (أفسس ٢: ١٤-١٦).
إنّ يسوع المسيح، ابن الله القدّوس، المجهول من الناس في ألوهيته، مشى مع الخطأة نحو يوحنا المعمدان في نهر الاردن، ملتمساً معمودية التوبة، وهو لم يرتكب أي خطيئة. لكنّه فعل ذلك لكي يتضامن مع الخطأة ويحمل خطاياهم، ويتفهّمهم، ويحاورهم حوار الحقيقة والمحبة، من أجل أن يهديهم إلى نور الله الخلاصي، وسيموت على الصليب فداءً عنهم وعن البشرية الخاطئة. فكان الحوار بين السماء والأرض، بين الله والبشر بالظهور الإلهي، وكانت الدعوة إلى الحوار مع الله والناس.
لقد أقام يسوع حوار الحقيقة والمحبة مع العديدين كما يروي لنا الإنجيل المُقدّس:
تحاور مع نيقوديمس رئيس اليهود الذي قصده ليلاً خوفاً من انتقاد الفريسيين. كان حواراً وجدانيّاً إلتماساً للحقيقة. فطلب نيقوديموس من يسوع التعليم الصحيح “لأنّ الله أرسله معلّماً”. فحاوره يسوع عن الولادة الثانية من الماء والروح من أجل الدخول في شركة مع الله والناس (يوحنا ٣: ١-٦).
تحاور يسوع مع زكا العشار الخاطئ الغارق في ثروته وظلمه، فدخل بيته وجلس إلى مائدته، مرتضياً إنتقاد الفرّيسيين في الخارج وتذمّرهم. فكان حوار توبة كاملة بلغها زكّا، ما جعل يسوع يقول: “اليوم دخل الخلاص هذا البيت” (لوقا ١٩: ٩).
تحاور مع المرأة الكنعانية في نواحي صور، حواراً قاسياً وجارحاً ولكن بطوليّاً، إذ اندهش يسوع من إيمان هذه المرأة الوثنيّة التي أصرّت على أنّه قادر على شفاء ابنتها، فكان الشفاء (متى ١٥: ٢١-٢٨).
تحاور مع السامرية على بئر يعقوب، حواراً صبوراً بالرغم من أنَّ المرأة رفضت أن تسقيَه ماء من جرّتها بسبب العداوة بين السامريين واليهود. وبدأت الحوار معه بشيء من السخرية والكذب. لكنَّ يسوع واصل الحوار بصبر فأدّى إلى إكتشافها أنه هو النّبي والمسيح المنتظر، وراحت تشهد عنه أمام أهل السامرة ، فتقاطروا إليه وآمن به الكثيرون.
تحاور مع الأعمى والأبرص، حوار رحمة وشفاء، وكلاهما منبوذان من المجتمع، فأدرك الأعمى أنّ يسوع يستطيع أن ينعم عليه بالنظر. فلمّا ناداه الأعمى: “يا ابن داود ارحمني”، سأله يسوع: “ماذا تريد أن أصنع لك”؟ فأجاب: “يا معلّم، أن أبصر”! فقال له يسوع: إذهب! إيمانكَ خلّصَكَ”. فأبصر من وقته وتبعه في الطريق (مرقس ١٠: ٥١-٥٢). والأبرص التمس منه قائلاً: “يا معلم، إن شئت فأنت قادر أن تُبرئني”. فأنفق عليه يسوع ومدَّ يده فلمست وقال له: قد شئتُ فابرأ “فزالَ عَنهُ البرصُ لوقتهِ وبَرئ. وأعاده إلى حياة الشركة مع الجماعة (مرقس ١: ٤٠-٤٢).
ربُّنا يسوع المسيح يدعونا إلى حوار الحقيقة والمحبة، على مثاله فلنسمع له. فالحوار يؤدّي إلى الخلاص ممّا نعاني منه في الحياة الزوجية والعائلية والإجتماعية، في الكنيسة والمجتمع، وفي الدولة وبين الشعوب والأمم. هذا الحوار لا يتمّ بالعنف والحرب والإرهاب، بل عبر الحوار بالفكر والقلب واللسان. عالم اليوم الذي أصبح مع العولمة والتقنيّات الإعلاميّة “قرية كبيرة”، أصبح في الواقع العكسي في مسافات نفسية بعيدة، وغير قادر على التخاطب وجهاً لوجه. إنّه لفي حاجة ماسّة إلى حوار الحقيقة والمحبة.
نرفع صلاتنا اليوم إلى الله، في تذكار معموديّة يسوع والظهور الإلهي، وفِي ذكرى تجديد مواعيد معموديتنا، من أجل جميع المسيحيّين لكي يعيشوا مواعيد معموديتهم ورسالتهم، في خدمة الخير العام بتجرد وشفافية وإخلاص. أعطنا أيها المسيح الإله أن نقتدي بك ونسمع صوتك الداعي إلى مواصلة حوار الحقيقة والمحبة الذي بدأته ووضعت أسسه في يوم ظهورك واعتمادك.
هل تبحث عن  فداومي اذاً يا ملجأ الخطأة على أسعافكِ خاطئاً

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي