سأل بيلاطس المسيح إذا كان ملكا، فأجابه الرب “ولدت وأتيتُ إلى العالم لأشهد للحق؛ فمن كان في الحق؛ يصغي إلى صوتي” (يوحنا 18: 37). فسأله بيلاطس ثانية: “ما هو الحق؟” (يو18: 38). إن هذه العبارة لا تطرح السؤال بالشكل الصحيح. فالحق ليس شيئا أو معنى مجردا، ولهذا لا نستطيع أن نسأل: (ما هو الحق). أن الحق ليس شيئا بل هو شخص، والسؤال الصحيح يجب أن يكون: من هو الحق؟
لقد سبق أن أجاب الرب عن هذا السؤال، إذ قال لتلاميذه إنه ذاهب إلى الآب وإنه سيعود ليأخذهم ويرشدهم إليه حتى يكون الكل معه: “أنتم تعرفون الطريق إلى حيث أنا ذاهب”. فقال له توما: “يا رب؛ إننا لا نعرف إلى أين تذهب، فكيف نعرف الطريق؟” فقال له يسوع: “أنا هو الطريق والحق والحياة، لا يمضي أحد الآب إلا إذا مر بي. فإذا كنتم تعرفونني عرفتم أبي أيضا. وقد عرفتموه ورأيتموه”. فقال له فيليبس: “ربنا، أرنا الآب وحسبنا”. فقال له يسوع: “أنا معكم منذ وقت طويل ،ألا تعرفني يا فيليبس؟ من رآني فقد رأى الآب. فكيف تقول: أرنا الآب؟” (يو14: 4-9 وانظر عب10: 19-20). يثبت هذا المقطع أن المسيح لما تكلم على الحق وعلى الطريق التي تقود إلى الآب، أي إلى الحياة، إنما كان يقصد أمرًا واحدا، ولذا قال: “أنا هو الطريق والحق والحياة. من يعرفني يعرف الآب”
الحق ليس شيئا إذن، بل شخصا. إنه شخص ربنا يسوع المسيح، أي الحق المتجسد والكلمة المتجسد (يو1: 14) الذي ينبغي أن نعرفه حتى تكون لنا الحياة (يو 5: 13) انظر يو 6: 47). المسيح هو الحق، وهو القادر وحده على قيادة الإنسان إلى الآب السماوي، فيجعله مشاركا في حياة الله (يو .(14: 6، 17: 3-2، لو 10: 22) لأن “النعمة والحق قد بلغا إلينا بيسوع المسيح” (يو 1: 17)
ما كان لتلاميذ المسيح أن يستوعبوا هذه الحقيقة بقواهم الخاصة، فأرسل الرب روح الحق ليقودهم إلى الحقيقة التامة. “إنه يأخذ مما لي ويطلعكم عليه” (يو 16: 14). تظهر كلمات المسيح أن معرفة الله والإلهيات تنبع من فعل الإعلان الذي تم في شخص المسيح في آخر الأيام (عب 1: 2)، ومن فعل حضور الروح القدس في قلب الإنسان. فالرسل كانوا قرب المسيح دائما، وسمعوا مواعظه باستمرار، ولكنهم لم يعرفوا الحقيقة بقدراتهم الخاصة. وقد سأل المسيح تلاميذه مرة أن يقولوا له من هو، فأجابه بطرس: “أنت المسيح ابن الله الحي”. فقال له آنذاك كلماته المعروفة، لم يكتشف ذلك .بقدراته الخاصة ،وأن الآب السماوي هو الذي كشف له ذلك (متى 16:17 )