صلبوه

صلبوه

صلبوه (مت27: 35)، (مر15: 24)، (لو23: 33)، (يو19: 18).

وصفت المزامير بوضوح آلام السيد المسيح، وتعليقه على خشبة الصليب، بثقب يديه ورجليه. وأبرز ما فى عملية الصلب، هو تسمير جسده بالمسامير على الخشبة “ثقبوا يدىَّ ورجلىَّ ” (مز22: 16).

الإنسان الحر يستطيع أن يحرك يديه وقدميه ويتحرك كيفما شاء. أما المصلوب فقد قيدت حريته بالكامل على الصليب.

لهذا لم يكن القانون الرومانى يسمح بتنفيذ عقوبة الموت صلباً على من يحمل الجنسية الرومانية، لأنه حر وغير مستعبد.. فالصلب كان للعبيد فقط.

عند اليهود كان الصلب علامة لعنة، حسبما هو مكتوب فى الناموس اليهودى.

وعند الرومان كان الصلب علامة عبودية، حسب القانون الرومانى.

وقد قبل السيد المسيح أن يحمل عنا لعنة الخطية “جعل الذى لم يعرف خطية، خطية لأجلنا لنصير نحن بر الله فيه” (2كو5: 21).

كما قبل أيضاً أن يصير عبداً ليأتى بنا إلى حرية مجد أولاد الله.

فالذى أعطانا الحرية على صورته ومثاله، ارتضى العبودية ليحررنا من عبودية الخطية.

وهو لم يأخذ صورة العبد فقط، بل ارتضى أن يفقد حريته على الصليب، ويُسمَّر بالكامل، فلا يستطيع أن يتحرك.

بعد أن أخذ عسكر الوالى يسوع إلى دار الولاية وجمعوا عليه كل الكتيبة، “عرَّوه وألبسوه رداءً قرمزياً. وضفروا إكليلاً من شوك ووضعوه على رأسه، وقصبة فى يمينه. وكانوا يجثون قدامه ويستهزئون به قائلين: السلام يا ملك اليهود. وبصقوا عليه، وأخذوا القصبة وضربوه على رأسه. وبعدما استهزأوا به نزعوا عنه الرداء وألبسوه ثيابه، ومضوا به للصلب” (مت27: 28-30).

حينما خلق الله الإنسان، لم يكن يلبس ثياباً، لأنه كان مكتسياً بثوب البر، بثياب النعمة، ولم يكن يشعر أنه عريان لأنه لم يكن عرياناً من النعمة.

هل تبحث عن  ثيودورت أسقف قورش

ولكن بعد السقوط شعر آدم وحواء بالعرى و”انفتحت أعينهما وعلما أنهما عريانان” (تك3: 7). وقال آدم للرب: “سمعت صوتك فى الجنة فخشيت، لأنى عريان فاختبأت” (تك3: 10). وسأله الرب: “من أعلمك أنك عريان؟ هل أكلت من الشجرة التى أوصيتك أن لا تأكل منها؟” (تك3: 11).

الخطية جعلت الإنسان يشعر بالعرى، لأنه تعرى من البر الذى فى المسيح، وانفتحت عيناه وعرف أنه عريان، بعد أن فقد براءته وبساطته الأولى، تلك التى اختبرها قبل معرفة الخير والشر.

وصار الإنسان -فى إحساسه بالعرى- يبحث عن وسيلة يستر بها عريه “فخاطا أوراق تين وصنعا لأنفسهما مآزر” (تك3: 7). ولكن أوراق التين لا تلبث أن تذبل وتكشف عريهما مرة أخرى.

“وصنع الرب الإله لآدم وامرأته أقمصة من جلد وألبسهما” (تك3: 21). ليستر عريهما بطريقة سليمة. وكان ذلك إشارة إلى عناية الرب فى الفداء بتقديم جسد يسوع كذبيحة. لأن ورق التين من الشجر، أما أقمصة الجلد فمن جلد الذبيحة.

كان الإحساس بالعرى هو نتيجة الخطية.. وهكذا صنع البشر الخطاة بالسيد المسيح، حينما عروه من ثيابه للهزء والسخرية من ملك اليهود وقد قَبِلَ السيد المسيح هذا العرى من يد البشر، ليؤكد أن الذى يحمل الخطية لابد أن يتعرى. ولكن السيد المسيح لم يكن عرياناً من البر على الإطلاق.. بل هو ملك البر الذى كهنوته على رتبة ملكى صادق. “لأن ملكى صادق هذا ملك ساليم كاهن الله العلى.. المترجم أولاً ملك البر ثم أيضاً ملك ساليم أى ملك السلام” (عب7: 1، 2). وكان ملكى صادق هذا رمزاً للسيد المسيح ملك البر الحقيقى. وقد قيل أن السيد المسيح قد تعرى من ثيابه، ليلبسنا ثوب بره، لأنه أخذ الذى لنا وأعطانا الذى له..

هل تبحث عن  بابا الكاثوليكالبابا أوربان الثامن

لقد جهل هؤلاء العسكر الخطاة أن الذى قاموا بتعريته من ثيابه، هو نفسه الذى ستر عرى آدم ببره الكامل، وبذبيحته المقدسة، التى تمت بواسطتها المصالحة بين الله والإنسان “متبررين مجاناً بنعمته بالفداء الذى بيسوع المسيح الذى قدمه الله كفارة بالإيمان بدمه لإظهار بره من أجل الصفح عن الخطايا السالفة بإمهال الله” (رو3: 24، 25).

لقد حمل السيد المسيح عار خطايانا، وكلما رأيناه معلقاً على الصليب بعد أن قاموا بتعريته من ثيابه للمرة الثالثة ( )، نتذكر فى خجل وانسحاق ذلك العرى الذى لحق بنا بسبب الخطية.. ولسان حال كل منا يقول للسيد المصلوب:

كلما طافت بك العين انزوت نفسى الخجلى يغطيها بكاها ( )

هكذا فى اتضاع عجيب احتمل السيد المسيح المحقرة والمذلة، ليخلّص شعبه من خطاياهم. وقد تنبأ إشعياء النبى عن احتقار النـاس للسـيد المسيح فى وقت آلامـه فقال: “محتقر ومخذول من الناس. رجل أوجاع ومختبر الحزن. وكمستّر عنه وجوهنا محتقر فلم نعتد به” (إش53: 3).

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي