سنوات مع إيميلات الناس!




أسئلة روحية وعامة



مراحل الخطية، وكيفية تجنُّبها..


سؤال: ما هي مراحل الخطية؟ وكيف نتجنبها؟


الإجابة:

في
غالبية الحالات لا تهجم الخطيئة علي الإنسان دفعة واحدة بكل قوتها‏,‏ إنما تزحف
إليه زحفا حتى تصل إليه بشيء من التدريج‏,‏ لذلك فلينظر كل شخص من أين تأتيه
الخطية‏,‏ ويراقب تطورها‏,‏ ويحترس‏.‏

*‏ ومراحل الخطية تبدأ غالبًا باتصال‏,‏ ثم انفعال‏,‏ فاشتعال فتتصل الخطية بأي
شخص عن طريق العثرات أو التهاون أو الصدفة‏,‏ أو المعاشرات الرديئة‏,‏ أو لقاءات الحياة العادية‏,‏ فان أعطاها مجالا‏,‏ قد تؤثر عليه فينفعل بها سواء
أكان انفعالا فكريا أو عاطفيا أو بطريق الحواس‏,‏ فإن تهاون مع هذا الانفعال‏,‏
يشتد فيتحول إلي اشتعال‏.‏

وفي هاتين المرحلتين تكون مؤثرات الخطية قد انتقلت من الخارج إلي الداخل‏,‏ وفي
هذا خطورة‏,‏ وقد يتطور الأمر إلي ما هو أشد‏.‏



St-Takla.org Image:
The Thinker (Le Penseur) – a bronze and marble sculpture by Auguste Rodin

صورة في موقع الأنبا تكلا:
المفكر أو تمثال الرجل الذي يفكر، هو من البرونز للمثال أوجست رودان

*‏ يتطور الأمر إلي صراع داخلي‏,‏ ربما ينتهي إلي تسليم وسقوط انه صراع بين
الضمير والخطيئة‏,‏ أو بين الروح والمادة‏,‏ وهذا الصراع يدل علي الإنسان‏,‏
رافض للخطيئة‏,‏ وأنه يقاوم‏,‏ وهي مرحلة متعبة‏,‏ ولكنها أفضل من الاستسلام
للخطأ والسقوط‏,‏ وهكذا يكون الإنسان قد أوقع نفسه في هذا الصراع بتهاونه في
المراحل السابقة‏.‏

والصراع مع الخطيئة غير مضمون النتيجة..

‏*‏ ويتوقف علي مدي مقاومة الشخص‏,‏ وعلي تدخل النعمة لإنقاذه‏,‏ فقد تدركه
المعونة الإلهية‏,‏ وتنتشله بطريقة ما مما هو فيه‏.‏ وقد يتعب من الصراع
ويفشل‏,‏ ويلقي سلاحه ويستسلم ويسقط‏.‏ وذلك لأن الخطية من طبيعتها أنها
لا تستريح حتى تكمل‏.‏

*‏ فان سقط الشخص في ذلك الصراع مع الشر‏,‏ لا يتركه
الشيطان بل يستمر في
محاربته له‏,‏ حتى تتكرر الخطيئة‏,‏ وحتى تتحول إلي عادة أو إلي طبع فيه‏,‏
ويصل إلي الوضع الذي لا يستطيع فيه أن يقاوم‏!‏

*‏ وهذا ما نسميه بالعبودية للخطية حيث يخضع لكل ما يقترحه الشيطان عليه‏,‏ كعبد
له وللخطية التي سيطرت عليه‏,‏ ثم لا يكتفي عدو الخير بأن يجعل فريسته عبدًا
له‏,‏ إنما يتطور إلي ما هو أبشع‏.‏

*‏ تتطور العبودية إلي مذلة العبودية‏!‏

هل تبحث عن  سجل أبونا مينا إختباراته الروحية عن أهمية الصلاة والقداس

أي إلي الوضع الذي يشتهي فيه الشخص الخطية التي تسيطر عليه‏,‏ ولا يجدها‏!‏
ويطلبها متوسلا بكل قواه يتوسل ولا يتوصل كمن يطلب شهوة المال‏,‏ أو شهوة
الجسد‏,‏ فلا يجدها‏,‏ أو كمن يطلب العظمة أو الكبرياء‏,‏ أو الانتقام أو
التشفي‏,‏ ويسعي بكل رغبات قلبه لعله يجد، وكأنه يتوسل إلي الشيطان‏,‏ أو يتسوَّل من الشيطان‏,‏ أن يمنحه الخطيئة‏!‏ وهذه مذلةـ وقد يتمادي الشيطان في
غروره‏,‏ ويحتقر هذا الشخص الذليل‏!‏

فلينظر كل شخص في أي مرحلة من هذه المراحل هو كائن؟ ‏ وليختصر الجهاد
والصراع‏,‏ ويبعد عن الخطوة الأولي.

فهذه أسهل له وأربح وأكثر ضمانًا‏,‏ كما أنه بابتعاده عن أول مرحلة من مراحل
الخطية يدل علي عدم قبوله لها بسبب نقاء قلبه‏..‏ ويريح نفسه من التفاوض مع
الشيطان بعدم التعامل معه.

*‏ قد ينتصر إنسان علي فكر شرير بعد صراع مرير‏,‏ ولكنه في أثناء الصراع يكون
قد نجس ذهنه وربما قلبه‏.‏

وحتى إن طرد الفكر من عقله الواعي‏,‏ قد يبقي في ذاكرته وفي عقله الباطن‏,‏
وربما يعود إليه بعد حين‏,‏ أو يظهر في أحلامه أو في ظنونه‏..‏ فلماذا كل هذا
التعب؟ الوضع السليم هو التخلص منه من بادئ الأمر‏,‏ قبل أن يستمر‏,‏ وقبلما
يتسع نطاقه في تدمير الروحيات‏ (اقرأ مقالًا آخرًا عن هذا الموضوع هنا في موقع
الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات).‏ والانتصار علي الفكر يبدأ من مرحلة الاتصال‏.‏
فليحاول كل شخص أن يبتعد عن الاتصال بمصادر الخطية‏.‏

*‏ لذلك في أي مرحلة من مراحل الخطية وجد الإنسان نفسه‏,‏ فليجاهد أنها لا
تتطور إلي أسوأ، لأن الإرادة تكون قوية في أول القتال‏,‏ أعني في مرحلة
الاتصال‏,‏ فإذا وصل الشخص إلي مرحلة الانفعال‏,‏ تكون إرادته قد بدأت تستجيب
للخطأ‏,‏ وفي الاشتعال تكون قد ضعفت‏,‏ أما في مرحلة الصراع‏,‏ فان الإرادة
تكون بين الحياة والموت‏,‏ وان سقطت تكون قد وقعت صريعة في حربها ضد الخطية‏,‏
وفي حالة العبودية للخطية تكون الإرادة قد ماتت تماما‏,‏ ويصبح الإنسان حينذاك
مسلوب الإرادة‏,‏ إذن فليعلم هذه الحقيقة جيدا؛
انه كلما يخطو خطوة في طريق الخطية‏,‏ تضعف إرادته وكلما يضعف‏,‏ يميل إلي
الخطية ويكون قد أعطي الشيطان مكانا ووضعا داخل نفسه‏,‏ وكلما يخطو خطوة أخري
نحو الخطية‏,‏ تقل مخافة
الله
في قلبه‏,‏ ويكون سقوطه بالعمل متوقعا جدا‏..

هل تبحث عن  الأصحاح الأول سفر التكوين القمص تادرس يعقوب ملطي

والإنسان الحكيم لا يستهين بأية خطية‏,‏ مهما بدت صغيرة‏..‏ فأي ثقب بسيط في
سفينة‏,‏ قد يتسع إذا أهمل حتى يتحول إلي كارثة غرق‏.‏

لذلك فلنحترس مدققين من جهة أي تهاون أو تراخ في كلامنا أو تصرفنا‏,‏ عارفين أن
من يهتم بالقليل‏,‏ سيهتم بلا شك بالكثير‏,‏ وكما يقول المثل الانجليزي اهتم
بالبنس‏,‏ فتجد أن الجنيه يهتم بنفسه؟ Take care for the
penny, and the pound will take care of itself
لذلك كن دقيقَا جدَا‏,‏ فربما خطأ بسيط يجر
إلي مشاكل كثيرة‏,‏ بينما التدقيق ينفعك ويعلمك الحرص‏.‏

*‏ حقا ما أكثر الخطايا التي تدخل من ثقب إبرة‏!‏

انه لا يدعوك مثلا إلي إهمال الصلاة‏,‏ لكنه قد يقترح تأجيلها بعض الوقت ريثما
تستعد‏,‏ ثم يظل يؤجل ويؤجل حتى يفوتك موعد الصلاة أو تنساها‏.‏ وهكذا يفعل معك
بالنسبة إلي التوبة‏.‏ والخطوة الأولي إلي الخطية تختلف من شخص إلي آخر‏,‏
وتتنوع حسب الظروف‏,‏ فكن يقظا من هذه الناحية‏,‏ وإذا دفعت إلي الخطية
الأولي‏,‏ فلا تكمل وتصل إلي الثانية‏.‏

واحترس من أن تكون الخطوة الأولى بالنسبة إليك هي الغرور والثقة الزائدة بالنفس
التي نقودك إلي عدم الاحتراس أو إلي شيء من الفتور‏.‏ كذلك استفد من دراسة
الخطوة الأولى التي أسقطت غيرك‏,‏ وبخاصة أولئك الذين كانوا أقوياء أو ظنوا
أنهم أقوياء‏,‏ وبالاحتراس من الخطوة الأولي‏,‏ تتدرب علي حياة التدقيق‏,‏ وعلي
حياة الجهاد الروحي وليكن الله معك‏.

  • المرجع: مقال لقداسة البابا شنوده الثالث – جريدة الأهرام – 6 مايو 2007


مشاركة عبر التواصل الاجتماعي