الفصل الثالث: خطورة الموضوع

الفصل
الثالث: خطورة الموضوع

8-
فلو أن استعمالهم لبعض كلمات من الكتاب الإلهى، فى ثاليا، يحول – بحسب ظنهم –
التجديف والكفر الذى فى ثاليا الى كلمات مديح وثناء، فإنهم حينما يرون يهود هذه
الأيام وهم يقرأون الشريعة والأنبياء. فبلا شك – يلزمهم على هذا الأساس أن ينكروا
المسيح مثل أولئك اليهود. وربما لو استمعوا إلى المانويين وهم يترنمون ببعض
مقتطفات من الإنجيل. فأنه سينكرون مثلهم الشريعة والأنبياء.

فإن
كانوا يتململون ويثرثرون هكذا، بسبب جهلهم.. إذن فليعلموا من الكتب المقدسة، أن
الشيطان – وهو مبتكر الهرطقات ومؤلفها – يستعير أقوال الكتب المقدسة كغطاء يتستر
من ورائه لكى ينفث سمومه الخاصة به ليخدع البسطاء. وذلك ليخفى الراحة العفنة
الكريهة الكامنة فى شره الخاص. وهكذا خدع حواء. وهكذا حاك الهرطقات الأخرى. وهكذا
الآن أيضاً فإنه حث أريوس لكى يدعى أنه يحتج ضد الهراطقة ويقاومهم. وبهذه الطريقة
فإنه يدخل هرطقته هو فى غفلة من الجميع.

ومع
ذلك فان هذا الداهية الخبيث لم يتمكن من الافلات. فلأنه كفر بالله الكلمة. فإنه
أفرغ كل من لديه فى الحال، وانكشف أمام الجميع جهله بالهرطقات الأخرى أيضاً. وأنه
لم يكن فى عقيدته أى شئ مستقيم، ولذلك كان ينافق ويراءى.

لأنه
كيف يمكن أن يتكلم بإستقامة عن الآب، وهو ينكر الابن الذى يكشف الآب ويعلنه؟. أو
كيف يمكن أن يعتقد أعتقاداً قويما فيما يخص الروح القدس. بينما هو يفترى على
الكلمة الذى يهب الروح ويعطيه؟ ومن سيثق به عندما يتحدث عن القيامة. ما دام هو
شخصياً ينكر المسيح. الذى صار البكر من الأموات، من أجلنا (كو19: 1)؟. وكيف لن
ينخدع فيما يخص حضوره بالجسد، وهو يجهل كلية الميلاد الحقيقى للابن من الآب؟. فإنه
هكذا أيضاً حدث مع اليهود حينما أنكروا الكلمة وقالوا “ليس لنا ملك إلا
قيصر” (يو15: 19)، فأنهم فقدوا كل شئ دفعة واحدة وبقوا بدون نور مصباح. وبدون
رائحة الطيب. وبدون معرفة النبوة. وبدون الحق ذاته. وهم حتى الآن، لا يفهمون
شيئاً. كمن يسيرون فى الظلام. لانه من سمع بمثل هذه التعاليم فى أى عصر من العصور
حتى الآن. أو من أين أو ممن سمع هؤلاء هذه الأمور، أولئك المنافقون والمأجورون
لنشر الهرطقة؟. ومن علم هؤلاء مثل هذه العقيدة حينما كانوا يلقنونهم دروس الدين؟
ومن قال لهم بعد أن أنصرفوا عن عبادة الخليقة، أن تعالوا من جديد لتعبدوا المخلوق
والمصنوع؟. وأن كان هؤلاء أنفسهم يعترفون بأنهم قد سمعوا بمثل هذه التعاليم لأول
مرة الآن. فليكفوا إذن عن عن إنكارهم بأن هذه الهرطقة إنما هى غريبة، ولم يتسلموها
عن الآباء. والذى لم يأت من الآباء بل أبتدع الآن. فأى شئ آخر يمكن أن يكون. سوى
ما تنبأ به المغبوط بولس “فى الأزمنة الأخيرة ينحرف البعض عن الايمان القويم
تابعين أرواحاً مضلة وتعاليم شياطين فى نفاق الكذابين الموسومة ضمائرهم
الذاتية”. (1تى1: 4، 2، 14) وأيضاً “مرتدين عن الحق”.

الإيمان
الصحيح عن الابن:

9-
ها نحن إذن نتحدث بحرية عن الإيمان الصحيح النابع من الكتب الإلهية، ونضع هذا
الإيمان كسراج على المنارة فنقول: ابن حقيقى حسب الطبيعة للآب ومن نفس جوهره. وهو
الحكمة وحيد الجنس وهو الكلمة الحقيقى الوحيد لله. وهو ليس مخلوقاً ولا مصنوعاً.
ولكنه مولود حقيقى من ذات جوهر الآب. ولهذا فهو إله حق إذ أنه واحد فى الجوهر مع
الآب الحقيقى.

أما
بالنسبة للكائنات الآخرى. التى قال لها: “أنا قلت: أنتم الهة” (مز6: 8)،
فإنها حصلت على هذه النعمة من الآب وذلك فقط بمشاركتها للكلمة عن طريق الروح
القدس. لأنه هو رسم جوهر الآب هو نور من نور، وهو قوة وصورة حقيقية لجوهر الآب.
لأن هذا ما قاله الرب أيضاً: “من قد رآنى فقد رآى الآب” (يو9: 14). فهو
كان موجوداً دائما. وهو كائن كل حين، ولم يكن قط غير موجود. وكما أن الآب أزلى،
هكذا أيضاً فأن كلمته وحكمته يجب أن يكون أزلياً.

ثم
فلنر إذن ما يتشدق به هؤلاء مما يقدمونه لنا من مزاعم مما جاء فى ثاليا الذميمة؟.

دعهم
أولاً يقرأونها مقلدين أسلوب كاتبها، كى يتعلموا – حتى وأن كانوا يسخرون من
الآخرين – إلى أى ضلال قد أنحدروا. وبعد ذلك فليقولوا، ولكن ماذا فى وسعهم أن
يقولوا منه سوى: “أن الله لم يكن دائماً أباً. ولكنه صار أباً فيما بعد.
والابن لم يكن موجوداً دائماً، لأنه لم يكن موجوداً قبل أن يولد. وأنه ليس من
الآب، ولكنه هو أيضاً خلق من العدم. وهو ليس من نفس جوهر الآب لأنه مخلوق
ومصنوع”؟ وأن “المسيح لم يكن الها حقيقياً، بل هو نفسه صار الهاً
بالمشاركة. والابن لم يعرف الآب معرفة تامة، والكلمة لم ير أباه بصورة كاملة.
والكلمة الحقيقى الوحيد للآب، ولكن بالأسم فقط يدعى كلمة وحكمة، وهو بالنعمة فقد
يدعى ابناً وقوة. وهو ليس غير قابل للتغير مثل الآب، ولكنه متغير بالطبيعة
كالمخلوقات. وهو قاصر عن إدراك معرفة الآب إدراكاً كاملاً” غريب أمر هذه
الهرطقة حقاً، إذ ليس هناك أى احتمال فى استقامة تعاليمها، بل هى تتخيل أنه لا
وجود لذلك الذى له وجود فى الواقع، بل تنشر على الملأ مهاترات كفرية تماماً بدلاً
من الأقوال الورعة التقية. إذن، أن قام أحد الناس بالتصدى لبحث تعاليم الفريقين
وتساءل إلى إيمان أى منهما ينحاز وأى منهما يتكلم الكلام اللائق عن الله.

أو
بالأحرى دع هؤلاء الذين يحرضون على الكفر بنفاق يقولون، بماذا يجب أن يجاب عندما
يسأل انسان عن الله. (لأن “الكلمة كان الله”)، فإنه من الاجابة على هذه
السؤال سيعرف كل ما يتعلق بكلتا المسألتين، أى ماذا يجب أن يقوله الشخص: هل
“كان” أم “لم يكن”؟ هل هو “دائم” أم “صار من
قبل” هل هو “أزلى” أم “منذ متى، وحتى متى”. هو هو
“اله حق” أم “بالوضع والمشاركة والاختلاق” هل هناك من يقبل
القول بأنه (أى الكلمة) “واحد من بين المخلوقات” أم أنه “مشابه
الآب”. وأنه “غير مشابه للآب حسب الجوهر”. أم أنه “مشابه للآب
وخاص به” وأنه “مخلوق” أم أن “به قد خلقت المخلوقات”.

أنه
“هو ذاته كلمة الآب”، أم أن هناك “كلمة آخر” بالاضافة إليه،
وأنه تكون عن طريق هذه الكلمة الآخر. وعن طريق حكمة أخرى.. وأنه إنما لقب حكمة
وكلمة بالاسم فقط. وأنه صار شريكاً لتلك الحكمة وتاليا لها.

10-
فأقوال من أذن، هى التى تعتبر لاهوتية وتوضح أن ربنا يسوع المسيح هو إله وابن
الآب؟. هل هى تلك الأقوال التى تقيأتموها أنتم، أم تلك التى قلناها نحن ولا نزال
نقولها من الكتب المقدسة.

إذن
فإن كان المخلص ليس إله وليس كلمة وليس ابناً. فأنه يكون من الجائز لكم (فى هذه
الحالة) أن تقولوا ما تريدون كما هو جائز للوثنيين واليهود فى أيامنا.

أما
إن كان هو كلمة الآب والابن الحقيقى. وإله من إله، و “فوق الكل مبارك إلى
الأبد” (رو5: 9)، فكيف لا يكون لائقاً أن نزيل ونمحو الاقوال المغايرة وثاليا
الأريوسية. كصورة للشرور. ومليئة بكل أنواع الألحاد والكفر؟ والتى عندما يسقط فيها
أحد، “فأنه لا يعرف أن الاشباح سيهلكون بواسطتها، وأنه سيلتقون بها فى عمق
الهاوية” (أم18: 9 سبعينية). أنهم يعرفون هذا الأمر. وهم أنفسهم فى الواقع
كمخادعين يخفون هذه الامور لأنهم لا يملكون الشجاعة أن ينطقوا بها علناً. ولكنهم
يقولون أشياء أخرى قريبة منها. لأنهم أن تكلموا علنا فسوف يلامون. وأن تعرضوا
للشبهة (بسبب الانحراف) فان الجميع سيتصدون لهم ببراهين من الكتب المقدسة. ولذلك،
فيما أنهم أبناء هذا الجيل. فأنهم بدهاء. قد أوقدوا المصباح الذى أعتبروه خاصاً
بهم، بزيت خام. ولكنهم خوفاً من أن ينطفئ بسرعة لأنه قد قيل “نور الأشرار
ينطفئ” (أيوب 5: 18)، فأنهم أخفوه تحت مكيال النفاق والرياء. ويدلون بأقوال
مغايرة. مستعينين بحماية الأصدقاء مهددين بقسطنديوس(8) وذلك حتى لا يرى، أولئك
الذين ينضمون إليهم، نجاسة الأريوسية ونتانتها. وذلك بواسطة دهائهم وأقوالهم التى
ينطقون بها. كيف إذن لا تكون هذه الهرطقة مستحقة للكراهية مرة أخرى، بحسب هذا
أيضاً. وهى فى الواقع تخفى (بضم التاء) بواسطة مشايعيها أنفسهم. – إذ أنها لا
تتجاسر أن تظهر علناً وتتكلم بحرية -، بل هى تتربى وبعتنى بها كالحية؟.

لأنهم
من أين جمعوا لأنفسهم تلك الترهات؟ أو ممن حصلوا إذن على مثل هذه الأقوال التى
يتجاسرون على التشدق بها؟. أنهم ليس فى وسعهم أن يحددوا الشخص الذى سبق أن تسلموا
منه هذه الأقوال. لأنه من من الناس. سواء كان يونانياً أو بربرياً يجسر أن يقول عن
ذلك الذى يقر ويعترف به أنه إله. بأنه واحد من المخلوقات، وأنه لم يكون موجوداً
قبل أن يخلق؟. ومن هو ذلك الذى يؤمن بالله. ولا يصدق الله القائل “هذا هو
ابنى الحبيب” (متى5: 17) ويزعم بأن الابن ليس ابناً بل مخلوقا؟ بل أن مثل
التعاليم سوف تثير سخط الجميع أكثر ضدهم. فإنهم حتى لم يتخذوا براهينهم من الكتب
المقدسة، لأنه سبق أن كشفنا مراراً، كما سنكشف الآن أيضاً بأن هذه التعاليم مخالفة
وغريبة عن الأقوال الالهية، إذن، إذ لم يتبق إلا أن نقول بأنهم قد أصابهم الجنون
بعد أن تلقوا هذه التعاليم من الشيطان (لأنه هو وحده الذى يزرع مثل هذه التعاليم).
لذلك هيا بنا لنقاومه، لأنه سيكون لنا صراع ضده عن طريقهم. وبمشيئة الرب، بعد أن يعجز
كالمعتاد بواسطة البراهين، فإنهم سيصابون بالخزى عندما يرون ذلك الذى زرع هذه
الهرطقة فيهم. خالياً من أية قوة. فيتعلمون، ولو متأخراً. أنه بما أنهم أريوسيون.
فهم ليسوا مسيحيين.

(8)
كان الامبراطور قسطنديوس يحمى الأريوسيين ولذلك فإنه نفى أثناسيوس مرتين فى عامى
340، 356.


تم نسخ الرابط

هل تبحث عن  مديح شهداء أخميم

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي