أقوال يسوع “أنا هو” تثبت ألوهيته
أقوال يسوع "أنا هو" تثبت ألوهيته
عندما نفكر في شهادة الكتاب المؤكدة عن شخص المسيح يمكننا أن نري الكثير من العناصر والنصوص المختلفة التي تؤكد وتبرهن ألوهيته. فمثلاً هناك النبوات المسيانية مثل ما جاء في (مزمور 2 : 7 – 12) الذي يتحدث عنه كابن الله. (مزمور 110 : 1) يعلنه كرب (مزمور 45 : 6، أشعياء 9 : 6) تتحدث عن أنه الله وهناك النصوص التعليمية مثل (يوحنا 1 : 1، 14) يتحدث عن المسيح علي أنه الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله. (فيلبي 2 : 5 – 1) تتحدث عنه أنه “صورة الله” (عبرانيين 1 : 2 – 3، كولوسي 1 : 15) تعلن “أنه بهاء مجد الله ورسم جوهره وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته” (عبرانيين 1 : 8) يعلن بكل جرأة أنه هو الله. (1تيموثاوس 3 : 16) تؤكد أن “الله ظهر في الجسد” (مرقس 2 : 27، لوقا 5 : 20، يوحنا 11 : 43 – 44) كل هذه الشواهد تشهد بامتياز ألوهية المسيح. وهي أيضاً تعيد تعريف السبت وغفران الخطايا وإقامة الموتي. وبالإضافة إلي قيامته بالجسد فإن أقواله التي يعلن فيها “أناهو” تقدم لنا أوضح تأكيدات وبراهين ألوهيته. وفي هذه الأقوال يفصح بنفسه عن الإله المتجسد. وبمساعدة الرسول يوحنا الذي يسجل نفس كلمات الرب يسوع كشاهد عيان ومعه بعض اللاهوتيين المعروفين أحاول تقديم هذه الحقيقة.
وأبدأ بتسجيل الأغراض الواضحة للبشير يوحنا في كتابته لإنجيل المسيح في (20 : 30 – 31) ويقرر يوحنا بوضوح “وآيات أخر كثيرة صنع يسوع قدام تلاميذه لم تكتب في هذا الكتاب. وأما هذه فقد كتبت لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الله ولكي تكون لكم إذا آمنتم حياة باسمه”. وهكذا نري هدفين ليوحنا :
أولاً : يكشف ويوضح أن يسوع هو المسيح ابن الله.
ثانياً : يريد أن يعرف الناس ألوهية المسيح الحقيقية “لكي تكون لكم إذا آمنتم حياة باسمه”.
والآن أود أن ألفت النظر للهدف الأول والأساسي ليوحنا. وكما رأينا يحاول يوحنا أن يبرهن أن يسوع هو المسيح مخلص العالم (يوحنا 4 : 42). وفي محاولته ذلك يسجل أشياء كثيرة تعينه علي ذلك. مثل شهادة يوحنا المعمدان عنه (1 : 29 – 32 – 36) والسامرية (4 : 39 – 42) يسوع (8 : 13 – 14) والله نفسه (8 : 17، 12 : 28 – 30) كل هذا يعطينا وصفاً لحياته وإرساليته وأعماله وأقواله وموته وقيامته. كما سجل يوحنا المعجزات المختلفة التي أجراها يسوع. ويوحنا وحده من بين كل الأناجيل الذي يعطي وصفاً لعظة المسيح علي الجبل التي تلقي الضوء علي معني رسالة المعجزات التي أجراها المسيح. وفي موعظة الجبل يذكر المسيح بعض أقواله التي تبدأ “أنا هو” مثل “أنا هو خبز الحياة” (6 : 35) “أنا هو القيامة والحياة”. وباقي الأقوال حدثت أثناء مناقشاته مع الناس (يوحنا 8 : 12) ومع الفريسيين (10 : 7 – 9 – 11) ومع التلاميذ (14 : 6، 15 : 1)
والأمر الآخر الذي أود أن ألفت نظر القراء له هو الكلمات اليونانية التي ترجمتها “أناهو”. وعن ذلك يقول “ليون موريس” إن يسوع يستخدم هذه الكلمات التأكيدية “أنا هو” لكي يذكر تعاليمه الهامة عن نفسه.
وفي اللغة اليونانية لا يكتب فاعل الفعل: وصيغة الفعل توضح من هو الفاعل. ولكن لو أردنا تأكيد الفاعل عندما نستخدم الضمير المناسب. والذي يجعل هذا الأمر ذو أهمية في إنجيل يوحنا هو أننا نري استخدام مشابه في الترجمة اليونانية للعهد القديم. حيث نجد المترجمين يستخدمون صيغة التأكيد في الكلام عندما يعبرون عن كلمات تفوه بها الله. وعندما استخدم يسوع تعبير “أنا هو” فهو يتحدث بصيغة الألوهية وهناك اتفاق بين العلماء الدارسين لإنجيل يوحنا أن هذا النوع من الله هو مؤشر هام لما يريد أن يخبرنا به يوحنا عن شخص يسوع. (1) وبكلمات أخري، عندما استخدم يسوع تعبير “أنا هو” كان يشير إلي ألوهيته وكان يوحنا يفعل نفس الشئ عندما سجل أقوال يسوع.
ويقول “موريس” أن هناك مجموعتان في أقوال “أنا هو” مجموعة بها المبتدأ وأخري بدونه. وعلق علي ذلك بالقول : “كلا التركيبين غير عاديين” ويقتبس ما قاله “ج. هـ. برنارد” ثم يقول “وهذا بكل وضوح أسلوب التعبير عن ألوهيته …” (2) وبفحص مجموعتي أقوال “أنا هو” أود أن أتبع مثال “موريس” وأقدم المجموعة السابقة أولاً والأخيرة ثانياً.
“أنا هو خبز الحياة”
من أول وأهم أقوال المسيح التي تبدأ “أنا هو” والمذكورة في إنجيل يوحنا (6 : 35) “أنا هو خبز الحياة” وقد قال المسيح هذا القول عقب إشباعه للجماهير. وأثناء أقواله قال لهم “لا تنظروا للطعام البائد بل للطعام الباقي للحياة الأبدية الذي يعطيه لكم ابن الإنسان” (6 : 27). وبينما كان المسيح يحاول أن يحثهم علي الإيمان به يواجهه تحد لكي يوضح لهم من هو “فأية آية تصنع لنري ونؤمن بك؟ (عدد 30) ثم أضافوا : “آباؤنا أكلوا المن في البرية كما هو مكتوب : إنه أعطاهم خبزاً من السماء ليأكلوا” (عدد 31) وهم بذلك كانوا يشيروا بوضوح إلي أن موسي أعطاهم المن لأن المسيح استمر في تصحيح مفهومهم الخاطئ. فقال “الحق أقول لكم : ليس موسي أعطاكم الخبز من السماء بل أبي” (عدد 32) ثم يضيف : “أبي يعطيكم الخبز الحقيقي من السماء لأن خبز الله هو النازل من السماء الواهب حياة للعالم” (عدد 33) وبذلك يوضح يسوع لهم أن الله لم يعطهم الخبز النازل من السماء فحسب (في الماضي) بل أنه مازال يعطيهم وأشار إلي نفسه أنه هو “الخبز النازل من السماء” (عدد 33). وكان قصد المسيح الواضح أن يحرك فيهم الرغبة الروحية وإذ بهم يطلبون هذا الخبز النازل من السماء ولكن كان تفكيرهم مرتبط بطلب الخبز المادي كما يظهر هذا في محادثتهم فيما بعد.
وإذ بيسوع يجيبهم بكل قوة “أنا هو خبز الحياة من يأتي إلي لا يجوع ومن يؤمن بي لا يعطش” (عدد 35). وتوضح هذه الآية جوهر رسالة يسوع. إنه الاستجابة لحاجيات قلب الإنسان : “فخبز الحياة يشير إلي الدور الأساسي الذي يقوم به يسوع لكي يشبع الروح الإنسانية. فخبز يسوع هو المصدر الأول والرئيسي للغذاء الروحي. ولأن الخبز هو الغذاء الرئيسي في العالم لذلك فهو يستطيع أن يشبع كل إنسان. فيسوع هو مخلص العالم. ومعطي الحياة للعالم (عدد 33). ويقول “موريس” أن أداة التعريف “الـ” (الخبز) تشير إلي أن يسوع وحده فقط هو خبز الحياة. ويقرر “ميلن” أن خبز الحياة يشير أيضاً إلي الطبيعة المشبعة ليسوع “ويظهر هذا في قوله” لن يجوع ولن يعطش. فكل أنواع الخبز الأخري مثل المن تترك إحساساً بالجوع في النهاية. وبمقارنتها بمن اختبر المسيح فإنه لا يحتاج إلي أي شئ آخر لإشباعه. وباختصار فإن يسوع بقوله “أنا هو خبز الحياة” يكشف عن طبيعته السماوية وأنه هو فقط الذي يستطيع أن يشبع الحاجة الروحية لمستمعيه.
يخبرنا يوحنا في بداية إنجيله أن الكلمة المتجسد “فيه كانت الحياة والحياة كانت نور الناس والنور يضئ في الظلمة والظلمة لم تدركه” (يوحنا 1 : 4 – 5). ومرة أخري يستخدم يوحنا تشبيه النور ويضخم ما قاله سابقاً. ويقرر يوحنا أن المسيح قال أنه نور العالم وأقوال أخري متشابهة في مناسبات مختلفة (8 : 12، 9 : 5، 12 : 35 – 39). وبالرغم من أن يوحنا لم يخبرنا بالضبط متي قال المسيح هذا (8 : 12) ولكنه يعرفنا بالمكان الذي قال فيه. حدث هذا في عيد المظال في فناء الهيكل. (7 : 14).
وأثناء عيد المظال يحدث حدثين دينيين مهمين ولهما إشارة رمزية. الأول هو صب المياه علي الجانب الغربي من المذبح بواسطة الكهنة اللاويين وهم ينشدون ما جاء في مزمور 113. أما الحدث الثاني فهو إضاءة العديد من الشموع الضخمة داخل الهيكل. ويقول البشير يوحنا أن يسوع انتهز هذه الفرصة لاستخدام هذين الرمزين ليوضح تعاليمه لهم (7 : 37 – 38، 8 : 12). وقد ذكر تشبيه النور في العهد القديم. فمجد الله الذي كان يملأ المكان في السحابة كان يقود الناس إلي أرض الموعد (خروج 13 : 21 – 22) وكان يحميهم من أعدائهم (خروج 14 : 19 – 25) وتدرب الإسرائيليون علي الغناء “الرب نوري وخلاصي” (مزمور 27 : 1) وكانت كلمة الله وناموسه هي النور الذي يضئ الطريق لمن يتعلقون بوصاياه (مزمور 119 : 105، 6 : 23). وأضاء نور الله في رؤيا (زكريا 1 : 4، 13، 26، 28) وبالخلاص (عبرانيين 3 : 3 – 4) “والنور هو يهوه العامل وسطهم” (مزمور 44 : 3) ويخبرنا أشعياء أن عبد الرب قد جعل نوراً للأمم ليكون خلاص لأقصي الأرض (أشعياء 49 : 6) وسيكون العصر الآتي وقت يكون فيه الرب نفسه نوراً أبدياً لشعبه (أشعياء 60 : 19 – 22 ورؤيا 21 : 23 – 24) كما أن (زكريا 14 : 5 – 7) له أهمية خاصة بوعده بالنور في اليوم الأخير ويتبعه وعد بالماء الحي التي تخرج من أورشليم وربما كان هذا النص هو الذي يقرأ في هذا العيد.
ولهذا وهم يحملون في أذهانهم كل هذه الآيات والطقوس كان إعلان يسوع مدوياً بقوة. وخاصة عندما قال أنه نور للعالم كله وليس لليهود فقط. والإشارة إلي النور ليس فقط مادياً وأخلاقياً كما يستنتج “موريس” عندما أعلن يسوع “إن كان أحد يمشي في الليل يعثر لأن النور ليس فيه” (11 : 9 – 10) وهذه الإشارة إلي النور الغير موجود فيه يوضح أننا انتقلنا من النور المادي إلي الحقيقة الروحية ويعلق “موريس” بالقول “إن يسوع أخبر مستمعيه أن الذين يرفضونه ولا يتخذونه مخلصاً لحياتهم هم في خطر عظيم. وبالاختصار نقول أن الفكر الرئيسي في القول “أنا هو نور العالم” أن يسوع هو النور الوحيد الذي يجب أن نرحب به ونؤمن به أيضاً وإلا سوف نهلك.
“أنا هو الباب”
جاء هذا القول وسط معركة كلامية حدثت بين الفريسيين. ونري يسوع في الفصل التاسع وهو يشفي إنساناً أعمي الذي دافع عن يسوع وآمن به (9 : 34 – 38). بعد هذه المعجزة والمعاملة السيئة التي لقيها الرجل الأعمي من الفريسيين قارن يسوع نفسه بالقادة الدينيين في ذلك الوقت ووصفهم بأنهم “سراق ولصوص” هذا التناقض بين المسيح وبين القادة الدينيين أخذ صورة التشبيهات الصارخة في (10 : 1) “حظيرة الخراف” (عدد 2) “الراعي” (عدد 3) “البواب” ” الباب” وبالرغم من حيوية ووضوح هذه التشبيهات لم يفهم الفريسيون قصد يسوع منها (عدد 6). ولكي يوضح يسوع رسالته شرح لهم المعاني المقصودة. فمثلاً وهو يقول “أنا هو الباب” (الذي تدخل منه الخراف إلي الحظيرة) (عدد 7) وقبل ذلك تحدث عن نفسه “كالراعي” (عدد 2) ووضحه بصورة أفضل (عدد 10).
ماذا كان يقصد يسوع بقوله “أنا هو الباب ؟” ولكي نجيب علي هذا السؤال من الأفضل أن نتذكر أن حظيرة الخراف عادة بها باب واحد والرعاة في الشرق الأدني غالباً ما يناموا عند هذا الباب ويقومون بنفس وظيفة هذا الباب وطبق المسيح هذا التشبيه علي الراعي. ولهذا فلكي نجيب علي سؤالنا نري المسيح يقول أنه هو نفسه وليس أحد آخر الذي من خلاله يمكن للخراف أن تدخل وتخرج وتجد مرعي (9 : 9 – 10) وكما يستنتج “موريس” قائلاً “قال يسوع أنا هو الباب” وليس “باب” أي أنه هو وحده الطريق للحياه. وهذا تأكيد آخر لما يقوله يسوع “السارق يأتي ليسرق ويذبح ويهلك وأما أنا فقد أتيت لتكون لكم حياة وليكون لكم أفضل. وهنا يصر يسوع علي أنه توجد طريق واحدة فقط للتمتع بالحياة الأبدية ومصدر واحد فقط لمعرفة الله ونبع واحد للغذاء الروحي وأساس واحد للأمن الروحي وهو يسوع فقط”. ثم قال يسوع “إن دخل بي أحد يخلص ويدخل ويخرج ويجد مرعي” (عدد 9) وبالرغم من أنه لم يوضح ماذا يقصد بكلمة “يخلص” فيمكن أن تعني “الحصول علي الحياة الأبدية” لأننا نجد تفسيرين “للخلاص” والحصول علي “الحياة الأبدية” مرتبطتين في (يوحنا 3 ك 16 – 17) ولهذا يجب علينا أن نفهم الربط بين الإثنين.
وفي الختام كما يقول “موريس” ومرة أخري نحن نواجه فكرة الخلاص الشامل بمعني أنه يمكن أن يدخل من الباب فقط. وإذا كان هناك باب واحد لكل الجنس البشري لذلك فمرة أخري نتذكر شيئاً مهماً للغاية عن يسوع مثل كل أقواله الأخري “أنا هو” فإن قوله “أنا هو الباب” يقودنا للتفكير في ألوهيته.
“أنا هو الراعي الصالح”
في (يوحنا 10 : 1) يتحدث يسوع عن الراعي ويضيف صفة “الصالح”. ومرة أخري يقارن يسوع نفسه بالقادة الدينيين الذين يقول عنهم “أنهم رعاية غير صالحين أو الراعي الأجير” (10 : 12 – 13) وهنا يشير إلي الفريسيين الذين لا يهتمون بالخراف. وهي إشارة واضحة لمعاملتهم السيئة للرجل الأعمي الذي شفاه المسيح.
عندما استخدم يسوع كلمة “الراعي الصالح” كان يتحدث عن طبيعته الصالحة واستقامته الأخلاقية وجماله. وعند استخدامه كلمة “الراعي” كان يتحدث عن مكانته. فهو راعي الخراف الذي يحمي ويقود ويرشد ويطعم خرافه. وكان يسوع يشير أيضاً إلي إرساليته. وفي ثلاثة مناسبات تحدث يسوع عن أنه “يضع نفسه” من أجل الخراف (10 : 15 – 17 – 18). فالراعي الذي يحمي خرافه يحميهم حتي الموت. ويكشف الراعي الآن علي أنه الذبيحة “حمل الله” (يوحنا 1 : 29، 35) الذي يضع حياته طوعاً من أجل الخراف. “إن موت المسيح لم يكن حادثاً تراجيدياً ولكنه معين من قبل السماء في حين أن الخلاص يناله من يثق فيه”. فهو ليس فقط من أجل “خراف بيت إسرائيل الضالة” يضع نفسه ولكن من أجل خراف حظيرة أخري (10 : 16) الأمم. “لكي تكون رعية واحدة وراع واحد” (10 : 16). كيف يمكن أن موت شخص واحد يفتدي كثيرين ما لم يقوم بهذا العمل شخصية سماوية. ولهذا نقول أن أقوال “أنا هو” تعلن ألوهية يسوع المسيح.
“أنا هو القيامة والحياة”
قال يسوع هذا لمرثا الذي توفي أخوها لعازر منذ بضعة أيام وعندما قال لها يسوع إن لعازر سوف يقوم اعتقدت أنه يتحدث عن يوم القيامة (11 : 23 – 24) وعند هذه النقطة يعلن هذا القول المدوي “أنا هو القيامة والحياة. من يؤمن بي وإن مات فسيحيا” (11 : 25 – 26) وبهذا القول يعلن يسوع أنه ليس فقط يمكنه أن يقيم من الأموات ويمنح الحياة بل أنه هو نفسه القيامة والحياة. كما قال يوحنا (1 : 4) “فيه كانت الحياة” ويقول “موريس” أنه هو القيامة تعني أن الموت (الذي يبدو لنا أنه نهاية كل شئ) لم يعد عقبة، وأنه هو الحياة تعني أن صفة الحياة التي يعطيها لنا هنا والآن لن تتوقف (10 : 15). وقول يسوع هذا يسانده إقامة لعازر من الموت (يوحنا 10 : 44).
وفي التعليق علي ما سجله يوحنا عن حادثة إقامة لعازر يقول “موريس” : “إنه يكتب عن شخص عظيم وغير عادي وله قوة تغلب الموت. إنه يثبت للجنس البشري أننا كلنا في النهاية سنواجه الموت ولا نستطيع أن نفعل شيئاً حياله. قد يمكننا أن نؤجل الموت لفترة ولكن عندما يحدث لا نستطيع إيقافه. ولكن يوحنا يكتب عن الرب الذي يمكنه أن يهزم الموت. أن القول “أنا هو القيامة والحياة” لا يستطيع أن يتفوه به شخص عادي ولكن يستطيع ذلك شخص سماوي فقط.
“أنا هو الطريق والحق والحياة”
في مساء ليلة الصلب بدأ يسوع يودع التلاميذ فأقام العشاء الأخير وأعلن عن رحيله (يوحنا 13 : 33 – 36، 14 : 2 – 3). وعند إعلانه عن رحيله قال “وتعلمون حيث أنا أذهب وتعلمون الطريق” (14 : 4) فقال له توما “ياسيد لسنا نعلم أين تذهب فكيف نقدر أن نعرف الطريق ؟” أراد توما أن يوضح الموقف لأنه لم يتمكن من فهم ما قاله المسيح. وقد أعطي هذا المسيح فرصة لكي يوضح لهم ما قاله ولذلك قال “أنا هو الطريق والحق والحياة” “لا أحد يأتي إلي الآب إلا بي” (14 : 6) وبالرغم من غموض هذه الأقوال إلا أنها تشتمل علي ثلاثة أمور هامة عن المسيح : هو الطريق – هو الحق – هو الحياة.
يقول أولاً “أنا هو الطريق” ومرة أخري نري نوعاً من التخصيص فالأمر مقصور عليه هو فقط ولا يمكننا أن نغفل ذلك. ولأن يسوع يشير إلي ذهابه إلي بيت الآب (عدد 2) “وليس أحد يأتي إلي الآب إلا بي” (عدد 6) يمكننا أن نري هنا أنه لا يتحدث عن طريق أخلاقي ولكن عن طريق الخلاص الذي يقود إلي الآب. فهو يقول بكل ثقة أنه ليس واحد من الطرق الكثيرة التي تقود إلي الله ولكنه “الطريق الوحيد”. وهذا القول القوي والواضح يضرب في الصميم ما يؤمن به مجمعنا من تعدد طرق الوصول إلي الله. وهو بذلك يحطم بكل قوة أفكار الإنسان الغير حقيقية للإقتراب إلي الله ويؤكد انفراده بهذا الطريق. إن موته النيابي مرتبط ارتباطاً وثيقاً بكونه هو الطريق. فبهذا الموت تصالح البشر الخطاه مع الله.
ثانياً : “أنا هو الحق”. وهذا يوضح صدقه الكامل والاعتماد الكلي عليه. فكل ما قاله وكل ما فعله نؤمن به ونثق فيه لا لأنه يقول الحق بل لأنه “هو الحق” فهو كلمة الله المتجسد (1 : 1، 14). وقال “كارسون” “إن يسوع هو الحق لأنه بجسد رؤية الله ذاته” (1 : 18) وهو وحده الذي قال وفعل كل ما أعطاه الآب. “والكلمة صار جسداً وحل بيننا ورأينا مجده مجداً …” (يوحنا 1 : 14).
“أنا هو الحياة” ويعلق “موريس” بالقول : “إن هذه الكلمات تذكرنا بما قاله المسيح “أنا هو القيامة والحياة” ونلاحظ هنا أن يسوع مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالحياه. إن له حياة من نوع خاص ووجوده الذاتي هو من وجود الله (5 : 16). إنه هو الحياه بل ومصدر الحياه للأخرين. (3 : 16). إن يسوع هو الطريق الوحيد إلي الله وقد قال كل الحق الذي لم يقله أي شخص آخر.
“أنا الكرمة الحقيقية”
أثناء وجوده في العلية أعلن يسوع للتلاميذ مرتين أنه “الكرمة”. في المرة الأولي يربط نفسه بالآب ويقول “أنا الكرمة الحقيقية وأبي الكرام” (15 : 1) وفي المرة الثانية يربط نفسه بالمؤمنين ويقول “أنا الكرمة وأنتم الأغصان” ثم يواصل حديثه عن السكني المتبادلة بين المخلص والمخلصين. (15 : 5).
وضح الكثير من المعلقين الصلة بين قول يسوع أنه الكرمة وبين استخدام الكرمة في العهد القديم. يقول اللاهوتي “بروس ميلن” “إن صورة الكرم تخدم رسالة المسيح بطريقتين هامتين. أولاً هي الرمز الأسمي لإسرائيل. كرمة ذهبية ضخمة تنتشر وتغطي رواق الهيكل كما أن العملة التي صكت أثناء الثورة ضد الرومان (67 – 70 ق. م) تحمل رمز الكرمة. وبالعهد القديم تلميحات وثيقة الصلة بالكرمة. وأقوي نص في العهد القديم يقول المسيح أنا الكرمة هو (مزمور 80 : 8) حيث يقول عن إسرائيل “كرمة من مصر نقلت” “لتكن يدك علي رجل يمينك الذي اخترته بنفسك” (عدد 17).
ولكن الكرمة احترقت بالنار “هي محروقة بنار مقطوعة” (مزمور 80 : 16). وفشلت إسرائيل في القيام بالدور الذي أسنده إليها الله في أن تكون “فقد جعلتك نوراً للأمم لتكون خلاص إلي أقصي الأرض” (أشعياء 49 : 6) ولكن إسرائيل انجذبت إلي آلهة الأمم الأخري التي حولها بدلاً من جعلهم رسالتها. وابتعادهم هذه القرون الطويلة عن مقاصد الله وصل إلي قمته برفضهم المسيا وملكوت الله. (19 : 15). ولكن مقاصد الله التي رفضتها إسرائيل لم تنته أو تضيع. لقد حملها من جديد من وقف وسط إسرائيل وبين التلاميذ. وبمقارنته بالكرمة التي حطمت نفسها بعصيانها أصبح يسوع الكرمة الحقيقية. إنه ابن الطاعة الذي بتضحيته وذبيحته تحققت المقاصد القديمة التي رفضتها إسرائيل. “وتباركت فيه جميع قبائل الأرض” (تكوين 12 : 2).
إن صورة الكرمة تشير أيضاً إلي الرسالة. فالكرمة نبات له منفعة كبيرة وله ثمار وفيرة. ويقول “و. تمبل” تعيش الكرمة لكي تعطي عصارة حياتها. زهرتها صغيرة ولكن ثمارها وافرة. وعندما تنضج الثمار ينزع العنب وتقلم الكرمة وقد أكد يسوع علي هذا العمل (يوحنا 15 : 2، 4، 5، 8، 16) ولهذا يجب أن نتنبه لهذا النص الذي يركز علي العلاقة الداخلية مع الله. والقصد من ذلك هو تجديد رسالة إسرائيل في المسيح المسيا ومجتمع التلاميذ. في حين لم تغيب تماماً بعض العناصر الموضوعية (إشارة المسيح إلي المحبة والطاعة لوصاياه (يوحنا 15 : 10، 12، 17) ويظل التركيز علي إرساليته. فبعد موت المسيح وقيامته سوف يترك هذا العالم. وأرسل تلاميذه للعالم لكي يحملوا إرساليته أثناء غيابه. وهذا هو المعني الرئيسي المتضمن في قول المسيح “أنا الكرمة وأنتم الأغصان”.
وإن كنت ألتقي مع تفسير “ميلن” عن أن يسوع هو الذي حقق أهداف رسالة الله وهو الكرمة الحقيقية وكل ذلك من خلال حياته وموته وقيامته. ولكني لا أتفق تماماً مع تفسيره عن “أنا الكرمة وأنتم الأغصان”. كما أنني أوافق علي ما قاله “إن القول الذي تلي ذلك يؤكد الصلة القوية بالمسيح” الذي يثبت في وأنا فيه يأتي بثمر كثير. لأنكم بدوني لا تقدروا أن تفعلوا شيئاً” (15 : 5) ويواصل “ميلن” كلامه “إنه من الخطأ أن نفترض أننا بطاقتنا الجسدية نستطيع أن نفعل أي شئ يسر الله. لأننا في ذلك نحتاج القوة التي هو وحده يستطيع أن يمنحنا إياها. إن شرط الثمر في الخدمة المسيحية هو الصلة القوية بالمسيح. وكلمة “ثمار” في العهد الجديد تعني صفات الشخصية المسيحية (متي 3 : 8، 7 : 20، رومية 6 : 22، غلاطية 5 : 22).
وعندما نؤمن أن “للرب الخلاص” (يونان 2 : 9) وأن المسيح تعين من قبل الله ليكون نوراً للأمم وخلاصناً إلي أقصي الأرض (أشعياء 49 : 6) وأن تغيير المؤمن يمكن فقط بعمل الروح القدس الساكن فينا (رومية 8 : 9) والعلاقة القوية به (يوحنا 15 : 5). إن هذا القول “أنا هو الكرمة الحقيقية” يوضح ألوهية المسيح.
هل تبحث عن  فِسْفَة

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي