14- الدينونة الأخيرة
1
– الانتقال إلى الأبدية
حينما
يصل الصبر الإلهي إلى نهايته، يأتي يسوع المسيح من السماء لكي ينقذ خاصته، ويؤسس
ملكوته، ويدين أعداءه.
في
فصل سابق ذكرت النصوص الكتابية باختطاف الكنيسة وإقامة الملك المجيد، الذي سيقيمه
المسيح خلال ألف سنة على الأرض.
ولكن
مهما كان الملك الألفي مجيداً، فهو ليس أبدياً. وحين يثأر الله من أعدائه ويظهر ما
كانت جودته ستفعله هنا، فكل ما هو أرضي، وكل ما هو مؤقت سيتوارى.
ومن
جهة أخرى، يجب أن يقرر مصير الأشرار بصورة نهائية، فإن المؤمنين وحدهم سيكون لهم
نصيب في القيامة الأولى، وتبعاً لذلك سيملكون مع المسيح ألف سنة (رؤيا 20: 4) وفي
نهاية الألف سنة يقرر مصير الاشرار خلال الدينونة الأخيرة.
2
– الدينونة الأخيرة
الدينونة
الأخيرة هي تأدية الحساب الكبير الواجب أن يؤديه أشرار كل العصور. وبعد هذه
الدينونة يمضي المخلَّصون إلى السعادة الأبدية في السماء، ويمضي الأشرار إلى
العذاب الأبدي في جهنم.
3
– من هو الديان في ذلك اليوم؟
هذا
السؤال الخطير يجيب عليه يوحنا الرائي الملهم، إذ يقول: «ثُمَّ رَأَيْتُ عَرْشاً
عَظِيماً أَبْيَضَ، وَالجَالِسَ عَلَيْهِ الذِي مِنْ وَجْهِهِ هَرَبَتِ الأَرْضُ
وَالسَّمَاءُ» (رؤيا 20: 11) هذا الشخص العظيم هو بلا شك يسوع المسيح، الذي إليه
أعطي كل سلطان وكل دينونة في السماء وعلى الأرض (الإنجيل بحسب يوحنا 5: 22-27).
وأخيراً
يجيء اليوم الذي فيه يدين الله سرائر الناس بيسوع المسيح (رومية 2: 16) لأنه أقام
يوماً هو فيه مزمع أن يدين المسكونة بالعدل برجل قد عينه مقدماً للجميع إيماناً،
إذ أقامه من الأموات (أعمال 17: 31). وقد أشار الرسول بولس إلى هذه الحقيقة لما
قال: أنا أناشدك إذاً أمام اللّه والرب يسوع العتيد أن يدين الأحياء والأموات عند
ظهوره وملكوته (تيموثاوس الثانية 4: 1) إقرأ أيضاً أعمال 10: 42).
4
– تدمير الأرض والسماء
الأرض
والسماء تهربان من وجه الجالس على العرش ولا يوجد لهما موضع (رؤيا 20: 11)..
«ثُمَّ رَأَيْتُ سَمَاءً جَدِيدَةً وَأَرْضاً جَدِيدَةً، لأَنَّ السَّمَاءَ
الأُولَى وَالأَرْضَ الأُولَى مَضَتَا، وَالبَحْرُ لا يُوجَدُ فِي مَا بَعْدُ»
(رؤيا 21: 1).
لقد
رأت الأرض كثيراً من الخطايا، وشربت كثيراً من الدم، لذلك يجب أن تمضي. كذلك
السماء التي تدنست بعصيان الملائكة الذين سقطوا، يجب أن تتجدد.
ويصف
لنا الرسول بطرس هذا الخراب بقوله: «وَأَمَّا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ
الكَائِنَةُ الآنَ فَهِيَ مَخْزُونَةٌ بِتِلْكَ الكَلِمَةِ عَيْنِهَا، مَحْفُوظَةً
لِلنَّارِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ وَهَلاكِ النَّاسِ الفُجَّارِ… وَلكِنْ
سَيَأْتِي كَلِصٍّ فِي اللَّيْلِ، يَوْمُ الرَّبِّ، الذِي فِيهِ تَزُولُ
السَّمَاوَاتُ بِضَجِيجٍ، وَتَنْحَلُّ العَنَاصِرُ مُحْتَرِقَةً، وَتَحْتَرِقُ
الأَرْضُ وَالمَصْنُوعَاتُ التِي فِيهَا» (بطرس الثانية 3: 7-10) وهذا الوصف يتفق
مع قول داود بروح النبوة: «مِنْ قِدَمٍ أَسَّسْتَ الأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتُ هِيَ
عَمَلُ يَدَيْكَ. هِيَ تَبِيدُ وَأَنْتَ تَبْقَى، وَكُلُّهَا كَثَوْبٍ تَبْلَى،
كَرِدَاءٍ تُغَيِّرُهُنَّ فَتَتَغَيَّرُ. وَأَنْتَ هُوَ وَسِنُوكَ لَنْ
تَنْتَهِيَ» (مزمور 102: 25-27).
5
– القيامة الثانية
في
القيامة الأولى صار نصيب لجميع الذين أقامهم الرب من قبورهم، وجميع الذين تغيروا
عند الاختطاف، لكي يملك جميعهم ألف سنة. والآن جاء دور القيامة الثانية، التي هي
قيامة الأشرار من كل جيل وعصر. هكذا نقرأ في شهادة يوحنا المعمدان الرائي:
«وَأَمَّا بَقِيَّةُ الأَمْوَاتِ فَلَمْ تَعِشْ حَتَّى تَتِمَّ الأَلْفُ
السَّنَةِ…وَرَأَيْتُ الأَمْوَاتَ صِغَاراً وَكِبَاراً وَاقِفِينَ أَمَامَ
اللّهِ، وَانْفَتَحَتْ
أَسْفَارٌ. وَانْفَتَحَ
سِفْرٌ آخَرُ هُوَ سِفْرُ الحَيَاةِ، وَدِينَ الأَمْوَاتُ مِمَّا هُوَ مَكْتُوبٌ
فِي الأَسْفَارِ بِحَسَبِ أَعْمَالِهِمْ. وَسَلَّمَ البَحْرُ الأَمْوَاتَ الذِينَ
فِيهِ، وَسَلَّمَ المَوْتُ وَالهَاوِيَةُ الأَمْوَاتَ الذِينَ فِيهِمَا» (رؤيا 20:
5 و12-13).
قال
يسوع له المجد: «لا تَتَعَجَّبُوا مِنْ هذَا، فَإِنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ فِيهَا
يَسْمَعُ جَمِيعُ الذِينَ فِي القُبُورِ صَوْتَهُ، فَيَخْرُجُ الذِينَ فَعَلُوا
الصَّالِحَاتِ إِلَى قِيَامَةِ الحَيَاةِ وَالذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَى
قِيَامَةِ الدَّيْنُونَةِ» (الإنجيل بحسب يوحنا 5: 28-29).
فهكذا
كل الذين أنكروا الله هنا على الأرض، سيحضرون أمام ديّانهم. وإنها لمقابلة خطيرة
لا يستطيع أحد التهرب منها. وقد قال الكتاب: «مُخِيفٌ هُوَ الوُقُوعُ فِي يَدَيِ
اللّهِ» (عبرانيين 10: 31).
فالناس
يغشى عليهم من خوف وانتظار ما يأتي على المسكونة، لأن قوات السموات تتزعزع. وحينئذ
يبصرون ابن الإنسان، آتياً في سحابة بقوة ومجد كثير (الإنجيل بحسب لوقا 21: 26)
هذه العبارات تساعدنا على فهم نداء رجل الله عاموس، حين قال: «اسْتَعِدَّ
لِلِقَاءِ إِلَهِكَ» (عاموس 4: 12).
في
ذلك اليوم، سيُدان كل واحد بحسب أعماله كما هو مكتوب: «وَانْفَتَحَتْ
أَسْفَارٌ. وَانْفَتَحَ
سِفْرٌ آخَرُ هُوَ سِفْرُ الحَيَاةِ، وَدِينَ الأَمْوَاتُ مِمَّا هُوَ مَكْتُوبٌ
فِي الأَسْفَارِ بِحَسَبِ أَعْمَالِهِمْ» (رؤيا 2: 12). وبعبارة أخرى أن الله
سيجري حساباً دقيقاً وسيدين:
سرائر
الناس (رومية 2: 16).
الكلام
الرديء، وفقاً لقول المسيح: «وَلكِنْ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ كَلِمَةٍ
بَطَّالَةٍ يَتَكَلَّمُ بِهَا النَّاسُ سَوْفَ يُعْطُونَ عَنْهَا حِسَاباً يَوْمَ
الدِّينِ. لأَنَّكَ بِكَلامِكَ تَتَبَرَّرُ وَبِكَلامِكَ تُدَانُ» (الإنجيل بحسب
متى 12: 36 و37).
كل
الأعمال الفاجرة. هكذا نقرأ في الكلمة الرسولية: «هُوَذَا قَدْ جَاءَ الرَّبُّ فِي
رَبَوَاتِ قِدِّيسِيهِ لِيَصْنَعَ دَيْنُونَةً عَلَى الجَمِيعِ، وَيُعَاقِبَ
جَمِيعَ فُجَّارِهِمْ عَلَى جَمِيعِ أَعْمَالِ فُجُورِهِمُ التِي فَجَرُوا بِهَا،
وَعَلَى جَمِيعِ الكَلِمَاتِ الصَّعْبَةِ التِي تَكَلَّمَ بِهَا عَلَيْهِ خُطَاةٌ
فُجَّارٌ» (رسالة يهوذا 14-15).
6
– كيف سيُدان الذين لم يسمعوا الإنجيل؟
كثيراً
ما يطرح الناس هذا السؤال: ما هو مصير ومسؤولية الذين عاشوا قبل المسيح، أو الذين
لم يسمعوا الإنجيل؟ ولكن الكتابات المقدسة لم تترك هذا السؤال بدون جواب، إذ تقول:
أولاً:
إن كل واحد سيدان بموجب النور الذي تلقاه. هكذا تقول الكلمة الرسولية: «لأَنَّ
كُلَّ مَنْ أَخْطَأَ بِدُونِ النَّامُوسِ فَبِدُونِ النَّامُوسِ يَهْلِكُ» (رومية
2: 12) إن ما يقوله الرسول هنا عن الناموس ينطبق بالأكثر على الإنجيل. فالذين
سمعوه، حسبوا في نظر الله أنهم أكثر مسؤولية. فإنجيل المسيح سيحكم في يوم الدين
على الذين رفضوا رسالة يسوع المؤيدة بالعجائب.
وقد
قال المسيح له المجد: «مَلِكَةُ التَّيْمَنِ سَتَقُومُ فِي الدِّينِ مَعَ رِجَالِ
هذَا الجِيلِ وَتَدِينُهُمْ، لأَنَّهَا أَتَتْ مِنْ أَقَاصِي الأَرْضِ لِتَسْمَعَ
حِكْمَةَ سُلَيْمَانَ، وَهُوَذَا أَعْظَمُ مِنْ سُلَيْمَانَ ههُنَا. رِجَالُ
نِينَوَى سَيَقُومُونَ فِي الدِّينِ مَعَ هذَا الجِيلِ وَيَدِينُونَهُ، لأَنَّهُمْ
تَابُوا بِمُنَادَاةِ يُونَانَ، وَهُوَذَا أَعْظَمُ مِنْ يُونَانَ ههُنَا»
(المسيح) (الإنجيل بحسب لوقا 11: 31-32). «وَيْلٌ لَكِ يَا كُورَزِينُ! وَيْلٌ
لَكِ يَا بَيْتَ صَيْدَا! لأَنَّهُ لَوْ صُنِعَتْ فِي صُورَ وَصَيْدَاءَ
القُّوَاتُ المَصْنُوعَةُ فِيكُمَا، لَتَابَتَا قَدِيماً فِي المُسُوحِ
وَالرَّمَادِ» (الإنجيل بحسب متى 11: 21-22).
وصرّح
يسوع أيضاً لتلاميذه: «وَمَنْ لا يَقْبَلُكُمْ وَلا يَسْمَعُ كَلامَكُمْ فَاخْرُجُوا
خَارِجاً مِنْ ذالكَ البَيْتِ أَوْ مِنْ تِلْكَ المَدِينَةِ، وَانْفُضُوا
غُبَارَ أَرْجُلِكُمْ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: سَتَكُونُ لأَرْضِ سَدُومَ
وَعَمُورَةَ يَوْمَ الدِّينِ حَالَةٌ أَكْثَرُ احْتِمَالاً
مِمَّا لِتِلْكَ المَدِينَةِ» (الإنجيل بحسب متى 10: 14-15).
وقال
أيضاً: «وَأَمَّا ذالكَ العَبْدُ الذِي يَعْلَمُ إِرَادَةَ سَيِّدِهِ وَلا
يَسْتَعِدُّ وَلا يَفْعَلُ بِحَسَبِ إِرَادَتِهِ، فَيُضْرَبُ كَثِيراً. وَلكِنَّ
الذِي لا يَعْلَمُ، وَيَفْعَلُ مَا يَسْتَحِقُّ ضَرَبَاتٍ، يُضْرَبُ قَلِيلاً.
فَكُلُّ مَنْ أُعْطِيَ كَثِيراً يُطْلَبُ مِنْهُ كَثِيرٌ، وَمَنْ يُودِعُونَهُ
كَثِيراً يُطَالِبُونَهُ بِأَكْثَرَ» (الإنجيل بحسب لوقا 12: 47-48).
ثانياً:
إن الوثنيين بدون الإنجيل مسؤولون أمام الله. وبحسب تعليم الرسول بولس، تلقى البشر
ثلاثة إعلانات إذ يقول:
أ
«إِذْ مَعْرِفَةُ اللّهِ ظَاهِرَةٌ فِيهِمْ، لأَنَّ اللّهَ أَظْهَرَهَا لَهُمْ،
لأَنَّ مُنْذُ خَلْقِ العَالَمِ تُرَى أُمُورُهُ غَيْرُ المَنْظُورَةِ
وَقُدْرَتُهُ السَّرْمَدِيَّةُ وَلاهُوتُهُ مُدْرَكَةً بِالمَصْنُوعَاتِ، حَتَّى
إِنَّهُمْ بِلا عُذْرٍ» (رومية 1: 19-20).
إن
الله طبع في ضمائرهم مبادئ الناموس العظيمة، إذ يقول: «لأَنَّهُ الأُمَمُ الذِينَ
لَيْسَ عِنْدَهُمُ النَّامُوسُ، مَتَى فَعَلُوا بِالطَّبِيعَةِ مَا هُوَ فِي
النَّامُوسِ، فَهؤُلاءِ إِذْ لَيْسَ لَهُمُ النَّامُوسُ هُمْ نَامُوسٌ
لأَنْفُسِهِمِ، الذِينَ يُظْهِرُونَ عَمَلَ النَّامُوسِ مَكْتُوباً فِي
قُلُوبِهِمْ، شَاهِداً أَيْضاً ضَمِيرُهُمْ وَأَفْكَارُهُمْ فِيمَا بَيْنَهَا
مُشْتَكِيَةً أَوْ مُحْتَجَّةً، فِي اليَوْمِ الذِي فِيهِ يَدِينُ اللّهُ
سَرَائِرَ النَّاسِ» (رومية 2: 14-16).
إن
الكتابة المقدسة هي الإعلان النهائي، حيث محبة وحق الله وخلاصه وقضاؤه معلنة
للخطاة جميعاً. غير أن جميع الوثنيين، بدون تفاوت يواجهون إعلانين: أن الجميع عصوا
النور الذي تلقوه، وهم غير معذورين لدى الله. ولا شك أن اليهود والمدعوين مسيحيين،
الذين لديهم كلمة الله، هم أكثر بعداً من أن يعذروا، إن لم يطيعوا هذه الكلمة
(رومية 2: 1).
ثالثاً:
إن مشيئة الله أن لا يهلك أحد من مخلوقاته بل أن يقبل الجميع إلى التوبة ويحيوا.
وبالفعل يسوع يعلمنا أن الأقانيم الثلاثة يشتركون في العمل لإقتياد الناس إلى
الخلاص:
الآب
– «وَيَكُونُ الجَمِيعُ مُتَعَلِّمِينَ مِنَ اللّهِ» (الإنجيل بحسب يوحنا 6: 45).
الإبن
– «وَأَنَا إِنِ ارْتَفَعْتُ عَنِ الأَرْضِ أَجْذِبُ إِلَيَّ
الجَمِيعَ» (الإنجيل بحسب يوحنا 12: 32). «هَئَنَذَا وَاقِفٌ عَلَى البَابِ
وَأَقْرَعُ. إِنْ سَمِعَ أَحَدٌ صَوْتِي وَفَتَحَ البَابَ، أَدْخُلُ إِلَيْهِ
وَأَتَعَشَّى مَعَهُ وَهُوَ مَعِي» (رؤيا 3: 20)
الروح
القدس – «يُبَكِّتُ العَالَمَ عَلَى خَطِيَّةٍ وَعَلَى بِرٍّ وَعَلَى دَيْنُونَةٍ»
(الإنجيل بحسب يوحنا 16: 8).
تم نسخ الرابط